التعاون في الإنماء ومعالجة ‚الأسباب الجذرية‘

للإنماء مكانه عند التعامل مع الأسباب الجذرية للتهجير لكنه لا يمثل بديلاً لا بالنسبة للتدابير المهمة اللازمة في مجال السياسية الخارجية، والسياسة التجارية، والمساعدة الإنسانية ولا في تولي مسؤولية اللاجئين القادمين إلى أوروبا الآن.

على إثر الارتفاع الكبير في أعداد اللاجئين الداخلين إلى أوروبا ارتفعت الأصوات المنادية في التعامل مع الأسباب الجذرية للتهجير من خلال التعامل الإنمائي عبر الاتحاد الأوروبي وخصصت عدة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تمويلات كبيرة لهذا الغرض. ومع ذلك يمثل الارتفاع في المبالغة في استخدام هذا المصطلح وضعف الوضوح فيما يتعلق بمعناه عدداً من المخاطر. وتتمثل أولى هذه المخاطر بأن هذا المصطلح مثير لإشكاليات إذا لم تكن التمويلات الإنمائية تستخدم أساساً للامتثال للغرض الحقيقي الذي أُنشٍئت من أجله (تحقيق التحسين المستدام لظروف العيش في الدول المستقبلة) لكنها تستخدم لمنع الهجرة نحو الدول المانحة. والأمر الثاني أن شعار التعامل مع الأسباب الجذرية للتهجير قد يثير توقعات غير واقعية حول ماهية التعاون الإنمائي وما يمكن أن يحققه في أوضاع التهجير الجماعي. وثالثاً يهدد الحوار الناشئ والمركز تحديداً على التعامل مع الأسباب الجذرية للتهجير بصرف الانتباه عن ضرورة إصلاح سياسة اللجوء الأوروبية وتحقيق نطاق أكبر من تشاطر المسؤوليات على المستوى الأوروبي.

ولتوضيح القيمة المضافة للتعاون الإنمائي في أوضاع التهجير الجماعي علينا أن نفرق أولاً بين الأهداف البنيوية والحادة للتهجير كما أنه علينا أن نحدد مدى المجالات المحتملة للتدخل وراء التعامل مع الأسباب الجذرية.

مقاربات التعامل مع أسباب التهجير

تمثل الأسباب البنيوية للتهجير نطاقاً واسعاً من التطورات والمستجدات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية السلبية بما فيها أوجه القصور في حكم القانون وتهميش الأقليات والتمييز ضدها وانتشار الفقر والظلم وتدمير البيئة. وقد تتمثل الأسباب الحادة للتهجير في النزاعات المسلحة والحروب الأهلية وغيرها من أنواع العنف المعمم.

ويتمتع الفاعلون الإنمائيون الأوروبيون بجاهزية عالية للتعامل مع ما ذكر ومن ذلك على سبيل المثال البرامج المعدة لبناء البنى التحتية والصحية والتعليمية من خلال الأدوات الهادفة إلى تحسين حوكمة المصادر ومن خلال برامج مكافحة الفساد. وينطبق الأمر ذاته على الترويج لحكم القانون والإنماء الاقتصادي وتعزيز البنى الاجتماعية. ولا تقل أهمية التدابير الهادفة إلى التكيف مع التغير المناخي مثل المناهج المحسنة للزراعة والنماذج المناسبة للبناء والتوطين. ومن خلال التحليل الحريص لأسباب النزاع والتهجير يمكن تطوير دور التعاون الإنمائي في منع الأزمة أو الهجرة الناتج عن حالات اليأس.

لكن الأسباب الحادة للتهجير كالنزاع العنيف أو الاضطهاد السياسي لا يمكن التأثير عليها إلا تأثيراً هامشياً بالسياسة الإنمائية. وتتطلب هذه السيناريوهات تدابير دبلوماسية في المقام الأول كما تتطلب مساعدات إنسانية وإدارة للأزمات. وفي مثل هذه الحالات لن يكون بالإمكان من خلال الاقتصار على توسيع التعاون الإنمائي وحده منع مزيد من الهجرات القسرية. ولذلك لا بد للمقاربة الإنمائية الشاملة للتعامل مع الأوضاع الخاصة بالهجرة القسرية أن تتضمن مجالات أخرى من التدخل.

مجالات أخرى من التدخل

رغم التحديات الكبيرة الناتجة عن تلبية الحاجات الأساسية للاجئين ودمجهم في المجتمع حالياً لا ينبغي أن ننسى أن كثيراً من البلدان النامية تواجه تحديات أكبر من ذلك بكثير فيما يخص استقبال اللاجئين. وينطبق هذا الوضع تحديداً على البلدان الأقل نماءً ومثال ذلك عندما يتنافس اللاجئون مع السكان المحليين على فرص العمل والتشارك بالموارد النادرة مثل مساحة العيش أو الرعاية الصحية.

