الانتقال المخطط له للمهجرين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ

تشهد منطقة آسيا والمحيط الهادئ تطورات واعدة في مجال السياسات الرامية إلى التصدي لمشكلة التهجير الناتج عن الظروف المناخية والكوارث، لكنَّ هياكل الحوكمة العميقة المطلوبة لتضمين الحماية لم تجهز بعد خاصة للتعامل مع النقل المخطط له للمُهجَّرين. ولا بد من إيلاء مزيد من الاهتمام والتركيز على مساعدة الحكومات في تأسيس بنياتها الوزارية المشتركة وتجهيزها بما هو لازم للتعامل مع مختلف القضايا المعقدة والمتقاطعة التي تفرضها عملية إعادة النقل المخطط له.

تتضافر العمليات البيئية بما فيها التغير المناخي والكوارث الطبيعية مع الأشكال الأخرى من الضغوطات لتزيد من مخاطر التَّهجير أمام المجتمعات المستضعفة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ويحدث التهجير نتيجة ظهور الكوارث الطبيعية المفاجئة التي يتكرر ظهورها دائماً (مثل الزوابع والفيضانات والمخاطر غير المناخية) إضافة إلى العمليات بطيئة الظهور (مثل ارتفاع منسوب سطح البحر). ومع أنَّ نقل المهجرين هو الخيار الأخير في العادة، فلم يمنع ذلك على ما يبدو من حدوث حالات من الهجرة التلقائية بقيادة المجتمعات ونقل المهجرين ’المخطط له‘ بدعم من الحكومة في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء، ومرد ذلك إلى أن السكان في سعي دائم عن مناطق أكثر سلامة، وأرض أكثر إنتاجاً وسبل بديلة لكسب الرزق.

وعملية الانتقال معقدة بطبيعتها إذ تتضمن عدة أمور تتشارك فيها النواحي السياسية والبيئية والقانونية والاجتماعية بما في ذلك الدخول في مفاوضات عسيرة بين السلطات والمجتمعات المُهجَّرة والمضيفة حول الأرض والسكن والممتلكات. كما أنَّ هذه العملية تتطلب تأسيس أنواع من الحماية لخفض ما أمكن من الآثار الضارة لإعادة النقل.[i]

وعلى ضوء تاريخ تلك المنطقة، يتبين أنَّ الاستشارات مع المجتمعات المحلية لم تكن كافية أبداً (خاصةً من ناحية مشاركة النساء والفئات المهمشة) في خطط إعادة النقل التي تقودها الحكومات، بل غالباً ما اعترتها مشكلات كثيرة مثل محدودية آليات الشكاوى وسوء اختيار المواقع وغياب الحد الأدنى من دعم التعافي. أمَّا المجتمعات التي تسعى لإعادة النقل فغالباً ما تكون الإرشادات التي تتلقاها من السلطات الوطنية والمحلية محدودة من ناحية الإجراء اللازم لإعادة النقل وكيفية الوصول إلى الخدمات في المواقع الجديدة وكيفية التفاوض حول الترتيبات الجديدة للأراضي. وينتج عن ذلك تحديات متعددة في مواقع جديدة بما فيها الصعوبات في إعادة تأسيس سبل كسب الرزق والمشكلات في الوصول إلى الخدمات الأساسية والنزاعات مع المجتمعات المضيفة والتقطع في تلقي خدمات التعليم والرعاية الصحية. ويمثل فقدان الارتباط بالأرض والهوية الثقافية والمعارف الأصلية واقعاً جديداً للأشخاص الذين يرتحلون عن أراضي آبائهم وأجدادهم.

استجابات السياسات المستحدثة

لضمان ديمومة الحل الذي يقدمه النقل، تضع حكومات الجزر في المحيط الهادئ صكوكاً للسياسات للتصدي لتحديات إعادة النقل. ومنها جزيرة فيجي التي أوشكت على الانتهاء من صياغة الأدلة الإرشادية الوطنية لنقل المُهجَّرين، وتهدف تلك الأدلة إلى مساعدة المجتمعات المتأثرة بالعمليات الفجائية وبطيئة الظهور، وذلك الجهد بقيادة قسم التغيير المناخي في وزارة الشئون الخارجية. وكذلك حكومة فانواتو التي أعدت فيها وزارة التكيف مع التغيرات المناخية سياسة وطنية حول التغير المناخي والتَّهجير الناتج عن الكوارث الطبيعية، وتتضمن هذه السياسة فقرات تعالج تحديات تنفيذ عمليات النقل المخطط له.

