ضمان حقوق نازحي التغير المناخي في بنغلاديش

هناك خمسة مجالات حرجة وحساسة تتطلب عملاً عاجلاً إزاء خطر النُّزوح الداخلي الناتج عن التغير المناخي الذي تعاني بنغلاديش اليوم من حدته وتزايده.

تضرب بنغلاديش كَوَارِثُ طبيعيةٌ ناتجة عن الفيضانات إثر الرياح الموسمية وأعمال الحت والتعرية في الأنهار والشواطئ وارتفاع المد والأعاصير الاستوائية التي تهب عليها من خليج البنغال وتعاني البلاد بسببها من موجات متكررة من النُّزوح. فبين عامي 1995 و2015، عانت البلاد من أضرار تفوق قيمتها المادية 2.28 مليار دولار أمريكي أي ما تقارب نسبته 0.73% من الناتج المحلي الإجمالي بفعل 185 كارثة طبيعية ألمّت بها.[1] وإضافة إلى أنَّ بنغلاديش تُصنَّف على أنها من أكثر البلدان الشاطئية استخطاراً في العالم، فالوضع فيها يسوء بسبب التغير المناخي الذي يُعدُّ سبباً إضافياً محفزاً على النُّزوح. ومن بين مقاطعات بنغلاديش التي يصل عددها الإجمالي إلى 64 مقاطعة، هناك 26 مقاطعة شاطئية وبرية تمثل مصدراً للنُّزوح الداخلي الناتج عن التغيرات المناخية. وتعي الحكومة هناك وعياً كاملاً بأنَّ المستقبل خلال أربعين سنة القادمة يحمل معه خطر نزوح 20 مليون شخص نتيجة ارتفاع منسوب البحر وحده خلافاً لعوامل المناخ الأخرى.

ومع ذلك، لا تتوافر بنغلاديش على أي سياسة وطنية شاملة خاصة بالتعامل مع النزوح المرتبط بالمناخ بالذات. وبغياب الإرادة السياسية وعدم توافر الموارد المالية والفنية، لا يوجد أي آلية شاملة حالياً لدعم الأشخاص الذين فقدوا بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم نتيجة التغير المناخي. ونتيجة لذلك، ما زالت أوجه القصور تشوب جهود الحكومة والقطاعات غير الحكومية في إعادة تأهيل النازحين داخلياً . وحتى في الحالات التي أعيد فيها تأهيل الأشخاص النازحين ما زالت المشكلات قائمة في تأمين سبل كسب الرزق لهم.

وبما أنَّ بنغلاديش وَقَّعَت على كثير من معاهدات حقوق الإنسان وبما أنّها ملزمة باحترامها من ناحية توفير الحماية المثلى لحقوق الإنسان إزاء النازحين بسبب التغيرات المناخية، فهذا يعني أنَّ الحكومة تتحمل مسؤولياتها بموجب القوانين المحلية والقانون الدولي لتوفير الحلول القائمة على الحقوق لهؤلاء الأشخاص خاصةً فيما يرتبط بتأمين السكن لهم والأراضي وحقوق الملكية. وإضافة إلى ذلك، بما أنَّ غالبية الأشخاص المهجَّرين بفعل التغير المناخي هم من النازحين داخل البلاد، يقع على الحكومة واجب الالتزام باحترام مبادئ الأمم المتحدة الإرشادية الخاصة بالنُّزوح الداخلي التي -وإن كانت غير ملزمة- تتماشى مع قانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي اللذين تلتزم بنغلاديش باحترامهما.

خمسة إجراءات أساسية

لقد أسست منظمة طاقة الشباب في العمل الاجتماعي (YPSA)، وهي منظمة وطنية إنمائية اجتماعية غير حكومية، خطة مناصرة تتألف من خمس نقاط أساسية تقوم على المعايير القانونية المحلية والدولية المرعية وحددت خمسة إجراءات أساسية قدمتها للحكومة في بنغلاديش.

تأسيس آلية رصد للنُّزوح الناتج عن التغيرات المناخية مع أنّنا نعلم أنَّ الكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخي تسبب النزوح الداخلي، لا يوجد أي مجموعة منتظمة من البيانات حول النازحين ولا يوجد أي رصد لوضعهم أو استشفائهم. ومع أنَّ خطة العمل واستراتيجية التعامل مع التغير المناخي اللتين وضعتهما بنغلاديش توصي بأن تضع الحكومة "آلية لرصد هجرة الأشخاص المتأثرين بالتغير المناخي في داخل البلاد وإلى خارجها"[2]لم تُنشَأ هذه الآلية حتى الآن. لكنَّ النماذج موجودة لتصميم مثل هذه الآلية[3] وعلى الحكومة أن تؤسس لها دون تأخير. وعند تأسيس هذه الآلية، يجب الحرص على تضمينها عملية تسجيل جميع نازحي التغير المناخي وتوثيق أي دعم أو مساعدة يتلقونها من الحكومة أو غيرها من أصحاب العلاقة المعنيين لأنَّ هذه المعلومات يمكن استخدامها لاحقاً على المستوى الوطني في التخطيط للحلول الدائمة الفعالة وتنفيذها بشأن نازحي التغيرات المناخية في بنغلاديش.

