مقاربة أوغندا في التعامل مع الاعتماد الذاتي للاجئين

اختارت أوغندة الإدماج بدلاً من التهميش، فبدلاً من إجبار اللاجئين على المكوث في المخيمات منحت أوغندة اللاجئين الحق في العمل ودخول المدارس والتحرك بحرية.

عادة ما تطالعنا العناوين العريضة في الصحف والهاشتاج في وسائط الإعلام الاجتماعية عن أزمة اللاجئين وكأن مجرد ظهور الناس من بلد آخر يمثل تهديداً. وحتى في أوساط المنظمات الإنسانية، يُنظر إلى اللاجئين على أنهم عبء يجب التشارك به. لكن هذا الخطاب يخفي حقيقة مفادها أن قدرة اللاجئين على المساهمة في المجتمعات التي يعيشون فيها تعتمد بالضبط على العوامل التي تقع خارج إطار سيطرتهم ألا وهي سياسات الحكومات المضيفة وإتاحة الخدمات العامة، والصحة، والاقتصادات المحلية والإقليمية وموازنات المنظمات الإنسانية، وأولويات الفاعلين الإنمائيين الدوليين والأمن الوطني والإقليمي وإلى ما هنالك. وفي معظم الأحيان، تحرم هذه العوامل -سواء أكانت منفردة أم مجتمعة- اللاجئين من الحقوق والفرص ذاتها التي تمكِّن الناس من رعاية أنفسهم. وكما فسر رؤساء الهيئات الإنمائية وهيئات اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مؤخراً، ليس استضعاف اللاجئين أمراً محتوماً فهو يُستمَدُّ من الظروف التي تُفرَض عليهم والتي يعززها عدم اكتمال استجابة العالم لهم.[i]

لكنَّ الأثر المعاكس محتمل أيضاً. فإذا ضُبطَت هذه العوامل المذكورة يمكنها أن تمكن اللاجئين من إفادة مجتمعاتهم المضيفة بدلاً من أن يكونوا عبئاً عليها. ولا غرابة في ذلك. فالمواطنون واللاجئون على حد سواء يتأثرون تأثراً واحداً بالتحديات التي تواجه الإنماء المحلي والإقليمي مثل عدم كفاية الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم. وبالتصدي لهذه التحديات، سيستفيد الجميع في المنطقة كما يستفيد الناس من المد في البحر الذي يرفع جميع القوارب.

والمأساة أن هذه البيئات الممكنة يندر وجودها. لكن الوضع يختلف في أوغندة التي اعتاد اللاجئون أن يجدوا فيها ملاذاً لهم منذ الحرب العالمية الثانية فهي تعد استثناءً لهذه القاعدة. إذ تستضيف أوغندة اليوم أكثر من 500 ألف لاجئ. 100 ألف منهم أو يزيد وصلوا في عام 2015 ومعظمهم جاء من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبوروندي، وجنوب السودان حيث اشتعلت النزاعات وسادت حالة من عدم الاستقرار إلى درجة تمنع من احتمالية عودة اللاجئين في المستقبل المنظور.

واختارت أوغندة مبدأ الشمولية والإدماج بدلاً من التهميش والإقصاء وبدلاً من أن تجبر اللاجئين على الإقامة في المخيمات، تمسكت بحقوقهم في العمل والتحاقهم بالمدارس وحرية الحركة. بل ناضلت في سبيل تحقيق كل ذلك وإدامته عن طريق بناء بيئة داعمة للاعتماد الذاتي والقدرة على مقاومة الظروف للمجتمعات برمتها بما فيها اللاجئين المقيمين فيها. وترتكز سياسة اللاجئين في أوغندة إلى ثلاثة محاور هي:

  • المساواة، والحوار، والدعم المتبادل ما يقود إلى اللدونة المجتمعية.
  • دعم سبل كسب الرزق المستدامة التي تضع في الاعتبار السياقات السكانية والثقافية والاقتصادية لكل مجتمع محلي.
  • شمل اللاجئين في المنظومات التي تديرها الحكومات المحلية مثل: خدمات الصحة العامة، والتغذية، والبيئة، والتعليم، ومنع العنف القائم على الجندر والاستجابة لهذا العنف وخدمات حماية الطفولة.

