تحدي الهجرة المختلطة عبر البحر

جرت العادة أن يفر "لاجئو القوارب" من أزمة ما، ولكنهم في نهاية المطاف يتشاركون طريقتهم في السفر مع أنواع كثيرة أخرى من المهاجرين. وعلى المعنيين بذل جهود أكثر للاستجابة لرحلات الهجرة البحرية غير النظامية على نحو يحمي الحقوق الأساسية ويحترم كرامة الإنسان ولكن مازال ينقصنا الإرادة السياسية لتحقيق ذلك.

معظم رحلات الهجرة غير النظامية المعاصرة "مختلطة" أي أنها تشتمل على تيارات من الأفراد الذين ينتقلون لأسباب مختلفة ولكنهم يتشاركون الطرق ووسائل السفر والمركبات البحرية نفسها. وهم يعبرون الحدود البرية والبحرية دون تصريح وعادة عن طريق مساعدة المهربين. وتشير كل من المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين إلى أنَّ التيارات المختلطة قد تشتمل على اللاجئين وطالبي اللجوء وآخرين من ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل: الأشخاص المُتاجر بهم وفاقدي الجنسية والأطفال غير المصحوبين ببالغين أو المنفصلين عن آبائهم وغيرهم من المهاجرين غير النظاميين. فلا تقتصر الجماعات على نوع واحد فقط من المهاجرين، فكل منهم لديه أسباب مختلفة لترك مواطنهم. وبهذا الخصوص، يخفق مصطلح "غيرهم من المهاجرين غير النظاميين" في إيضاح مجال التيارات المختلطة التي تشتمل على أفراد تركوا منازلهم بسبب تضررهم على نحو مباشر بفعل أزمة إنسانية أو كانوا مهددين بالتعرض لها، مثل: تلك الناتجة عن تغير المناخ، وهم بحاجة لنوع من الحماية حتى إن لم يستوفوا شروط منحهم صفة اللاجئين.                  

ولا تعد الهجرة المختلطة ظاهرة جديدة. ولكن ما تغير هو نطاقها ودرجة تعقدها وطريقة تفاعل دول الوصول معها. وقد دفع كل من تزايد أسباب مثل هذه الرحلات وظهور الممارسات الجنائية والمخاوف الأمنية والعدد الهائل من المرتحلين الدول لتكثيف جهودها لمحاربة الهجرة غير النظامية وذلك من خلال تطبيق إجراءات شاملة دون بذل أي محاولات للتعرف على احتياجات الحماية المختلفة لهم. ولكن عندما تجري الدول عملية الفحص، تخلص منها بالتعرف على اللاجئين فقط ويصاحبها خطر نزع الشرعية عن من لا تنطبق عليهم صفة لاجئ ولها تأثير سلبي على كيفية معاملة هؤلاء الأشخاص.

وبالرغم من حذر الدول من قبول التزامات حماية إضافية بشأن اللاجئين، بدأت المنظمات التي تعمل في مجال اللجوء والهجرة في النظر عن كثب في خصائص المهاجرين وفي احتياجات الحماية لديهم، بما في ذلك الاحتياجات التي تنشأ أثناء رحلتهم وتلك الناتجة عن الأوضاع في بلاد المهاجرين الأصلية.

التحدي الخاص في هجرة القوارب

لاجئو القوارب، مثل المهاجرين الآخرين، قادتهم مجموعة متنوعة من العوامل الدافعة للفرار من أوطانهم بدءاً من الحرمان الاقتصادي حتى القمع السياسي، ومن الحرب الأهلية إلى الفوضى التي تتبع التغيرات الثورية، ومن الكوارث الطبيعية المفاجئة إلى التغييرات البطيئة لتغير المناخ.

وترى الدول على نحو متزايد "أعالي البحار" بوصفها مجالاً لتوسيع إجراءات السيطرة على حدودها ويدفعها مجموعة متنوعة من إجراءات خارج الحدود الإقليمية لمنع وصول الرحلات غير المصرح بها. وتعزي بعض الدول ذلك إلى أن مسؤولياتها القانونية الدولية لا تسري عليها عندما تتخذ إجراءات خارج حدودها البرية أو البحرية وكأنها تخلق منطقة تنعدم فيها حماية حقوق المهاجرين ويصعب مراقبة أفعال الدول عندها.

