"هذه المجموعة ضرورية لبقائنا على قيد الحياة": اللاجئون الحضريون والحماية القائمة على المجتمعات المحليةtion

يعيش ما تقارب نسبته ٦٠% من جميع اللاجئين الآن في المدن، وستستمر هذه النزعة مع تحول  المخيمات على نحو متزايد إلى خيار الملاذ الأخير. وقد بدأت هذه النقلة الحضرية بالفعل بالتسبب بتغييرات هائلة في جميع أنحاء القطاع، بما في ذلك كيفية تفكير عمال الإغاثة الإنسانية حول الحماية القائمة على المجتمعات المحلية وإقبالهم عليها.

لا يمكن لأحد أن يحدد مسبَّقاً ‘المجتمعات’ الواقعة في قلب الحماية القائمة على المجتمع المحلي. فقد تتلاحم المجتمعات حول أي عدد من الخصائص المشتركة، كما يمكن أن تكون أكثر أو أقل شمولية أو خصوصية حسب المعايير الداخلية الاجتماعية الخاصة بها وديناميكيات القوى فيها. وللتأكد من تمتع كل لاجئ بإمكانية الوصول إلى الحماية القائمة على المجتمعات المحلية يجب، في المقام الأول، رؤيتهم كأفراد يتمتعون بحقوق فردية. ولذلك، في حين تأتي الحماية القائمة على المجتمعات المحلية من خلال العمل الجماعي، إلا أن هدف برامج الحماية الأسمى هو تمكين الأفراد من معرفة حقوقهم والمطالبة بها، بالإضافة إلى التمكن من تحديد أي ’مجتمع‘ قد يكون الأكثر أهمية في مساعدتهم على فعل ذلك.

وللمساعدة في تعميق الفهم بحاجات الحماية الخاصة باللاجئين الحضريين، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بمخاطر العنف القائم على الجندر وسبل إعانتهم على تخفيف تلك المخاطر، أجرت مفوضية اللاجئين النسائية أبحاثاً في عام ٢٠١٥ في أربع مدن ذات فئات سكانية كبيرة من اللاجئين وهي: بيروت ودلهي وكيتو وكمبالا. وأجرت مقابلات مع أكثر من ٥٠٠ من اللاجئين الحضريين في جميع المدن الأربعة، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة المعنيين المحليين في كل مدينة.[i]

تؤكد نتائج هذا البحث المجالات الرئيسية للمخاطر التي تؤثر على جميع اللاجئين الحضريين، وخاصة المخاطر المرتبطة بالعثور على مأوى آمن ومحاولة كسب ما يكفي من المال من أجل البقاء على قيد الحياة في المدينة. ولعل ما يثير الدهشة أكثر هو أن النتائج تُبرِزُ اختلافات لا يُستَهان بها في كيفية تجلي هذه المخاطر وغيرها بالنسبة لمجموعات مختلفة من اللاجئين الحضريين. ولهذا السبب قسَّمت مفوضية اللاجئين النسائية بعد ذلك بتفصيل ما توصلت إليه من نتائج حسب الفئات السكانية الفرعية التالية: النِّساء والفتيات، والرجال والفتيان، واللاجئون من فئة المثليات والمثليون ومزدوجو الميل الجنسي ومغيرو الجنس وثنائيو الجنس (إل جي بي تي آي)، واللاجئون المشاركون في العمل بالجنس، والأشخاص ذوو الإعاقة، والذكور الناجون من العنف الجنسي.

ويتكشف للعيان نمطٌ مماثلٌ من الاختلافات بشأن استراتيجيات حماية الذات وجهود اللاجئين في تكوين مجتمع معين أو الاستفادة منه بحيث يمكن أن يكون بمنزلة شبكة وقائية اجتماعية. ولكن شكل هذا ’المجتمع‘ اختلف اختلافاً كبيراً بين الفئات السكانية الفرعية من اللاجئين وضمنها، الأمر الذي يؤكد أنّ كثيراً من اللاجئين لا يعتقدون أنَّ مفهومات ’مجتمع اللاجئين‘ يتماشى مع واقع حياتهم اليومية أو يعبَّر عنها.

أسئلة الهوية

في بعض الأحيان، كانت المجتمعات التي حددها اللاجئون على أنَّها الأكثر أهمية بالنسبة لهم ولحمايتهم غير مكوَّنة أساساً من اللاجئين الآخرين على الإطلاق، بل من بعضٍ من أفراد المجتمع المضيف. ولا يقتصر ذلك التحديد على وجه الخصوص على الفئات السكانية المهمشة، مثل أقليات الجنس والجندر، بل يشتمل أيضاً على اللاجئين المشاركين في أنواع معينة من العمل، بما في ذلك العمل في مجال الجنس.

