تُعطل قوانين الجنسية التمييزية حياة الناس بعدة طرق. فالنساء يختارون عدم إنجاب الأطفال خوفاً من المشاكل التي سيواجهها هؤلاء الأطفال. في حين أنَّ الشباب الأكفياء غير قادرين على العثور على زوجة خوفاً من تبعات انعدام الجنسية على أسرهم، ليس أقلها انتقال انعدام الجنسية إلى أطفالهم. وكذلك الأزواج الذين جمعتهم المحبة يخضعون إلى ضغوط تدفعهم للطلاق أملاً في أن يفتح هذا لهم باباً للحصول على الجنسية، ومستقبلاً أكثر أماناً لأطفالهم. وأطفال معدومي الجنسية لا يستطيعون إكمال تعليمهم، أو الحصول على الرعاية الصحية، أو العثور على وظيفة لائقة عندما يكبرون، ولا يستطيعون الحصول على ميراثهم من الممتلكات، أو السفر أو التصويت في الانتخابات. ولا تتعدى هذه الآثار في كونها آثاراً غير مقصودة لقوانين الجنسية التي تسمح للرجال، دون النساء، منح جنسيتهم لأطفالهم. وحقيقة الأمر غير ذلك تماماً: فمنذ القدم كان القصد من الأنظمة، التي بموجبها تكون جنسية الأب حاسمة بالنسبة لأبنائه، تحقيق الوحدة والاستقرار للأسر. ومع ذلك، ففي الواقع، يكون الأثر أكثر قسوةً[i] عندما يكون الطفل غير قادرٍ على الحصول على جنسية أمه بسبب القوانين التمييزية. وتحديداً، قد يُترك الطفل دون جنسية إذا كان الأب عديم الجنسية أو غير معروف أو مُتوفى أو غير قادر أو راغب في منح جنسيته لأبنائه.
ولا يحتاج الأمر سوى تشريع يُقر بإمكانية انتقال تلك الجنسية، سواءً جنسية الأب أم الأم، إلى الطفل. ويكون ذلك بإضافة بسيطة ولكنها فعالة تشمل كلمتين، هما- "أو الأم"- وهنا تكمن واحدة من قصص نجاح مكافحة انعدام الجنسية. ويزداد الوعي بأهمية قواعد الجنسية المحايدة لكلا الجنسين، ومن خلال ذلك تتوافر جهود التعبئة لهذه القضية. وتتزايد الضغوط الآن على تلك الدول التي لا تزال تطبق التشريعات التمييزية.
وهناك العديد من الدول التي يعيش فيها عدد كبير من السكان عديمي الجنسية، لا تزال تطبق القوانين التمييزية. فمثلاً، في الكويت وسوريا وماليزيا يرث الأطفال لآباء عديمي الجنسية حالة انعدام الجنسية تلك والمشاكل المتعلقة بها، حتى لو كانت أمهاتهم يتمتعن بالجنسية؛ أما إذا كان والد الطفل يتمتع بالجنسية فسوف يكون بمنأى عن هذه المشكلات حتى لو كانت أمه معدومة الجنسية. وهناك 27 بلداً يصعُب أو يستحيل فيها على الطفل أنْ يكتسب جنسية الأم[ii]. ولو أنهم ولدوا وعاشوا في تلك البلد على الدوام، فهم عرضة لخطر الترحيل، ويفتقرون إلى إمكانية الحصول على الخدمات التي تمولها الحكومة، مثل الرعاية الصحية والتعليم، ويُمتنع عليهم حق امتلاك العقارات أو ممارسة بعض المهن. وقد يؤدي استثنائهم من الحصول على جنسية الأم أيضاً إلى معاناتهم من مشاكل نفسية كبيرة تتعلق بتشكيل هويتهم وانتمائهم.