وهناك بالمثل استجابات متنوعة للتصدي لتحديات الهجرة والتَّهجير المرتبط بالتغير المناخي والكوارث الطبيعية في آسيا. ففي نيبال، نسقت وزارة السكان والبيئة عملية تشاورية للانتهاء من إعداد استراتيجية للتغير المناخي والهجرة تتضمن تدخلاً استراتيجيّاً من أجل إحداث نقل ’كريم‘ للمهجرين. وفي جزر المالديف نُفِّذَت عملية نقل للسكان ضمن مشروع الجزر الآمنة بعد حادثة تسونامي لعام 2004، لكنَّ الحكومة هناك لم تبد أي التزام تجاه بناء إطار عام واضح وصريح للسياسات. وفي ڨيتنام، أُعيد نقل المجتمعات المُهجَّرة ضمن برنامج التعايش مع الفيضانات إذ نقل السكان من المناطق غير الآمنة للإقامة في دلتا نهر ميكونج.

بناء الهياكل المؤسسية

صحيح أنَّ هناك تطورات إيجابية تحدث الآن، إلاَّ أنَّ كثيراً من المبادرات ما زالت قاصرة عن تأسيس أشكال الحماية الضرورية واللازمة لضمان عملية إعادة التوطين المخطط له، خالية من الآثار السلبية على المجتمعات المتأثرة. ومن أهم التحديات ذلك التحدي المرتبط ببناء آليات وهياكل للتنسيق المشتركة بين الوزارات بحيث يمكنها معالجة القضايا المعقدة المرتبطة بالأرض وسبل كسب الرزق والمأوى والبنية التحتية الأساسية والماء والإصحاح والنقل والثقافة والصحة والتعليم الناتجة عن التَّهجير بسبب التغير المناخي والكوارث الطبيعية.

ويتطلب إعادة النقل المخطط له وجود قيادة مؤسسية مخصصة لهذا المجال تضم أعضاء نشطين من الوزارات المختلفة بهدف التنسيق لعملية التخطيط متعددة القطاعات. ومع ذلك، هناك عائق أساسي يعيق التقدم إلى ما بعد صياغة مسودات السياسات الرامية إلى تضمين مبادرات الحماية، وهذا العائق هو تحديد الجهة الحكومية التي ستناط بها المسؤولية. وكذلك في ظل عدم وجود مقاربة متكاملة قد تظهر عمليات متوازية للسياسات. ففي بنجلادش، أصدرت وزارة إدارة الكوارث والإغاثة إستراتيجية وطنية لإدارة النُّزوح الداخلي الناتج عن الكوارث الطبيعية والتغيير المناخي، أما وزارة البيئة والحراج فدعمت في الوقت نفسه بناء خطة نموذجية للعمل حول إدارة الهجرة الناتجة عن تغير المناخ والتدهور البيئي.

لذلك نجد أنَّ الأدوات والإرشادات التي تطورها الحكومات تدعو إلى تطبيق سياسات إعادة النقل المخطط له[ii] من خلال هيئات وزارية مشتركة وآليات للتنسيق لضمان استخدام الخبرات الموجودة لدى كل الوزارات وارتباط جهدها بالتخطيط الإنمائي بعيد الأمد. ويقتضي الوضع المثالي تنفيذ السياسات من خلال آليات مؤسسية قائمة، مع أنَّ ذلك سيتطلب تأسيس فريق عمل متخصص مشترك بين الوزارات.

وتميل وزارات البيئة والتغير المناخي و/ أو مكاتب إدارة الطوارئ الوطنية والكوارث الطبيعية إلى قيادة النقاشات الخاصة بالسياسات في هذه المنطقة (كما الحال في فانواتو وبنجلاديش ونيبال). إلاَّ أنَّ هذه الجهات وإن كان بمقدورها تولي دور الريادة في الجهد، فهي محصورة بولايات اختصاص محددة وضيقة لكل واحدة منها لدرجة لا تجعل منها بالضرورة الجهات الفاعلة المثالية لقيادة عملية التنفيذ الفعلية أو مراقبة فرق العمل، وذلك قد يؤدي إلى الحد من بناء الدعم القائم على قاعدة واسعة بين الجهات الفاعلة الحكومية. وفي الأوضاع التي لا تستطيع فيها المجتمعات النَّازحة العودة إلى منازلهم لمدد طويلة من الزمن، يواجه مكاتب إدارة الكوارث المسؤولة عن عملية الإجلاء الطارئة تحديات للتخطيط، ولتحديد الحلول الدائمة، حتى لو كان ذلك لا يقع بالضرورة ضمن مجال خبرتها. وفي هذه الحالة، قد تفتقر تلك المكاتب إلى الموازنة اللازمة لدعم التنفيذ.

