انعدام الجنسية وأزمة اللاجئين في أوروبا

على الاتحاد الأوروبي إصدار توجيه بشأن وضع معايير موحدة لإجراءات تحديد وضع انعدام الجنسية بهدف التخفيف من آثار انعدام الجنسية في سياق أزمة اللاجئين المستمرة في أوروبا.

في أوج أزمة اللاجئين اليوم، يمكن أن يواجه مسؤولو الهجرة الأوروبيون نماذج من الحالات الخاصة ولكن الشائكة من الأشخاص معدومي الجنسية[1] الذين يطلبون اللجوء في أوروبا، ونتيجة لذلك يواجه هؤلاء الأشخاص بانتظام الاحتجاز المُطوَّل في انتظار تحديد وضعهم ليتمتعوا بالحماية الدولية بوصفهم أشخاصاً معدومي الجنسية.

فالتمتع بالجنسية يمثل رابطاً قانونياً مع الدولة[2] ويستتبع عدداً من الحقوق والالتزامات. أما عدم التمتع بالجنسية، فيجعل الأشخاص معدومي الجنسية من الناحية القانونية غير موجودين وغير خاضعين للحماية بموجب التشريعات الوطنية إذ لا يستطيعون التمتع بخدمات التَّعليم والرعاية الصحية إلا في أضيق الحدود، ولا يستطيعون الزواج بالوسائل القانونية أو التصويت أو حتى العودة إلى أوطانهم كمواطنين. وقد ينتج وضع انعدام الجنسية عن عدة أسباب متنوعة[3]، ولكن في حالة اللاجئين السوريين الذين يطلبون الحماية من البلدان المجاورة وفي أوروبا، نجد قوانين الجنسية التمييزية على أساس النوع الاجتماعي محط لوم كبير.

وفي سوريا والأردن ولبنان، لا تنتقل الجنسية إلى الأطفال إلا من خلال الأب. ونتيجة لذلك، لا يُسمَح للسوريات، في حالة غياب الأب، بتسجيل مواليدهن الذين يُحرَمون تِباعاً من الحصول على الجنسية. ونظراً لاستمرار أوضاع النزاع والتَّهجير، قد يصعب تعقب الآباء أو معرفة أماكن وجودهم. وقد يُصبِح الطفل معدوم الجنسية إذا كان والده معدوم الجنسية، أو إذا لم يوجد ما يُثبِت جنسية الأب للبلد المعني، أو إذا وُلِد الطفل خارج نطاق الزوجية، أو إذا لم يُسجَّل الزواج رسمياً (وهي ليست ظاهرة غير مألوفة في الظروف الحالية). ويعد الأكراد السوريون على وجه الخصوص عُرضَة لوضع انعدام الجنسية. وأخيراً، تُعاني إجراءات تسجيل المواليد في البلدان المُضيفة لمعظم اللاجئين السوريين (تركيا، والأردن، ولبنان) من أوجه قصور خطيرة تُعرِّض الأطفال حديثي الولادة لخطر انعدام الجنسية. وتتمخض تلك العوامل عن جيل كامل من الأطفال السوريين الأكثر عرضة لخطر انعدام الجنسية وبالتالي عدم القدرة على المطالبة بحقوقهم.

ما أهمية ذلك للاتحاد الأوربي؟

على المستوى العملي، قد لا يتمكن الاتحاد الأوربي من إعادة الأشخاص معدومي الجنسية بعد انتهاء النزاع في بلادهم. ولكن في حالة طالبي اللجوء معدومي الجنسية المستوفين للمعايير المنصوص عليها في المادة 1 من اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 - بمن فيهم معدومي الجنسية قبل رحيلهم من أوطانهم -تُطبق اتفاقية عام 1951 بدلاً عن اتفاقيات انعدام الجنسية لعامي 1954 و1961. وعلى النقيض من تلك الاتفاقيات الأخيرة، وقعت جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بلا استثناء على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وأقرتها. بيد أنَّ غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وقعوا أيضاً على اتفاقية عام 1954 المتعلقة بوضع الأشخاص معدومي الجنسية التي تُلزمهم كذلك بتوفير مستوى معين من الحماية للأشخاص معدومي الجنسية الذين يدخلون في نطاق ولايتها.

