النزوح الداخلي في كينيا: السعي نحو الحلول المستدامة

يمثل النزوح الداخلي في كينيا تحدياً منذ العهد الاستعماري ومع ذلك لم يصدر أي إطار قانوني إلا مؤخراً للتعامل مع مشكلات حماية النَّازحين. وتقدم عملية بناء هذا الإطار بعض الدروس المفيدة لأصحاب المصلحة في الأوضاع المشابهة.

يمكن تعقب النزوح في كينيا إلى عدد من المصادر التي أجبرت الكينيين على النزوح بعيداً عن مواطن سكنهم بحثاً عن السلامة وهي: التعطش الاستعماري للأرض والآثار العقابية التي خلفها الاحترار العالمي والنزوح المرتبط بالإنماء والصراعات بين القبائل وسرقة المواشي والعنف المدفوع بالنزاعات السياسية. ومن الناحية التاريخية، يمكن القول إنَّ النزوح الجماعي للكينيين قد بدأ في عام 1951 عندما قررت السلطات الاستعمارية البريطانية أن تعهد جميع الأراضي التي كانت في حوزة الملك إلى الحاكم. وهكذا، جُرِّد كثير من السكان الأصليين من الأراضي وأُجبروا على العمل في المزارع المملوكة للأوروبيين.

وبهذا السياق يجب أن نفهم قصة النزاعات العرقية التي نشبت في عامي 1992 و1997. فالعنف الذي شهدته البلاد على سبيل المثال عام 1992 كان نتيجة لإعادة إدخال سياسات تعدد الأحزاب، فقد استغل بعض السياسيون حالة عدم الرضا المخيمة على توزيع الأراضي آملين حرمان منافسيهم من قاعدة الدعم الانتخابية في عقر دارهم، وهكذا أوقدوا نيران الفتنة العرقية والحقد فأخرجت آلاف الكينيين من ديارهم التي لم يعرف بعضهم غيرها منذ الاستقلال عام 1963. وفي العنف الذي أعقب الانتخابات السياسية في عامي 2007 و2008، كانت مسألة إعادة توريد الموارد، وعلى الأخص منها الأراضي، عاملاً مهماً. وإضافة إلى ذلك، انبعثت موجات النَّازحين والمهجرين نتيجة الكوارث الطبيعية والبشرية، فدمرت الفيضانات البيوت وسبل العيش في مختلف مواقع كينيا. ففي أوائل عام 2013، على سبيل المثال، أدت الأمطار الغزيرة المتساقطة في معظم مناطق البلاد إلى تهجير قرابة 18000 شخص. [i]

وإضافة إلى ذلك، هناك المناوشات القبلية/العرقية التي كانت بدوافع سياسية في بعض الأوقات، وكانت تلك المناوشات تحدث على الدوام في بعض أطراف كينيا. فترى مجتمعاً محلياً يثور ضد آخر ثم ما يلبث المعتدى عليهم أن يشنوا حملات انتقامية على المعتدين ثم تتأجج الأحداث في حلقة مفرغة من العنف التي لا تفضي إلا إلى الإصابات والوفيات والتهجيرات الجماعية.

ومع كل حالات التَّهجير تلك، لم تبنِ كينيا أي إطار قانوني أو سياساتي متماسك للتعامل مع مشكلة النزوح الداخلي. وحتى القوانين المتعددة التي كان يمكن استخدامها لمعالجة المشكلة لم تركز على حماية النَّازحين والمجتمعات المتأثرة أو توفير المساعدة لها. ومن جهة الاستجابة الحكومية للتهجير فكانت انفعالية آنية. فعل سبيل المثال، أطلقت الحكومة خلال عامي 2007 و2008 عملية رودي نيومباني ("حملة العودة إلى الديار") وقدمت هِبات مالية للمتأثرين. ومع أنَّ سرعة التدخل الحكومي هذا ساعد في تخفيف وطأة الوضع المباشرة، لم يضع في الاعتبار ضرورة توفير حلول مستدامة للنازحين على ضوء المبادئ الإرشادية للأمم المتحدة أو اتفاقية كامبالا. [ii] وفي هذه المرحلة، دخلت المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لسد الفراغ والدعوة إلى توفير منهج حقوقي لتأمين الحماية والمساعدة للنازحين والمجتمعات المتضررة.