وتلقى اليوم فكرة أنَّ الرجال والنساء متساوون أمام القانون القبول عموماً في جميع أنحاء العالم- حتى أنها محمية بموجب دساتير العديد من الدول. ولكن هذا ليس سوى تطور حديث نسبياً، ولا يزال هناك عمل ينبغي الاضطلاع به لضمان أن يُترجم مبدأ المساواة بين الجنسين على مستوى القوانين والممارسات والسياسات التي لا تميز بين رعايا الدولة على أساس الجندر. وقبل إقرار اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1979، كانت العشرات من الدول لا تراعي التكافؤ في حقوق الجنسية بين النساء والرجال. فالمرأة التي تحمل جنسية هولندا أو باكستان أو تايلاند أو ساحل العاج لم يحق لها منح تلك الجنسية إلى أطفالها على قدم المساواة مع الرجال وذلك حتى الأعوام 1985، 1987، 1992، 1998 على التوالي.
منذ ذلك الحين، سقطت قوانين الجنسية القائمة على التحيز إلى جنس معين في جميع أنحاء العالم تباعاً كأحجار الدومينو، فظهرت موجات من الإصلاح في أكثر من عشرين بلد منذ عام 2000. وكانت السنغال من أواخر الدول التي حذت حذو تلك الدول بتعديل قانون الجنسية في يونيو/حزيران 2013. وهناك عدد من الدول الأخرى تناقش بالفعل تغيير قوانينها.
النقاط العالقة
يبدو أنَّ القضية في دول أخرى لا تحظى بذلك القدر من الاهتمام. فرغم الأمثلة على الإصلاح في جميع أنحاء العالم، لم يُلغَ التمييز القائم على الجندر تماماً في قوانين الجنسية لديها. والإجابة على السؤال "لمَ لا؟" يختلف حتماً من دولة إلى أخرى، ولكن يبدو أنَّ هناك بعض العوامل المشتركة التي تعترض طريق التغيير. وتتمثل إحدى الحُجج التي تقدمها الدول مراراً وتكراراً في سعيها لتسويغ الإبقاء على القوانين التمييزية فيها أنَّ السماح للنساء لمنح جنسيتها لأبنائها مخالف لمنع تلك الدولة مواطنيها من إزدواجية الجنسية: وحقيقةً، يستطيع الأطفال في بعض الحالات الحصول على جنسيتين عند الولادة. ومع ذلك، فالحال نفسه يمكن أن ينطبق على الرجل المواطن عندما يتزوج بامرأة أجنبية. والعديد من الدول تستخدم وسائل أخرى لضمان أنَّ الأطفال يحتفظون في نهاية المطاف بجنسية واحدة فقط.
وتتمثل إحدى الطرق في تجاوز العقبات التي تحول دون تحقيق الإصلاح القانوني في فهم العملية التي بموجبها تحقق ذلك الإصلاح في مكان آخر. ولغايات مواجهة مقاومة الدول للتغيير، يبدو أنَّ هناك حاجة إلى إيجاد جهود ضغط موحدة، كما الحال بالنسبة لمصر (انظر الصندوق النصي). ومع ذلك، لم تتبلور جهود مبادرات المناصرة في بعض الدول بالقدر نفسه. وقد يعود السبب في ذلك إلى انعدام الوعي لدى أوساط المجتمع المدني ووسائل الإعلام والجمهور بأنَّ القوانين التمييزية الخاصة بالجنسية قد تجعل الأطفال عديمي الجنسية وغير قادرين على ممارسة العديد من الحقوق الأساسية. وتمثل هذه الفجوة المعرفية تحدياً، وتحول دون المشاركة الإيجابية للجمهور في بعض الدول المستمرة في التمييز- على وجه الخصوص، عندما يعزف الخطاب السياسي على نغمة المخاوف الأمنية أو العوامل الديموغرافية.
ورغم اهتمام المجتمع المدني وجهود التعبئة، لا يشمل هذا الاهتمام دائماً الجهود الرامية إلى إشراك عديمي الجنسية أنفسهم في مثل هذه الجهود، وتركهم يعانون من مرارة شعور أنهم محرومون. ومثال على هكذا حالة، عندما يركز المجتمع المدني على هذا الموضوع حصراً على أنه لا يتعدى أن يكون من قضايا حقوق المرأة، في حين أنَّ النساء اللواتي يعنيهنَّ الأمر يشعرون في الغالب بالقلق إزاء حياة أطفالهم، ذكوراً وإناثاً على حدٍّ سواء. وقد تعود الأسباب المؤدية إلى عدم مشاركة السكان المتضررين من خوفهم من أن تتعرف عليهم السلطات المسؤولة التي قد تمارس ضدهم بعض أنواع المضايقات الرسمية.
