Skip to content
المُواطنَةُ الحقَّة في أثينا

أنشأنا مُلْتَقى الشباب السوريّ اليونانيّ في سنة 2018 قاصدينَ إلى دَعْمِ أنشطة بناءِ المجتمع المحليّ التي يقوم بها اللاجئون، وطالبو اللجوء، والجيل الثاني من السوريّين واليونانيّين. وهدفنا البعيد الأمد هو إعانة هؤلاء وغيرهم من المجتمعات المحليّة على أن يصيروا مواطنين ويبلغوا من المواطنة الحقّة تمامها. أثينا هي المكان الذي نعيش فيه ونعمل وننام ونحبُّ ونلعب، وإنّا لَنُعارِضُ بشدّةٍ فكرةَ أنّ اللاجئين ضحايا ضعفاء أو أناسٌ بائسون. نحن مواطنون. اجتمعنا فألّفنا فريقاً من الناشطين، والذي جمعنا هو فَهْمٌ مشترك لأهميّة وعِظَمِ قَدْرِ العمل الجماعيّ في المجتمع، ولا سيّما من خلال بناء المشاريع بِيَدِ المجتمع المحليّ من أجل المجتمع المحليّ. ثم إنّا نجري البحوث ونتّبع أحسن سُنَنِ العمل في الإدماج، ونعمل متضامنين ومتعاونين مع غيرنا من المنظّمات المعنيّة بالمهاجرين والأقليّات ومع مجتمعاتهم المحليّة.

مُجاهَدَةٌ حضريّة

يُكافِحُ عمل المُلتَقى خلفيّةً حضريّة تتجمّع فيها وتتداخل رواياتٌ عن الأزمةمختلفةٌ. وفي غَمْرَةِ حالٍ اقتصاديّةٍ صعبة، وغياب الدولة في أعمال إيصال الخدمات، لا بدّ للجهات الفاعلة المنظّمات الأخرى من أن تتدخَّل. إذ هناكَ نقصٌ في دعم الدولة للتضامن ونشاط الأعمال، ولكنّا نعمل مع غيرها على بناء شِبَاكِ التضامن، وجَمْعِ مَنْظوراتٍ عِدّة ومجالات مختلفة من الأنشطة.

ولطالما كانت أثينا مدينةً يَقْدِمُها كلّ من الذين عبروا الحدود حديثاً، وتاريخيّاً، الذين ينتقلون في حدود اليونان ويهاجرون من مكانٍ إلى آخر. ويشيع سماع الناس يقولون: “ليس من شيءٍ اسمه أثينيُّون أصليُّون، على حين يقول مثلٌ عربيّ مَن عاشرَ قوماً أربعينَ يوماً صارَ منهم. ومع ذلك، فإغلاق الحدود وتقييد حريّة التنقُّل تُبْقِي الناسَ في المدينة، وهذا يُفْضِي إلى حالٍ تقتضي بَذْلَ جهدٍ لبناء المجتمع والانتماء.

لكنْ لا شكّ أنّ هذه السياسة وشاعريّة الانتماءِ قد قُوبِلَتا بعَداءِ بعض الناس. إذ يتزايد رُهَابُ الأجانب والاعتداءات العنصريّة في هذا البلد الذي يعاني أزمةً ماليّة، ففيه يُجَرّمُ المهاجرون تجريماً عريضاً، ويُضفَى الطابع المؤسسيّ على التنميط العنصريّ والحَجْز.[1] وواصلت الحكومة التي يُطلَقُ عليها اسم الديمقراطيّة الجديدة، منذ انتخبت في منتصف سنة 2019، إخلاءَ الأماكن التي يشغلها اللاجئون شَغْلاً غير شرعيّ، وأقرّت قوانين لجوءٍ تنتهك حقوق الإنسان.

ولكنّ كلّ ذلك يَسْتنهِضُ هِمَمَنا. فلمّا لم يكن هناكَ منظَّمة دوليّة غير حكوميّة لتتوسّط، ظهرت إمكانيّاتٌ جديد للتواصل والتعاون المباشرَين بين البلديّة والمجتمعات المحليّة.