والسبب في ذلك أنَّ بعض اللاجئين لا ينظرون إلى هويتهم كلاجئين على أنَّها الجانب الأكثر صلة بحمايتهم من ناحية الاستضعاف ولا على أنها هي الصفة المشتركة بين شبكات النظراء. بل هناك أعداد متنوعة من الهويات (القائمة على العرق أو الأصل الإثني أو الجندر) أو الخصائص الشخصية أو البيئية (اللغة التي يتحدثون بها أو العمل الذي يمارسونه، أو الحي الذي يعيشون فيه) التي قد يكون لها ثقل أكبر بالنسبة للفرد الذي يسعى للوصول إلى مجتمع الحماية أو تأسيسه إذا لم يكن قائماً.

ولعل الطريقة الأفضل لتوضيح أهمية ترتيب أولويات التأكيدات الذاتية للهوية تكمن في اللاجئين المعرضين على وجه الخصوص للعنف بسبب انتمائهم لفئات سكانية فرعية موسومة بالعار أو مهمَّشة. فعلى سبيل المثال، غالباً ما تتعرض أقليات الجنس والجندر إلى النبذ في مجتمعات اللاجئين الأوسع نطاقاً، بما فيها عائلاتهم. ويتعرض اللاجئون المنتمون من فئة (إل جي بي تي آي) في كثير من الأحيان لأعمال عنف على أيدي اللاجئين الآخرين، وكذلك على أيدي أعضاء المجتمع المضيف، ويعانون من التمييز وسوء المعاملة عند محاولة استئجار الشقق، أو العثور على الوظائف أو حتى الوصول إلى الخدمات، بما في ذلك الخدمات السائدة المتوافرة للاجئين.

وبالتالي، يتطلب تعزيز الحماية القائمة على المجتمعات المحلية بالنسبة للاجئين من فئة (إل جي بي تي آي)، في المقام الأول، مساعدتهم على تحديد معالم المجتمعات التي هي الأكثر ملاءمة وأماناً لهم. ويمكن أن يشتمل المجتمع هذا على أفراد المجتمع المضيف المنتمين لفئة (إل جي بي تي آي)، كما الحال على سبيل المثال لدى كثير من اللاجئين السوريين المنتمين لفئة (إل جي بي تي آي) الذين يعيشون حالياً في لبنان. ويشارك أبناء المجتمع اللبناني من فئة (إل جي بي تي آي) الدعم والمعلومات مع نظرائهم من اللاجئين السوريين، كما يساعدونهم على ربطهم بالمنظمات المحلية الخاصة بفئة إل جي بي تي آي بالإضافة إلى مزودي الخدمات المتعاطفين هذه الفئات. وذكر اللاجئون السوريون من فئة (إل جي بي تي آي) أنهم يذهبون إلى منظمة (إل جي بي تي آي) محلية في حالات الطوارئ (مثلاً إذا قُبِضَ عليهم دون أن يكون معهم الأوراق ’الصحيحة‘ أو إذا ما اُعتقلوا بسبب ميولهم الجنسية أو هويتهم الجنسية) وذلك لأنَّهم يشعرون أنَّ هذه المنظمة هي خيارهم الأفضل من أجل الحصول على دعم قانوني مدروس وسريع الاستجابة.

القرابة والأمن

في المقابل في كيتو، أجرت مفوضية اللاجئين النسائية مقابلة مع لويزا[ii]، وهي امرأة مثلية فرَّت من العنف الدائر في كولومبيا بحثاً عن السلامة واللجوء في الإكوادور. ومع أنَّ لويزا شاركت في مجموعة دعم للنساء استضافتها منظمة غير حكومية في كيتو، فقد انفجرت بالبكاء لدى وصفها كم كانت تشعر بالعزلة والوحدة بسبب عدم قدرتها على الكشف عن "هويتها الحقيقية" للنساء في مجموعة الدعم، وكم كانت تعيش في خوف من "افتضاح أمرها" كمثلية. ولم تكن تعرف أياً من الأفراد المثليين الآخرين في كويتو، أو من اللاجئين أو الإكوادوريين، وفوجئت عندما علمت أنَّ هناك عدة منظمات في المجتمع المدني تُعنَى بفئة (إل جي بي تي آي) في كويتو، بما في ذلك واحدة تُديرُها نساء مثليات لأجل النساء المثليات.