بناء الإطار السياساتي والقانوني

بدأت عملية بناء الإطار القانوني لحماية النَّازحين جدياً في عام 2009 بنقاش الحلول المستدامة وتأسيس إطار للسياسات للنازحين وذلك في اجتماع أصحاب المصلحة (بما فيها المنظمات الدولية غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والوزارات الحكومية المعنية وهيئات الأمم المتحدة واللجنة الوطنية الكينية لحقوق الإنسان وممثلين عن مجتمعات النَّازحين). وتضمنت العملية عدة أمور منها بناء قدرات الفاعلين الحكوميين حول المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة والحشد لبناء إطار عام قانوني وسياساتي حول النَّازحين.

وقد أسست مجموعة عمل الحماية مجموعة عمل فرعية للعون القانوني بهدف الوقوف على الثغرات الموجودة في القانون المتعلقة بحماية النَّازحين ولصياغة بعض الأحكام الأساسية التي قد تتمتع بها سياسة النَّازحين. وعقب منتدى مراجعة أصحاب المصلحة الوطني في مارس/آذار 2010، انتهى إعداد السياسة بالشراكة مع وزارة الدولة للبرامج الخاصة. [iii]وفي غضون ذلك، عملت لجنة نيابية مختارة ومتخصصة لمعالجة مسألة إعادة توطين النَّازحين على الجوانب التشريعية لحماية النَّازحين. وأتاحت تلك اللجنة الفرصة أمام مجموعة عمل الحماية للمشاركة مع المشرعين في صياغة الصك القانوني الأول من نوعه في كينيا والمعني بحماية النَّازحين.

ثم قررت مجموعة عمل الحماية ممارسة قدر أكبر من التأثير على العملية بدمج عمليتي الصياغة السياساتية والتشريعية. ثم عقد اتحاد اللاجئين في كينيا بصفته رئيساً لمجموعة مناصرة مجموعة عمل الحماية ورشة عمل للجنة النيابية المذكورة وتقرر في تلك الورشة أن يُعهد إلى المجموعة الفرعية مهمة مراجعة مشروع القانون الذي صاغته اللجنة. وبعد أن عُرض مشروع القانون لإقراره في ديسمبر/كانون الأول 2011، قدمت مشاركة وزير البرامج الخاصة فرصة إستراتيجية لأعضاء مجموعة عمل الحماية لتسريع تبني سياسة النازحين (التي كانت ستحدد الأهداف ومناهج التنفيذ ضمن الإطار القانوني الجديد). وكان الأثر واضحاً عند عدم اقتصار الوزير على دعم مشروع القانون أثناء جلسة قراءته في المجلس الوطني بل أيضاً من خلال تقديمه لتعديلات مهمة مثل إنشاء صندوق إنساني تدعمه الحكومة لمساعدة النازحين.

ثم نظّم اتحاد لاجئي كينيا ورشة عمل تعريفية لضمان فهم أعضاء لجنة العمل والرفاه الاجتماعي لأهمية مشروع القانون، وقد بُذل جهد كبير في ذلك مع إقرار مشروع القانون في المجلس الوطني وصدور المرسوم الجمهوري في 31/12/2012 رغم ازدحام المهمات على جدول أعمال العمل التشريعي. ومع ذلك، لم تُتبنَّ بعد سياسة النازحين[iv] لكنَّ أعداء مجموعة عمل الحماية يعملون الآن على حشد مديرية البرامج الخاصة المعاد هيكلتها حديثاً لعرض مسودة السياسة على المجلس الوطني لمناقشتها.

الدروس المستفادة من العملية

أول درس يلاحَظ هو أنَّ بعض أصحاب المصلحة الحكوميين بحاجة إلى بناء القدرات. فكثير من الفاعلين خارج الإطار الحكومي يفترضون أنَّ المسؤولين عن صياغة السياسات لديهم الأدوات المطلوبة لأداء مهامهم لكنَّ ذلك قد لا يكون صحيحاً على الدوام.

