والتر كالين وتطلعاته حول النازحين

قضى والتر كالين ست سنوات ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان للنازحين . وبمناسبة تقاعده من وظيفته، قمنا بنشر تأملاته حول تلك السنوات الست ومستقبل النازحين .

هناك أمثلة جديدة للنزوح، بشكل مستمر، وتدل هذه الملاحظة على عجز الحكومات والمجتمع الدولي عن منع النزوح.

عندما عينني الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، كممثله المعنيّ بحقوق الإنسان للنازحين  عام 2004، قٌدّر عدد الأشخاص النازحين داخل دولهم بـ 25 مليوناً[1]. وفي أواخر عام 2010، عندما سلّمت تفويضي إلى تشالوكا بياني، المقرر الخاص الجديد المعني بحقوق الإنسان للمشردين ، تخطى العدد 27 مليون شخص. وخلال هذه السنوات الست، صار من الواضح أنَّ عدد النازحين خلال الكوارث الطبيعية قد فاق ذلك، إذ بلغ 36 مليوناً عام 2008 وحده[2].

ويبقى العديد من النازحين  الذين قابلتهم أثناء قيامي بمهام عملي تحت وطأة النزوح ، في حين استطاع آخرون العودة، مع أنَّهم ما زالوا في كفاحهم لإعادة بناء حياتهم من جديد. كما وقع غيرهم ضحايا للنزوح التعسفي منذ أن توليت منصبي. ولا أعرف أي حالة للنزوح التعسفي التي تم ملاحقة ومعاقبة المسؤولين عنها. ويبقى الكثيرون من النساء والفتيات عرضة للعنف الجنسي وللعنف القائم على النوع الاجتماعي أو غير ذلك من صور الاستغلال المحض، ولم يحصل عدد كبير من الأطفال النازحين على فرص الحصول على التعليم الأساسي، بل قد يتم تجنيدهم في القوات والجماعات المسلحة. وقد فقد العديد من الرجال أي أمل في استعادة قدرتهم على رعاية من يحبونهم.

وللوهلة الأولى، يبدو ذلك الوضع كما لو لم يكن هناك أي تقدّم خلال هذه السنوات، بالإضافة إلى إخفاق المجتمع الدولي، على الرغم من كل جهوده المبذولة. إلا أنَّه يتبين لنا إن نظرنا للأمر من كثب أنه لم يتم فقط إنقاذ عدد كبير من الأرواح بفضل أنشطة المساعدات والحماية الإنسانية، لكن تمكن أيضاً حوالي 24.4 مليون نازح  ما بين 2004 و2009 من العودة إلى مناطقهم الأصلية. ومن بين الدول التي زرتها، ساعدت التحسينات في الوضع الأمني أو اتفاقيات السلام عدداً كبيراً من الأشخاص على العودة إلى منازلهم في جنوب السودان ونيبال وتيمور الشرقية وأوغندا وسريلانكا، وإلى درجة أقل في ساحل العاج وجمهورية أفريقيا الوسطى وكينيا. ورغم أنَّ العودة لا تعني بالضرورة أن يجد الأفراد الحلول المستدامة، فإن هذا رقم مبهر.

وفي نفس الوقت، يبقى الكثيرون نازحين لعدة سنوات طِوال قد تمتد إلى عقود من الزمن، مما يشير إلى عدم القدرة أو الرغبة للتعامل مع الأسباب الخفية الكامنة وراء حالات النزوح  في أنحاء العالم. وإن ما نحتاجه في هذا الشأن هو المزيد من التزام المجتمع الدولي والرغبة السياسية من جانب الدول المتأثرة، وهذا هو الشيئ المفقود غالباً.

التقدم والإنجازات

يمكن رؤية التقدم الواضح فيما يتعلق بإطار العمل المعياري الضامن لحقوق النازحين . وعندما توليت منصبي، عارضَت مجموعة من الدول صلاحية المبادئ الإرشادية حول النزوح  والتي لم تناقشها وتتفاوض عليها الدول. وقد حدث التقدّم الحقيقي مع انعقاد القمة العالمية عام 2005 في نيويورك، عندما أجمع قادة الدول والحكومات على الاعتراف بالمبادئ الإرشادية كإطار عمل دولي مهم لحماية النازحين ، وتلك هي اللغة التي ترددت منذ ذلك الحين في العديد من الجمعيات العمومية للأمم المتحدة وقرارات مجلس حقوق الإنسان.

