المبادئ التوجيهية في محاكم حقوق الإنسان الدولية

للمبادئ التوجيهية القدرة على دعم قانون حقوق الإنسان الدولي المتعلق بالنُّزوح الداخلي ورفده بأداة مكمِّلة له، لكنَّ قليلاً من محاكم حقوق الإنسان الدولية والإقليمية ولجانها تولي الاهتمام المناسب لها.

تمثل المبادئ التوجيهية أداة تعزز من قانون حقوق الإنسان العامة، ذلك أنها تنص على حقوق النَّازحين داخلياً، وتحدد مسؤوليات الدول وغيرها من الجهات الفاعلة إزاء تلك الحقوق. وبهذا المعنى، تؤكد هذه المبادئ مجدداً على مبادئ حقوق الإنسان التي تطبقها في العادة هيئات حقوق الإنسان الدولية. لكنَّ هناك قيمة مضافة تقدمها هذه المبادئ التوجيهية أيضاً لقانون حقوق الإنسان الدولي تتمثل في مجالين اثنين على الأقل هما الاعتراف الصريح بحق الناس في عدم تهجيرهم، وحق التعويض عن الممتلكات.

وقد جاء المبدأ التوجيهي السادس على وجه الخصوص لينص على أنه "لكل إنسان الحق في الحماية من التهجير العشوائي من بيته أو مكان إقامته الاعتيادي"، فكان ذلك تقدماً كبيراً في مجال الاعتراف بحق منع التهجير.  وكانت تلك المرة الأولى التي يعبر بها صك دولي عن هذا الحق الذي لم يكتسب صفة الإلزام القانوني منذ ذلك الوقت إلاَّ في أفريقيا. وفي غياب مثل هذه التوجيهات، ما كان بالإمكان التعامل مع قضية التهجير والنُّزوح إ|لا بطريقة غير مباشرة من خلال قانون حقوق الإنسان، ومن هنا تتبين الأهمية الكبرى لوجود اعتراف صريح لهذا الحق لما لذلك من أثر في تعريف النُّزوح الداخلي على أنه قضية تمس حقوق الإنسان، وتقدم رسالة واضحة لأصحاب المسؤوليات والواجبات، وتوفر أساساً متيناً للادعاءات التي يتقدم بها أصحاب الحقوق المنتهكة.[1]

ويتضح أثر هذا التأطير في حالات هيئات الدول الأمريكية لحقوق الإنسان التي استخدمت المبادئ التوجيهية على الدوام، وعلى وجه الخصوص من أجل التأكيد على أنَّ النُّزوح الداخلي يقع ضمن نطاق الحق بالحرية في الحركة والإقامة ضمن مقاربة تبنتها أيضاً اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. ولذلك، يمكن الافتراض بأنَّ النُّزوح الداخلي يمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان وأنَّه على أصحاب الواجبات أن يتحملوا عبء إثبات مدى مشروعية التَّهجير أو تقيم التسويغ القانوني لعدم منعهم له. وما من شك في وجود مساحة لتعزيز الحماية القانونية من النُّزوح الداخلي باتباع مثل هذه المقاربة. ولا تقتصر هذه الحالة على السياقات الإقليمية خارج الأمريكيتين، بل ترتبط أيضاً بأسباب النُّزوح التي عجزت جميع آليات حقوق الإنسان عن معالجتها بطريقة جيدة، ومثال ذلك التَّهجير الناتج عن الكوارث الطبيعية أو تدهور الأحوال البيئية.

وهناك مساهمة جليلة أخرى قدمتها المبادئ الإرشادية، وهي تأكيدها على حق النَّازحين الداخليين باستعادة ممتلكاتهم المفقودة نتيجة النُّزوح، أو تعويضهم إزاء تلك الممتلكات إن لم يكن بمقدورهم استعادتها. فلم يسبق لأي صك قبل هذه المبادئ أن أقر بهذا الحق بذلك الوضوح.[2] يقدم المبدأ التوجيهي 29 وصفاً عملياً للواجبات التي يفرضها حق التعويض في سياقات النُّزوح. ويحدد على وجه الخصوص واجب الدولة في مساعدة النَّازحين على استعادة ممتلكاتهم أو تعويضهم عنها مع التأكيد على أولوية الاستعادة على التعويض. ومع أنَّ لهذه المبادئ القدرة على تحديد المعايير الدنيا لجبر الأضرار على الأقل، فقد أبدت محاكم حقوق الإنسان عدم رغبتها في التصدي لمشكلة استعادة الممتلكات في سياقات النُّزوح بطريقة مباشرة على المستوى الدولي ولم تستخدم هذه المبادئ للمضي قدماً في هذه القضية.

كما أن محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان استخدمت المبادئ التوجيهية من أجل تعزيز الحمايات الخاصة المقدمة للسكان الأصليين ضد التهجير، بالإضافة إلى التعامل مع قضايا مثل لم الشمل الأسري والعودة وإعادة الاندماج والمشاركة.[3]

دور أكبر في منابر حقوق الإنسان الدولية

من بين حالات النُّزوح الداخلي الجماعي المراجعة والبالغ عددها 51 حالة، فصلت هيئات حقوق الإنسان الدولية 47 منها منذ إطلاق المبادئ التَّوجيهية بشأن النُّزوح الداخلي في عام 1998. ومن بين هذه القضايا، لم يكن هناك أكثر من 11 قضية أشارت فيها المحاكم إشارة صريحة إلى المبادئ التوجيهية ذاتها.[4]وقدمت هذه الإحالات المرجعية على وجه الخصوص كل من محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان (ثماني قضايا) والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (قضيتان) واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (قضية واحدة).