مشاريع النّاشطين

يُشارِكُ مُلتَقى الشباب السوريّ واليونانيّ في مشاريعَ على مستوى المدينة، مثل منظّمة كيورِنْغ ذا لِنْبو (Curing the Limbo) التي تُسهِمُ في ما يُبْذَلُ من جهدٍ لتمكين المجتمعات المحليّة وإعانتها على المُضيِّ قُدُماً لتغلب حالَ عدم الاستقرار وحالَ الحيرة الواقعتان على أكثر طالبي اللجوء.[2] وُملتَقَانَا مجتمعٌ متضامنٌ مُسمّىً في منظّمة كيورِنْغ ذا لِنْبو، ويُشِيرُ إلينا القيِّمون على المنظمة باسم الأثِينيُّون، تقديراً لقيمة العمل المجتمعيّ الذي نقوم به. ولقد عملنا بجدٍّ على وَصْلِ أفراد المجتمع المحليّ السوريّ في أثينا بها وعلى تمكينهم، ثمّ عملنا على تمثيل هذا المجتمع المحليّ في مستويات مختلفة، ففي السياسة المحليّة، وفي اجتماعاتٍ مع ممثّلين من الاتحاد الأوروبي والمفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في عديدٍ من الأحداث الثقافيّة، وذلك جزءٌ من الحياة اليوميّة في أثينا وداخلَ البلديّة. وقد أنشأنا درجة عاليَةً من الثقة بنا في المجتمع المحليّ السوريّ وفي غيره، وأقمنا مُلتقانا على أساسِ أنّه موردٌ رئيسٌ للسوريّين الذين في أثينا وفي أماكن أخرى باليونان.

وفي المستوى الفرديّ، نتعلّم اللغات ونتلقّى التعليمَ ونُعلِّمُ غيرَنا، فكلُّ هذه، أدواتٌ للمواطنة الحقَّة. ولمّ نَنْفكّ نُعِدُّ برامج تنمية المهارات من أكثر من سنة، والعديد منها جاهزٌ للعمل جارٍ. وإنّنا مُشَاركونَ أيضاً في العديد من المبادرات الأخرى في أثينا، ومن ذلك: مشاركتنا في دورات إدارة الأعمال تدعمها منظّمة التضامن الآن (Solidarity Now) ومشروع أوديسيا (Odyssea) ومنظّمتان مقرّهما أثينا تُركّزان على العمل الاجتماعيّ، ثم مشاركتنا في حملة الإدماج السياسيّ التي ينظمها المنتدى اليونانيّ للاجئين، نتلقّى فيها الإرشاد التيسيريّ والتدريب على المناصرة، ومعلوماتٍ عن القوانين الدوليّة والمحليّة، ثم إدارتنا لوُرَشِ تسجيل صوتيّ وإنتاجنا مسلسلاً إذاعيّاً[3]، ثم إتاحتنا دوراتٍ لاستنهاض الهِمَمِ وتوسيع المدارك، وإلقاؤنا محاضراتٍ وحفلاتٍ موسيقيّة في المدارس والمهرجانات موضوعها الديمقراطيّة والثقافة والاندماج السياسيّ، وإجراؤنا أعمالاً تنظيفيّة بانتظامٍ في الشواطئ والشوارع، ومشاركتنا في المشاريع الزراعيّة، وتوعيتنا المجتمعَ المحليّ بما له صلةٌ بالبيئة من مسائلَ وحلول، وإدارَتُنا مَجْلِسَاً للثقافة ومن بعض ما فيه برنامجٌ للرقص السوريّ، وتنميتنا المهارات الموسيقيّة وتبادلها.

ونعمل أيضاً على كثير من المشاريع الأخرى، ومنها: التخطيط لإخراجِ نموذجِ عملٍ لدَعْمِ الناس الذين يتطلّعون إلى بَدْءِ أعمالهم الخاصّة، وتهيئة قطعة أرضٍ خارجَ أثينا لتكونَ موضعاً لإنتاج غذاءٍ مستدام، وافتتاح مقهى ثقافيّ سيُتبَادلُ فيه أطراف الحديث باللغات الأجنبيّة لتعلُّمها وستُقَامُ العروض الإبداعيّة وستُدَارُ المناقشات الثقافيّة، وإيجاد بيتٍ مشترك لأعضاءِ مُلْتَقى الشباب السوريّ اليونانيّ الذين مضى على عضويّتهم زمن طويل ولحالات الإسكان الطارئ، والعمل مع الأطفال لنوَسِّعَ نطاق عملنا في المجتمع المحليّ، وإتاحة مزيدٍ من دروس صناعة الأفلام والإنتاج الإعلاميّ، وإجراء برنامج للخياطة والحِرَف، وإقامة تدريبٍ على إصلاحِ الآلات الموسيقيّة.

