إعادة التوطين بعد الكوارث في الفلبين: استراتيجية خطرة

تشير الخبرات في الفليبين بعد إعصار هايان إلى أنَّ إعادة الاستيطان كاستراتيجية لخفض النُّزوح المستحث بالكوارث قد يؤدي إلى ظهور مخاطر جسيمة في الحماية.

في عام 2013 ضرب الفلبين إعصار هايان الهائل وهجَّر أربعة ملايين شخص، وفي أعقاب الكارثة، أعلنت الحكومة الوطنية أنَّها، على ضوء تعرض البلاد للإعصار، سوف تطبيق مبدأ "مناطق خالية من الأبنية" ضمن مسافة 40 متراً من العلامة المائية العالية في المناطق الشاطئية المتأثرة بالإعصار. وبهذا، سيحظر على الأشخاص الذين يعيشون في تلك المناطق العودة إليها وإعمارها، كما سوف تطبق الحكومة برنامجاً لنقلهم وإعادة توطينهم. ومن بين ما استهدفته السياسة المذكورة المستوطنات غير الرسمية المكتظة بالسكان التي تكاثرت على طول الخط الساحلي في المناطق الحضرية مثل مدينة تاكلوبان. ونظراً لعدم كفاية التخطيط المتقدم وبطئ التنفيذ، لم تتمكن سياسة المناطق الخالية من الأبنية ولا برنامج النقل إلا من خدمة النُّزوح المطول ما يزيد من استضعاف آلاف الأسر الفقيرة التي لا أرض تمتلكها.

وكان أغلب النَّازحين الذين هجَّرتهم العاصفة يعيشون في أكواخ وغير ذلك من أشكال الإسكانات غير الدائمة الملاصقة للبحر (أو في بعض الأحيان على المطوالات في البحر) التي أزالتها رياح الإعصار العاتية من الوجود. وبما أنَّ هؤلاء الناس فقدوا أفراد أسرهم أو جيرانهم في العاصفة، فقد يرغبون في الانتقال إلى مناطق أكثر أمناً. ومع ذلك، بينما كانت سياسة المناطق الخالية من الأبنية حسنة النوايا كإجراء لحماية الفئات السكانية المستضعفة من مزيد من الأعاصير ومن العواصف العاتية في حالة وقوعها، تواجه عوائق قانونية بل تخفق في مراعاة معايير حقوق الإنسان. فعلى ما يبدو لم تُبنَ السياسة على أي قانون أو تشريع وحتى معيار مسافة الأربعين متراً كانت اعتباطية خاصة في غياب أي عملية لرسم خارطة للمخاطر. وفي بعض الأماكن، اجتازت العواصف العاتية للإعصار مسافة كيلومتر في الأراضي الداخلية ما يجعل تحديد المسافة على أنها أربعين متراً أمراً لا معنى له. ومنذ ذلك الحين، تراجع الحكومة السياسة لعدة أسباب منها جهود المناصرة التي أبدتها الهيئة الفلبينية لحقوق الإنسان والهيئات الإنسانية الأخرى  وغيرها واضعة على السلطات المحلية في البلديات المتأثرة التزاماً بتحديد مناطق الخطر المرتفعة والمعتدلة والمنخفضة حسب خارطة المخاطر بحيث تتضمن أيضاً فرض القيود على أنواع المباني التي يمكن بناءها في تلك المناطق.

وهناك تحد آخر أكثر تعقيداً يتمثل في النطاق الهائل لبرنامج إعادة التوطين خاصة بالنظر إلى أنَّ كثيراً من السلطات الحكومية المحلية المتولية لعملية إعادة التوطين تفتقر إلى القدرات الإنسانية والفنية والمالية اللازمة. وسوف يتضمن البرنامج، وفقاً لمقترحه، بناء 205 آلاف بيت دائم عبر 116 بلدية وسوف يؤثر تقريباً على مليون شخص. لكنَّ التحدي الرئيسي الذي ما زال ماثلاً أمام السلطات هو تمويل الأراضي المتاحة والمقدور على شرائها لإجراء عملية إعادة التوطين، ولم يتضح بعد ما إذا كانت المواقع المختارة سوف تكون في نهاية المطاف مناسبة بالفعل للتعمير الإسكاني لإقامة الناس فيها. وفي المواقع قليلة العدد التي ووفق عليها لإعادة التوطين، سوف تمثل التأخيرات البيروقراطية ونقص التمويل ومحدودية الإرادة السياسية تهديداً يبطئ من نجاح المشروع وقد يقضي عليه أصلاً. كما أنَّ بطئ تحديد مواقع التوطين الدائمة مثّل تعدياً على توفير المساعدات الضرورية للغاية لسبل كسب الرزق المرتبط على العمم بالموقع الجغرافي.

