وضع اللاجئين في قلب عملية إعادة التوطين في المملكة المتحدة

تتزايد أعداد اللاجئين الذين ينضمون لبرامج إعادة التوطين في المملكة المتحدة،  وتسلط دراسة أجريت مؤخراً على أربع مدن في المملكة المتحدة الضوء على الفرص التي يتيحها إدخال خبرات اللاجئين في تصميم تلك البرامج.

خلال السنوات الأخيرة، ارتفعت مساهمة المملكة المتحدة في برنامج إعادة توطين اللاجئين ارتفاعاً ملحوظاً، إلا أنَّ هذه المساهمة تأتي في إطار ضيق. ويتناقض ذلك الواقع تناقضاً كبيراً مع الموقف المتشدد للسياسة التي تنتهجها المملكة المتحدة تقريباً في كل ما يخص المهاجرين واللاجئين وطلب اللجوء. وفي عام 2015، رفعت المملكة المتحدة حصتها من اللاجئين من750 لاجئاً ممن يصلون تحت مظلة برنامج غايت واي للحماية إلى 4000 لاجئ سنوياً  يصلون ضمن إطار برنامج إعادة توطين اللاجئين السوريين المستضعفين. وهناك أيضاً عدة برامج تركز تركيزاً أساسياً على إعادة توطين الأطفال المستضعفين أو تغيير مكان إقامتهم.

وكانت الدفعة الأولى من اللاجئين الذين أُعيد توطينهم ضمن برنامج جايت واي قد وصلت في عام 2014. واليوم، وصل عدد الأشخاص الذين مروا في مراحل برنامج إعادة التوطين إلى عدة آلاف، أصبح كثير منهم الآن ذوو باع طويل بأسلوب الحياة البريطاني. وبعد التوسعة الأخيرة في برنامج إعادة توطين اللاجئين السوريين المستضعفين وإدخال برامج جيدة واستمرار مراجعة برنامج غايت واي للحماية، أصبح هناك فرصة حقيقية مواتية لإدخال خبرات اللاجئين في مرحلة بناء البرامج الجديدة. ومع ذلك، لا يوجد حتى هذه اللحظة أي دليل بأنَّ حكومة المملكة المتحدة تنظر إلى هذا الأمر بطريقة مُمنهَجَة، مع أنَّ هناك أمثلة كثيرة تثبت فعاليته مثل شبكة شاير في برنامج السفير لإعادة التوطين على سبيل المثال.[i]

يهدف مشروعنا البحثي المعنون ’رفع سوية‘ برامج إعادة اللاجئين في المملكة المتحدة إلى وضع اللاجئين في قلب أبحاث إعادة التوطين. ويضم المشروع أحد عشر باحثاً قريناً، أي إنَّهم من اللاجئين المعاد توطينهم من المقيمين في المدن التي اختارها البحث. وعلى مدى ثلاث مدد منفصلة بين عامي 2014 و 2016 (بفاصل سنة واحدة) استخدم الباحثون أسلوب المسح والمقابلات لدراسة محددات رفاه اللاجئين المعاد توطينهم الذين وصلوا للمملكة المتحدة قبل 2010

واشتمل البحث على 280 لاجئاً معاد توطينه منهم 180 من أجابوا على المسوحات الثلاث كاملةً، وقدموا من خلالها معلومات طولية مفصلة حول رفاه اللاجئين المُعَاد توطينهم في المملكة المتحدة بعد مدة من وصولهم.[ii]وحضر ثمانية من الباحثين المؤتمر الختامي حول نتائج البحث ودارت أربع من الموضوعات المطروحة في البحث على ما يلي:

  • مصاعب تواجه التعليم والتوظيف
  • الأهمية المحورية للقدرة على استخدام اللغة الإنجليزية
  • دور الجلسات التوجيهية قبل المغادرة
  • التفاعل بين وضع اللاجئ والمواطنة والانتماء

 

التعليم والتوظيف

يصف تشارلز (28 عاماً)، وهو بالأصل من جمهورية الكونغو الديمقراطية، إنجازاته في مضمار الحصول على الوظيفة التي مكنته من الحصول على درجة علمية قائلاً:

"تقدمت بوظيفة عامل نظافة. ثم خضعت للمقابلة. كنت أمتلك بدلة كما تعرف. فقالوا لي مباشرة إنني لم أمتلك الخبرة المطلوبة- لمهنة عامل النظافة! عندها قلت [لنفسي] هذه المرة الأولى والأخيرة التي أتقدم بها بطلب لوظيفة من هذا النوع. شعرت بغضب كبير...فتقدمت بطلب لوظيفة أخرى. وتمكنت من العثور على وظيفة في الرعاية الاجتماعية. وحصلت على وظيفة كعامل للدعم الاجتماعي. كان ذلك في سبتمبر/أيلول 2010. وصلنا في آذار/مارس، وبعد ستة أشهر حصلت على عمل. في الواقع، كنت أول من حصل على عمل من بين أفراد مجموعتنا."

