الإسلام والقانون الدولي وحماية اللاجئين والنازحين

ينتمي أكثر من نصف لاجئي العالم، والبالغ عددهم 10 مليون لاجئ، إلى دول إسلامية، بينما يستضيف العالم الإسلامي 9 ملايين من أصل 26 مليون نازح داخلياً عالميا1  بمن فيهم أكثر من 800,000 من المُهجَّرين الجدد نتيجة الانتفاضات التي حدثت إبَّان "الربيع العربي"2

وفقاً للقانون الدولي، فإن حماية اللاجئين والنازحين داخلياً يكفلها القانون الإنساني الدولي – ويعتمد ذلك بشكل أساسي على اتفاقية جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977، واتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكول عام 1967. ولا ننسى إضافة إلى ذلك الإطار الأوسع المتمثل في القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي استمد أغلب أحكامه من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948. 3 وكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد مهد الطريق لاعتماد معاهدات لاحقة لحقوق الإنسان – كما في عام 1966، حين تم اعتماد العهدين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أدى أيضاً إلى صكوك موضوعية وإقليمية لاحقة والعديد من الاتفاقيات المحددة والاتفاقات الدولية ذات الصلة بحماية ومساعدة النازحين.4

ويطالب الإسلام المؤمنين بمساعدة وحماية المستضعفين ويوفر عدداً من الآليات التي تساعد في توفير الرعاية والدعم اللازمين. إلا أن الإسلام والشريعة الإسلامية5 لا يوفران نظاماً قانونياً شاملاً لحماية اللاجئين والنازحين داخلياً، أو على الأقل لا يوفران مثل هذه الحماية بشكل يتوافق مع المفهوم الحالي للحماية. فعلى سبيل المثال، في حين أنه يوجد في الإسلام الحق في طلب اللجوء، وأبرز مثال على ذلك هجرة الرسول إلى المدينة المنورة لتجنب الاضطهاد، إلا أنه لا يوجد التزام مؤكد بوضوح من جانب الدول الإسلامية، على الأقل في الشريعة، بتوفير اللجوء. وقد دار بعض الجدل في الأعوام القليلة الماضية حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان6 في العالم الإسلامي، خاصة موضوع توافقه مع الشريعة الإسلامية. ويخشى بعض المدافعين عن حقوق الإنسان، من المسلمين وغير المسلمين، أن الإسلام، أو على الأقل الشريعة الإسلامية كما يتم تطبيقها حاليا، قد تكون غير متوافقة مع حقوق الإنسان، أو مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن ثم مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. ومن جهة أخرى، يجادل بعض المسلمين بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتعارض تعارضاً مباشراً مع بعض مبادئ الشريعة الإسلامية وبالتالي فهو غير مناسب للعالم الإسلامي.7

ولعل أكبر اختلاف بين وجهة النظر الإسلامية ووجهة النظر الدولية بشأن حقوق الإنسان يكمن في مفهوم الحقوق ذاته. ففي حين أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد على عالمية حقوق الإنسان، فإن الإسلام يعترف بنوعين من الحقوق: الحقوق التي يتعين على الإنسان، بحكم كونه من مخلوقات الله، أن يوفيها ويلتزم بها؛ والحقوق التي يحق له أن يتوقعها من غيره من البشر. وهذه الأخيرة هي التي تتوافق مع ما تُعرف في سياق آخر بـ»حقوق الإنسان». أما الأولى فهي الحقوق التي تنبع من، وتأتى من خلال، الإيمان بالله والدين.8 ومن هذا المنطلق فإن الله وحده هو الذي يملك الحقوق أما حقوق البشر فهي تُفهم على أنها وجوب إطاعة أوامر الله. فهي، أولاً وقبل كل شيء، حقوق الأشخاص في الالتزام والتقيد بالقوانين التي أوجدها الله، وهي ممكنة فقط من خلال هذا النظام العقائدي، ومن ثم لا تشمل غير المسلمين.