وبالمثل، في حين تُجهَّز وزارات البيئة والتغير المناخي بما يلزم لتحديد الكوارث الطبيعية وتطوير السياسات البيئية، فهي لا تختص بالقضايا المرتبطة بإعادة النقل أو الأراضي والتخطيط الريفي والحضري، خاصة من ناحية أبعادها الإنسانية والإنمائية.

وكذلك يتبين أنَّ مشاركة الوزارات المعنية بالأراضي هي في حدها الأدنى مع أنَّ دورها مهم جدّاً في تحديد الأراضي المناسبة وضمان الامتثال القانوني للترتيبات الجديدة للحيلولة دون أن تصبح الاتفاقات المبرمة بين المجتمعات مجرد حبر على ورق لا تعكس إلاَّ ’حسن النوايا‘. وبالمثل نجد أنَّ الوزارات التي لها خبرة في توفير الخدمات الاجتماعية والحفاظ على المعارف الثقافية والإقليمية ليست لها مشاركات تُذكَر في نقاشات السياسات والتغير المناخي والكوارث والتَّهجير.

ولا بد من توفير آليات للتنسيق بين السلطات الوطنية والإقليمية والمحلية لدعم التنفيذ اللامركزي إضافة إلى تقديم الموارد المالية والفنية الكافية على المستوى المحلي. وقد تختلف أيضاً الأقسام التي يجب إشراكها حسبما إذا كان الانتقال سيحدث في المناطق الريفية أو الحضرية. وهناك ضرورة لتوفير الدعم الاستراتيجي، والمالي على أعلى المستويات للحكومة لكي يكون لفرق العمل التأثير السياسي الضروري. ونظراً إلى عدد الجهات الفاعلة المعنية، تزداد النزعة القوية لتأطير تلك الجهات على أنها تمثل ’كامل المبادرات الحكومية‘، وإذا كان التفكير بهذه الطريقة فسوف يؤدي إلى المخاطرة بعدم شعور أي وزارة بامتلاك حقيقي للمبادرات.

وتدرك عدة حكومات هذا التحدي. ففي فانواتو، وقعت مهمة إعادة النقل المخطط له استجابة للمخاطر الناتجة عن ثوران بركان أمباي مبدئيّاً على مكتب إدارة الكوارث الوطنية، ثم نقلت المسؤولية إلى قسم السياسات الاستراتيجية والتخطيط وتنسيق المساعدات الخاضع لمكتب رئاسة الوزراء. ومع أنَّ هذه المقاربة تركز على الخبرات من مختلف الوزارات، فقد تؤدي في النهاية إلى نوع من اللبس والارتباك حول الكيان الذي يجب أن تناط به مسؤولية إعادة النقل المخطط له، وذلك قد يترتب عليه مضمونات عملية تلمسها المجتمعات المتأثرة على أرض الواقع.

تساؤلات حول المسؤولية والحماية

عندما تكون المجتمعات معرضة أيضاً إلى عمليات الإجلاء وإعادة النقل المخطط له لأهداف إنمائية ولإنشاء البنى التحتية العامة، فسوف يثار في هذا المجال عدد من التساؤلات. فهل ينبغي أن تتولى المؤسسات الحكومية مسؤولية توفير المساعدة في إعادة النقل المخطط له لجميع المجتمعات المحلية بغض النظر عن سبب تهجيرهم؟ أم ربما يجب تحديد كيان سياسي منفصل لتناط به مسؤولية إعادة النقل المخطط له المرتبط بالأعمال الإنمائية؟ ففي فانواتو، سعت بعض المجتمعات المحلية المتأثرة بعمليات الإجلاء إلى الحصول على مساعدات إنسانية من مكتبها الوطني لإدارة الكوارث، ما أثار أسئلة شائكة حول مسؤوليات المكتب خاصة على ضوء المسودة الجديدة لسياسة التهجير. وهل ينبغي للمجتمعات المحلية التي أُعيد نقلها لأسباب مرتبطة بالإنماء تلقي المساعدة نفسها والحماية نفسها التي تقدم للأشخاص الذين يحتاجون إليها بعد انتقالهم لأسباب مناخية وبيئية. وتزداد تعقيدات هذه الأسئلة ازدياداً كبيراً عند تعدد الأسباب التي دعت في النهاية لإعادة التوطين المخطط له، كما يحدث مع الأشخاص الذين يعيشون في التجمعات غير الرسمية ضمن مناطق معرضة للخطر لا تضمن أمن حيازة الأراضي.