"الميزة الوحيدة التي فكرت بالحصول عليها من خلال الوصول إلى أوروبا كانت التعليم. قلت لنفسي، كما تعرف، هذه فرصة عظيمة. فالوزراء الأفارقة يرسلون أطفالهم للدراسة في أوروبا. وهكذا، حظيت بهذه الفرصة للذهاب إلى هناك والدراسة. كل ما كان يهمني الحصول على التعليم [لكنَّ] أحداً لم يرغب في أن يعرف ما الذي تريده من ناحية التعليم أو المستقبل الوظيفي. لم تكن تلك الأمور في البال، فهم ينظرون للاجئين، كما تعلم، على أنهم يمثلون فئة كبيرة."

لقد تمكن تشارلز من التغلب على عقبات التعليم وحصل في النهاية على الدرجة العلمية. ومع ذلك، كان قلقاً جداً من الآثار بعيدة الأمد المترتبة على توجيه اللاجئين إلى قطاعات محددة بعينها.

"لدينا مشكلة تؤرقني كثيراً. فسبعون بل ثمانون من المائة من اللاجئين يعملون في مجال دعم الرعاية الاجتماعية. فما مستقبل هذا المجتمع المحلي؟ ومن يمثل النموذج الذي يحتذى به؟"

القدرة على استخدام اللغة الإنجليزية

حتى اللغة الإنجليزية ثبت صعوبة تعلمها إلى حد يتجاوز حصصاً دراسية لا تزيد على ساعتين في الأسبوع. وتبين نتائج بحثنا أنَّ القدرة على استخدام اللغة الإنجليزية لها أهمية محورية في تحقيق رفاه اللاجئين، ما يثير الاستغراب إزاء إهمالها. فالذين تعلموا اللغة الإنجليزية بنجاح هم ممن استبقوا الأمور فتوجهوا للدورات الأخرى التي لم تقدم حصراً للاجئين والتحقوا بها. سوزان (36 عاماً) وهي بالأصل من جمهورية الكونغو الديمقراطية:

"بدأنا البحث عن أماكن أخرى مثل المركز المجتمعي حيث يمكننا الذهاب وتعلم اللغة الإنجليزية. وهكذا، ذهبنا أيام الإثنين إلى الكلية لأنَّ يوم الإثنين هو اليوم الذي يخصصونه لنا لنتعلم الإنجليزية. وذهبنا إلى مكان آخر في المركز المجتمعي وآخر عثرنا عليه في [....] متحف القلعة. كنا نذهب إلى أي مكان يعلمون فيه اللغة الإنجليزية."

وخيَّم على معظم اللاجئين المعاد توطينهم خيبة الأمل والإحباط من محدودية فرص تعلمهم للإنجليزية. وكان لذلك أثر على محاولاتهم في العمل والتحصيل العلمي. إريمياس (36 عاماً) وهو بالأصل من إثيوبيا أقام مشروعاً اجتماعياً ناجحاً لكنه كان على ثقة بأنَّ ما يفعله يختلف تماماً عن التوجه الذي سعى إليه في البداية:

"بعض الناس يأتون إلى هنا أطباء أو محامين أو معلمين. هذه هي مهنهم السابقة. لقد كانوا يلقون الاحترام لكنهم جاؤوا إلى هنا وقدموا سيرهم الذاتية المتضمنة لهذه المهارات ومع ذلك يقول لهم مركز التوظيف "اعملوا في مهنة النظافة وتنظيف دورة المياه"

وعبّر أيضاً عن شعوره الحقيقي بالإحباط من أنَّ اللاجئين المعاد توطينهم في المملكة المتحدة عندما يتجاوز سنهم سن الدراسة الجامعية يعجزون عن تحصيل التعليم الإضافي أو التعليم الجامعي.