وبالتالي قد يتضمن أمر الوصول إلى الحماية القائمة على المجتمعات المحلية بالنسبة للاجئين المنتمين لفئة (إل جي بي تي آي) إيصالهم إلى منظمات خاصة بهم في المجتمعات المضيفة، ولذلك على الجهات الفاعلة الإنسانية تمكين هذه الروابط وتشجيعها. ويمكن تحقيق ذلك من خلال التواصل مع منظمات (إل جي بي تي آي) المحلية في المراحل الأولى من الاستجابة للتشاور معهم حول اهتمامهم باللاجئين المنتمين لهذه الفئات أو قدرتهم على إشراكهم لتبادل المعارف والخبرات حول كيفية العيش بأمان كأقلية جنسية أو جندرية في المجتمع المضيف.

وكما توضح قصة لويزا، يمكن أن تمثِّل المجتمعات الفرعية عنصراً حيوياً في الحماية القائمة على المجتمعات للاجئين المُهمَّشين. وفي بيروت، كانت النساء السوريات المغيرات للجنس جزءاً من الشبكات الاجتماعية وفعاليات المجتمع المحلي المتعلقة بفئة (إل جي بي تي آي)، ومعظمها منظمات لبنانية، وإضافة إلى ذلك شكَّلت تلك النسوة مجتمعاً أصغر حجماً وأشد تماسكاً يجمعهن معاً. ويمثِّلن دائرة من الصديقات، وزميلات العمل أو السكن اللاتي ينخرطن في أنشطة لخفض المخاطر الفردية والجماعية المتعلقة بالعنف اليومي، وتشتمل نشاطاتهن أفعالاً بسيطة لكنها جوهرية تتراوح بين مشاركة المعلومات (مثلاً حول نقطة تفتيش خطيرة) والتشارك بسيارات الأجرة. كما أنهن أول الأشخاص الذين سيتصلون بهن للحصول على الدعم العاطفي ومعلومات الإحالة عندما يقعن فريسة للعنف الجسدي. وتفيد النساء المغيرات للجنس في الإكوادور وبيروت وكمبالا بأن هذا النوع من العنف، بما في ذلك الاغتصاب، هو حدث يقع عليهن بانتظام، وأنهن مستهدفات بصفة خاصة بسبب حالتهن المزدوجة كمغيّرات للجنس ولاجئات.

وهناك أمثلة عن لاجئين مهمّشين شكَّلوا منظمات للحماية تستند إلى المجتمعات الفرعية في مدن أخرى أيضاً. ففي كمبالا، شكّل العاملون في مجال الجنس من اللاجئين منظمة تدعى أوغيرا (OGERA) لتسهيل وصولهم إلى أنواع الدعم الممكن من نظرائهم بالإضافة إلى الخدمات المتخصصة ومعلومات الصحة والسلامة التي تُعدُّ الأكثر أهمية وإلحاحاً بالنسبة لهم. وفي كمبالا أيضاً، تشارك منظمة تسمى "منظمة الملائكة (Angels)" ويقودها لاجئون منتمون لفئة (إل جي بي تي آي) بعدة نشاطات حماية تشتمل على الحصص الغذائية في حلات الطوارئ، والفضاء الآمن، وتقديم المشورة للنظراء، والوصول إلى أجهزة الحاسوب حتى لا يضطر الأعضاء إلى زيارة مقاهي الإنترنت لإرسال رسائل البريد الإلكتروني أو التواصل عبر سكايب مع الأصدقاء أو الأقارب في الخارج. ويمثل مقر منظمة الملائكة أيضاً مأوىً مؤقتاً للاجئين من فئة (إل جي بي تي آي) الذين لا مأوى لهم. وفي إحدى مجموعات النقاش، قال أعضاء منظمة الملائكة إنَّ المجموعة "ضرورية لبقائنا على قيد الحياة".

ونشأت كلٍ من منظمتي أوغيرا والملائكة بشكل طبيعي من خلال المحادثات بين لاجئين يتشاركون بالهوية والأفعال، إلا أنّ كلا المنظمتين تكافحان للبقاء والاستمرار، وتعانيان في سبيل سداد إيجار مكاتبهما وتمويل أنشطتهما. ولا تتلقى أيٌ منهما- ولا حتى منظمة الـ (إل جي بي تي آي) في بيروت- أي دعم مالي من الجهات المانحة الإنسانية لعملهما مع اللاجئين المنتمين لفئة إل جي بي تي آي.

بذل مزيد من الجهد لتعزيز الحماية القائمة على المجتمعات المحلية

تنبع اثنتان من الاستراتيجيات الرئيسية من مشاورات مفوضية اللاجئين النسائية لتعزيز الحماية القائمة على المجتمعات المحلية بطرق من شأنها أن تعزز وصول اللاجئين المعرضين للخطر لشبكات النظراء الوقائية والحصول على الخدمات والمعلومات المتخصصة.

