لمحات عن فاقدي الجنسية في أوروبا

هناك كثير من الأشخاص معدومي الجنسية في أوروبا ممن تتعرض حقوقهم الإنسانية إلى الانتهاك يومياً بدءاً بالعوز في الشوارع وانتهاءً بمكوثهم مدداً طويلة في أماكن احتجاز المهاجرين. هذه القصص تأتي من الشبكة الأوروبية حول انعدام الجنسية.

القصص التالية[i] ترويها الشبكة الأوروبية لفاقدي الجنسية وهي تحالف بين منظمات المجتمع المدني تضم حالياً 35 عضواً في 33 بلداً. وتعمل الشبكة على جمع دراسات الحالة من أجل حملة تسعى إلى إضفاء الطابع الإنساني على فقدان الجنسية وإظهار الأسباب الداعية لتحسين حماية فاقدي الجنسية. وتنظم الحملة عريضة (متاحة على الإنترنت بدءاً بتاريخ 28 مايو/أيار 2014) تدعو القادة الأوروبيين إلى الانضمام إلى اتفاقية عام 1954 المتعلقة بوضع الأشخاص فاقدي الجنسية (في البلدان التي لم تنضم بعد) والالتزام بتأسيس إجراء لتحديد صفة انعدام الجنسية. www.statelessness.eu

هناك كثير من الأشخاص فاقدي الجنسية في أوروبا ممن يواجهون انتهاكات في حقوقهم الإنسانية كل يوم بدءاً بالفقر والعوز في الشارع إلى إطالة مدد الاحتجاز في مراكز الهجرة. ومع ذلك، ما زال الحل بسيطاً للغاية وهو لا يزيد على تأسيس اجراء فاعل لتحديد وضع انعدام الجنسية.

عيسى

وُلد عيسى في كوسوفو وهرب إلى صربيا بعد نزاع عام 1999 لكنه لم يكن يملك أي أوراق ثبوتية شخصية ولم يتسجل على أنه نازح. ولم يذهب إلى المدرسة ولم يتمكن من الحصول على تأمين صحي. والدليل الوحيد على إقامته كان إفادات زوجته التي تزوجها عرفياً وجيرانه. وكانت أول شهادة ميلاد له صدرت عام 2013 عندما كان عمره 29 عاماً، وما كان ذلك ممكناً لولا إدخال إجراء جديد عام.

ومع أنه تمكن من تسجيل ولادته، بقي دون جنسية. فلا يستطيع أن "يرث" جنسية أبيه (لأن أبيه أيضاً لا يمتلك أي جنسية) ولا جنسية أمه (التي غادرت الأسرة عندما كان عمره أسبوعين ولا يعرف إذا كانت أمه تحمل جنسية أم لا وقت ولادته). ودون جنسية، يبقى عيسى محروماً من الحقوق والخدمات.

"لا أستطيع الزواج، ولا أستطيع إثبات أبوتي لأطفالي، ولا أستطيع زيارة أسرتي في كوسوفو. ولا أستطيع العمل بطريقة قانونية، ولا أستطيع تلقي المساعدة في الرفاه الاجتماعي ولا التسجل في التأمين الصحي. الناس يعاملوني كأنني غير موجود أو كأنني مجرم."

لا يوجد حالياً في صربيا أي إجراء للاعتراف بفاقدي الجنسية وتنظيم وضع عيسى ما يترك خياراً وحيداً لعيسى وهو الحصول على الجنسية الصربية من خلال التجنيس. لكنَّ عيسى لا يمكنه لسوء حظه أن يقدم دليلاً خطياً على إقامته، فإثبات الإقامة من أهم المتطلبات القانونية. وهذا ما يجعله عالقاً في فراغ النسيان.

سارة

وُلدت سارة وترعرعت في جمهورية الكونغو الديمقراطية لأب رواندي وأم كونغولية. وفي عام 2011، خلال النزاع بين البلدين المتجاورين، اعتُقل والدا سارة التي وجدت نفسها وحيدة في سن الخامسة عشرة. وبعد عام من حبس والديها، قررت الفرار إلى هولندا.

