عام 2014 وما بعده: الآثار المترتبة على النزوح الداخلي

يُمثل عام 2014 نقطة تحوّل لأفغانستان، فمع انسحاب قوة المساعدة الأمنية الدولية بعد مضي اثني عشر عاماً على تواجدها هناك، والمخاطر الحقيقية التي يفرضها هذا الانسحاب على قدرات الدولة الأفغانية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية العديدة التي تعاني منها البلاد، تأتي هذه التحديات لتكوّن مضمونات ذات أهمية على الأفغان النازحين داخلياً والعائدين منهم وكذلك إحتمالية النزوح داخلياً في المستقبل.

حتى وقت كتابة هذا المقال، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الوجود العسكري الدولي في أفغانستان سيستمر بعد عام 2014، فقد اتسمت أجواء الدبلوماسية، منذ فترة طويلة، بعدم التيقن والعلاقات المتوترة بين الحكومة والدول المساهمة بقواتها. وفي نهاية الأمر، فهذه هي الجهات الرئيسية المانحة للتنمية، وما لم يتحسن مناخ التعاون، سيتبخر اهتمام الجهات المانحة في المخاطر التي تواجهها البلاد، في حين أنَّ هذا هو الوقت الذي تحتاج فيه أفغانستان شراكات مستقرة ومتوقعة. وهذا من شأنه تقويض المكاسب السياسية والتنموية  المهمة التي تحققت على مدى العقد الماضي. وفي حقيقة الأمر، يمثل انسحاب قوات المساعدة الدولية لارساء الامن في أفغانستان (إيساف) بحد ذاته فرصة إيجابية من أجل التغيير، فمحادثات السلام والتوصل إلى تسوية سياسية مستقبلية بين الأفغان مبنية على رحيل القوات الأجنبية المقاتلة. ومع ذلك، على الصعيد الإنساني، فمن المرجح أن يكون للتحولات في المجالات الأمنية والسياسية والاقتتصادية أثراً على التدهور المطرد على الوضع، وكذلك أن يكون لها أثراً بارزاً على حركة النزوح والتي تؤثر على الشعب الأفغاني.

وتمثل أفغانستان أكبر عملية لإعادة اللاجئين في العالم. فقد عاد أكثر من 5.7 مليون شخص في السنوات العشر الأخيرة، وهو ما يمثل قرابة ربع السكان الحاليين والبالغ 28 مليون نسمة، الأمر الذي يشكل تحديات كبيرة على القدرة الاستيعابية للبلاد. وطالما أنَّ أحوال التنمية ليست في وضع يسمح باستيعاب عودة اللاجئين على نحوٍ مُستدام، فإنَّ نقل السكان حتماً يزيد من عبء عدد القضايا الإنسانية.

ويقدَّر عدد الأفغان الذين نزحوا داخلياً من ديارهم في عام 2013 كنتيجة مباشرة للصراع بما يقارب 124,350 شخصاً[i]. وعموماً، فقد بلغ العدد الإجمالي المسجل للنازحين داخلياً بسبب الصراع 631,000[ii] منهم ما يقرب من 40% ينتقلون إلى المناطق الحضرية حيث ينضمون إلى الأعداد المتزايدة من الفقراء فيها. وفي الوقت الذي تتمثل احتياجات هؤلاء النازحين الفورية بالاحتياجات الإنسانية، يتطلب أيضاً هذا النزوح الذي طال أمده في المناطق الحضرية من الحكومة الاستجابة لاحتياجات التنمية ذات الأمد البعيد. والأكثر أهمية من ذلك، تشمل الأسباب الرئيسية للنزوح الداخلي الصراع المسلح والتدهور العام للأمن والترويع والمضايقات التي تمارسها العناصر المناوئة للحكومة. وتبحث الغالبية العظمى من الناس عن السلامة في المناطق نفسها أو في الأحياء القريبة منها، ولكن الأغلبية تسعى للحصول على ذلك في مركز المنطقة أو مركز الولاية.