بل يمكن لحركات اللاجئين الكبيرة أيضاً أن تؤثر على الأمن الداخلي للبلدان.  وهناك أوضاع كما الحال في باكستان والساحل وشرق أفريقيا على سبيل المثال حيث تشارك المجموعات المسلحة في رعاية اللاجئين وحشدهم في الوقت نفسه في جهدهم العسكري لتنفيذ أهدافهم. وفي مثل هذه الأوضاع يعد الشباب واليافعون أكثر اللاجئين استضعافاً. 

ولذلك هناك مهمة أساسية واحدة للتعاون الإنمائي تتمثل في دعم البلدان التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين. ومع أن الاستجابات الإنسانية أساسية فهي تخفق على وجه العموم في التعامل مع المنظورات بعيدة الأمد للأفراد المهجرين وعائلاتهم. فاللاجئون الذين يعيشون في المخيمات لمدة مطولة من الزمن لا يحظون بأي فرصة حقيقية للعيش في حياة يقررون مصيرهم بأنفسهم، وعلى المستوى المتوسط الأمد يمكن أن ينتج عن أوضاع اللاجئين المطول هجرة مستمرة.

وفي المقابل يمكن للإجراءات القائمة على التنمية أن تقدم أملاً ودعماً للاجئين في بلدان اللجوء الأول.  ومن أمثلة التدخلات المهمة خاصة في الأزمات المطولة التعليم (لغايات منع ظهور جيل الضياع) ودمج اللاجئين في سوق العمل ومنحهم الحق في العمل والحرية في التنقل وحق الاستحواذ على الأراضي.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للتعاون الإنمائي أن يدعم إعادة إدماج اللاجئين السابقين من الذين يختارون العودة إلى ديارهم. وقد يُطلَب لعملية إعادة الإدماج أن يصاحبها تدابير الوساطة المدنية لفض النزاعات على الأرض أو غيرها من القضايا المتنازع عليها. وإذا ما عاد اللاجئون إلى المناطق السابقة التي عانت من الحرب فسيكون من الضروري تقديم الدعم الشامل في إعادة الإعمار المادي والاجتماعي على حد سواء. وتظهر لنا الممارسة أن نجاح أي تدابير لإعادة الدمج تعتمد على طوعية العودة.

وفيما يخص أي واحد من التدابير المذكورة آنفاً، لا شك أنه من الضروري جداً عدم التمييز ضد السكان المحليين بل لا بد من مساعدتهم على الاستفادة من هذه التدابير أيضاً.

الخلاصة

على ضوء تزايد أعداد اللاجئين تزايداً كبيراً على مستوى العالم وفي الاتحاد الأوروبي وافقت كثير من البلدان الأوروبية على ضرورة المشاركة المبنية على الإنماء وزيادة تلك المشاركة. وبهذا تصبح مطالبات الحاجة إلى التعامل مع الأسباب الجذرية للتهجير التي دائماً ما نسمعها مصدراً مساعداً من حيث لأنها ساهمت في توفير مزيد من الموارد المالية للمشروعات القائمة على الإنماء في البلدان الأصل أو في البلدان المضيفة.

وفي الوقت نفسه يحمل التركيز على التعامل مع الأسباب الجذرية للتهجير مخاطر خاصة بها. فهناك خطر الاستعاضة عن البرامج البنيوية الناجحة الهادفة إلى تحقيق آثار بعيدة الأمد بمشروعات قصيرة الأمد تسعى إلى منع حركات اللاجئين الحادة. وهذا ما سيكون عليه الحال على سبيل المثال إذا ما أعيد توجيه المخصصات المالية للإنماء إلى بناء المدارس إلى الترويج لتعاون الشرطة.

وفي حالة النزاعات المسلحة في سوريا والعراق وجنوب السودان ومنطقة البحيرات الكبرى الأفريقية لا يمكن للتعاون الإنمائي أن يقدم إلا قليلاً من المساهمة الجزئية للتعامل مع الأسباب الجذرية للتهجير. وهنا تظهر النداءات المطالبة أساساً بمشاركة نواحي السياسات الأخرى مثل السياسة الخارجية والسياسة الأمنية والسياسة التجارية والسياسة الاقتصادية. ولن يمكن إلا بإشراك هذه المجالات في السياسات المذكورة التغلب على العوامل التي تقود التهجير واقتصادات الحرب.

وفي غضون ذلك، على البلدان المضيفة الأوروبية أن تتجنب أي مبادلات بين الاستجابات الإنمائية للأوضاع الخاصة بالتهجير القسري واستقبال اللاجئين في أراضيهم فلا يجب التضحية بحل مقابل الحصول على حل آخر.

 

ستيفين أنغينيندت steffen.angenendt@swp-berlin.org

رئيس قسم البحوث والقضايا العالمية

 

آن كوخ Anne.Koch@swp-berlin.org

رئيس مشارك لقسم البحوث والقضايا العالمية

 

أرميري ماير Amrei.Meier@swp-berlin.org

مساعد بحث لقسم البحوث والقضايا العالمية

 

المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية

www.swp-berlin.org/en/start-en

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.