علي، وهو بالأصل من الصومال لكنَّه ترعرع في كينيا، شعر بالارتباك بشأن الاعتراف بمؤهلاته في المملكة المتحدة:

"أسوء تجربة مررت بها كانت في النظام التعليمي عندما حاولت الالتحاق بالكلية أو بدورة تدريبية. قدَّمت أوراقي الكينية بما فيها درجة الدبلوم الأولى المتقدمة التي حصلت عليها من جامعة نيروببي...قدمت كل شيء لكنهم أخبروني أن أترك الدبلوم لأنه غير مقبول ما دام غير صادر عن جامعة إنجليزية. سألتهم "لماذا!""

جلسات التوجيه قبل المغادرة

لم تكن هذه الأشياء مشروحة شرحاً كافياً خلال جلسات التوجيه قبل المغادرة. وعلى مدى السنين، شهدت جلسات التوجيه قبل المغادرة تقلصاً ملحوظاً من أسبوعين عندما تأسس برنامج غايت واي للحماية إلى ثلاث ساعات بحلول عام 2016. وركَّز بحثنا على أهمية التوقعات الواقعية للرفاه في المرحلة التالية للمغادرة إذ انتاب كثير من اللاجئين شعور بالارتباك في جلسات التوجيه التي تلقوها، وتتذكر سوزان معلومة معينة فتقول:

"أخبرونا أشياء عن الناس الموجودين هنا وعن ثقافتهم. عرضوا علينا بعض الأفلام. وعلمونا أن المكان هنا نظيف [مقارنة] بما اعتدنا عليها في أفريقيا. قالوا "إنَّ البريطانيين لا يتبادلون التحية فيما بينهم." في المكان الذي جئنا منه نتبادل التحية مع الجميع! ونرحب بالجميع! قالوا لنا أن ننتبه وأن لا نسارع في الترحيب بأي شخص آخر وإلا شعرنا بخيبة الأمل. قالوا لنا "فقط ابتسم. كل ما عليك فعله أن تتعلم التبسُّم!" وهذه المعلمة. أتذكرها. كانت تجعلنا نصطف وحاولت أن تعلمنا كيفية التبسُّم""

وركز جميع الباحثون الأقران على مقدار المساعدة التي اعتقدوا أنهم بمقدورهم تقديمها إذا ما دعاهم أحد للتعليم في جلسات التوجيه ما قبل المغادرة، علماً أنَّ ثلاث ساعات لا تكفي لشرح ما سيحدث للمغادر في أثناء سفره، بل لا بد من زيادة مدة الجلسة التدريبية لما لها من أثر مثبت يدوم لسنوات بعد وصول اللاجئ إلى وجهته. فإذا أتيحت الفرصة لأحد ما أن يأتي ويتحدث عن الخبرة التي عاشها قبل عقد من الزمن أو أكثر فسيكون لذلك منفعة طويلة الأمد، ومع ذلك لا نجد ذكراً كبيراً لذلك الأمر في النقاشات.

كيس كانت الباحثة القرينة الوحيدة في المشروع التي جاءت إلى المملكة المتحدة في سن المدرسة. وقالت إنها تمتعت بسهولة بالوصول المباشر نسبياً إلى منظومة التعليم لأنها ببساطة كانت في سن ملائمة لكنَّها مع ذلك واجهت أموراً مثيرة للاستغراب:

"مجرد أشياء بسيطة مثل ارتداء الزي المدرسي وإبداء الاحترام للمعلم. لم أسمع في حياتي قط أحداً يغتاب المعلم. عندما كان الناس هنا يفعلون ذلك، كنت أشعر بالصدمة الكبيرة."

صفة اللاجئ والمواطنة والانتماء

من الواضح أنَّ قدوم اللاجئ في سن صغيرة يُسَهِّل عليه الانتماء إلى المجتمع في المملكة المتحدة. فَكِيس، خلافاً لوالديها، تتحدث الإنجليزية بسهولة وإتقان دون أن يظهر على كلامها لكنة أجنبية. لكنها وإن حازت على الجنسية البريطانية، ما زالت شخصيتها كلائجة ترتبط بلحظات معينة.

"أعتقد أنَّ اللجوء ما زال جزءاً من شخصيتي وعقلي ونفسي. لكنني لا أنظر لنفسي على أنني لاجئة. وهكذا، عندما أتقدم بطلب لوظيفة أو للالتحاق بالجامعة لا أقول إنني لاجئة. لا افعل سوى ما يفعله الآخرون. لكنه من الصعب على المرء أن ينسى أنه لاجئ في بعض الأوقات...لكنني لا أنظر لنفسي كلاجئة بل أنظر للجوء على أنه جزء مني."

