كولومبيا: عملية السلام والحلول للمُهجَّرين

إذا توصلت كولومبيا كما هو متوقع إلى اتفاقية للسلام لإنهاء النزاع الداخلي الذي طال أمده قد تتمخض عن التسوية ظروف سياسية وقانونية لحل ظاهرة التهجير القسري لمواطنيها.

لعلَّ البحث عن الحلول الدائمة للنزاعات واحد من أكثر التحديات المُلهِمة وأعظمها التي تواجهها المجتمعات الحديثة. ويبدو أن كولومبيا الآن على وشك إنهاء فترة من النزاع الذي خلّف ورائه إضافة إلى الوفيات والمفقودين ستة ملايين نازح داخلي و 400 ألف لاجئ.

وكانت محادثات السلام في هافانا، كوبا المبرمة بين الحكومة الكولومبية والجماعة الثائرة الرئيسية المتمثلة في القوات المسلحة الثورية في كولومبيا-جيش الشعب (فارك) قد بدأت تؤتي أكلها وتتمخض على اتفاقيات تتضمن الإجراءات الملموسة فيما يتعلق بالمهجرين القسريين. ومن العناصر المحورية في ذلك منظومة الحقيقة المدمجة والعدالة والإعادة وعدم التكرار.

الحقيقة: سوف تُقام مفوضية للحقيقة لتحقيق ثلاثة أهداف أساسية وهي: المساعدة في توضيح ما حدث وتوفير شرح للتعقيد الذي اتسم به النزاع والترويج للفهم المتشارك به في المجتمع والترويج للاعتراف بالضحايا على أنهم من الأشخاص الذين تعرضت حقوقهم للانتهاك وعلى أنهم أيضاً عناصر سياسية مهمة لعملية الانتقال في البلاد، أما الهدف الثالث فهو تعزيز التعايش في البلاد وإنشاء بيئة تحولية تتيح للحلول السلمية للنزاعات وبناء ثقافة الاحترام والتسامح الديمقراطي.

وتنص الاتفاقية أيضاً على أن تتولى دراسة كيفية تأثير الحرب على مختلف المجموعات بما فيها والنساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة والسكان الأصليين والأفرو-كولومبيين بالإضافة إلى الأشخاص المنتمين إلى فئة المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي وثنائي الجنس ( إل جي بي تي آي) والمنتسبين إلى النقابات المهنية والتجار. وتفرض أيضاً على المفوضية أن تلقي الضوء على الموضوعات المتعلقة بالتهجير وإزالة ملكية الأراضي اللتين كانتا من أهم أسباب اندلاع النزاع في المقام الأول.

العدالة: هناك خمسة أهداف تحت هذا العنوان وترتبط بحق الضحايا للحصول على العدالة، وتقديم الحقيقة إلى المجتمع الكولومبي وحماية حقوق الضحايا، وتحقيق السلام المستقر والدائم، وحماية الحقوق القانونية للذين شاركوا مباشرة أو بطريق غير مباشر في النزاع المسلح. وينبغي أن ينصب في صلب هذه الجهود حقوق الضحايا وحدة الانتهاكات التي عانوا منها. وتذكر الوثيقة تبعات هذه الانتهاكات على أنَّها أكثر حدة عند الحديث عن الأشخاص الذين ينتمون إلى الفئات المستضعفة مثل النازحين داخلياً واللاجئين.

ومع أنَّ الاتفاقية تفرض على الدولة منح عفو للجرائم السياسية، فمن الواضح أنَّ المسؤولين عن التهجير القسري، والجرائم ضد الإنسانية، والجرائم الخطيرة لن يستفيدوا من هذا العفو.

التعويضات: الهدف من هذه التدابير ضمان أن يتحمل كل الأشخاص الذين يتسببوا بالأضرار خلال المواجهات مسؤولية التعامل مع التبعات. ومن هنا، تلتزم المجموعات الثائرة والحكومة على حد سواء باتخاذ الإجراءات الفردية والجماعية للتعويض بنوعيه المادي والرمزي وذلك لجبر الأضرار التي وقعت على النسيج الاجتماعي. وينبغي أن توجه هذه الجهود على وجه خاص إلى الحركات السياسية والمنظمات النسوية والمجموعات المهنية التي تأثرت بالنزاع.

وفيما يخص تعويض النزوح، تفرض الاتفاقية على الحكومة واجب إطلاق برامج للعودة ولإعادة توطين المهجرين وأن ترسم خططاً لعودة الضحايا من الخارج إما مرافقين بمن يساعدهم أو من خلال المساعدات وذلك على أساس طوعي بسلامة وكرامة. وسوف تستهدف خطط العودة وإعادة التوطين أساساً المناطق التي سوف تُنفَّذ بها البرامج التنموية وذلك بتنسيق مع عملية إعادة الأراضي إلى أصحابها. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي تنفيذ عمليات العودة وإعادة التوطين جنباً إلى جنب مع الخطط الرامية لتحقيق الإسكان الريفي، وتوفير الماء، وتوليد الدخل، والترويج للاقتصاد الريفي، وبرامج التطهير من التلوث، وإزالة الذخائر غير المنفلقة.

وسوف تُشرِك الحكومة الأفراد والمجتمعات المحلية في تصميم التدابير الأمنية وسوف تعزز برامج الدفاع المجتمعي وذلك من أجل الترويج لحقوق الإنسان ولاستكمال العمليات الخاصة بإعادة الأرض إلى أصحابها والعودة وإعادة التوطين.

وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالمُهجَّرين خارج البلاد، تتحدث الاتفاقية عن ضرورة تعزيز الاعتراف بالضحايا خارج البلاد وتعويضهم بمن فيهم اللاجئون والمنفيون وذلك من خلال خطط للعودة المصاحب بها أو المساعدة. ولتسهيل عودتهم إلى بلادهم، سوف يُنشِئُ البرنامج ظروف إعادة حياتهم بما في ذلك الوصول إلى الحقوق الأساسية للتوظيف، والصحة، والإسكان، والتعليم على جميع المستويات. وتُركِّز الاتفاقية أيضاً على ضرورة إيلاء الاتفاقية إلى العودة إلى الأماكن التي أُخرِج منها الناس واحترام إرادة الضحية.

من الاتفاقية إلى التنفيذ

جاءت اتفاقيات هافانا ( التي تتطلب مصادقة الشعب الكولومبي عليها خلال عام 2016) كأداة سياسية طموحة لا تهدف إلى مجرد إنهاء مواجهة مسلحة فحسب بل إلى قلب المعادلة الإنمائية التي لم تكن عادلة وتحقيق الحقوق الدائمة للهجرة القسرية للكولومبيين بالنسبة للنازحين داخلياً وللمنفيين  سياسياً خارج البلاد. لكنَّ إنجاح هذه الاتفاقية سوف يتطلب من المجتمع الكولومبي ككل أن يكون مدركاً للعناصر المختلفة في هذه الاتفاقيات وتنفيذها. ولإحداث ذلك لا بد للحكومة من أن تنشئ استراتيجية توعوية من أجل إشراك جميع الكولومبيين بمن فيهم (المنفيون، واللاجئون، والمهجرون) في هذه العملية.

وقد أُشرك النازحون والمنفيون في البحث عن السلام في مراحل مختلفة. فقبل إطلاق عملية السلام نفسها، ساهم هؤلاء الناس بهذا الهدف من خلال مختلف النشاطات التي أدوها داخل البلاد وخارجها، وحددوا موقفهم إزاء الحرب لمصلحة حل منسق للنزاع. وبعد بدء الحوارات، كان المنفيون مؤثرين جداً في نشر التقدم المُحرَز دولياً من خلال المنتديات، والاجتماعات، والمؤتمرات، والمسيرات. وضمنوا إحضار مخرجات هذه المناسبات والفعاليات إلى طاولة المفاوضات وأصبح بعضهم جزءاً من الاتفاقيات التي وُقّعَت. وجلبوا معهم دعماً دولياً لا يمكن الاستهانة به من المجتمع المدني ومن الشخصيات السياسية والثقافية المهمة. وفي اللحظات الحرجة، عندما بدأ بأن الأطراف كانت على وشك أن تتخلى عن الحوار، تدخل اللاجئون والمنفيون وحشدوا الجهود للمطالبة باستمرار الحوار وأصروا على إيقاف إطلاق النار ثنائي الأطراف لضمان استمرار المحادثات.

واليوم، بعد التغلب على معظم العقبات التي كانت ماثلة أمام الاتفاقية، يبدو أن العملية قد وصلت إلى مرحلة اللاعودة. وفي هذه الظروف، تظهر عدة مهام بارزة يمكن للمهجرين أن يمثلوا دوراً فيها. وأكثرها حساسيةً وإلحاحاً هو ترويج المشاركة الفاعلة والواعية في عملية التحقق من تنفيذ الاتفاقية التي سوف تُطبَّق وتدخل حيز النفاذ فور الموافقة عليها في استفتاء داخل البلاد. وكان مؤيدو السلام قد بدأوا للتو بإطلاق حملات عبر البلاد وخارجها مؤيدين للتصويت بـ ‘نعم’. على استفتاء السلام الذي سوف يُجرَى بعد 30 إلى 45 يوماً من التوقيع النهائي للاتفاقية.

ومن ناحية الحكومة، يجب عليها أن تضمن سلامة الأشخاص الذين يحاولون نشر محتوى الحوارات والاتفاقيات. فالحكومة سوف ترتكب خطأً فادحاً إذا لم تلتزم بعملية نشر المعلومات وتركت هؤلاء الأشخاص تحت رحمة المجموعات المتنفذة التي تسيطر حالياً على احتكار المعلومات. ومع كل الالتزامات التي تبنتها الجهات التنفيذية في الحكومة بشأن نزع السلاح من المليشيات المسلحة، ما زالت هذه المليشيات تعمل في مختلف مناطق البلاد. ولهذا السبب، هناك حاجة لإبرام اتفاقية حول الضمانات الأمنية بحيث تنص على أنَّ بناء السلام أمر مهم جداً وجوهري لمحاربة المنظمات الإجرامية بما فيها المنظمات التي خلفت المليشيات المسلحة والمسؤولة عن عمليات القتل والمذابح أو التي تهدد المدافعين عن حقوق الإنسان والحركات الاجتماعية والسياسية.

وفور المصادقة على الاتفاقيات، سوف يتطلب تنفيذها مشاركة وطنية فاعلة ومراقبة دولية. وسيتطلب حجم الإصلاحات المطلوبة أن لا تكون الاتفاقية في نهاية المطاف مجرد وثيقة إعلان صرف بل يجب أن تكون وثيقة قانونية ملزمة لا يمكن العدول عنها بحيث تستحوذ جميع مفاصلها وأحكامها على الشخصية أو الصفة الملزمة التي يجب أن يقبلها جميع المواطنين وينفذونها. وبهذه الطريقة فقط، يمكن للاتفاقية أن تنشئ الظروف السياسية والقانونية اللازمة لإنهاء النزاع وللبحث عن حلول فعالة ودائمة للمهجرين القسريين في كولومبيا.

 

جيسون أوزفالدو مارتينيز ليغيزامو jeisson.martinez@um.es

مرشح لنيل درجة الدكتوراه، جامعة مورسيا، إسبانيا www.um.es

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.