إدماج حقوق نازحي التغيرات المناخية في القانون والسياسية الحاليين للتغير المناخي: أصدرت الحكومة عدداً كبيراً من القوانين والسياسات المتعلقة بالاستضعاف والتكيف المرتبطين بالتغير المناخي[4] لكنَّ أياً منها لا يواجه بوضوح تحدي النزوح المناخي بما في ذلك تقديم السكن للنازحين والأراضي وحقوق الملكية. ومن الضروري أن تدمج الحكومة في القوانين والسياسات الحالية والمستقبلية حقوق نازحي التغير المناخي ومسؤوليات الحكومة تجاههم في جميع مراحل النزوح بما فيها مرحلة الوقاية من النزوح ومرحلة النزوح ذاتها ومرحلة الحلول المستدامة. ولتحقيق ذلك الهدف، لا بد من تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني بدعم من المجتمعات الإقليمية والدولية.

ضمان توزيع الأراضي التي تمتلكها الحكومة بفعالية وشفافية وعدالة: أقرَّت الحكومة منذ استقلال البلاد عدداً من القوانين والسياسات الخاصة بتوزيع الأراضي التي تمتلكها الحكومة والتي غالباً ما تقع في المناطق الهامشية على طول الشاطئ والأنهار. وتنص المادة 35 من دليل إدارة الأراضي (1991) على حق كل عائلة لا تملك أرضاً بالحصول على أرض من ممتلكات الدولة. لكنَّ برامج توزيع الأراضي لم تكن على درجة واحدة من النجاح نتيجة الإشغال غير القانوني لأراضي الدولة وغياب الإرادة السياسية وعدم فعالية الإدارة المحلية والوطنية وعدم وجود إجماع على أي مصدر للمعلومات المنتظمة والمحدَّثة حول توافر موارد الأراضي.

ويُقدَّر حالياً أنَّ الدولة تسيطر على قرابة 3.5 مليون آكرة من أراضي الدولة منها 25% أراض زراعية و50% أراض غير زراعية و25% تغطيها المياه. ومن الواضح أنَّ هذه الأراضي قد تمثل دوراً مهماً في إيجاد الحلول الدائمة لنازحي التغير المناخي. وينبغي لبرامج توزيع الأراضي المملوكة للحكومة على الأشخاص الذين لا أرض لهم أن تضمن عند تصميمها إشراك المجتمعات المتأثرة وتمكينهم من الحصول على معلومات واضحة حول القرارات غير المواتية لهم.

ومن المهم أن تُتَّخذ القرارات الخاصة بتوزيع أراضي الدولة على أساس الحاجة الحقيقية وليس على أساس الاعتبارات السياسية أو الشخصية. وينبغي لممثلي المجتمع المدني أيضاً أن يكونوا جزءاً من الهيئات التي يناط بها مهمة اتخاذ القرارات حول توزيع تلك الأراضي. وإضافة لذلك، ينبغي تدريب أصحاب القرار على النزوح المرتبط بالمتغير المناخي في بنغلاديش وتوعيتهم بضرورة ضمان تحقيق الحلول المستدامة القائمة على حقوق الإنسان لنازحي التغير المناخي.

وتنص المادتان 54 و56 أيضاً من دليل إدارة الأراضي (1991) على منح أولوية الأراضي المملوكة للحكومة للأشخاص الذين يفقدون أراضيهم بسبب عوامل التعرية النهرية. ومن المهم تحديث هذا الدليل ليعبِّر عن الواقع الحالي وحصول الغالبية العظمى من الأشخاص على الأراضي الحكومية بعد فقدانهم لأرضهم نتيجة الآثار المناوئة للتغير المناخي عليهم. وينبغي للقانون أن يعامل جميع الأشخاص المتأثرين بعواقب التغير المناخي والكوارث الطبيعية على قدم المساواة سواء أكانوا ضحايا للأعاصير المدارية أم لارتفاع المد أو الفيضانات أو القحط أو الانهيارات الأرضية.

تخصيص الأراضي الحكومية لنازحي التغير المناخي: من الواضح أنَّ حلول الأراضي المحلية سوف تمثل دوراً مهماً في العثور على الحلول المستدامة حالياً ومستقبلياً للملايين من نازحي التغير المناخي في بنغلاديش. ومع ذلك، من الواضح أيضاً وجود نقص حاد في الأراضي في بنغلاديش يرافقه ازدحام مأساوي في كبرى المدن والعشوائيات. ويترتب على ذلك ضرورة تمكن الحكومة من استخدام جميع الأراضي في توفير الحلول لنازحي التغير المناخي. وفي يومنا الحاضر، لا تملك الحكومة سوى منح فاقدي الأراضي ملكية الأراضي الزراعية فهي مقيدة بدليل إدارة الأراضي (1991) بمنح فاقدي الأراضي أراض مستأجرة مقابل إيجارات بسيطة. وبما أنَّ الآثار الناتجة عن التغير المناخي تؤدي إلى تقلص مساحات الأراضي الزراعية المتاحة، يتضح لنا أهمية تغيير التشريعات والسياسات للسماح للحكومة بمنح الأراضي غير الزراعية لنازحي التغير المناخي، إذ يمكن تخصيص غالبية الأراضي البالغ مساحتها 1.75 آكرة من الأراضي غير الزراعية لنازحي التغير المناخي مع ضمان أمن حيازة الأراضي.