الطريق إلى الإصلاح في مصر
أوردت مصر قديماً في قانونها لمنح الجنسية أن يكون ذلك فقط من الأب إلى أولاده. وتمثل تسويغ الحكومة لهذا التمييز في منع "اكتساب الطفل لجنسيتين حيث يكون أبواه يحملان جنسيتين مختلفتين، وهذا الأمر سيؤدي إلى الإضرار بمستقبله [و] أنَّ اكتساب الطفل لجنسية أبيه هو الإجراء الأمثل للطفل[iii]". وجاء التغيير في عام 2004، عندما أدرجت مصر تعديلاً بإضافة عبارة "أو والدة" في البند الذي يُنظم عملية اكتساب الجنسية عن طريق النسب[iv]. وكان هذا تتويجاً لحملة المناصرة الناجحة التي قادها المجتمع المدني.
وفي عام 1998، تشكل ائتلاف وطني عملت المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق المرأة من خلاله على تجميع "تقرير الظل" للمجتمع المدني وتقديمه للجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التابعة للأمم المتحدة حول التقدم الذي تحرزه الحكومة بما يتعلق بتنفيذ التزاماتها بموجب تلك الاتفاقية؛ وقد أرست عملية إجراء البحوث المشتركة وجهود المناصرة العاملة تحت مظلة هذا التحالف الأسس لمزيد من التعاون في هذه القضية[v]. وبحلول عام 2002، شرعت العديد من منظمات حقوق المرأة بحملة "يسقط قانون الجنسية" داعين مجموعة من منظمات حقوق الإنسان، لا سيما الجهات الفاعلة في مجال حقوق الطفل، لدعم القضية. وأقامت هذه المجموعات الاحتجاجات العامة واستخدمت وسائل الإعلام لتسليط الضوء على قضيتهم. وتزعمت مجموعة الابحاث والتدريب للعمل التنموي، وهي منظمة مقرها لبنان، حملات حقوق المرأة بما يخص هذه القضية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونشرت تقريراً وثقت من خلاله بعضاً من مشاكل حقوق الإنسان التي نجمت عن قوانين الجنسية التمييزية في مصر. وأثارت هذه الأدلة الحملة، في حين واصلت المنظمات في الوقت نفسه القول بأن القانون غير دستوري، لأنه بموجب الدستور المصري الرجال والنساء متساوون.
وبعد انقضاء عام على تنظيم الحملة، أكدت الحكومة أنها ستدرس هذه القضية، وأعلنت في وقت لاحق رغم أنَّ الحكومة ستتوقف مؤقتاً عن منح الجنسية للأطفال المولودين لأمهات مصريات، إلا أنَّ الحكومة ستمنحهم حقوقا مماثلة لتلك التي يتمتع بها المواطنون. إلا انَّ منظمات حقوق المرأة لم تكن راضية عن هذا الإجراء غير المكتمل، واستمرت بالضغط على الحكومة. وبعد فترة وجيزة، أقرت الحكومة بالحاجة إلى الإصلاح. وفي عام 2004 عُدِّل القانون بأثر رجعي، ويحق بموجبه لأي طفل وُلد لأم مصرية، قبل أو بعد تاريخ سريان التعديل، الحصول على الجنسية المصرية.
وفي الوقت الذي تبرز فيه أهمية تحديد العقبات والإقرار بها كعائق لإلغاء قوانين الجنسية القائمة على التمييز على أساس الجندر، لا يمكن إنكار تنامي الزخم الداعي إلى القضاء على التمييز القائم على الجندر في حق منح جنسية الأم إلى طفلها. وهناك بالفعل عدد من الدول التي تعهدت بإصلاح قوانينها أو تناقش حالياً آليات الإصلاح. ومن المرجح أن يتناقص عدد الدول التي لا تزال تطبق القوانين الإشكالية إلى أقل من عشرين دولة في المستقبل المنظور. ومن المتوقع أن يرسل هذا الأمر بحد ذاته رسالة قوية إلى تلك الحكومات التي لم تلتزم بإحداث التغيير.