ومع تكثيف الحكومات جهودها لمكافحة رحلات الهجرة غير النظامية، لجأ المهربون والمهاجرون إلى طرق ووسائل انتقال أكثر خطورة. وتكون النتيجة أوضاعاً لم تخطر قط ببال واضعي القانون الدولي للبحار عندما حاولوا تقنين واجب تقديم المساعدة لمن يجابهون المخاطر في البحر.[1]

ويعد واجب تقديم المساعدة أحد الركائز الأساسية لراكبي البحار. فتقليدياً، كان من المفترض أن الأشخاص الذين يُنقذون في البحار هم صيادوا السمك ممن يمكن إرسالهم إلى المرافئ القريبة التي سيعودون منها إلى أوطانهم الأصلية. ولكنَّ مشاكل أخرى ظهرت في السبعينايت والثمانينيات تمثلت برفض الفيتناميين من لاجئي القوارب النزول من السفن مما ولد بدوره توترات إقليمية ودولية كبيرة وأنذر بمشاكل أخرى في البحر الأبيض المتوسط وفي مناطق أخرى خلال العقود القادمة.  

وبالنظر لطبيعة الوضع، يقع عبء إنقاذ المهاجرين في البحار على تعاون المجتمع الدولي لأن كثيراً من الدول المنقذة والدول الساحلية قد تجد نفسها ذات سلطان قضائي على المهاجرين بالصدفة. وهكذا، يثير غياب الإرادة السياسية لحل مشاكل الإنقاذ ورفض اللاجئين النزول من السفن الإزعاج، حتى وإن كان في السياق الإقليمي. ولا يعكس عزوف الدول عن المضي قدماً على طريق حل هذه القضايا عدم رغبتهم في حمل مسؤولية اللاجئين على عاتقهم وحسب، ولكنه مرتبط أيضاً بحقيقة أن وسائل انتقال المهاجرين تحمل على ظهورها أيضاً أفراداً ليسوا بحاجة للحماية أو يفرون من مخاطر لا يغطيها تعريف اللاجئ. ودون وضع اتفاقية تحكم كيفية الاستجابة للمرتحلين غير القادرين على العودة إلى أوطانهم الأصلية، سواء لأسباب عملية أو لأسباب تتعلق بالحماية، ستستمر الدول في انتهاج الحذر أثناء التعامل معهم.

الاعتراض ومسؤولية الدولة

دائماً ما يُسفر الاعتراض في البحر عن مستويات منخفضة من حماية الحقوق الأساسية عما يمكن أن يحدث إذا ما سُمح للمهاجرين بالاستمرار في طريقهم للدول المتوجهين لها. فمن وجهة نظر الدول، فهذه الطريقة أداة مغرية لأنها تمنع الواصلين ولأنها تحدث على مرأى ومسمع من الرأي العام. أما القانون الدولي فليس متطوراً بما يكفي ليحكم ممارسات الاعتراض تلك.  ومع ذلك، ثمة إجماع واسع على أن الدول ملزمة بالتزاماتها الدولية الخاصة بحقوق الإنسان أياً كان موقع دفاعها عن سلطتها القضائية، بما في ذلك خارج حدودها البرية والبحرية، وقد شددت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالفعل على ضرورة أن تتخذ الدول إجراءات إيجابية لضمان حصول المهاجرين المُعترض طريقهم على الحماية اللازمة.[2]

وحتى مع غياب الدليل العملي على أن وجود مجرد احتمالية اعتراض طريق المهاجرين لم يؤثر على "نقطة التحول" التي يُقرر عندها الأفراد مغادرة أوطانهم، تنظر الدول إلى هذا الإجراء على أنه أداة رادعة. فلسنوات عديدة، طالما اعترضت الولايات المتحدة طريق الكوبيين، والهايتيين، والدومنيكانين وغيرهم من الجنسيات في منطقة البحر الكاريبي ورفضت السماح لمن اعترضت طريقهم، بمن فيهم من اتضح أنهم لاجئون فعلياً، الدخول لأراضيها. ولتجنب الالتزامات التي قد تنتج عن مسمى "لاجئ"، تدعو هؤلاء الأفراد "بالمهاجرين المحميين".  حتى إن أستراليا أيضاً ذهبت لأبعد من ذلك بكثير لمنع دخول المهاجرين المُعترض طريقهم إلى أراضيها حيث كانوا سيستفيدون من آليات الحماية القانونية الأسترالية. وقد أخذت كلتا الدولتين المُعترض طريقهم إلى المنشآت البحرية حيث تكون الظروف غير مناسبة تماما وحيث يصعب إجراء عمليات الإشراف المستقلة.

