عصابات المخدرات في المكسيك سببٌ في النزوح

شهدت المكسيك تصعيداً في  أعمال العنف المتصلة بالمخدرات لتصل  إلى مستويات كارثية تقود إلى تهجير المواطنين المكسيكيين من منازلهم ومدنهم بأعداد هائلة.

عندما أطلق الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون عملياته العسكرية ضد عصابات المخدرات عام 2006، بدأت العصابات ضرباتها رداً على العمليات بكل شراسة، فاغتالت السياسيين، والصحفيين، والمدنيين، ونفّذت الأعمال الإرهابية بحق المواطنين.  فخلال الأعوام الأربعة الماضية، قُتِل ما يزيد على 28,000 من المواطنين .  وفي حين أنَّ الوضع في المكسيك استحوذ على انتباه الولايات المتحدة ودول أخرى على أنّها قضية محصورة بضبط الحدود والهجرة، لم يعلّق سوى القليل على أزمة النزوح التي نتجت عن النِّزاع القائم في المنطقة الحدودية.

 

وازدادت أعداد المكسيكيين المتقدمين للحصول على حق اللجوء السياسي في الولايات المتحدة وكندا، أمّا طلبات الحصول على تأشيرات رجال الأعمال من مونتيري، التي تُعدّ القلب الصناعي في المكسيك والمدينة الأغنى في تلك البلاد فارتفعت معدلاتها بنسبة 63%  بين عامي 2006 و2010 مقارنة مع معدلات الأعوام الخمسة التي سبقتها.  كما ارتفع عدد النازحين ارتفاعاً كبيراً لا يمكن إحصاؤه.

 

يُشكِّل المهنيون من الطبقة الوسطى (كضباط الشرطة، وأصحاب الأعمال، والصحفيين وغيرهم) السّواد الأعظم من الفارّين من أتون العنف، وكلهم ينتمون إلى مدن كبيرة أو متوسطة الحجم، يدفعهم إلى الهروب من المدنية إمّا تعرّضهم لتهديدات العصابات أو لشعورهم بأنّ الأوضاع أصبحت غير مستقرة.  وقد شهدت مدينة تشيداد خواريز ذات مائتي الألف نسمة فرار ما يعادل 10% من سكانها نتيجة نشوب النزاع الدائر بين الشرطة المكسيكية والجيش من جهة وعصابات المخدّرات من جهة أخرى.  ومما يدعو للأسف أنّ الحكومة المكسيكية في حين تمنح حق اللجوء السياسي والإنساني لطالبيه من دول أمريكا اللاتينية وغيرها من الدول، فإنّها مع ذلك لم تُبدِ اهتماماً يُذكَر للأفراد النّازحين ضمن حدودها.  ومن أمثلة ذلك الفئات السكّانية الأصلية الذين طُرِدوا من بيوتهم على خلفية التمييز العنصري والعنف المستهدف لهم، فلم تلق تلك الفئات أدنى اهتمام من الحكومة المكسيكية التي لا تُقرّ بالحرب على المخدرات على أنَّها سببٌ من أسباب النّزوح.  ولا يقتصر التقليل من الاهتمام بالنزوح على الحكومة فحسب، بل حتى وسائل الإعلام لا تعيرها أدنى اهتمام.  ونتيجةً لذلك، لا تتوافر أيّ أرقام موثوق بها حول عدد النازحين في المكسيك ولا يوجد أي باعث أو حافز لتقييم حدّة المشكلة.

 

عصابات المخدرات بصفتها جماعات مسلَّحة من غير الدول

 

يرى عددٌ من الخبراء ضرورة تعريف التنظيمات الإجرامية كعصابات المخدرات في المكسيك على أنّها جماعات مُسلَّحة من غير الدٌّول على أساس أنّها تتحدى سلطة الحكومة المكسيكية، ولأنّها تسعى لتحقيق الأهداف ذاتها التي تسعى لها الجماعات التقليدية "السياسية" من غير الدٌّول وتتبع تكتيكاتها أيضاً.

 

وكما في حالة الجماعات الأخرى، كما الحال، على سبيل المثال، في منطقة البحيرات العظمى في أفريقيا ممن يقاتلون بهدف الاستحواذ على الماس والمعادن النفيسة، تسعى عصابات المخدرات في قتالها إلى السيطرة على مسالك تهريب المُخدِّرات.  ومع ذلك، هناك اختلاف لا بد من تمييزه بين تلك العصابات والجماعات المُسلَّحة ذات الأبعاد السياسية، فهي تسعى لتحقيق الرّبح الصرف، وتتمثل إستراتيجيتها في تعطيل قدرة الدَّولة على إنفاذ القانون إلى الدرجة التي تسهّل عليهم القيام بنشاطاتهم غير المشروعة.  وهذا يجعل التعامل معهم صعباً إن لم يكن مستحيلاً كصعوبة التعامل مع غيرها من الجماعات المُسلَّحة من غير الدٌّول.  وبما أنَّ هذه العصابات لا تسعى أصلاً إلى الحصول على أي اعتراف رسمي بها أو على صبغة الشرعية، فلن يستجيبوا للضغوط الممارسة عليهم للامتثال إلى القانون الدولي الإنساني، ولا يمكن لهم المشاركة في إعداد المعاهدات.  وهدفهم النهائي (المتمثل في نقل المُخدِّرات وبيعها) غير مشروع وينطوي على إيذاء الآخرين، ما يجعل المسؤولين غير قادرين على تقديم أي تنازل كان إزاء نشاطات تلك العصابات.

 

ولذلك، لم تُعامَل الحرب على المُخدِّرات في المكسيك على أنّها أساساً قضية تتعلق بالشرعية أو بالأمن الوطني لا من قبل الحكومة المكسيكية ولا من قبل الحكومة الأمريكية.  ومع ذلك، فقد كانت تلك الحرب سبباً لكثير من موجات النُّزوح في البلاد ناهيك عن إيقاع القتلى والتسبب في الاضطراب الاجتماعي في البلاد.  لقد بدأت الحرب على المُخدِّرات بالانتشار لتصل إلى قلب المكسيك وتهدد بالتأثير على سكان الدٌّول الأخرى في أمريكيا الوسطى مع توسيع عصابات المُخدِّرات لعملياتهم في الجنوب.  وهذا ما يوجب إيلاء مزيد من الاهتمام إلى أزمة النُّزوح الداخلية التي تشهدها البلاد حالياً في المنطقة الحدودية. 

جيسيكا كيراليس (jmkeralis@gmail.com) مختصة في الرقابة على الصحة العامّة لدى مكينغ كونسلتنغ، وتعمل لدى وزارة تكساس للخدمات الصحية في أوستن، تكساس.  يعبّر هذا المقال عن وجهة نظر الكاتبة الشخصية وليس عن وجهة نظر أي من مكنغ أو وزارة الصحة في تكساس

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.