وأهم ما في الأمر أن هذه المقاربة الرائدة بُنيت على فرضيتين اثنين: أولاهما، أن التهجير يمثل ناحية من المسؤوليات التي يجب التشارك بها بالنسبة لكل من الفاعلين الحكوميين الإنمائيين والإنسانيين، وثانيهما: أن التهجير أيضاً يمثل جانباً من الفرصة للاجئين والأوغنديين على حد سواء.

المسؤولية المتشارك بها

فيما يخص الفرضية الأولى، هناك سمة ملحوظة وهي: توزيع العمل بين مختلف أصحاب المصلحة بالطرق التي تمثل نقاط قوة لكل شخص. فالفاعلون الإنمائيون والدول المانحة تدعم المشروعات الاقتصادية بما فيها الوصول إلى الأرض وإدخال أساليب جديدة تقود إلى تحسين المحاصيل المربحة وتطوير الروابط  مع الأسواق. وهكذا نجد القطاع الخاص وغيره من الفاعلين مثل مؤسسات الإقراض الأصغر وأصحاب العمل العاملين مع المنظمات غير الحكومية الدولية والمصارف الإنمائية متعددة الأطراف وهيئات الأمم المتحدة فكلها تدعم سبل كسب الرزق غير الزراعية وذلك بالترويج للوظائف ذات الأجور وتحديد فرص سبل كسب الرزق الحيوية وتوفير القروض وتدريب المهارات المطلوبة في محو أمية الأعمال التجارية وبناء المشروعات الصغيرة. كما أن الحكومة الأوغندية تعزز من قدرات توفير الخدمات الاجتماعية في المناطق التي تستضيف اللاجئين وذلك لأنها تبغي دمج الخدمات بالنسبة للاجئين ضمن منظومات الحكومات المحلية.

وضمن البيئة التعاونية هذه، تظهر وتنتشر أفكار ومقاربات جديدة بطريقة كبيرة. فقد أدمجت أوغندة بالفعل اللاجئين في خطة الإنماء الوطنية فيها. ففي المناطق الريفية، دأب اللاجئون هنا منذ أمد بعيد على استلام قطع من الأراضي من أجل أن يزرعوا فيها محصولاتهم للاستهلاك الشخصي.  وتسعى الحكومة الآن مع شركائها الدوليين لاستكشاف مشروعات اقتصادية واسعة النطاق مصممة من أجل إفادة كل من فئتي اللاجئين والمجتمعات المحلية المضيفة.

وكأي برنامج آخر بمثل هذا الحجم، لا شك من وجود بعض العيوب، وتاريخ أوغندة يظهر نتائج مختلطة لأن الجهود الماضية واجهت إعاقة على سبيل المثال بسبب عدم كفاية الاستشارات مع المجتمعات المتأثرة التي لا تمثل المستفيدين من برامج الاعتماد الذاتي فحسب بل تمثل أيضاً عناصر فاعلة في إنجازها. وتتطلب هذه الحقيقة توفير مقاربة براجماتية لضمان حصول كل فرد سواء أكان لاجئاً أم مواطناً على الدعم الذي يحتاج إليه إلى أن يصبح جاهزاً ومستعداً للاستغناء عن المساعدات تدريجياً. ومن هنا لا بد من تقديم التمويل الكافي وكذلك المشاركة العملية البراجمتية مع الاقتصاد السياسي الذي يجب على البرنامج أن يعمل ضمنه. فتنافس الأولويات والمصالح بين الحكومات المحلية، على سبيل المثال، أدى في بعض الأحيان إلى عدم تفضيل اللاجئين عندما بدأت مصادر التمويل بالجفاف.

لكن أوغندة لحسن الحظ تتعلم منذ أمد بعيد من هذه الدروس السابقة وتنتقل بذلك نحو استخدام مقاربة شاملة عمومية تواجه الحاجات الإنمائية المميزة لكل من الفتيات، والفتيان، والنساء، والرجال بغض النظر عن جنسيتهم سواء أكانوا أوغنديين أم لاجئين. ويضع النموذج الذي تبنته أوغندة بالتسلسل التدخلات الإنسانية على المدى القريب وعلى المدى المتوسط وكذلك المقاربات الإنمائية على المدى البعيد وذلك من أجل مساعدة المشاركين تدريجياً على رفع معدلات اعتمادهم الذاتي ولدونتهم.

