موت المهاجرين بالبحر والهويات المجهولة

لقد أدت الاضطرابات السياسية في شمال أفريقيا إلى عودة موجات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وزيادة وفيات المهاجرين بالبحر. إلا أنه لا يوجد أي إطار عمل للتحقق من هويات الموتى أو تسجيل أعدادهم.

خلال العقد الماضي، لقي مئات الآلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء مصرعهم على المعابر البحرية الخطرة، جراء سوء الظروف الجوية والقوارب غير الصالحة للإبحار ومهربيهم المجردين من الضمائر والمبادئ. وحيثما وُجدت جثثهم، بعد أن تجرفها المياه إلى الشواطئ الأوروبية في الغالب، فإن أسماءهم، وحتى جنسياتهم، تبقى غير معلومة، وبذلك تزداد أعداد القبور المجهولة حول الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي.

وفي خطتها الخمسيّة التي أقرتها بستوكهولم عام ٢٠٠٩[1]، أعلنت الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي عن حاجتها لتفادي حدوث هذه المآسي وتسجيل والتحقق من هويات المهاجرين. كما دعت هذه الدول أيضاً إلى الحوار مع دول منشأ هؤلاء المهاجرين. وخلال الأشهر الماضية، أصبحت الحاجة لهذه الإجراءات الإنسانية أكثر إلحاحاً، فمنذ يناير/كانون الثاني ٢٠١١، ازدادت التقارير حول الوفيات وحالات الفقدان. وفي أبريل/نيسان وحده، غادر أكثر من 800 مهاجر ليبيا عن طريق البحر، والمتوقّع الآن أنهم مفقودون، بل يُخشى أنهم قد لقوا حتفهم.

ولا تتوافر حالياً أي إجراءات مشتركة للربط بين المعلومات حول وفيات المهاجرين، سواء على المستوى الوطني أو بين الدول المختلفة. وفي حين أن المهارات الفنية اللازمة لتحديد الهوية متاحة، فإن إطار العمل الدولي الذي يوضح المعلومات التي يلزم جمعها وكيفية تقاسمها لا يزال مطلوباً.

وستكون أفضل نقطة للبداية هي مراجعة الممارسات الدولية حول الاستجابة لحالات الوفاة والفقدان في حالات الطوارئ الإنسانية. هذه غالباً ما تعتمد على المبادئ المستمدة من القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، مع التركيز أولاً على منع الوفيات ثم على التحقق من هوية المتوفين. كما تقرّ هذه الإجراءات بواجب التعامل مع الموتى بكل احترام وتقدير وتعترف بحقوق العائلات وضرورة إعادة الجثث إلى عائلاتها، إن أمكن. وهي ترى أن للعائلات الحق في معرفة مصير ذويهم المفقودين والحصول على المعلومات حول أماكن الدفن وتأكيد الوفاة بغية استيضاح حقوق الوراثة أو الزواج أو الملكية.

ستكون أولى الخطوات المفيدة قيام الدول الأوروبية بتطوير المعايير المشتركة في ثلاثة مجالات:

  • حفظ أدلة تحديد الهوية، كالصور الفوتوغرافية أو بصمات الأصابع أو المتعلقات الشخصية أو الملابس. هذا سيمكّن العائلات من الحصول على المزيد من المعلومات في المستقبل والتأكُّد من وفاة أحد ذويهم.
  • إنشاء قاعدة بيانات دولية لتسجيل الوفيات، مع إمكانية حصول أقارب المتوفى عليها.
  • إنشاء مجموعة مشتركة من إجراءات الدفن؛ لضمان معاملة الموتى بكل احترام وتقدير. فإذا تم التعرّف عليهم، ستُعاد جثامينهم إلى ذويهم أو دفنها في قبور منفردة.

كما أن من اللازم التشاور مع دول منشأ المهاجرين والمجتمعات التابعين لها حول كيفية القيام بذلك. وتمكّن تقنيات الإنترنت الحديثة الأفراد من البحث عن أقاربهم، ويمكن أن يتم ذلك بشكل مجهول، إن كانت هذه هي رغبة الأسرة. وقد أقدمت المنظمات الإنسانية والمؤسسات التجارية الخاصة، مثل غوغل، على إنشاء قواعد متخصصة للبيانات على الإنترنت والمواقع الإلكترونية الخاصة بحالات الوفاة والفقدان في حالات الطوارئ.

يصف توماس هاماربيرغ، مفوّض المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان، الحاجة للتحقق من هويات المهاجرين وحساب أعدادهم غير المسجلة، ممن يختفون في رحلات هجرتهم بأنها "إلزامية". كما تحدث طبيب شرعي أنثروبولوجي، يعمل على تحديد هويات من لقوا مصرعهم عند الحدود المكسيكية الأمريكية، قائلاً: "إذا كان هذا ليحدث لنا، حاشا لله، فسنريد من كل جهة مسؤولة أن تفعل ما في وسعها لمحاولة التعرّف على الشخص المتوفى."

ستيفاني غرانت (Stefanie.Grant@sussex.ac.uk) هي زميلة أبحاث زائرة بجامعة "ساسكس".

مُقتبس من مقال، نُشر أولاً في صحيفة "نيو يوروب" في يوليو/تموز ٢٠١١: www.neurope.eu. ولمزيد من المعلومات، انظر مقال ستيفاني غرانت‘Recording and Identifying European Frontier Deaths’, European Journal of Migration and Law، ("تسجيل والتحقق من هوية المتوفين عند الحدود الأوروبية"، المجلة الأوروبية للهجرة والقانون) 13.2 2011 و‘Migration and Frontier Deaths: a right to identity’ in M Bénédicte-Dembour & T Kelly (eds), Are Human Rights for Migrants?: Critical Reflections on the Status of Irregular Migrants in Europe and the United States, Abingdon, Routledge, 2011 ("الهجرة والوفيات على الحدود: الحق في تحديد الهوية" في إم بينيدكت ديمبور وتي كيلي محرِّران و"هل تشمل حقوق الإنسان المهاجرين؟: آراء نقدية حول وضع المهاجرين غير الشرعيين في أوروبا والولايات المتحدة"، أبينجدون، روتليدج، ٢٠١١).



[1]  الخطة الخمسيّة ٢٠١٠ – ٢٠١٥ لمعايير العدالة والشؤون الداخلية للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي: "خطة ستوكهولم" – أوروبا المنفتحة الآمنة والتي تخدم وتحمي مواطنيها، وثيقة رقم 17024/09، تم الاعتماد عليها في ديسمبر/كانون الأول ٢٠٠٩ (انظر الجزء السادس)

www.pmlp.gov.lv/en/ES/PPD_Stockholm_program_EN.pdf

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.