وثمة نقطة أخرى يصعب التوصل إلى توافق بشأنها وهي مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. إذ يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على المساواة التامة بين الجنسين دون قيدٍ أو شرط. أما في ظل الشريعة الإسلامية، فللمرأة حق تكفل الرجل برعايتها والإنفاق عليها، بينما يتوقع الرجل أن يرث ضعفي ما ترثه المرأة. ومن الممكن، على سبيل المثال، أن تثير مثل هذه القضية في أوضاع اللجوء والنزوح وما يتعلق بها من حق اللاجئين والنازحين في استرداد ممتلكاتهم، تساؤلات منها على سبيل المثال ما يتعلق بتداعيات ذلك على الكثير من الأسر التي ترأسها نساء وتكافح من أجل البقاء أو من أجل إعادة بناء الحياة وسبل العيش بعد وقوع الصراع والنزوح؟

إلا أن الإسلام يوفر بالفعل مجموعة متنوعة من الحقوق التي يحق للبشر، بحكم كونهم مخلوقات وعبيد الله، التمتعَ بها والتي لا تبدو، من منظور عصري، مختلفة عن العديد من الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. على سبيل المثال، فإن الحق في الحياة هو حق أساسي في الإسلام للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وبالمثل، فإن أي شخص، بغض النظر عن دينه، له الحق في الحماية من الأذى الجسدي ما لم يرتكب جريمة تستحق بحسب الشريعة الإسلامية العقاب البدني أو عقوبة الإعدام. وفي الدول الديمقراطية العلمانية الحديثة، تنفرد الدولة بحق استخدام العنف. أما في الإسلام، فإن الله وحده هو الذي ينفرد بهذا الحق ويتجلى ذلك من خلال القانون الإسلامي.9

كما يعتبر الحق في العدالة والمساواة والأمان والسلام والكرامة الإنسانية من ضمن الحقوق التي تعد جوهرية في الإسلام. وثمة حقوق أخرى مكملة لهذه الحقوق مثل التضامن الاجتماعي والحق في التعليم وفي التملك وفي التحرر من الاستعباد. وليس من الصعب بالتالي إدراك سبب ادعاء البعض بأن الكثير من الحقوق التي أقرها وكفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي حقوق كان الإسلام قد كفلها قبل نحو 14 قرناً من الزمان.

ولكن هذا لا ينفي أن هناك جوانب معينة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ستجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على البلدان الراغبة في تبني نظام قانوني يعتمد على الشريعة الإسلامية أن تتبنى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد أدركت ذلك منظمة مؤتكر التعاون الإسلامي، هي منظمة تضم جميع الدول الإسلامية تقريباً. واستجابت منظمة مؤتمر التعاون الإسلامي لذلك بأن صاغت ميثاقاً خاصاً بها لحقوق الإنسان، والذي، ورغم أنه مستوحى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويؤكد على «التزام الدول الأعضاء بميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان الأساسية»، إلا أنه يتوافق مع مبادئ الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية.

ولكن، وللأسف، يفتقر «إعلان القاهرة»10، وهو الاسم الذي تم إطلاقه على الوثيقة النهائية لميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي حول حقوق الإنسان في الإسلام، إلى إمكانية التطبيق الدولي، وبشكل أكبر من الإعلان الدولي لحقوق الإنسان على سبيل المثال، لكن قد يكون هذا نتيجة حتمية لربط ما يفضل التعامل معه على أنها حقوق عالمية سائرة على الجميع بدين محدد واحد.

هل نستخلص إذاً أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان يتعارضان مع القانون الإسلامي والشريعة الإسلامية؟ يجب أن لا ننسى هنا أن الإسلام وبشكل أساسي هو دين مساواة وعدل، ويضمن العديد من هذه الحقوق كما رأينا سابقا. ولا ننسى أيضاً أن سبعاً من الدول الإسلامية الثمانية التي حضرت جلسة التصويت الأولي في عام 1948 لم تجد في صيغة النهائية للإعلان الدولي لحقوق الإنسان ما يتعارض مع مبادئها وصوتت لصالح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.11 كما شاركت كل إيران ولبنان في صياغته في حين دعا وزير الخارجية الباكستاني وقتها إلى تبنيه.

والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس معاهدةً يمكن للدول التوقيع عليها. بل هو وثيقة رمزية تمثل نهجاً عالمياً لحقوق جميع البشر. أما الالتزام الفعلي من جانب أي دولة لروح هذا الإعلان فيكون من خلال التوقيع على المعاهدات الفردية. لذلك فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمثابة مصدر إلهام للمعاهدات وليس وثيقة قانونية. علاوة على ذلك، فإن أغلب المعاهدات الدولية تسمح للأطراف الموقعة بأن تعرب عن تحفظاتها بشأن مواد أو بنود معينة، سواء كان ذلك لأسباب خاصة بالدولة أو لأسباب ثقافية أو دينية. وقد وقعت غالبية الدول العربية والإسلامية على معظم هذه المعاهدات في حين أعربت عن بعض التحفظ على بعض تفاصيلها، سواء لأسباب سياسية (على سبيل المثال، في حالة وجود بند أو مادة تنطوي على اعتراف ضمني بدولة إسرائيل) أو لأسباب دينية (مثل منح حقوق متساوية للرجال والنساء في حين تتعارض تلك الحقوق مع الشريعة الإسلامية، كما في حالة الإرث).

ومن شأن تبني المعاهدات الدولية أن يساعد في سد الفجوات في نظام الحماية الإسلامي، وخاصة في ضوء الدعوات المتزايدة إلى اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر من مصادر التشريع الوطني ولا ننسى أن حماية الفئات الضعيفة خطوة تتوافق مع مبادئ الإسلام والشريعة الإسلامية. لذلك فإن إنشاء إطار قانوني معترف به دولياً لحماية اللاجئين والنازحين داخلياً سيكون خطوة مرحب بها وسيكون مكملاً لآليات الدعم القائمة والمتوفرة.

مصعب حياتلي كان محرر الإصدار باللغة العربية من نشرة الهجرة القسرية عند نشر الإصدار الأصلي لهذا الملحق ويمكن الاتصال به على العنوان mhayatli@hotmail.com

 

1 كيرستن زات، حماية المهاجرين قسراً في القانون الإسلامي ورقة البحث رقم 146، قضايا جديدة في أبحاث اللاجئين، مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، جنيف 2007.

2 جميع هذه الأرقام جاءت وفقاً لتاريخ النشر في منتصف عام 2012.

3 النص الكامل موجود في الصفحات.......

4 هناك قائمة بأسماء بعض هذه المعاهدات والدول التي انضمت إليها أو وقعت عليها في الصفحة 10

5 الشريعة (ومعناها <الطريقة>) هي الإطار الشرعي الذي يتم في نطاقه تنظيم جوانب الحياة العامة والخاصة لمن يعيشون في ظل نظام قانوني قائم على المبادئ الإسلامية.

6 نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان موجود في الصفحتين 6-7.

7 لمزيد من التفاصيل حول وجهات النظر المختلفة يرجى إلقاء نظرة على الموارد المتوفرة على موقعنا الإلكتروني.

8 لنظرة أكثر شمولية على تلك القضية انظر: وقائع الملتقى العلمي: حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والقانون الإنساني، 2001. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، متوفرة بالعربية على الموقع: http://www.nauss.edu.sa/NAUSS/Arabic/Menu/ELibrary/EBooks/booksnew9/. انظر أيضاً: ويرامانتري، الفريق الاستشاري (1998). الفقه الإسلامي: منظور دولي. هاوندميلز، ماكميلان. ومقالتي كاتارينا دالاكورا «الإسلام وحقوق الإنسان» ومقالة آن إليزابيت ماير «الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان» في كتاب «أساسيات حقوق الإنسان»، تحرير رونا سميث وكريستين فان دن آنكر، 2005، الناشر هودر آرنولد).

9 كما في الدول الحديثة، فإن تشريع وتفسير وتطبيق هذه القوانين سيختلف من دولة اسلامية أو سلطة إسلامية إلى أخرى.

10 نص بيان القاهرة موجود في الصفحتين 8-9.

11 صوتت أفغانستان ومصر وإيران والعراق وباكستان وتركيا وسوريا لصالح الإعلان في حين امتنعت المملكة العربية السعودية عن التصويت.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.