الفرصة المتشارك بها

تجلب هذه البيئة الترحيبية منافع محسوسة وتجدد الإحساس بالكرامة لكل من الأوغنديين واللاجئين. وهنا تكمن الفرضية الثانية في سياسة أوغندة وهي: أنَّ التهجير يمثل فرصة متشارك بها. وقد وصفت إحدى أحدث الدراسات الاقتصادية حول اللاجئين في أوغندة "مجتمع اللاجئين على أنه متكامل على الناحيتين الوطنية والعابرة للوطنية وأنه يساهم بطرق إيجابية في الاقتصاد الوطني وأنه متعدد اقتصادياً وأنه يستخدم وينشئ التكنولوجيا وأنه أيضاً بعيد كل البعد على الاعتماد على المساعدة الدولية."[ii]

والدليل المقدم قوي جداً: لأن نسبة ما لا يتعدى 1% من اللاجئين الذين يعيشون في المستوطنات الأوغندية الريفية يعيشون بالكامل على المساعدات الإنسانية. أما معظمهم فيشغلون مشروعاتهم التجارية الخاصة بل يوظفون الأوغنديين في تلك المشروعات. وبالمثل في العاصمة كامبالا يُقدر وجود 1 إلى 5 لاجئين ممن يوظفون أفراداً من غير عائلاتهم وهناك أيضاً 40% من هؤلاء الأشخاص الذين يوظفون اللاجئين هم من الأوغنديين.

وهكذا بدلاً من سرقة الوظائف، "تزداد احتمالية أن يفتح اللاجئ أعماله التجارية الجديدة أكثر من احتمالية عمل ذلك من المواطنين وهذا ما يزيد ولا يخفف من عدد الوظائف المتاحة." ويساهم اللاجئون بعدة طرق أيضاً بما في ذلك من خلال دفع الضرائب وتحفيز الطلب وإنشاء الأفكار الجديدة والمهارات التي قد لا يستحوذ عليها المقيمون المحليون. وإذا ما دمجنا كل هذه المنافع معاً فنستنتج أنَّ هذه المنافع سوف ترجح على تكاليف الخدمات الاجتماعية الإضافية وتدابير الحماية البيئية.[iii]

وبالطبع، يعد الإدماج الاقتصادي للاجئين أمراً صحيحاً لا بد من فعله. وقد أثنى بابا الفاتيكان فرانسيز مؤخراً على الطريقة التي مكنت منها أوغندة اللاجئين في "إعادة بناء حياتهم في أمن وإعادة بناء إحساسهم بالكرامة من خلال كسب لقمة عيشهم من العمل الشريف."[iv]ومن الجدير بالذكر أن كثيراً من قادة أوغندة بمن فيهم رئيسها موسيفني كانوا يوماً لاجئين. وهم وضع مناسب يمكِّنهم من تقدير الكرامة والأمل الذين يمكن للاعتماد الذاتي أن يجلبهما معهم. وقد اكتشفت أوغندة وشركاؤها الدوليين من خلال رؤيتهما الإدماجية أن كثيراً من العالم قد رفض أن يقبل فرضية أن المغانم التي تأتي من الاعتماد الذاتي للاجئين تزيد كثيراً على المغارم التي يمكن أن ترتبط بهم.

 

كيلي ت كليمنتس clements@unhcr.org

نائبة المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة

 

تيموثي شوفنير shoffner@unhcr.org

مستشار القانون والسياسات

 

 www.unhcr.org

 

ليا زيمور lzamore@post.harvard.edu

مستشار القانون والسياسات

 



[i] هيلين كلارك وفيليبو غراندي (2016) "لا تغفلوا أي لاجئ"

 www.project-syndicate.org/commentary/development-assistance-displaced-people-by-helen-clark-and-filippo-grandi-2016-01

 (Leave No Refugees Behind)

[ii] بيتس أ وآخرون (2014): اقتصادات اللاجئين: إعادة النظر في الافتراضات الشائعة، مشروع الإبداع الإنساني، مركز دراسات اللاجئين

www.rsc.ox.ac.uk/files/publications/other/refugee-economies-2014.pdf

(Refugee Economies: Rethinking Popular Assumptions)

[iii]  إيميلي إ. أرنولد –فيرنانديز وستيوارت بولوك، حقوق اللاجئين في العمل، العدد 44، نشرة الهجرة القسرية

www.fmreview.org/ar/detention/arnoldfernandez-pollock

[iv] البابا يحيي أوغندا على معاملتها "منقطعة النظير" للاجئين، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2015

www.unhcr.org/cgi-bin/texis/vtx/refdaily?pass=52fc6fbd5&id=565bf0a95

(Pope hails Uganda's 'outstanding' treatment of refugees)

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.