ويبدو أن الولايات المناطة بالمحاكم الإفريقية ومحاكم الدول الأمريكية والأوروبية الإقليمية لحقوق الإنسان تسمح باستخدام المبادئ التوجيهية للاستئناس بها كمصدر للتأويل والتفسير. ومن هنا، تقع مبادرة استكشاف الإمكانات الأخرى للمبادئ التوجيهية في المشتكين وممثليهم وفي القضاة. وحتى في السياقات التي لا تنص فيها ولاية آلية ما، أو قانون السوابق القضائية صراحة على الانفتاح للمصادر القانونية الأخرى فغالباً ما تكون مثل هذه النصوص مستخدمة بحكم الأمر الواقع في التفسير والتأويل، ومن هنا قد تبدو هناك فرص حقيقة في مجال استكشاف القوانين الأخرى (غير الملزمة) واستخدامها في مجالات مشابهة. فعلى سبيل المثال، مع أنَّ هيئات معاهدات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لم تستخدم المبادئ التوجيهية في قراراتها للفصل بالقضايا الفردية، فقد قدمت معظمها توصيات بالامتثال للمبادئ التوجيهية وذلك ضمن ملحوظاتها الختامية العامة حول وضع حقوق الإنسان في قطر معين. [5]وقد تؤسس هذه الممارسة لتعزيز استخدام المبادئ التوجيهية في القرارات الفردية.

وتبقى الأسئلة حول مستقبل المبادئ التوجيهية في ميدان حقوق الإنسان. فما السبب الذي يُضعِف استخدام هيئات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية لهذه المبادئ، والاحتجاج بها؟ هل من الممكن أن يكون ذلك نتيجة القيود المفروضة على اختصاصات تلك الهيئات، أم انتشار تصور خاطئ بعدم صلة المبادئ التوجيهية للقضايا التي تنظر إليها؟ أم لعل ذلك يعني عدم وجود رغبة أصلاً في النظر في مثل هذه القوانين الناعمة، أم هناك عوامل أخرى لذلك؟ وفي حالة زيادة اعتماد منابر حقوق الإنسان على ذكر الإشارات المرجعية للمبادئ التوجيهية، هل سيلقى ذلك ترحيباً من القضاة والمشتكين، والممثلين القانونيين، والمجتمعات المتأثرة على العموم؟ [6]وإذا كان الأمر كذلك، كيف يمكن تحقيق هذه النتيجة، وإلى أي حد يكون ذلك؟ أياً كانت الإجابة، فلا شك في أنَّ قدرة المبادئ التوجيهية على تعزيز النتائج الملموسة على النَّازحين داخلياً في محاكم حقوق الإنسان الدولية سوف تخضع لاختبار صعب لتقرير ما إذا كانت المبادئ تلك ما زالت تفي بوعدها أم لا.

ديبورا كزلين Deborah.Casalin@uantwerpen.be

باحثة في مستوى الدكتوراه، مجموعة أبحاث القانون والتنمية، كلية الحقوق، جامعة أنتڨيرپ.

www.uantwerpen.be/en/research-groups/law-and-development/

[1] انظر موريل م، وشتافروبولو م، ودوريو ج-ف (2012) ’تاريخ حق عدم التَّهجير ووضعه القانوني‘ نشرة الهجرة القسرية، العدد 41 www.fmreview.org/ar/preventing/morel-et-al

[2] ويليامز ر س (2008) ’المبدأ التوجيهي 29 وحق استرداد الممتلكات‘ نشرة الهجرة القسرية، عدد خاص، عشر سنوات على المبادئ التَّوجيهية بشأن النُّزوح الداخلي bit.ly/NHQ-GP10

[3] انظر مثلاً  محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان، قضية ريو نيغرو ماساكرز ضد غواتيمالا (2012) par. 173 and 176 bit.ly/IACHR-RioNegro-2012

[4] بُنِيَت هذه المقالة على مراجعة 51 قضية مقبولة متعلقة بالتَّهجير الداخلي الجماعي، وأجريت المراجعة ضمن بحث الدكتوراه الذي يعكف عليه المؤلف حالياً.

[5] انظر مثلاً لحنة حقوق الطفل، الملاحظات الختامية بشأن التقرير الجامع للتقريرين الدوريين الرابع والخامس لكولومبيا، CRC/C/COL/CO/4-5/ 6 مارس/آذار 1015، الفقرة ز(د) http://www.refworld.org/docid/566e765c4.html

[6] انظر Desmet E (2014) ‘Analysing users’ trajectories in human rights: a conceptual exploration and research agenda’ Human Rights & International Legal Discourse Vol. 8 (2): 121-141).

(’تحليل مسارات المستخدمين في حقوق الإنسان: استكشاف المفهومات وأجندة البحث‘، حقوق الإنسان والخطاب القانوني الدولي)

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.