في المملكة المتحدة، يحق للاجئين المعاد توطينهم طلب الجنسية بعد مضي خمس سنوات على إقامتهم في البلاد. وتضمن بحثنا استبياناً مسحياً أجري قبل أربع سنوات على الأقل من قدوم الناس إلى المملكة المتحدة أما الاستبيان المسحي النهائي فأجري بعد ست سنوات على الأقل، وغطى البحث بذلك الفترة التي أصبح فيها أفراد عينة البحث مؤهلين للحصول على الجنسية. ومع انتهاء البحث، تبين أنَّ الغالبية العظمى حصلوا على الجنسية البريطانية رغم تفاوت الآراء حول درجة الأهمية التي ألصقوها بحقيقة أنهم لاجئون بالأصل. فقد أشار تشارلز إلى أنَّه في بعض الأوقات كان يعاني كثيراً وأنه كان يرفض وسم اللاجئ لكن الأمور تحسنت وتغير معها شعوره ذلك:

"إذا كنت تمر بوضع صعب للغاية، كأن تعجز عن الالتحاق بالتعليم، لا يمكنك اجتياز الاختبار حول الحياة في المملكة المتحدة. وإذا كانت مهاراتك باللغة الإنجليزية ضعيفة جداً، فعندها أعتقد أنَّ شعورك بأنك لاجئ سيكون مؤلماً دائماً.  أما إن سارت الأمور على ما يرام، فأعتقد أنَّ الشعور كلاجئ سيكون مصدراً للافتخار. إنني فعلاً فخور بأنني لاجئ."

وبالمثل، يقول إيرمياس إنَّ الارتباطات السلبية مع وضع اللاجئ صَعَّبَ على المرء التعبير عن نفسه على أنه لاجئ:

"ليست المشكلة في أنَّه من السيء أن يكون المرء لاجئاً، لكنَّ المشكلة في التعامل مع المرء على أنه لاجئ في سياق التعليم أو إذا أردت الالتحاق بالجامعة أو الوظيفة...على أساس أنك من بلد آخر. كما تعلم، ليس من السهل الحصول على وظيفة. ولهذا السبب، تبقى هذه العقلية في أذهاننا، ولهذا السبب لا يرغب الناس في أن يُصنَّفوا على أنَّهم لاجئون."

فبالنسبة لإيرمياس، كل شيء يرتبط بعضه ببعض. فالصعوبات الماثلة أمام العثور على الوظيفة أو التعليم والمعاناة في تعلم اللغة الإنجليزية كلها ترتبط في نهاية المطاف بالمشاعر التي تنتاب المرء كلاجئ. وذلك من أهم الأسباب التي دفعته لرفض هذا الوسم. ثم يخلص قائلاً:

"في معظم الوقت، نحن-اللاجئون- جئنا بجيوب فارغة لكن عقولنا لم تكن فارغة. إذا حصلنا على الدعم والفرصة، سيكون بمقدورنا أن نقدم الكثير أيضاً."

ومع ذلك، من غير المألوف أن نجد بحثاً يعترف بخبرات اللاجئين، بل لا يوجد كثير من الأمثلة التي تشير إلى وضع اللاجئين في محور التخطيط لبرامج إعادة توطين اللاجئين رغم كل المزايا والفوائد الواضحة التي ستتحقق من ذلك.

 

مايكيل كولير m.collyer@sussex.ac.uk

بروفيسور الجغرافيا، جامعة سسكس

 

روبرت براون r.brown@sussex.ac.uk

بروفيسور علم النفس الاجتماعي، جامعة سسكس

 

ليندا موريس l.m.morrice@sussex.ac.uk

محاضر رئيسي في التربية، جامعة سسكس

 

ليندا تيب L.Tip@sussex.ac.uk

زميلة بحث، كلية الدراسات العالمية، جامعة سسكس

 

جامعة سسكس www.sussex.ac.uk



[ii] تتوافر نتائج  البحث الأولية على الموقع الإلكتروني للمشروع

www.sussex.ac.uk/migration/refugeeresettlement.

وهناك أيضاً سلسلة من منشورات المدونات حول العروض التقديمية التي قُدِّمَت في المؤتمر الختامي الذي عُقِد في جامعة سسكس في سبتمبر/أيلول من عام 2016.

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.