وغالباً ما يُعتَرَض على ولاية الاتحاد الأوربي على حماية معدومي الجنسية. وعلى الرُّغم من مُعالجة قانون الجنسية في المقام الأول لمسألة خفض حالات انعدام الجنسية ومنعها التي تقع ضمن اختصاص الدول الأعضاء، يحكم قانون الهجرة حماية الأشخاص معدومي الجنسية التي تقع جدلاً ضمن اختصاص الاتحاد الأوربي وفقاً لمعاهدة لشبونة[4]، ولذلك، يتعين على الاتحاد الأوربي معالجة كثير من التحديات القانونية والحمائية المتعلقة بالأشخاص معدومي الجنسية ضمن سياق اللجوء.

وحتى ينجح الاتحاد الأوربي في إدارة حالات آلاف اللاجئين معدومي الجنسية، وبعيداً عن المرجعية القانونية التي نصت عليها معاهدة لشبونة، على الاتحاد الأوربي وضع توجيه يوفر معايير موحدة لوضع إجراءات تحديد وضع الأشخاص معدومي الجنسية في كل دولة من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي.[5]وذلك من شأنه مساعدة الدول الأعضاء على توفير أنظمة حماية شديدة التشابه ما يمنع بدوره من أن تصبح الإجراءات الجيدة في بعض الدول الأعضاء عوامل جذب للاجئين. ولكن هذه الإجراءات لم تُطبّقها حتى الآن سوى بلجيكا وفرنسا وهنغاريا وإيطاليا ولاتفيا وسلوفاكيا وإسبانيا والمملكة المتحدة، ومع ذلك ما زال القصور الشديد يشوب تلك الإجراءات.

وقد يُحسِّن وضع معايير موحدة في جميع أرجاء الاتحاد الأوربي بشأن إجراءات تحديد وضع معدومي الجنسية تحسيناً كبيراً فرص تمتع الأفراد المتأثرين بوضع الحماية في حالة التدفق الجماعي والحول دون ’المتاجرة في الحماية‘ والتصدي البنَّاء للإجراءات القائمة حالياً. وعلى الرُّغم من تباين اعتبارات الدول الأعضاء ومصالحها فيما يتعلق بالأشخاص معدومي الجنسية، التي قد تكون سبباً في تأخير وضع تلك المعايير الموحدة، ينبغي إعلاء حقوقهم وإجراءات تحديد وضعهم ومتطلبات الحماية ذات الصلة ووضعها في أولويات جدول الأعمال السياسي للاتحاد الأوروبي.

 

كاتالين بيريني berenyikatalin@hotmail.com

ملحقة (حقوق الإنسان)،  بعثة المجر الدائمة لدى الأمم المتحدة www.mfa.gov.hu/genf_unmission

 



[1] ينص التعريف القانوني للشخص معدوم الجنسية الوارد في الاتفاقية المتعلقة بوضع الأشخاص معدومي الجنسية لعام 1954 على أنَّه "الشخص الذي لا تعتبره أي دولة مواطناً فيها بموجب قانونها".

[2] المادة 2 (أ) من الاتفاقية الأوروبية المتعلقة بالجنسية.

[3] انظر (2009) نشرة الهجرة القسرية، العدد 32 حول ’عديم الجنسية’ www.fmreview.org/ar/statelessness

[4] منحت المادة 67 (2) المرتبطة بالمادة 352 من معاهدة لشبونة هذه الولاية، إذ "يجب معاملة الأشخاص معدومي الجنسية على قدم المساواة مع مواطني البلد الثالث" كما أشار ولنار ت. (2014)، نقل قضية انعدام الجنسية إلى جدول الأعمال الدولي’، نشرة قانون تيلبورغ 19.،

(‘Moving Statelessness Forward on the International Agenda’, Tilburg Law Review(

[5] انظر على سبيل المثال الممارسات والمناهج التي تتبعها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمنع حالات انعدام الجنسية والقضاء عليها، دراسة أُعدَّت للجنة الحريات المدنية والعدالة والشؤون الداخلية، الاتحاد الأوربي (2015)  

http://bit.ly/EUParl-statelessness-2015

)Practices and Approaches in EU Member States to Prevent and End Statelessness(

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.