العلاقات الاقتصادية للجماعات المُسلَّحة مع النازحين

استغلال النَّازحين من الطرق المختلفة التي تعتمد فيها الجماعات المُسلَّحة من غير الدول في التمويل.

تعتمد جميع الجماعات المُسلَّحة، على أرض الواقع، اعتماداً كبيراً على الدعم الخارجي.  وتسعى الجماعات المُسلَّحة للحصول على الدعم من الدول ومن المهجّرين في الشتات والنازحين وعلى الجماعات المُسلَّحة الأخرى أيضاً بغية منع الاعتماد الكلي في المجهود الحربي على السكان المدنيين الذين يدعون بحمايتهم,  وينشأ عن ذلك وضع له تبعات من ناحية التكاليف السياسية.  كما تقدم الدول أيضاً الدعم الخارجي للتعامل مع حالات عدم الاستقرار والعنف.  وخلال الحرب الباردة، كان ذلك الوضع سائداً وما زال مستمراً لغاية يومنا هذا في معظم النزاعات المُسلَّحة. 

ويتبع النزاع المسلح نشوب العنف، وممارسة التمييز، وتفشي الفقر، ما يقود إلى النُّزوح القسري للسكان الذين غالباً ما يقدمون المساعدة للمحافظة على النزاع الأصلي.  وتعمد الجماعات المُسلَّحة بصورة متكررة إلى استخدام مخيمات النَّازحين واللاجئين كمصدر للدعم والتجنيد، عدا عن استخدامهم لتلك المخيمات كملاذ آمن لهم  ومع أنّ الجماعات المُسلَّحة لا تمتلك سلطة قانونية، فبمقدورها الاعتماد على اللاجئين بطريقتين هما: تجنيد اللاجئين، والحصول على الموارد الاقتصادية منهم. 

ولقد شكّلت الجماعات المُسلَّحة أو جنّدت أعضاءها (طوعاً أو كرهاً) وكذلك استفادت من الموارد المتاحة في مخيمات النَّازحين واللاجئين في الأقاليم والدول المجاورة لمناطق النزاع.  فمعظم الجماعات الأفغانية المُسلَّحة نشأت في مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة.  وحركة طالبان، على سبيل المثال، نشأت من المدارس الدينية في مجتمعات اللاجئين الأفغان في الباكستان.  أمّا مجتمع لاجئي كارين، وأغلبهم يقطن في الحدود بين تايلندا وبورما، فيقدمون الدعم للجماعة المُسلَّحة التي تطبق على نفسها اسم اتحاد كارين الوطني والتي تعمل ضد الحكومة البورمية.  وهناك أيضاً مجتمعا الهوتو والتوتسي التي غادرت رواندا وبوروندي خلال الموجات المتعاقبة للعنف التي تبعت الاستقلال في الستينيات من القرن المنصرم واستقرتا في مخيمات واسعة للاجئين في كل من أوغندا، ورواندا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتنزانيا، ثم ما لبثوا أن ولَّدوا حركات المسلحين التي زعزعت الاستقرار في كلتا البلدين.  وهناك حالات أخرى تسببت بآثار مشابهة كما في إثيوبيا، والعراق، ومنطقة كردستان التركية، والشياشان، وسيريلانكا، والسودان، وطاجيكستان وغيرها. 

ويقدم مجتمع اللاجئين الدعم للجماعات المُسلَّحة بهدف إيجاد آلية لحمايتهم في البلدان المضيفة.  فبدون الحماية، سيكون اللاجئون عرضة للأعمال العدائية من السكان المحليين أو من السلطات الحكومية أو من كليهما معاً، فيكونون بذلك تحت رحمة الجماعات المُسلَّحة الأخرى والعصابات الإجرامية.

والإكراه عامل آخر أيضاً له دور في الحصول على المساهمات من اللاجئين خاصةً إذا ما كانت الجماعات المُسلَّحة تسيطر على مخيمات اللاجئين.  فمن السهل على الجماعات، التي هي بالأصل مسلحة ومنظمة، السيطرة على تلك المخيمات أما بالنسبة للنازحين فعادة ما يكونون غير منظمين وغير مسلحين وضعفاء.  وفي مثل هذه الظروف، يسهل على الجماعات طلب المال والمؤن بل تجنيد أفراد اللاجئين أيضاً في صفوفها حتى عندما لا يكون للجماعات المُسلَّحة أي تأييد شعبي لها وحتى مع افتقارها لدعم السكان التي تدعي الجماعات حمايتهم.