الأجندة الإنسانية عقب إنسحاب قوات (إيساف)

في الوقت الذي تغادر فيه القوات الاجنبية أفغانستان، يطلب المجتمع الإنساني نهجاً جديداً للحفاظ على وجوده، وتأمين الوصول إلى المحتاجين، وضمان حصولهم على المساعدة والحماية. وفي حين أنَّ أفغانستان تخرج من فترة كانت فيها المساعدات مُسيَّسة إلى حدٍّ كبير وتُقدَّم ضمن إطار عسكري في كثير من الأحيان، يمثل انسحاب قوات (إيساف) فرصة لإعادة صياغة العمل الإنساني على نحوٍ محايد ومستقل. ومن المتوقع أن تكون المرحلة المقبلة مرحلة تمتاز بالوسائل المالية المحدودة وتضاؤل الاهتمام السياسي من العالم الغربي. وسيكون المفتاح لضمان مصداقية المساعدة الإنسانية التي ستقدم في الحقبة التي تلي قوات (إيساف) وفعاليتها الصياغة الواضحة وتقديم المساعدة على أساس الاحتياجات. وفي الماضي، كانت البرامج الإنسانية تركز، إلى حد كبير، على المناطق الشمالية حيث كانت نسبياً وبوضوح موجهة لجمع التبرعات والاستمرار في العمليات. ومع ذلك، فقد أظهرت التحليلات الأخيرة أنَّ مناطق الجنوب والشرق محرومة من المساعدات، نظراً لشدة الاحتياجات المحددة، بما في ذلك حالة النزوح المتكرر التي تسود تلك المناطق. ويتمثل التحدي الرئيسي في تحديد الجهات الفاعلة المستعدة والقادرة على العمل في هذه المجالات، سواء كانت الأفغانية أم الدولية، والاستثمار في ذلك.

وفي خطة العمل الإنسانية المشتركة لعام 2014[iii]، قرر المجتمع الإنساني تحديد أولويات الاحتياجات الحادة وكذلك المزمنة أينما تكون، بما في ذلك في المناطق المتنازع عليها والتي يصعب الوصول إليها. ويبدو هذا منطقياً ولكن وضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ يتطلب سلسلة من التحولات في اعتبارات الجهات الإنسانية الفاعلة نفسها. أولاً، على المنظمات الإنسانية وكذلك الجهات المانحة إظهار تحمل أكبر للمخاطر، إلى جانب إيجاد تدابير ملائمة للتخفيف من المخاطر. ثانياً، هناك نطاق واسع لتجربة منهجيات مبتكرة لاستخدامها مع البرامج  في السياق الأفغاني، بما في ذلك تقديم المساعدات النقدية، والإدارة عن بُعد، ومراقبة الأطراف الأخرى. ثالثاً، على المنظمات الإنسانية، سواء أكانت تعمل على نحو فردي أم جماعي، تحديد وإشراك مجموعة أوسع من أصحاب المصلحة. ومن الأولويات الرئيسية هنا التفاوض مع جميع أطراف النزاع لتأمين الوصول الآمن (ومن الضرورة بمكان الحفاظ على هذه المفاوضات أن تبقى بمنأى عن غيرها من المبادرات ومستقلة). ولا يمكن تفهّم الأمور التي تجدها الجهات الإنسانية الفاعلة واضحة من حيث تقديم المساعدات لإنقاذ الحياة اعتماداً فقط على الحاجة وجعلها ممكنة من الناحية العملية- ما لم تصل الجهات الفاعلة الأخرى إلى المستوى نفسه من التفهم. ويعد التطبيق العملي لمبادئ الحيادية والنزاهة والاستقلال أمراً أساسياً للقدرة على العمل في وضع آمن نسبياً.

وبموجب إطار عمل طوكيو للمساءلة المتبادلة، وعدت الجهات المانحة بتقديم 16 مليار دولار أمريكي في مساعدات التنمية المقدمة لأفغانستان اعتباراً من 2012 وحتى 2016[iv]. ولكنَّ تنفيذ هذه الوعود بتقديم المساعدات مرهون بالتقدم المحرز لأفغانستان في سياق عدد من معالم التنمية التي لم تتحقق بعد. وهذا الأمر يعني، إلى جانب تقلص موازنات المعونة في العالم الغربي، أنَّ أفغانستان ستواجه انخفاضاً كبيراً في حجم المساعدات الخارجية- ضمن السياق الذي يدل على أنه بنهاية عام 2013 كانت المساعدات الخارجية تمثل 70% من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان. وكمؤشر على ما هو متوقع أن يحدث، اقترح الكونغرس الأمريكي في يناير/ كانون الثاني 2014 الحد من المساعدات المدنية لتصبح مليار دولار أمريكي بدلاً من 2 مليار دولار سنوياً. وقد يؤدي هذا الأمر، بالإضافة إلى التخفيضات الأخرى في المساعدات، قد يجبر الحكومة على تقديم أولوية الإنفاق على الأمن على أولوية الإنفاق على المدنيين، مما يؤدي إلى الإضرار بالخدمات الأساسية المقدمة للسكان.

