اتفاقية اسطنبول: معاهدة جديدة وأداة جديدة

تقدم اتفاقية اسطنبول الجديدة أداة قوية  لضمان أكثر فعالية لحماية طالبي اللجوء المواجهين لخطر الاضطهاد القائم على الجندر وخطر تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى على وجه الخصوص.

تعد اتفاقية المجلس الأوروبي حول منع ومحاربة العنف ضد المرأة والعنف الأسري المعروفة أيضاً باتفاقية اسطنبول بأنها أول اتفاقية أوروبية مخصصة تحديداً للتعامل مع العنف ضد النساء بما في ذلك تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى. فتشويه الأعضاء التناسلية للأنثى يمثل تهديداً للنساء والفتيات في جميع أنحاء العالم بما فيها أوروبا، وهذه حقيقة بقيت مخفية غير معترف بها لمدة طويلة.

وبدخول الاتفاقية حيز النفاذ عام 2014، أصبحت وثيقة ملزمة قانوناً على الدول الأعضاء الذين يطلب منهم تسريع تدابير المنع لحماية النساء والفتيات المتأثرات بممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى وتقديم الدعم لهن أو حماية الفتيات والنساء المعرضات لخطر تلك الممارسة وذلك بغية ضمان فعالية التحقيقات المراعية للأطفال والملاحقة القضائية بذلك الخصوص. وتتضمن هذه الالتزامات إدخال التحسينات على مجال إجراء تحديد صفة اللجوء بالنسبة لطالبي اللجوء.

"ما أذكر من المقابلة أنَّ الشخص الذي استقبلني لم يظهر أنه يصدقني. وصحيح أنَّ بعض الناس يغادرون بلدانهم  لأسباب اقتصادية لكنّني عندما أخبر أحدهم "إنني ببساطة لا أريد أن تتعرض بناتي لممارسة قطع العضو التناسلي" فأريد منه أن يغير رؤيته. في أوروبا عندما تقع الطفلة أرضاً وتنكسر ذراعها في الملعب، يأتي الجميع لمساعدتها. أريد أن أرى رد الفعل ذاته عندما أتحدث عن فتاة صغيرة معرضة لخطر تشويه عضوها التناسلي."

(أساتو ديالو، ناجية من تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى هربت من غينيا لحماية ابنتيها من تلك الممارسة وهي حالياً نشطة في مناهضة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى في بلجيكا).

الحماية الدولية بموجب اتفاقية اسطنبول

تستند اتفاقية اسطنبول على التزامات حقوق الإنسان الدولية القائمة ومن هنا تعترف بوضوح بأنَّ النِّساء والفتيات اللواتي يعانين من العنف القائم على الجندر يمكنهن السعي وراء الحماية في دولة أخرى إذا أخفقت دولتهن في منع الاضطهاد أو توفير الحماية الكافية والانتصاف الفعال. وتدعو اتفاقية إسطنبول إلى رفع مستوى حساسية الجندر في إجراءات تحديد صفة اللاجئين  وتلزم الدول الأعضاء باتخاذ التدابير التشريعية وغير التشريعي لضمان الاعتراف بأنَّ العنف القائم على الجندر الممارس ضد النِّساء يمثل أساساً مقبولاً للتقدم بطلب اللجوء.

ويختلف الاعتراف الحالي بوضع اللاجئين للنِّساء والفتيات المعرضات لخطر الاضطهاد القائم على الجندر من دولة لأخرى اختلافاً كبيراً. وهناك عدة أسباب يمكن أن يُعزى لها ذلك الاختلاف منها غياب القوانين الصريحة والإرشادات الوطنية وعدم كفاية الأحكام القانونية للدعم والخدمات الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك، تنظر بعض الدول إلى العنف القائم على الجندر على أنه "أمر خاص"، وعندما يُرتكب العنف في المجال الخاص، قد يكون من الصعب إثباته ما يثير مشكلات المصداقية لطالبي اللجوء الذين يتقدمون بطلباتهم على أساس الجندر.[1]

تقدم اتفاقية اسطنبول الجديدة أداة قوية  لضمان أكثر فعالية لحماية طالبي اللجوء المواجهين لخطر الاضطهاد القائم على الجندر وخطر تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى على وجه الخصوص.[2] يُطلَب إلى الدول الأعضاء:

ضمان تفسير مراعٍ للجندر لكل أساس من أسس اتفاقية اللاجئين لعام 1951 (المادة 60، الفقرة 2): كما يغلب الحال في حالة الاضطهاد القائم على الجندر، هناك توجه لاعتبار تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى على أنه يقع ضمن أساس الانتماء إلى جماعة اجتماعية خاصة وأن ذلك يطغى على أي أسس أخرى. ويعني ذلك أنَّ الآباء والأمهات الذين يرفضون تعرض بناتهم تشويه/قطع الأعضاء التناسلية للأنثى قد يُدرَجون تحت مظلة الرأي السياسي. وبالمثل، عندما تكون تلك الممارسة معتبرة على أنها ممارسة دينية وترفض المرأة أو الفتاة في التصرف وفقاً لتفسيرات دينها إذ تمتنع عن إخضاع نفسها أو بناتها لممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى فقد ينطبق عليها مبدأ الخوف المسوَّغ من التعرض للاضطهاد لأسباب دينية.

تكوين ظروف استقبال وخدمات الدعم المراعية للجندر لطالبي اللجوء (المادة 60، الفقرة 3). يتطلب تحديد أي استجابة مطلوبة لحاجات النساء المتأثرات بممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى من ناحية الاستقبال المراعي للجندر تطبيق تدابير لمعالجة العوائق القانونية والاجتماعية التي قد تمنع النِّساء والفتيات من الوصول إلى خدمات الصحية الحيوية وغيرها من الخدمات. فالقيود المفروضة على حرية الحركة في مكان الاحتجاز قد تمنع النِّساء من الوصول إلى خدمة الرعاية الصحية المتخصصة أو الخدمات الاستشارية. ومن هذه العوائق العائق اللغوي وعدم توفير المترجمين الفوريين الأكفياء غير المنحازين واختلافات طرق فهم الأمور الصحية والنظر لها. وقد لا تكون بعض طالبات اللجوء من النِّساء على وعي بأنهن قد خضعن لممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى خاصة إذا طُبقت عليهن الممارسة في سن مبكرة وإذا كانت أسس هربهن من بلداهن الأصلية غير متعلقة بممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى. وقد تراجع النِّساء مختصي الرعاية الصحية للشكوى من مضاعفات طويلة الأجل ناتجة عن تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى ومع ذلك قد لا يعين أنّ هذه المضاعفات إنما هي نتيجة لتلك الممارسة. وهناك ضرورة أيضاً لمعالجة التبعات النفسية التي قد تتضمن الخوف من الجماع واضْطِرابُ الكَرْبِ التَّالي للرَّضْح والقلق والاكتئاب وفقدان الذاكرة.[3]

تكوين ظروف استقبال وخدمات الدعم المراعية للجندر لطالبي اللجوء (المادة 60، الفقرة 3). وفقاً لاتفاقية اسطنبول، يترتب على الدول الأعضاء أن تؤسس لعملية خاصة بتحديد صفة اللاجئ بحيث تكون مراعية للحساسيات الثقافية وتضمن عدم مواجهة النِّساء والفتيات لمزيد من الوصم بالعار فور صولهن لبلدان المقصد وتضمن بيئة داعمة تتيح للنِّساء الإفصاح عن المعلومات اللازمة. وعلى وجه الخصوص، يجب أن تتضمن الإجراءات المراعية للجندر ما يلي:

  • أحكاماً حول المعلومات المتعلقة بجوانب الجندر لإجراء طلب اللجوء.
  • الفرصة في الحصول على مقابلة شخصية للمرأة بمعزل عن زوجها/شريكها دون حضور أي من أفراد أسرتها (خاصة الأطفال).
  • الفرصة أمام النِّساء لذكر حاجاتهن المستقلة للحماية والأسس المتعلقة بالجندر التي تقود إلى طلب منفصل للحماية الدولية.
  • إجراء المقابلات المراعية للجندر مع الأطفال على أن يجري المقابلات متخصصون متدربون بمساعدة مترجم فوري مؤهل عند اللزوم.
  • إتاحة إمكانية تعبير صاحب الطلب عن اختياره لجنس مجري المقابلة والمترجم الفوري.
  • إضفاء مزيد من التفاصيل في الإرشادات التوجيهية الجندربية حول تناول القضاء لطلبات اللجوء والتدريب عليها لضمان تنفيذها.

احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية (المادة 61): ينشأ عن الاتفاقية التزام بحماية الضحايا من الإناث من العنف بغض النظر عن وضع إقامتهن. وبهذا الخصوص، بترتب على الدول أن تضمن عدم إعادة النِّساء المحتاجات للحماية إلى أي بلد حيث تكون حياتهن في خطر أو حيث يُحتمل خضوعهن للتعذيب أو للمعاملة غير الإنسانية أو العقاب المحطين بالكرامة. ويجب أن يمتد هذا الالتزام ليشتمل على الإساءات اتي يمارسها الأفراد الذين يؤبدون ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى في ظل حكومة تشارك في هذه الممارسة أو تخفق في التعامل الحصيف مع تلك الممارسة أو منعها أو رد اعتبار ضحية الإساءة.

الخاتمة

تمنح اتفاقية اسطنبول الأمل نحو تغير حقيقي في كيفية حماية النِّساء والفتيات من العنف القائم على الجندر. وسوف يساعد الرصد والتقييم الرسميان لهذه الالتزامات الجديدة المفروضة على الحكومات المصادقة على المعاهدة في تسليط مزيد من الضوء على ما يُتَّخذ من اجراءات لمنع تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى ومناهضته، ما يجعل من الرصد والتقييم المذكورين عنصرين مهمين في ضمان وفاء الدول بمسؤولياتها في ضمان السلامة الجسدية والنفسية والجنسية للنِّساء كافة.

وتتيح اتفاقية اسطنبول للدول الأعضاء أيضاً فرصة فريدة من نوعها في رفع الصمت المحيط بممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى في أوروبا. ويُؤمَل أن تمارس منظمات المجتمع المدني والبرلمانات الوطنية دورها الرقابي (وكلاهما مسموح لهما بالمساهمة في رصد تطبيق الاتفاقية) لضمان دعم الدول الأعضاء للنِّساء مثل أيساتو في تحقيق حلمهن بأن يكنَّ جزءاً من آخر جيل خضع لممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى. 

إليز بيتيتباس info@endfgm.eu كانت لمدة ليست بعيدة مديرة المناصرة والشبكات في الشبكة الأوروبية لإنهاء ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى[4] www.endfgm.eu وجوانا نيليس johanna.nelles@coe.int رئيسة وحدة العنف ضد المرأة في المديرية العامة لمجلس أوروبا www.coe.int/conventionviolence

جميع الآراء الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي الكاتبتين فقط ولا تعبّر بالضرورة عن السياسة الرسمية لمجلس أوروبا.



[1] منظمة مساعدة اللجوء (المملكة المتحدة) وآخرون (2012) مطالب اللجوء المرتبطة بالجندر في أوروبا: تحليل مقارن للقانون والسياسات والممارسات بالتركيز على النِّساء في تسع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، ص 41.

(Gender related asylum claims in Europe: A comparative analysis of law, policies and practice focusing on women in nine EU Member States)

http://tinyurl.com/EU-Gender-asylum-claims-2012

[2] للحصول على إرشادات مفصلة حول ماهية الالتزامات المفروضة بموجب اتفاقية اسطنبول فيما يخص ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى وكيفية ترجمة تلك الالتزامات إلى ممارسات على أرض الواقع، انظر المجلس الأوروبي ومنظمة العفو الدوية (2014) اتفاقية المجلس الأوروبي حول منع العنف ضد النساء ومناهضته. أداة لإنهاء تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى، ستارسبورغhttp://tinyurl.com/CoE-AI-2014-Istanbul-Conv-tool

[3]جمعية تنظيم الأسرة الإيرلندية (2011) الصحة الجنسية واللجوء دليل العاملين مع النِّساء طالبات اللجوء في إيرلندا

) Sexual health and asylum. Handbook for people working with women seeking asylum in Ireland(

http://tinyurl.com/IFPA-2011-Asylum-handbook متاح باللغة الإنجليزية فقط.

[4]  الشبكة الأوروبية للقضاء على تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى منظمة أوروبية جامعة أنشأتها إحدى عشرة منظمة غير حكومية وطنية لضمان استمرارية عمل صناع القرار الأوربيين واتساقه وشموليته من أجل القضاء على ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى وأشكال العنف الأخرى ضد النساء والفتيات. وتتمثل رؤيتها في عالم تُمكن فيه النِّساء والفتيات ويخلو من جميع أشكال العنف القائم على الجندر - وخاصة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى - حيث تصبح أصواتهن مسموعة وحيث يتمتعن بحقوقهن ويتخذن قرارات مدروسة في حياتهن. ومبادئ احترام حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وتعزيزهما جوهر هذا العمل.

 

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.