ووقعت إحدى أكبر الحالات الموضحة لهذا الأمر عقب الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 عندما نظّمت فلول القوات العسكرية الراوندية، والمسؤولون من الحكومة الراوندية السابقة، ومليشيات إنتراهاموي أعمال المقاومة في مخيمات اللاجئين في زائير السابقة.  فأنشأوا حكومة الأمر الواقع ضمن تلك المخيمات، واستغلوا المساعدات الدولية في الاستمرار في نزاعهم المسلح ضد الحكومة الجديدة في رواندا، وعملوا على اختطاف وتدريب المجندين الجدد، وسيطروا على المساعدات الإنسانية وعلى توزيعها، ونصَّبوا أنفسهم مديرين للمخيمات، ولم يتركوا للاجئين بديلاً غير أن يسمحوا للمسلحين بفعل ما يريدون.

وفي حالة مشابهة في مجتمع النَّازحين في إقليم دارفور السوداني، عانى النازحون من الاعتداءات المتكررة عليهم والاختطافات في السنوات الأخيرة، وأُقحموا في التجنيد من قبل الجماعات المُسلَّحة، والمليشيات المؤيدة للحكومة والقوات السودانية المُسلَّحة.

 

النظام الاقتصادي للجماعات المسلحة

تختلف صور العلاقة الاقتصادية بين الجماعات المُسلَّحة والنازحين.  فبعض الجماعات المُسلَّحة تُقنع السكان المسيطرة عليهم بتوفير الموارد، في حين تلجأ جماعات أخرى إلى ممارسة القسر والإكراه في سبيل ذلك.  وقد تكون العلاقة بين الأطراف المختلفة رمزية أو طفيلية أو افتراسية، وقد تنتقل من صورة إلى أخرى حسب تطور مجريات الأمور في الحرب. 

بالنسبة للعلاقة الاقتصادية الرمزية، تعمل الجماعة المُسلَّحة على تعزيز أنماط معينة من النشاطات في مقابل مشاركتها بالعوائد المتأتية عن تلك النشاطات.  وفي بعض الأحيان، قد يصبح أمر تطوير المكان والرفاه الاقتصادي للسكان مرهوناً بالجماعة المُسلَّحة نظراً للحاجة إلى الأمن والبنى التحتية.  وقد تؤسس الجماعة مستوى ميعناً من النظام الاجتماعي والاقتصادي في المناطق الواقعة تحت سيطرتها في مقابل حصولها على الدعم والتمويل، مقلدة بذلك دور الحكومة، وتقدم أيضاً الأمن والبنية التحتية وسيادة القانون ما يسمح باستمرار النشاطات الاقتصادية في مقابل حصول الجماعة على بعض الضرائب التي تفرضها على المدنيين. 

وبالنسبة للصورة الطفيلية، تقدم الجماعات المُسلَّحة الحماية وتضمن الأمن مقابل حصولها على التعاون والعوائد المالية وذلك عن طريق الابتزاز وتحصيل الضرائب والرسوم ورسوم الحصول على الإذن للنفاذ إلى الموارد، وكذلك عن طريق نهب المساعدات الدولية أو المدفوعات التي تُسمى "الضرائب الثورية".  وقد تكون عملية الابتزاز أكثر ضبطاً وتنظيماً إذا ما كانت صادرة عن قيادة الجماعة المُسلَّحة، وفي أحيان أخرى تكون عشوائية بالكامل إذا كانت صادرة عن أفراد الجماعة المسلحين.

أمَّا في النموذج الافتراسي، تقوم العلاقة الاقتصادية للجماعات المُسلَّحة على أساس عدم المبالاة بالعلاقة مع المدنيين، فتُمارس الجماعة أسلوب التهديد والترويع لقهر المدنيين ورفع مستوى نفاذ هذه الجماعات إلى الموارد.

 

الخلاصة

من المهم أن ندرك أنَّ العلاقات التي تنشأ بين الجماعات المُسلَّحة والمدنيين في إطار اقتصادات الحرب لا تقع دائماً ضمن تصنيف الضحية والمعتدي.  فهذه العلاقات قد تكون أكثر تعقيداً وقد تُولّد أنماطاً جديدة من الحماية والسلطة والحقوق على توزيع الموارد التي من شأنها لاحقاً أن تمثّل دوراً حاسماً في مخرجات النزاع المسلح.  ومن هنا، من المهم جداً فهم آليات الاقتصاد والتمويل التي تستخدمها الجماعات المُسلَّحة فهماً جيداً إذا ما أردنا أن نفهم بالكامل طبيعة تلك العلاقة.  فلا بد إذن أن يتحقق لدينا فهم أكبر في كيفية عمل تلك الجماعات ومصادر تمويلها إذا ما أردنا أن نتمكن من تسهيل العمل الإنساني في سياقات العنف، وتعزيز احترام حقوق الإنسان وإدراكها.

 

جوزيب ماريا رويو آسبا، (josepmaria.royo@uab.cat) متخصص في علم السياسة ويعمل منذ عام 2000 باحثاً في برنامج النزاع وبناء السلام (http://escolapau.uab.cat/).  باللغة الإسبانية: (http://escolapau.uab.cat/index.php?lang=es) في كلية ثقافة السلام، جامعة برشلونة.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.