التَّحول السياسي والأمني

رغم الدعم المنتظم على مدى السنوات الإثني عشر الماضية، ما زالت المؤسسات السياسية والإدارية في البلاد عموماً تعاني من الضعف والشلل في كثير من الأحيان بسبب الفساد ومعارك النفوذ والعداوات الشخصية. ويتَّسم النموذج المركزي للحكومة بتركيز السلطة في مكتب رئيس الدولة، في حين لا تزال الوزارات والهيئات تعاني من ضعف مزمن في الموارد البشرية والبنية التحتية وبالتالي المعطيات الناتجة. وإحدى النتائج الرئيسية لهذا الأمر بأنَّه تقدر قدرة الحكومة على استيعاب التمويل الإنمائي المقدم كدعم مباشر للميزانية بنسبة لا تزيد على 40%. وتتمثل نقطة الضعف الرئيسية للحكم في أفغانستان بضعف القدرة على المواءمة بين الإدارة المركزية، التي تؤدي دور المتلقي الرئيسي ومدير المساعدات الخارجية، والمؤسسات الإقليمية التي تتمثل مهمتها في تقديم الخدمات الأساسية للسكان. إنَّ عدم كفاءة الإدارة المترسخ في أذهان الناس، إلى جانب اعتمادها الواضح على الوجود العسكري الأجنبي، أعاق مهمة بناء شرعية الدولة.

 

وبما يخص الوضع الأمني​​، هناك عامل رئيسي يتعلق به منذ نشر القوة الدولية في عام 2001 ألا وهو استحداث الاقتصاد العسكري في أفغانستان. ففي عام 2012 وحده، أنفقت الحكومة الأمريكية 22 مليار دولار أمريكي على عقود للاستمرار بعملياتها. وتعد فرق إعادة إعمار الولايات الأفغانية بإشراف العسكريين وبرامج الاستجابة لحالات الطوارئ التابعة للقادة العسكريين نموذجين فقط من الأدوات المدنية التي تهدف إلى فرض  الاستقرار من خلال التنمية. إلا أنَّه في بداية عام 2014، استغني عن فرق المساعدات المدنية والعسكرية. وبناءً عليه، يعد هذا التحول الأمني نهاية للإنفاق العسكري الأجنبي على التنمية. في حين أنَّه يمكننا القول بأنَّ جزءاً كبيراً من هذا الإنفاق كان ليس ذا قيمة مقارنة بقيمة الأموال، إلا أنَّه كان يغذي عملية الحوكمة، بالإضافة إلى تمكين حكام الولايات الأفغانية من تقديم بعض الخدمات.

 

ومنذ ربيع عام 2014، لا تزال المنظمات المسلحة غير الحكومية والقوات الموالية للحكومة تخوض في طريق مسدود. ومع التناقص  المنتظم لقوات إيساف، يبدو أنَّ زيادة قوات الأمن الوطنية الأفغانية كافياً لتوفير الأمن للمراكز الحضرية الرئيسية، إلا أنها لا تزال غير كافية لردع المنظمات المسلحة غير الحكومية في المناطق الريفية. وفي الوقت نفسه، أخفقت محادثات السلام في إحراز أي تقدم ملموس. وفي ظل غياب تسوية سياسية، ستبقى إحتمالات تعرض السكان المدنيين إلى الضرر العرضي وكذلك الضرر المباشر مرتفعاً. وستستمر عمليات النزوح الداخلي- سواء النزوح ذا الأمد القصير أم المتكرر أو لفترات طويلة- وستكون آفاق عملية إعادة الإدماج المستدامة للاجئين والنازحين العائدين محفوفة بالمخاطر.

ومن الواضح أنَّ خمسة وثلاثين عاماً من النزاع قد أعاقت عملية التنمية. فمعاناة الشباب في أفغانستان وانخفاض متوسط ​​العمر المتوقع (49 سنة) يعنيان أنَّ 70% من السكان هم تحت سن 25 وأنَّ 25% فقط من السكان يعيشون في المناطق الحضرية. ووصلت نسبة البطالة في المناطق الريفية إلى مستوى 60%. وتعتمد هذه الفئة الغالبة من سكان المناطق الريفية على سبل عيش في مجال الزراعة هشة للغاية، في بلد عرضة للجفاف وغيرها من الكوارث. فأكثر من 8 ملايين أفغاني يعانون من انعدام الأمن الغذائي المزمن. ورغم المليارات التي أنفقت على المساعدات، لم يكن هناك أي استثمار يُذكر في مجال الاستعداد  هناك لمواجهة الكوارث والحد من المخاطر وإدارة الموارد الطبيعية، بما في ذلك إدارة المياه. ودون إحراز أي تقدم في هذه المجالات، ستستمر حالات الطوارئ الإنسانية الناشئة عن الكوارث ذات النطاق الصغير والمتوسط، وستبقى الهجرة داخل البلاد وخارج حدودها لأن تكون استراتيجية التكيف والملاذ الأخير.