ونحن نقود اليومَ خطةً للاستفادة من أصحاب مهارات البناءِ في المجتمع المحليّ لتجديد المباني المهدومة، وبذلك نُوسِّعُ خيارات إقامة اللاجئين ونُقلِّلُ مشكلة التشرُّد في المدينة. ثم إنّ بيننا وبين وزارة التربية والتَّعليم اتّصالٌ لنحصل منها على إذنٍ لدخول مخيّمات اللاجئين في المدينة، كي نُعِينَ المجتمعات المحليّة هناكَ على إيجاد حلول بدلاً من الإقامة في المخيّمات، ونعمل معاً في الوقت نفسه لتحسين الحال في المخيّمات.

لقد أنشأنا مُلْتَقى الشباب السوريّ اليونانيّ ووصلنا به إلى ما وصلنا إليه اليومَ من غير ميزانيّة، لم يكن بين يدينا إلا حُسْنُ النيّة والتنظيم والاجتهاد والمواظبة والتضامن. ونحن اليومَ بصددِ التسجيل لجَعْلِ ملتقانا منظّمةً غير حكومية، وذلك لنضمن استدامةَ عملنا في وَضْعٍ سياسيّ لا ينفكُّ يتقلّب.

انفتاح المدينة

لمّا كنّا خبرنا ما خبرناه في اليونان، اكتسبنا فَهْماً عميقاً في آثار اللاجئين وتأثيرهم في المجتمع المضيف والعَكْس، ونحن اليومَ نُحوِّلُ هذه المعارف إلى أفعال. وصحيحٌ أنّ عملنا منبثقٌ من المجتمع المحليّ السوريّ، ولكنّه لا يقتصر عليهم. بل إننا نهدف إلى أن نُشرِكَ مجتمعاتٍ محليّة أخرى في نصيبٍ من عملنا ومواردنا، فيُمكِّنُ بذلك بَعْضُنا بعضاً. هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، فإنّ ما يُنِهِضُ هِمَمَنا في عملنا هذا هو بذل الجهد لأن نُدرَجَ في الحياة السياسيّة والثقافيّة في أثينا، ونعم، هذا يقتضي حقوقاً أكثر، ولكنّهُ يقتضي أيضاً أن نتحمّل مسؤولياتنا ونُسْهِمَ في حُسْن حال المدينة.

ننظُرُ إلى المدينة فنسأل أنفسنا: ماذا يمكن أن نفعل لها من حيث نحن مواطنون؟ هذا فَهمُنا للمواطنة الحقَّة، ولهذا نرى أنّ مُلْتَقى الشباب السوريّ واليونانيّ هو منصّة مواطنة. فنهدف إلى استنهاضِ هِمَمِ الجماعات الأخرى وإلهامهم أن يصيروا جزءاً من المدينة نَشِطاً، وذلك للدفاع عن التنوُّع والاختلاف، فنُمَكَّنَ بذلك جميعاً. ثم إنّنا نعمل على توسيع التضامن وانفتاح المدينة؛ أي إسقاط الحدود التي خُطَّت بينَ المواطنين وغير المواطنين، وبين اللاجئين ومضيفيهم.

كريم القباني kareemalqabany@gmail.com

وائل حبال waelhb707@gmail.com

توم وِسْتِرن thom.western@gmail.com

أعضَاءُ الفريقِ الأساسيّ في مُلْتَقى الشباب السوريّ اليونانيّ

www.facebook.com/SGYF2019

 

[1]في سنة 2012، وسَّعَتْ عمليّةُ إكسِنْيُس زِييُس سُلْطتا الوَقْفِ والتفتيشعند شرطة أثينا، وأفضت إلى زيادة حَجْزِ الناس الذين عبروا الحدود ليصلوا إلى اليونان. انظر:

 Rozakou K (2018) ‘Solidarians in the Land of Xenios Zeus: Migrant Deportability and the Radicalisation of Solidarity’, in Dalaklglou D

(متضامنون في أرض إكسِنْيُس زِييُس: إجازة ترحيل المهاجرين وتطرُّف التضامن)

وانظر:

Agelopoulos G (Eds) Critical Times in Greece: Anthropological Engagements with the Crisis London: Routledge. pp 188–201.

(زمنٌ حرجٌ في اليونان: الارتباطات الأنثروبولوجيّة بالأزمة)

[2] https://curingthelimbo.gr/en/home  

[3] لمزيدٍ من المعلومات انظر https://citizensoundarchive.com

DONATESUBSCRIBE