اتفاقية كامپالا والحق في عدم التَّهجير التعسفي

اعتمد الأشخاص الذين صاغوا اتفاقية كامپالا اعتماداً هائلاً على المبادئ التوجيهية بشأن النُّزوح الداخلي آخذين في الاعتبار السياق الإفريقي، ويتضح ذلك جلياً في إدراكها لحق الناس في عدم التسبب بنزوحهم تعسفياً.

تبنى الاتحاد الإفريقي اتفاقيته الخاصة بحماية الأشخاص النَّازحين داخلياً ومساعدتهم المعروفة باتفاقية كامپالا في عام 2009، ويعود جُلُّ الفضل في تأسيسها إلى المبادئ التوجيهية الخاصة بالنُّزوح الداخلي. فهي تعكس حقوق الإنسان الدولية ومبادئ القانون الإنساني الراسخة في المبادئ التوجيهية، وهي تضم أيضاً مختلف الجوانب ذات الصلة بالأعراف والمبادئ التي تنص عليها الأطر العامة الإقليمية الإفريقية لحقوق الإنسان.

ومن أكثر الطرق التي تُعبِّر فيها اتفاقية كامپالا عما جاء في المبادئ التوجيهية اعترافها بحق عدم التسبب بنزوح الأشخاص داخلياً رغماً عنهم. ويَنصَبُّ هذا المبدأ في صلب قضية حماية النَّازحين داخلياً، ورفع مستوى أهمية الحماية من النُّزوح الداخلي من اعتبار أخلاقي إلى واجب قانوني تُساءَل عنه الدولة. وهناك على وجه الخصوص أربعة جوانب أساسية لهذا الحق تغطيها المبادئ التوجيهية وتغطيها تبعاً لذلك اتفاقية كامپالا.

يتمثل الجانب الأول في أنَّ أي فعل يقود إلى التَّهجير والنُّزوح يجب أن ينسجم مع القانون الدولي. واعتماداً على المبادئ التوجيهية، تذكر اتفاقية كامپالا، شأنها في ذلك شأن القانون الدولي، تفاصيل القواعد الأساسية الخاصة بعدم إجازة النُّزوح الداخلي نتيجة التطهير العرقي أو الفصل الديني أو العرقي. كما أنها ترفض استخدام النُّزوح كوسيلة لإيقاع العقاب الجماعي وترفض النُّزوح الناتج عن "العنف المعمم أو انتهاكات حقوق الإنسان"، كما حدث على سبيل المثال في عام 2007 الذي شهد اندلاعاً للعنف بعد الانتخابات في كينيا وقاد إلى تهجير جماعي للناس. وكذلك ترفض النُّزوح الذي يرقى إلى الإبادة الجماعية وجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.

وبينما تحظر المبادئ التوجيهية تشويه الجسد والعنف القائم على الجندر الممارس ضد النَّازحين داخلياً (المبدأ 11) تذهب اتفاقية كامپالا إلى أبعد من ذلك إذ تحظر جميع الممارسات الضارة الناتجة عن التَّهجير والنُّزوح. فهي هنا تعتمد كثيراً على بروتوكول الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب وعلى الأخص منها حقوق المرأة في أفريقيا (المعروفة ببروتوكول المرأة الإفريقية)[i] وهي أداة تتقدم على المعاهدات الدولية الأخرى في دعمها وترويجها للحقوق الإنجابية. ومن الأسباب التي تؤدي إلى فرار الفتيات من بيوتهن الهرب من تهديدات تشويه أعضائهن التناسلية أو إجبارهن على الزواج خاصةً في سن مبكرة. وفي بعض أطراف القارة الأفريقية، تهرب الفتيات من ديارهن لتجنب كي الثدي وهي من العادات التي تمارسها بعض المجتمعات اعتقاداً بأنَّ ذلك يساهم في منع وقوع حالات ممارسة الجنس غير الشرعي بين الفتيات. ومن الواضح أنَّ الحظر الذي نصت عليه اتفاقية كامپالا لمثل هذه الممارسات الضارة كسبب في النُّزوح جاء بما يستجيب للسياق الإفريقي.