وفي جزيرة فيجي، أُعدت الاستجابة للسياسات الطارئة بحيث يمكنها إدارة إعادة النقل المخطط له والمرتبط بالتغير المناخي بمعزل عن إعادة النقل المخطط له المرتبط بالعوامل المحفزة الأخرى. فالذين يعجزون عن التكيف مع المناطق التي يرحلون إليها مبدئياً يحصلون على مساعدات من لجنة فريق عمل إعادة النقل الوطنية. أمَّا في بعض الحالات الأخرى التي حددت فيها الضغوط التنموية على أنها هي سبب إعادة النقل المخطط له، فتتولى وزارة التنمية الريفية والبحرية مسؤولية توفير رفاه المجتمعات المتأثرة. وسوف تقدم فانواتو وفق مسودة السياسة الجديدة القدر نفسه من الحماية للأشخاص بغض النظر عن سبب تهجيرهم، لكنَّ آلية التنفيذ الدقيقة لهذه الحماية لم تُفعَّل حتى الآن.

وتظهر الحاجة الماسة والواضحة لتقديم نماذج حوكمة إبداعية في إعادة النقل المخطط له، مع رفد تلك النماذج بالموارد اللازمة والكافية ودعمها بالخبرات التقنية الكافية بما يروج للتشارك في المسؤوليات بين مختلف الجهات الفاعلة الحكومية على المستويين الوطني والمحلي. [iii]ولا شك في أنّ الهياكل المؤسسية الأكثر ملاءمة للاستجابة للنُّزوح المرتبط بالتغير المناخي والكوارث الطبيعية سوف تختلف من موقع لآخر. ولكي تكون تلك الهياكل فعَّالة، لا بد من النظر في تاريخ الدوائر الحكومية المحددة وثقافتها والتأكد من مدى حضور الروَّاد المبادرين الذين لا تنقصهم المعرفة والدراية في مجال إعادة النقل، ولا بد من التركيز على قدرة ضباط الاتصال في الحكومة في التغلب على التحديات التي سيواجهونها في القطاعات وفي ظل اللامركزية في معرض تنفيذ الحماية على المستوى المحلي.

جيسي كونيل jconnell@iom.int

مستشارة

 سابريا كويلو scoelho@iom.int

مسؤولة الهجرة الإقليمية والتغير البيئي والمناخي

المكتب الإقليمي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ

منظمة الأمم المتحدة للهجرة (المنظمة الدولية للهجرة) www.iom.int

[i] Georgetown University, UNHCR, IOM and United Nations University

(2015) Guidance on protecting people from disasters and environmental change through planned relocation

(إرشادات توجيهية حول حماية الأشخاص منن الكوارث الطبيعية والتغير البيئي من خلال إعادة النقل المخطط له)

 www.brookings.edu/research/guidance-on-protecting-people-from-disasters-and-environmental-change-through-planned-relocation;

Georgetown University, UNHCR and IOM (2017) A Toolbox: Planning Relocations to Protect People from Disasters and Environmental Change

(مجموعة للأدوات: عمليات إعادة النقل المخطط لها لحماية الأشخاص من الكوارث الطبيعية والتغير البيئي)

https://environmentalmigration.iom.int/sites/default/files/publications/PLANNING%20RELOCATIONS_TOOLBOX_SPLIT%20VERSION.pdf

[ii]  انظر مثلاً Agenda for the Protection of Cross-Border Displaced Persons in the Context of Disasters and Climate Change

(أجندة لحماية المُهجَّرين العابرين للحدود في سياق الكوارث الطبيعية والتغير المناخي)

https://nanseninitiative.org/wp-content/uploads/2015/02/PROTECTION-AGENDA-VOLUME-1.pdf

[iii] لا تغطي هذه المقالة كثيراً من القضايا المعقدة الأخرى المتعلقة بإعادة التوطين المخطط له والأراضي وحقوق الإنسان والحماية. انظر مصادر مبادرة نانس حول ’إعادة النقل المخطط له ’Planned Relocation

www.nanseninitiative.org/portfolio-category/planned.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.