وتُرجم الإنفاق على التنمية في الفترة ما بعد عام 2001 إلى أجندة أساسية تتعلق ببناء السلام وتحقيق الاستقرار، التي لم يكن فيها للمساعدات الأجنبية أي أثر يُذكر على مستويات الفقر. ولم يُسهم وجود الثغرات في تقديم الخدمات الأساسية في استمرار الضعف المزمن وانخفاض مستوى التنمية البشرية فحسب، بل تُرجم إلى حاجة ماسة للمساعدة لإنقاذ الحياة لما لا يقل عن 5 ملايين نسمة. وتتفاقم هذه الأرقام بسبب الصدمات المتوايدة، مثل الزيادات المفاجئة في الصراعات والكوارث الطبيعية والنزوح.

الاستنتاج الأولي

في سياق العمليات الأفغانية، هناك خمس مجموعات رئيسية من الجهات الفاعلة تحدد الفرص وكذلك القيود التي تُفرض على وصول المساعدات الإنسانية: الجهات الفاعلة الإنسانية نفسها؛ والمجتمعات المتأثرة؛ والحكومة؛ والمنظمات غير الحكومية المسلحة؛ والجهات الإنسانية المانحة. وفي الوقت الذي تسعى فيه الجهات الفاعلة الإنسانية إلى توسيع نطاق وصول هذه المساعدات من خلال مناصرة والمشاركة مع جميع الجهات الفاعلة الأخرى، تعد الإجراءات التي تتخذها هذه الجهات نفسها حاسمة. ويتطلب العمل الإنساني الآمن والموثوق به أن يُظهر جميع أفراد المجتمع قبولهم للمبادئ الإنسانية. ومع ذلك فقد كان العمل القائم على المبادئ في الماضي بعيداً كل البعد عن  الإتساق. فقد كانت الضغوطات وفرص العمل على دعم الأهداف غير الإنسانية كبيرة، ولكن مع قرب إنتهاء عمليات إيساف، فقد تنفصل عملية التمويل والمساعدات الإنسانية  عن الأجندة السياسية والعسكرية الأوسع.

وتتطلب عملية  النزوح الناجم عن النزاع المسلح، وتدهور الأمن العام والمضايقات والترويع الناشئ في المناطق الريفية حيث يعيش أكثر من 70% من سكان أفغانستان؛ والاستجابة الإنسانية الفعالة في حينها انفتاح القوات وعلى نحو متساوٍ في النصف الجنوبي من أفغانستان تحديداً. فكلما طال أمد النزوح، تزداد عدم رغبة النازحين الأفغان في العودة إلى ديارهم. تحتاج الوكالات الإنسانية إلى بناء ثقافة "كيفية البقاء" وليس "متى تحين المغادرة"، مما يسمح للجهات الفاعلة تحمل مخاطر مقبولة عندما هناك ما يبررها، علاوةً على استخدام الأساليب الإبداعية للحدِّ من المخاطر. وأخيراً، ستكون هناك ضرورة إلى بذل جهود متضافرة للوصول إلى تفاهمات مع المنظمات غير الحكومية المسلحة والتي تسمح بوصول آمن وسلس للمساعدات الإنسانية للأفغان المحتاجين وكذلك المجتمعات المتضررة نفسها.

إيدان أوليري  oleary@un.org رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق شؤون المساعدات الإنسانية، أفغانستان. www.unocha.org كتب هذا المقال بصفة شخصية ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة الأمم المتحدة.



[i]  النزوح الداخلي الناجم عن النزاعات – النشرة الشهرية، المفوضية العليا لشؤون اللاجئين- أفغانستان، ديسمبر/كانون الأول 2013

http://tinyurl.com/UNHCR-Afgh-Dec2013

[ii]  النزوح الداخلي الناجم عن الصراعات – النشرة الشهرية، المفوضية العليا لشؤون اللاجئين- أفغانستان، ديسمبر/كانون الأول 2013

http://tinyurl.com/UNHCR-Afgh-Jan2014

https://afg.humanitarianresponse.info/funding/common-humanitarian-action-plan-chap [iii]

أو صفحة أفغانستان لتطبيق نافذة المساعدات الإنسانية:  http://kiosk.humanitarianresponse.info/

[iv]  يوليو/تموز 2012

http://tinyurl.com/TokyoMAF

 

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.