ويلزم بروتوكول البحيرات العظمى حول حماية ومساعدة النازحين ، الذي تُبُنِّي عام 2006، دوله الأعضاء وعددها عشرة بتضمين المبادئ الإرشادية في القوانين الوطنية لتلك الدول. وقد شهد عام 2009 تبني اتفاقية الاتحاد الأفريقي حول حماية ومساعدة النازحين  في أفريقيا، وهي أول صكّ من نوعه ملزماً قانونياً، وذلك على الصعيد الإقليمي[3]. والعديد من الدول إمّا تبنت أطر العمل التشريعية الوطنية والبرامج والسياسات أو بدأت عملية تطويرها بحيث تُدمج فيها المبادئ الإرشادية أو تشير إليها حيث إنَّ هذه المبادئ قد ازداد تفصيلها والعمل بها.

كذلك، كانت هناك تحسينات في المعايير والمفهومات فيما يتعلق بمناحي وأنواع النزوح ، منها على سبيل المثال، ما يتعلق بالنزوح نتيجة الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية وعملية تحقيق الحلول المستدامة وكيفية تضمين حقوق النازحين  في عمليات واتفاقيات السلام.

وتلك هي الإنجازات التي لا يمكن إغفالها، حيث أنها ساعدت في تحسين فهمنا للنزوح  وترسيخ السياسات والبرامج في مجموعة من المعايير الشائعة والقائمة على إطار عمل حقوق الإنسان. وإنني لأعلم الأمثلة المتعددة حيث تعني هذه التحسينات حياة أفضل للأفراد الواقعيين.

ومن أحد تأثيرات هذا التطوّر هو زيادة استعداد الدول لمناقشة أوضاع نزوحهم. ولا تزال هناك دول مثل ميانمار أو باكستان التي تنكر أن النازحين جراء العمليات العسكرية هم نازحون . لكنني، على العموم، شعرت بوجود رغبة متزايدة من جانب الحكومات ليس فقط لمناقشة قضايا النازحين  وإنما أيضاً لاتخاذ بعض الخطوات على الأقل لتحسين مساعدتهم وحمايتهم. وبعض الدول، خاصة جورجيا وأذربيجان والبوسنة، إلى حد ما، والصرب وكولومبيا قد بدأت بالتعامل مع مواقف النزوح المطوّل وفقاً للمعايير الخاصة لتحسين الأحوال المعيشية لنازحيهم. ومع انتظار العودة أو غير ذلك من الحلول المستدامة، تبقى المشكلات قائمةً، خاصة في منطقة موارد كسب الرزق والنازحين  من ذوي الاحتياجات الخاصة.

بالنسبة للمستقبل

على الرغم من التقدم المُحرز، ما زالت الضرورة قائمة لبذل مزيد من الجهود في ظل بيئة تزداد تعقيداً. وأرى أنه علينا مواجهة ثمانِ تحديات[4]:

  1. التحرّك ما وراء "المخيمات والنِّزاعات": النزوح  في كافة أشكاله: يُنظّر للنَّازح  على أنه شخص معدم يعيش في أحد المخيمات بعد فراره من العنف والنزاع المسلح. إلا أن الحقيقة أكثر تعقيداً من ذلك، فأغلب النازحين  يعيشون خارج المخيمات مع العائلات المضيفة أو ينتشرون في المناطق الحضرية. وإننا لنحتاج إلى بذل مزيد من الجهود وابتكار ما يلزم من أساليب لمساعدتهم وحمايتهم. وهذه الجهود يجب أن تصل إلى جميع المجتمعات المتأثرة بالنزوح، أي ليس فقط النازحون  لكن أيضاً المجتمعات المضيفة أو المجتمعات التي يتعين عليها إعادة دمج اللاجئين. وفيما يتعلق بالأسباب، فإن المزيد من الأفراد ينزحون كل عام جراء الكوارث الطبيعية أكثر من النزاعات، ناهيك عن دور التغيرات المناخية في هذه الظاهرة أيضاً. وعلاوة على ذلك، يتزايد النزوح الناتج عن الإخلاء القسري المرتبط بالمشروعات التنموية. ويتنامى لدي الشعور أن الاستجابات لصور النزوح هذه ما زالت غير كافية.
  2. التعامل مع الطبقات المختلفة للاستضعاف والتمييز: يعد كافة النازحين مستضعفون، في حين ليس الأشخاص غير النازحين كذلك. لكن، تستلزم بعض جماعات النازحين الاهتمام والرعاية الخاصة. وتتضمن تلك الجماعات النساء (خاصة النساء المعيلات) والأطفال وكبار السن والأشخاص من ذوي الإعاقة أو الأمراض المزمنة، وتنتمي تلك الفئات إلى الأقليات العرقية والدينية والسكان الأصليين. وفي حين أن ذلك مقبول من الناحية النظرية، فلا تزال الاهتمامات والاحتياجات الخاصة لتلك الجماعات مهملة من الناحية العملية.
  3. دعم الدول ذات الإمكانيات المحدودة: تستلزم السيادة المسؤولية، لذلك يكون التعامل مع النزوح  هو المسؤولية الأولى والأخيرة للحكومات. بيد أن جانباً كبيراً من النزوح  اليوم يحدث في الدول ذات الإمكانيات المحدودة لمنع النزوح أو الاستجابة له. ويبقى التحدي في دعم جهود هذه الدول لتبني وتنفيذ السياسات والقوانين الشاملة حول النزوح ، مع ضمان مساعدة المانحين والوكالات الإنسانية والتنمية من خلال رفدهم بالخبرات والموارد اللازمة.
  4. تعزيز الاستجابة الإنسانية: أدى إدخال نظام المجموعات العنقودية إلى إحراز التقدم في تنسيق العمل الإنساني. لكن لا يزال هناك الكثير أمام الوكالات الإنسانية للقيام به للاضطلاع بمسؤولياتها المشتركة فيما يخص حماية النازحين ، خاصة في منطقة النزوح الناجم عن الكوارث. كذلك، فإنه يمكن للوكالات الإنسانية أن تطوّر قدرتها على جعل مفهوم الحماية على قدر عملي أكبر.
  5. راب الصدع بين المساعدات الطارئة وإعادة الهيكلة والتنمية على المدى البعيد: من غير المقبول، بل من الشائن، أن يخضع النازحون  في الغالب للظروف الأسوأ على مدى السنوات الطوال بعد الأزمة أكثر من معاناتهم في مرحلة الطوارئ. وسيكون من الضروري ضمان وجود آليات أكثر مرونة للتمويل بالإضافة إلى استعداد الفاعلين الإنسانيين والإنمائيين للعمل معاً بصورة مبكرة أثناء الأزمات.
  6. الدفاع عن الفضاء الإنساني: سيبقى النازحون وغيرهم من السكان الآخرين المتأثرين بالأزمات تحت وطأة المعاناة من تبعات تدخل الجهات الإنسانية المحدود أو غير المُعتد به ما لم نطوّر مناهج جديدة ومبتكرة مثل المساعدة من خلال "التحكم عن بُعد" أو من خلال التدخلات التنموية في منتصف الأزمة التي تدعم مرونة المجتمعات المعرّضة لمخاطر النزوح أو الإمكانات الاستيعابية للمجتمعات المُضيفة.
  7. ضمان المسائلة عن النزوح التعسفي: يعد النزوح التعسفي انتهاكاً للمعايير الإرشادية وللقواعد الدولية الملزمة التي تعكسها تلك المبادئ. وفي أغلب صوره البشعة، قد يرقى النزوح التعسفي إلى الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب. وإذا كنا جادين حول منع النزوح التعسفي، فعلينا وضع حد للإفلات من العقاب السائد في عدد من حالات النزوح وتقديم مقترفي هذه الجرائم إلى يد العدالة وضمان حصول الضحايا على التعويضات المناسبة، بما فيها التعويضات المالية.
  8. إنهاء سياسات النزوح المطوّل: في العديد من الدول، يعاني الأفراد في مواقف النزوح  نتيجة غياب الرغبة السياسية لإيجاد الحلول المستدامة لهم. وتُعد الحلول المستدامة القائمة على القرارات الطوعية والمستنيرة للمعنيين هي أفضل الطرق لحماية حقوق النازحين  الإنسانية ولتقديم معيار التعويض لانتهاك هذه الحقوق.

عمل والتر كالين (walter.kaelin@oefre.unibe.ch) هو ممثل الأمين العام للأمم المتحدة المعنى بحقوق الإنسان للنازحين  ما بين عامي 2004 و2010. واستمر في تدريس القانون الدولي والدستوري في جامعة بيرن بسويسرا.

 



[1]  لمعرفة المزيد عن هذا الرقم وباقي الأرقام الأخرى، يُرجى مطالعة المنشور السنوي لمركز رصد النزوح

  “Internal Displacement, Global Overview of Trends and Developments” "النزوح ، النظرة العالمية العامة للتيارات والتنمية"  http://www.internal-displacement.org/global-overview.

[2]  مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ومركز رصد النزوح  والمجلس النرويجي للاجئين،

 Monitoring Disaster Displacement in the Context of Climate Change: Findings of a Study by the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs and the Internal Displacement Monitoring Centre

 رصد النزوح  في سياق التغييرات المناخية: نتائج دراسة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومركز رصد النزوح  (جنيف، سبتمبر 2009).

[3]  انظر أيضاً مقال كاتينكا ريدربوس

[4]  للمزيد من التفاصيل، يُرجى مطالعة تقريري لعام 2010 لمجلس حقوق الإنسان،

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.