وتسمح اتفاقية كامپالا لبعض أنواع النُّزوح على أسس معينة منها على سبيل المثال أوضاع النزاع المسلح للضرورة العسكرية أو لحماية السكان المدنيين. وهذه الأرضية المسموح بها جاءت أيضاً من المبادئ التوجيهية التي تعتمد على القانون الإنساني الدولي وعلى الوجه الخاص منه البروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف لعام 1949. وفي أوضاع الكوارث الطبيعية، يسمح بالنُّزوح عند الحاجة إليه من أجل الحفاظ على سلامة السكان المتأثرين وصحتهم. أمَّا في حالات النُّزوح الناتجة عن العمليات التنموية، فترسم اتفاقية كامپالا منعطفاً مختلفاً تماماً. فقد عكست المسودة الأولية لاتفاقية كامپالا الحظر الوارد في المبادئ التوجيهية لهذا النوع من النُّزوح "في حالات المشروعات الإنمائية واسعة النطاق التي لا تسوغها غَلَبَة المصالح العامة" (المبدأ التوجيهي 6 ج) لكنَّ هذا البند عُدِّلَ فيما بعد في المادة 10 من اتفاقية كامپالا لتطلب إلى الدول أن تعمل "قدر الإمكان" على منع النُّزوح الناتج عن المشروعات التنموية. وهكذا نجد أن الدول لن يُطلَبَ إليها منع حدوث النُّزوح إلاَّ في حالة المجتمعات المحلية التي لها روابط قوية مع الأرض التي تعتمد عليها، إذ يمكن السماح لهذا النُّزوح إذا كان يخدم "مصالح عامة قهرية وغالبة" (اتفاقية كامپالا 4 (5)).

أمَّا الجانب الثاني من حق عدم التسبب بالنُّزوح التعسفي فهو أنَّ النُّزوح حتى لو كان في بعض الحالات مسموحاً به بموجب القانون الدولي فيجب أن ينفذ بما ينسجم مع صحيح القانون أي باستيفاء أدنى الضمانات الإجرائية. وفيما يخص جميع أشكال النُّزوح، تؤكد المبادئ التوجيهية على ما جاءت به اتفاقية جنيف الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب[ii] إذ تحدد المتطلبات الإجرائية الدنيا في المادة رقم 7 التي تتطلب إيجاد بدائل معقولة واستكشافها من أجل تجنب النُّزوح كلياً كما أنها تتطلب توفير السكن الملائم للنَّازحين. ومع أنَّ المبادئ التوجيهية لا تفرض معايير دنيا محددة فيما يخص الكوارث الطبيعية وعلى الأخص منها التغيير المناخي فهي مدرجة في اتفاقية كامپالا. فالتغير المناخي قضية تحظى باهتمام كبير مع مرور الوقت وهي واحدة من المجالات التي تمثل إضافة جديدة جاءت بها اتفاقية كامپالا لما قدمته المبادئ التوجيهية، إذ إنها أقرت بكل صراحة ووضوح بمشكلة التغير المناخي (مع أنَّ المبادئ التوجيهية تعترف على العموم بالكوارث التي لا تعرِّفها صراحة لكنها تربط بينها وبين أثر التغير المناخي).

أمَّا الجانب الثالث لحق منع التَّهجير التعسفي فينص على أنه لا ينبغي إجبار الناس على النُّزوح من أماكنهم بطريقة تنتهك حقوقهم الإنسانية. وكما الحال في المبادئ التوجيهية، تطلب اتفاقية كامپالا إلى الدول احترام التزاماتها الخاصة بحقوق الإنسان فيما يتعلق بالطريقة التي تنفذ بها عمليات النُّزوح وذلك في حالات المشروعات التنموية على سبيل المثال.

وأخيراً تطلب اتفاقية كامپالا إلى الدول أن تدخل التدابير اللازمة للتصدي للآثار السلبية للنزوح على النَّازحين داخلياً. وكما الحال في المبدأ 3(2) من المبادئ التوجيهية، تنص المادة 5(9) من اتفاقية كامپالا على حق النَّازحين داخلياً في السعي للمساعدة والحصول عليها. ويتضمن جوهر هذا النص، كما الحال في معظم نصوص الصكين الإثنين، ضمان توفير الحماية والمساعدة للنَّازحين الداخليين والنأي عنهم بالعواقب السلبية للنزوح التي ربما لم يكن من الممكن التوقع بها قبل حدوثها وخلال فترة النُّزوح الداخلي.

لقد جاءت اتفاقية كامپالا لتكون معياراً إقليمياً حول النُّزوح الداخلي وهي تعكس كثيراً أهمية المبادئ التوجيهية على أساس أنها البيان المبدئي الجازم للمبادئ الدولية حول حماية النَّازحين داخلياً ومساعدتهم. وبينما تكيفت اتفاقية كامپالا في بعض النواحي لتعكس الوجه الأفضل للسياق الإفريقي، فهي أوضح تعبير حتى هذا التاريخ لمساهمة المبادئ التوجيهية نحو المعايير الملزمة المتلاحقة حول النُّزوح الداخلي.

رومولا أدايولا romola.adeola@up.ac.za باحثة زائرة، مدرسة أوسغود هول للقانون، جامعة يورك، كندا. زميلة في دراسات ما بعد الدكتوراه، مركز حقوق الإنسان، جامعة بريتوريا www.up.ac.za/centre-for-human-rights

 

[i] www.achpr.org/instruments/women-protocol

[ii] www.refworld.org/docid/3ae6b36d2.html

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.