عندما وصلت سارة إلى هولندا، تقدمت بطلب للحصول على إذن بالإقامة على اعتبارها طالبة لجوء قاصر غير مصحوبة ببالغ لكن طلبها قوبل بالرفض وبدأت إجراءات إعادتها إلى بلادها. ومع ذلك، قبل يومين من موعد إعادتها إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، صرحت السلطات الهولندية أنَّ وثيقة السفر التي منتحتها السلطات الكونغولية للفتاة قد سُحبت ودون تلك الوثيقة لا يمكن ترحليها. ومن هنا، توقفت عملية الترحيل وسُمح لسارة بالبقاء. ثم تقدمت سارة بطلب الحصول على "إذن بالإقامة  لسبب خارج عن إرادة صاحب الطلب" لدى السلطات الهولندية لغايات تنظيم وضعها، وهذا الإذن يبقى ساري المفعول سنة كاملة لمن لا يستطيع مغادرة هولندا لأسباب لا تتعلق به. وفي هذه اللحظة، كان على سارة أن تتقدم بإثبات للشخصية من السلطات الكونغولية، وهنا تبين لسارة للمرة الأولى أنها فاقدة للجنسية.

لقد أبلغتها السفارة الكونغولية في هولندا أنها فقدت الجنسية الكونغولية تلقائياً فور وصولها لسن الثامنة عشر نظراً لأن القانون يفرض على مزدوجي الجنسية أن يختاروا جنسية واحدة فقط. ولم تكن سارة تعلم بذلك، أما السفارة الرواندية فأخبرتها إنه لا يمكن اعتبارها رواندية لأنها لم تولَد في رواندا ولا صلة قائمة لها بالبلاد.

ومر اثنا عشر عاماً، وبقيت سارة عاجزة عن الحصول على وثائق شخصية من الكونغو أو رواندا، وبما أنَّ هولندا لا تمتلك إجراء للاعتراف بصفة فاقدي الجنسية لم يكن لدى سارة أي حل منظور لمشكلتها.

"أثناء تقدمي لطلب الإقامة، كان لي على أقل تقدير فرصة في الدراسة وإقامة الصداقات. أما الآن، فأشعر بالعزلة في البيت يومياً. أتمنى أن أكوّن أسرة لكنني لا أستطيع بالنظر إلى وضعي هذا."

لوكا

"كل ما أريد هو العمل. لماذا لا يمنحوني إذن الإقامة للسماح لي بالعمل؟ إنهم يجبروني على العمل بطريقة غير قانونية. لقد تعبت."

ولد لوكا في أوكرانيا عندما كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي. وترعرع في دار الأيتام ثم انتقل إلى سلوفاكيا عام 1991 حين كان يبلغ من العمر 15 عاماً. ولم يكن لوكا يحمل أي أوراق من الحكومة الأوكرانية تثبت جنسيته.

وتعرض لوكا للاحتجاز عدة مرات في سلوفاكيا كان آخرها عام 2012 عندما قضى في مركز الاحتجاز 14 شهراً. ثم أطلق سراحه بعد أن قررت المحكمة أن طرده من سلوفاكيا لم يكن ممكناً ومُنح إذناً بالبقاء المتسامح به. وسجلت السلطات السلوفاكية جنسيته بعبارة "غير محددة" مع أن جميع الإثباتات تفيد أنه بالفعل فاقد للجنسية. وعندما حاول لوكا التقدم بطلب لتمديد الإقامة، طلب إليه أن يقدم وثائق جديدة يؤكد فيها عدم قبول السفارة الأوكرانية منحه وثيقة سفر بديلة. ومع أنَّ الشرطة كان لديها إثبات أنَّ أوكرانيا لن تقبل لوكا على أنه مواطن أوكراني، فقد رفضت طلبه وأصدرت بحقه غرامة مقدارها 80 يورو بسبب جنحة الإقامة غير القانونية. وبعد أسبوع حررت بحقه غرامة أخرى بمقدار 160 يورو.

لقد عاش لوكا أكثر من 20 عاماً في سلوفاكيا، وبعد هذه المدة ما زالت السلطات لم تعترف به على أنه فاقد للجنسية ولا يتيح له نوع الإقامة الممنوحة له العمل ولا الحصول على التأمين الاجتماعي. ولا يستطيع الزواج من شريكة حياته وهي أم ابنه البالغ من العمر 8 سنوات الذي حصل على الجنسية السلوفاكية ويعيش معه ومع أمه.

"لا يُعترف رسمياً بأبوتي لابني. اسمي ليس موجوداً على شهادة ميلاد ابني. لقد رفضوا أن يكتبوه في الشهادة لأنني لا أمتلك أي مستندات تثبت هويتي."

[i]  جميع الأسماء بُدِّلت في هذه المقالة.

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.