وفي الوقت نفسه، تتوسع عملية إشراك المجتمع المدني جغرافياً وتتنامى على نحو متزايد ومعقد. وتُغذي جهود الضغط الوطنية والإقليمية حملة مناصرة عالمية ناشئة لإنهاء جميع أشكال التمييز في قوانين الجنسية. وتتضافر قوى المنظمات المعنية بدعم حقوق المرأة ومحاربة التمييز وطرح قضية انعدام الجنسية لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في رفع مستوى الوعي بأثر قوانين الجنسية القائمة على التمييز بين الجنسين، والدفع بإلغائها عالمياً[vi]. وأصبحت الآن أصوات النساء وأسرهن المتأثرين بهذه القوانين مسموعة في جميع أنحاء العالم. ويجري العمل على استخلاص الدروس المستفادة من النجاحات التي تحققت حتى الآن، كما انَّ جدول أعمال التغيير قد أصبح واضحاً.
زهراء البرازي Z.Albarazi@uvt.nl باحثة في برنامج انعدام الجنسية ولورا فان فاس Laura.vanWaas@uvt.nl باحث أول ومديرة برنامج انعدام الجنسية، كلية الحقوق، جامعة تيلبورغ. www.tilburguniversity.edu/about/schools/law
[i] انظر، مثلاً المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي، "الحوار الإقليمي بشأن المساواة بين الجنسين والجنسية وانعدام الجنسية: نظرة عامة والنتائج الرئيسية (2012) www.refworld.org/docid/4f267ec72.html (بالإنجليزية فقط)؛
(A Regional Dialogue on Gender Equality, Nationality and Statelessness: Overview and Key Findings)
وحملة "المساواة الآن" (2013)، حملة للقضاء على التمييز بين الجنسين في قوانين الجنسية والمواطنة. اللجنة النسائية للاجئين وجامعة تيلبورغ (2013) وطن أمي، بلدي. التمييز بين الجنسين وانعدام الجنسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا www.unhcr.org/refworld/docid/4f267ec72.html (باللغة الإنجليزية فقط).
(Equality Now: Campaign to End Gender Discrimination in Nationality and Citizenship Laws)باللغة العربية: www.equalitynow.org/sites/default/files/NationalityReport_AR.pdf
جامعة تيلبورغ (2013): وطننا الأم. بلدنا. التمييز القائم على الجندر وانعدام الجنسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (باللغة الإنجليزية فقط) www.unhcr.org/refworld/docid/4f267ec72.html
(Our Motherland, Our Country. Gender Discrimination and Statelessness in the Middle East and North Africa)
[ii] جزر البهاما، والبحرين، وبربادوس، وبروناي ودار السلام، وبوروندي، وإيران، والعراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وليبيريا، وليبيا، ومدغشقر، وماليزيا، وموريتانيا، ونيبال، وعُمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وسيراليون، والصومال، والسودان، وسورينام، وسوازيلاند وسوريا وتوغو والإمارات العربية المتحدة. مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين (2014) ملحوظة خلفية بشأن المساواة بين الجنسين، وقوانين الجنسية وقوانين انعدام الجنسية www.refworld.org/docid/532075964.html
(Background Note on Gender Equality, Nationality Laws and Statelessness)
[iii] شعبة الأمم المتحدة للنهوض بالمرأة www.un.org/womenwatch/daw/cedaw/reservations.htm
[iv] المادة 1، الفقرة 3أ
[v] ماكاي. ك. (2012) استكشاف أثر حملة إصلاح قانون الجنسية لعام 2004 بشأن المساواة بين الجنسين في مصر
(Exploring the Impact of the 2004 Nationality Law Reform Campaign on Gender Equality in Egypt)
[vi] تعمل اللجنة النسائية للاجئين، ومفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين، وحركة المساواة الآن، ومؤسسة الحقوق المتساوية وبرنامج انعدام الجنسية في جامعة تيلبورغ معاً لوضع الأسس لحملة عالمية للقضاء على التمييز القائم على الجندر في قانون الجنسية. وستطلق الحملة في منتصف عام 2014.