وقد أحبطت الدول جهود مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين لإصدار مبادئ توجيهية بشأن عمليات الاعتراض، ومع ذلك نجحت المفوضية في إخراج ورقة سياسة الحماية بشأن الاعتراض والعمليات خارج الحدود الإقليمية إلى الضوء، وتضع هذه الورقة بعض المعايير لاستقبال المهاجرين - وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان - وتنطبق على جميع فئات الواصلين وليس على من يطلبون الحماية بوصفهم لاجئين فقط. ويجب أن تكون إجراءات الاستقبال قادرة على معالجة الاحتياجات الأساسية، وأن تكون متسقة مع حق العيش بكرامة من خلال توفير، على سبيل المثال، وجبات ملائمة ثقافياً والسماح باستخدام اجهزة الاتصالات وإعطاء قدر مناسب من المساحة والخصوصية وتوفير الأمن فضلاً عن أهمية عدم اللجوء للاحتجاز إلا لأسباب حتمية ومعقولة ومتناسبة وغير عنصرية. ويجب أن يكون للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة (مثل: النساء، والأطفال، وضحايا التعذيب والصدمات النفسية) الحق في الحصول على مساعدات خاصة.[3]

وبما أن التحركات لتحديد حقوق من لا ينطبق عليهم صفة لاجئ ولكنهم هربوا من مخاطر أخرى وتأمينها بدأت في اكتساب الأصوات المؤيدة لها، من المرجح أن تصبح ممارسات الاعتراض ومعالجة الحالات في البحر أكثر جاذبية للدول المصممة على اختزال التزاماتها.

الخلاصة

هجرة القوارب ظاهرة معقدة تتقاطع فيها هيئات متعددة للقانون الدولي وتثير تساؤلات شائكة حول سلطة الاختصاص. وتؤثر هذه الظاهرة على دول الموطن الأصلي ودول المهجر في جميع المناطق بالعالم. وبالرغم من انتشارها، أخفقت الدول حتى الآن في إظهار الإرادة السياسية لاتخاذ الاستجابة المقبولة دولياً التي من شأنها احترام الحق السيادي للدول بأن تفرض سيطرتها على حدودها من ناحية وحماية حقوق الإنسان وكرامة لاجئي القوارب من ناحية أخرى. وبدلاً من ذلك، تلجأ الدول لاستجابات مؤقتة تحاول من خلالها تحقيق التوازن بين الحماية والسيطرة كطريقة لتفعيل وظائف العوامل المحلية والخارجية.

وعادة ما تمثل رحلات الهجرة غير النظامية استجابة لأزمة ما. وفي ظل استمرار هذه الرحلات نظراً لتعدد دوافع الهجرة، نجد أبواب خيارات الهجرة الأخرى مغلقة وتكثيفاً دائماً لإجراءات مراقبة الهجرة غير النظامية مما يدفع المهاجرين والمهربين لخوض مخاطر أكبر وأكثر. وهكذا، يصبح السفر على هذه الشاكلة أزمة إنسانية في حد ذاتها مثلما يتضح من التقارير المنتظمة عن المآسي التي تقع في البحار.

وثمة حاجة لإبرام اتفاقيات بين الدول لضمان توفير عمليات الإنقاذ في البحار والمغادرة الآمنة للسفن إضافة إلى اتخاذ إجراءات الاستقبال والفحص المناسبة. وعلى الدول التي تجري عمليات الاعتراض في البحر تحمل مسؤولية حماية حقوق المهاجرين، ويجب أن تكون المنظمات حذرة عند المشاركة في الإجراءات المؤقتة التي تختزل مسؤوليات الدولة أو عند الموافقة على هذه الممارسات. وأخيراً، لا يوجد أدنى شك في أن الطبيعة المختلطة لتيارات المهاجرين تمثل تحدياً حقيقياً أمام الدول والمنظمات الدولية ولكن في المراحل الأولى فقط من النقاشات بشأن كيفية تحديد احتياجات الحماية لدى اللاجئين والاستجابة لها.

جوديث كومينjmkumin@gmail.com أستاذة مساعدة في جامعة نيو هامبشير (مانشستر).

 


[1]اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون البحار لعام 1982, المادة 98

[2]هرسي جاما وآخرون، ضد. إيطاليا, طلب رقم 27765/09, مجلس أوروبا: المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان, 23 فبراير/شباط 2012.

[3]"عمليات الاعتراض البحري و معالجة مطالبات الحماية الدولية: المعايير القانونية والاعتبارات السياسية فيما يتعلق بالعمليات خارج الحدود الإقليمية", مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين، ورقة سياسة الحماية (2010).

‘Maritime Interception Operations and the Processing of International Protection Claims: Legal Standards and Policy Considerations With Respect to Extraterritorial Processing’

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.