وتشتمل الاستراتيجية الأولى على الوساطة في إقامة الروابط بين اللاجئين في الفئات السكانية الفرعية المعرضة للخطر، مثل اللاجئين المنتمين لفئة الـ (إل جي بي تي آي) أو اللاجئين العاملين في مجال الجنس، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المضيف ذات العلاقة (سواء أكانت مجموعات المجتمع المدني أو مزودي خدمات من القطاع الخاص). ويتطلب ذلك من الفاعلين الدوليين أن يرصدوا بشكل منتظم الشركاء المحتملين في المجتمع المضيف أو مسارات الإحالة، والتواصل معهم بشكل استباقي لمعرفة العقبات التي قد تواجههم في التعامل مع اللاجئين ولوقوف على أنواع المساعدات الضرورية لتمكينهم من التغلب على تلك العوائق.[iii]

وتقدم الاستراتيجية الثانية دعماً فعَّالاً للمنظمات القائمة على المجتمعات المحلية التي يقودها اللاجئون أو بمشاركة اللاجئين. وتشارك هذه المنظمات القائمة على المجتمعات المحلية في نشاطات مختلفة متعلقة بالحماية حسب الحاجات الأساسية لأبناء تلك المجتمعات ومخاوفهم بالإضافة إلى قدراتهم التنظيمية. ولكن من بين المجموعات التي استشارتها مفوضية اللاجئين النسائية، كان عدد قليل جداً منها يتلقى الدعم من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أو أحد شركائها، وذكرت المجموعات على وجه الخصوص أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، الحصول على الدعم المالي للنشاطات. وفي الوقت نفسه، قالت القلّة التي تمكنت من الحصول على بعض أشكال الدعم-سواء أكان ذلك متمثلاً في إدارة البرامج أم الوصول إلى مكان اجتماع فعلي، أو رأس المال- إنّ ذلك الدعم كان حاسماً لتحديد وجودها وقدرتها على المشاركة في النشاطات.

ويتطلب دعم الحماية القائمة على المجتمعات المحلية في المناطق الحضرية دعوة الفاعلين الإنسانيين لمتابعة كل من الاستراتيجيتين المذكورتين أعلاه في آن واحد. ولن يتطلب فعل ذلك بالضرورة موارد مالية جديدة لكنه يتطلب جهوداً استباقية لإعادة تحويل الموارد المتاحة البشرية منها أو المالية أو إعادة برمجتها. ويتطلب اعتماد هاتين الاستراتيجيتين إعادة صياغة آليات التمويل القائمة لتمكين قدر أكبر من المرونة في توفير المنح لمجموعة متنوعة من المجتمعات المضيفة.[iv] ويمثِّل تسهيل حصول المنظمات القائمة على المجتمعات المحلية على منح صغيرة أيضاً  ضرورةً لتحقيق الحماية القائمة على المجتمعات المحلية وترجمة ذلك إلى شيء يمكن أن يكون له تأثير ملموس على حياة اللاجئين اليومية.

ويجب أن تكون المشاورات المباشرة مع اللاجئين في صميم كلِّ من هاتين الاستراتيجيتين وفي جوهر الحماية القائمة على المجتمعات المحلية. فتلك المشاورات تمثل أمراً رئيسياً ليس لتحديد المخاطر الأكثر إلحاحاً التي تواجه اللاجئين فحسب بل في دعم اللاجئين، قبل كل شيء، في تحديد المجتمعات الأكثر صلة بالنسبة لهم لتخفيف تلك المخاطر.

 

جنيفر إس روزنبرغ JenniferR@wrcommission.org

مسؤولة برامج رئيسية، قسم العنف القائم على الجندر، مفوضية اللاجئين النسائية www.womensrefugeecommission.org



[i] لمزيد من المعلومات حول منهجية البحث ونتائجه بما فيها التقارير الخاصة بكل فئة سكانية فرعية، انظر (2016) الشوارع الوسيطة: تحديد مخاطر اللاجئين الحضريين والاستجابة لها من ناحية العنف القائم على الجندر

www.womensrefugeecommission.org/gbv/resources/1272-mean-streets

(Mean Streets: Identifying and Responding to Urban Refugees’ Risks of Gender-Based Violence)

[ii]الاسم مستعار

[iii]تعمل مفوضية اللاجئين النسائية حالياً على تجريب أداة للمزاولين الحضريين بحيث ترشدهم من خلال الانتقال من قطاع لآخر (الصحة والتعليم الخ) ومن فئة سكانية فرعية إلى أخرى بهدف تحديد الشركاء المحتملين في تعزيز حماية اللاجئين خاصة فيما يتعلق بمنع العنف القائم على الجندر والاستجابة لذلك.

[iv]انظر المربع المتعلق بالمساومة الكبيرة الصفحة62

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.