ويزيد الطين بلة أنَّه في كثير من البلديات التي طبقت فيها سياسة المناطق الخالية من الأبنية، مُنِع الفاعلون الإنسانيون من توفير المساعدات للعائلات النَّازحة التي عادت إلى تلك المناطق. وبالنظر إلى تردي ظروف مراكز الإخلاء وغياب مواقع الإيواء الانتقالية، من المفهوم أنَّ كثيراً من النَّازحين يختارون العودة إلى مجتمعاتهم السابقة لإعادة بناء بيوتهم رغم الحظر المفروض على ذلك. وبالنتيجة، صار كثير من العائدين بغياب المساعدات الإنسانية أكثر ضعفاً إزاء العاصفة القادمة.

وبالإضافة إلى ذلك، في الأماكن التي تشهد مشروعات إعادة التوطين تقدماً، كان المنهج الرئيسي المتبع مبنياً على تشييد دور الإيواء في أراض فارغة وغالباً ما تكون نائية دون اعتبار عدم وجود القدرة على الوصول إلى الخدمات العامة والخدمات الاجتماعية وسبل كسب الرزق. أما العائلات النَّازحة التي اختارت إعادة التوطين فقد أصبحت أكثر قلقاً من أنَّ الموقع النائي للتوطين سوف يحد من قدرتهم على الوصول إلى وظائفهم ومدارسهم وسوف يجعلهم منفصلين عن المراكز الحضرية والحياة المجتمعية. كما أنَّ الانتقال يحدث في غياب منظومات النقل العام أو المساعدات الحكومية لدعم النقل بوسائط النقل الخاص رغم أهميتها في إتاحة المجال أمام العائلات المعاد توطينها في الوصول إلى العمل أو المدارس أو المستشفيات أو غير ذلك من الخدمات الاجتماعية. وعلى الجانب الإيجابي، كانت عدة مشروعات لإعادة التوطين واعدة بالأمن من ناحية حيازة الأراضي. ولكن، هناك عدة بلديات أخرى رفضت ذلك المنهج خشية إقدام المستفيدين على بيع منازلهم الجديدة والرحيل إلى مكان آخر.

أما هيئات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والمحلية المشاركة في الاستجابة للإعصار، فقد واجهت صعوبات في العمل وفقاً لسياسة المناطق الخالية من الأبنية وبرنامج إعادة التوطين خاصة حيث تفرض البلديات حظراً على توفير المساعدات للعائدين إلى المناطق الخالية من الأبنية. ومما لا شك فيه أنَّ السبب الرئيسي للارتباك يعود إلى عدم وضوح الحكومة من ناحية تطبيق سياسة المناطق الخالية من الأبنية وبرنامج إعادة التوطين. وفي نهاية المطاف، وضع الفريق القطري الإنساني للأمم المتحدة إرشاداً توجيهياً بشأن توفير المساعدات للأشخاص المقيمين في المناطق الخالية من الأبنية ومساعدة هيئات الإيواء في اتخاذ القرار بشأن ما إذا كانت ستشارك أم لا في عمليتي النقل وإعادة التوطين نظراً للمخاطر المحيقة. وبالنظر إلى أنَّ الأشخاص المتأثرين بسياسة المناطق الخالية من الأبنية هم من بين الأكثر استضعافاً، كان على الفريق القطري الإنساني للأمم المتحدة أن ينتهج مقاربة أكثر توحيداً وقوة.   

سوف يتطلب برنامج إعادة التوطين لمرحلة ما بعد إعصار هايان رصداً بعيد الأمد. وفي أثناء ذلك، على الحكومات وهيئات الإيواء أن تفكر ما وراء عملية النقل المادي للأشخاص بإخلاء الأراضي في المواقع النائية ومن البدائل التي يمكن انتهاجها، على سبيل المثال، اللجوء إلى "تعبئة" المناطق الحضرية. ففي مدينة تاكلوبان، تنفذ عدة منظمات حلولاً أكثر مرونة للإيواء كتحديد الأراضي أو المباني في المشهد الحضري الموجود لإيواء العائلات النازحة من خلال تشييد مساكن متعددة الطوابق والتأسيس لترتيبات العلاقة ما بين المؤجر والمستأجر وما شابه ذلك من ترتيبات.

وإعادة التوطين عملية طويلة سوف تستمر في معظم سيناريوهات مراحل ما بعد الكوارث إلى ما بعد خروج الفاعلين الإنسانيين. وعند منع الناس من العودة انتظاراً للانتهاء من إعادة التوطين، فلن يعني ذلك إطالة مدة نزوحهم فحسب بل سيعني ذلك أيضاً أنهم يواجهون مزيداً من المخاطر المحتملة. وفي حالة إعصار هايان، يشهد على ذلك قرابة مليون شخص من النازحين أو المقيمين في دور الإيواء المؤقتة "في مناطق غير آمنة".

أليس ر توماس alice@refintl.org مديرة برنامج النزوح المرتبط بالمناخ في المنظمة الدولية للاجئين. www.refugeesinternational.org

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.