من الضروري أيضاً تحديد الفاعلين المحليين وتأسيس إطار عمل لتنسيق نشاطاتهم. وما كانت الإنجازات في كينيا لتتحقق لولا الجهود الموحدة والمنسقة لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية الدولية. وقد أثبتت الاجتماعات المتعددة التي عُقدت برعاية مجموعة عمل الحماية أنه لا يمكن الاستغناء عنها في تنظيم النشاطات لتعبئة الجهود نحو سن قانون النازحين ورسم سياسة النازحين.

أما مشاركة الحكومة في عملية رسم السياسة فكان أمراً محورياً وظهر ذلك من خلال مشاركة وزارة الدولة للبرامج الخاصة التي أثبتت فعاليتها في إقرار قانون النازحين. ومن النتائج الطبيعية لتلك المشاركة بناء علاقات الاتصال الحاسمة واستخدامها بل ما زالت تُستخدم في الجهود المبذولة نحو تبني الحكومة لسياسة النازحين.

وفي الوقت نفسه، لا بد من تحقيق الإدماج والمشاركة الشاملتين لجميع أصحاب المصلحة بمن فيهم النازحون الذين يُعدُّون المستفيدين من الإطار القانوني الذي لم يكن له وجود في التجربة الكينية. وستكون نتيجة هذه المشاركة من مخرجات الجهود التي يقدمها الجميع بما يقود إلى تحقيق الدعم الأكبر في مرحلة تنفيذ كل من القانون والسياسة.

ويجب حشد الموارد الكافية. ففي كامل مراحل العملية، لا بد من وجود الموارد اللازمة (المالية منها والبشرية) لتمكين بناء القدرات والتدريب والحشد. إلا أن تلك الحاجة ما زالت تمثل تحدياً خاصة أمام منظمات المجتمع المدني التي لم تشهد أي نشاطات مرتجلة في خططها السنوية. ومع ذلك، لا مفر من توفير الموارد الكثيرة إذا ما أريد التأثير على السياسة والقانون.

وكذلك التوقيت كان قضية أساسية. فمنذ استقلال البلاد ولغاية العنف الذي طرأ عقب الانتخابات في عامي 2007 و2008، لم يسبق أن ظهرت الحاجة الطارئة بهذا القدر لضمان إجراء الحوار حول النزوح الداخلي. فقد خلَّف العنف عقب الانتخابات آثاراً مدمرة على السكان الكينيين لكنه أتاح في الوقت نفسه الفرصة لمراجعة القوانين الحالية واقتراح عمليات سياساتية وتشريعية لمعالجة القضية.

الخلاصة

اتسمت الخبرة الكينية في إيجاد الحلول المستدامة للنزوح الداخلي ببعض حالات النجاح والتحديات في الوقت نفسه. وتمثل النجاح الرئيسي في إقرار قانون النازحين الذي سُنَّ رغم التأخير في تبني السياسة. لكنَّ سن هذا التشريع، مع ذلك، خطوة إيجابية نحو توفير الركيزة الأساسية لمنع النزوح الداخلي وحماية النازحين ضمن منبر شامل للسياسات. وجعل ذلك كينيا أيضاً واحدة من قليل من البلدان في المنطقة التي تتمتع بقوانين محلية تعني بقضايا النزوح الداخلي.

لوسي كياما refcon@rckkenya.org المدير التنفيذي لاتحاد لاجئي كينيا. وفريدريك كوم koome@rckkenya.org مدير برامج مكتب جنوب داباب التابع لاتحاد لاجئي كينيا.



[i] التنبيه الإخباري للنزوح الصادر عن مركز رصد النزوح الداخلي، 18 أبريل/نيسان 2013

 http://tinyurl.com/IDMC-Kenya-news-13-4-13

[ii] اتفاقية منظمة الوحدة الافريقية حول حماية النازحين في أفريقيا ومساعدتهم

http://tinyurl.com/AU-KampalaConvention

[iii] الوزارة الحكومية التي كانت معنية بحماية النازحين في ذلك الوقت.

[iv] يُعزى التأخير في إدراج السياسة المذكورة على جدول الحوار بسبب تغير الحكومة في كينيا وإعادة هيكلة عدد كبير من الوزارات.

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.