بناء برامج فعالة لعودة نازحي التغير المناخي ونقلهم وإعادة تأهيلهم وتنفيذ تلك البرامج: في الوقت الحالي، لا يوجد برامج شاملة في بنغلاديش لضمان العودة الفعالة لنازحي التغير المناخي إلى ديارهم أو أماكن إقامتهم الاعتيادية ولا لتسهيل نقلهم لأطراف أخرى من بنغلاديش. ولا يوجد برامج شاملة لضمان فعالية إعادة تأهيل نازحي التغير المناخي فور عودتهم أو نقلهم لأماكن أخرى. كما أظهرت الخبرة أنَّ تحديات أخرى تواجه إعادة التأهيل ذاك منها على سبيل المثل تحديات إيجاد سبل كسب الرزق. ومن الضروري تصميم برامج العودة والانتقال وإعادة التأهيل بطريقة مراعية للحقوق ثم يجب تنفيذها فوراً.

الخلاصة

مع أنَّه من الصعب التوافق على عدد الأشخاص الذين سوف يطالهم أثر التغييرات المناخية في بنغلاديش، من الواضح أنَّه لا بد للدولة من وضع إطار عام مؤسسي شامل لمواجهة هذا التحدي ولضمان حماية حقوق جميع نازحي التغير المناخي. ولا يقل أهمية عن ذلك تمكين مختلف أصحاب المصلحة المعنيين على المستوى الوطني والإقليمي وفي المجتمع الدولي من المساهمة في ضمان تنفيذ إطار عملي مؤسسي فعَّال من خلال التعاون المالي والفني بالإضافة إلى استمرارية الرصد والتقييم للاستجابات على صعيد القوانين والسياسات للنزوح المرتبط بالتغيرات المناخية. وتبقى قضية توزيع الأراضي أهم ما ينبغي إدراجها في صلب أي مقاربة تسعى لحل مشكلة النزوح المناخي ولا بد من العمل الآن على تلبية الحاجة لضمان توزيع الأراضي على ملايين من البنغلاديشيين النازحين منهم الآن ومن سينزحون في المستقبل.

وخلافاً لكثير من الدول التي تواجه النزوح الناتج عن التغير المناخي، يتوافر لدى بنغلاديش نظام خاص بتوزيع الأراضي التي تملكها الدولة على فاقدي الأراضي. وسيكون من المفيد إجراء عدد من التحسينات الرئيسية في تنفيذ هذه القوانين والسياسات لأنَّ ذلك سيعود بالنفع على عمليات توزيع الأراضي التي تمتلكها الحكومة ليتبلور ذلك في أمرين مهمين هما تقديم الحلول الدائمة للعثور على المنازل الجديدة والأراضي لمن نزحوا بسبب آثار التغير المناخي وتوفير نموذج نافع سيثير اهتمام الدول الأخرى في معرض دراستها لتشكيل مقاربتها الخاصة في البحث عن حلول توزيع الأراضي لمواجهة التغير المناخي وآثاره.

 

برابال بارواprabalims@gmail.com

مسؤول الرصد والتقييم

 

محمد شاهجيهان jahanctg@gmail.com

رئيس قسم إدارة المعرفة للتنمية www.ypsa.org

 

محمد عريف الرحمن ypsa_arif@yahoo.com

الرئيس التنفيذي

 

مرشد حسن مولاmorshedgeo@yahoo.com

مسؤول أبحاث مشارك www.ypsa.org

 

وجميعهم من منظمة قوة الشباب في العمل الاجتماعي، بنغلاديش www.ypsa.org

 

سيد حفيظ الرحمن hafizsr@gmail.com

بروفيسورقسم العلوم البيئية، جامعة جاهانغيرناغار، دكا، بنغلاديشwww.juniv.edu/envsci

 



[2] من منشورات وزارة البيئة والمناطق الحرجية

www.iucn.org/content/bangladesh-climate-change-strategy-and-action-plan-2009

[3] مثال ذلك، المشروع المشترك بين حكومة ساموا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2010) بعنوان الرصد الحقوقي للأشخاص النازحين بفعل الموجات الزلزالية المدّية (تسونامي) في ساموا في عام 2009 

http://pacific.ohchr.org/docs/IDP_report.pdf

 ( Human rights monitoring of persons internally displaced by the 2009 tsunami in Samoa)

[4] تتضمن هذه التشريعات السياسة الوطنية للبيئة (1992) والسياسة الوطنية لاستخدام الأراضي (2001) وسياسة المناطق الشاطئية (2005) وبرنامج العمل الوطني للتكيف (2005) وخطة عمل واستراتيجية التغير المناخي البنغلاديشية (2009) وخطة العمل الوطنية لإدارة الكوارث (2010-2015) وقانون إدارة الكوارث (2012)

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.