البحث في قضية "التهجير جراء الجفاف": البيئة والسياسة والهجرة في الصومال

يصعب فهم دور الجفاف الذي ضرب البلاد مؤخراً بوصفه مسبباً للهجرة بمعزل عن الممارسات البشرية والآليات السياسية القديمة والمعاصرة. وتشحذ الأبعاد البيئية المُسببة لرحلات التهجير الأخيرة مجموعة من التحديات السياسية ذات الصلة بآليات الوقاية والاستجابة وحماية الحقوق.

في عام 2011، نتج الجفاف الشديد جنباً إلى جنب مع العنف السياسي المكثف إضافة إلى الإخفاق الحكومي العام عن شدة تعسر الأحوال في جنوب ووسط الصومال فضلاً عن إعلان ضرب المجاعة لبعض أجزاء من البلاد. وقد فاقم ارتفاع معدلات التهجير القسري تلك الأزمة التي كانت في الأساس سبباً في ذلك التهجير لدرجة أن قرابة ربع سكان الدولة قد نزحوا داخل الأراضي الصومالية أو هُجروا خارج حدودها عام 2011.

الأمر البارز في الضجة السياسية والإعلامية التي ولدتها تلك الأزمة الإشارة إلى "التهجير جراء الجفاف" وتمييزه عن التحركات بفعل النزاع والاضطهاد ولكن ثمة مشاكل في ذلك التفسير سواء من الناحية العملية أم من ناحية الاستجابات السياسية التي يميل لدعمها. وفي هذه الحالة، شكّل بقوة العنف الهيكلي الشديد وسنوات النزاع المسلح المستمر تجربة الجفاف لدى مجموعات مختلفة في المجتمع إضافة إلى ما إذا كانوا قد أجبروا على الهجرة قسراً أم لا.

الظروف البيئية وسُبل العيش الريفية والانتقال

تتميز الأراضي الصومالية ببيئة قاحلة وشبه قاحلة وتجارب سابقة من الجفاف قل فيها معدل هطول الأمطار لمدة طويلة وصارت مشكلة رئيسية تجابهها البلاد. والظروف البيئية السائدة مهمة جداً للأنشطة الريفية، مثل: تربية الثروة الحيوانية وإنتاج المحاصيل، التي تعد بدورها عنصراً رئيسياً من عناصر سُبل عيش الغالبية العظمى من الصوماليين. [i]ومع أن هذه الأنظمة المعيشية غير مستقرة، فهي تتأثر بالأحداث السياسية والعوامل البشرية الأخرى.

وأكثر من نصف السكان هم من الرعاة أو المزارعين ويحصلون على غذائهم ودخلهم من تربية الثروة الحيوانية. ويعد الانتقال جزءاً رئيسياً في نظام معيشتهم، أما الحياة الرعوية فهي ذات طبيعة بدوية أو شبه بدوية متنقلة وتتضمن التجمعات الموسمية وانتشار الرُعاة وثروتهم الحيوانية حسب توافر العلف والماء في الأماكن المختلفة.

ولمعظم الرُعاة الرّحالة أقرباء يعيشون في المناطق الحضرية وقد يستقر بعض أفراد العائلة على أطراف المدينة جزءاً من العام أو ينتقلون للعيش في المناطق الحضرية مؤقتاً أو لمدة أطول للعمل أو للحصول على التعليم المدرسي. وهكذا، تُسفر مثل تلك التحركات عن تدفقات مهمة أو تبادلات للإمدادات الأساسية والنقود والمعاملات التجارية وسلوكيات حُسن الضيافة والمساعدة المتبادلة. وعادة ما يكون لهجرة بعض أفراد العائلة دولياً بعداً إضافياً وتعد مصدراً مهماً للتحويلات النقدية.

ولكن الجفاف يبقى عائقاً أمام الرُعاة. فعند تعذر الحصول على الكلأ والماء ينتهج الرُعاة ممارسة لمواكبة ذلك بالانتقال لمسافات طويلة بحثاً عن الماء والعشب حتى أنهم أحياناً يضطرون للسفر عبر الحدود الدولية. وقد يرى بعضهم ذلك بمثابة تهجير بحكم أنه اضطراب لأسلوب الرُعاة المعتاد. و تتمثل الأدوات الرئيسية في هذه العملية بالأحكام التقليدية في القانون العرفي الذي يُلزم الصوماليين بالسماح بدخول الجماعات الأخرى في أوقات الجفاف من ناحية، وتقنية الهاتف المحمول الحديث الذي يُساعد الرُعاة على معرفة المعلومات بشأن الماء المُتاح في الأماكن الأخرى من ناحية ثانية.

يتضح الترابط الحيوي بين الظروف البيئية والسياق السياسي في المثل الصومالي nabad iyo caano(السلام والحليب) الذي يؤكد على العلاقة الإيجابية عند الرُعاة بين الأمن والازدهار مما يعني أنه لن يتسنى لهم الحصول على الكلأ والماء إلا بالتعاون السلمي، في حين يُسلط المثل المُكمل col iyo abaar (النزاع والجفاف) الضوء على التعاون السلبي الذي يهدد فرص إيجاد الكلأ والماء.  فقد يؤدي الجفاف إلى ضغوط على الموارد وإشعال فتيل النزاع العنيف أو قد يُفاقم النزاع والانفلات الأمني المشاكل البيئية ويزيد من عسرة تجربة الجفاف.

وفي أعقاب انهيار الدولة عام 1991، ظهرت التحديات أو ساءت بفعل غياب مؤسسات الدولة. ومع ذلك، ازدهرت الحياة الرعوية بطرق عدة دون تدخل الدولة بالرغم من الظروف البيئية القاسية والعنف السياسي السائد. وفي المقابل، يعد إنتاج المحاصيل أكثر اعتماداً على الأوضاع المحلية وعرضة أكثر للمخاطر البيئية وظروف النزاع التي حدثت في العقود الأخيرة حيث قوضت سياسات الحرب الأهلية فرص توفير أنظمة الري الفعالة. وقد كانت الهجرة عند كل من المجتمعات الزراعية والرعوية الزراعية على حد سواء من بين الاستجابات الرئيسية لتلك المخاطر.

ومع أن كلا أسلوبي الانتقال والتهجير المعتادين في أعقاب الكوارث الطبيعية صارا سمات متكررة في سُبل عيش الصوماليين الريفية، يصعب فهم هذين النظامين بمعزل عن السياق السياسي اللذين يقعان فيه. فقبل الحرب الأهلية، كانت تدخلات الدولة في علاقة السكان مع موارد بيئتهم الطبيعية فجة. ومع ذلك، فمنذ انهيار الدولة عام 1991 فاقمت الجهات الفاعلة السياسية العنيفة والجشعة تأثير الكوارث البيئية على بعض الجماعات السكانية فضلاً عن افتقار الأطر الحكومية الحالية القدرة والإرادة اللازمين لتنظيم الممارسات الضارة بيئياً أو للاستجابة على نحو مناسب لظروف الاستضعاف المتغيرة التي تجابه السكان.

أزمة متعددة الأوجه والأطراف

جرت العادة على النظر إلى الأزمة الإنسانية التي بلغت ذروتها عام 2011 بوصفها نتيجة "لغضب العاصفة" الناتج بدوره عن أوضاع النزاع والجفاف وسوء الإدارة الحالية. وعقب سنوات من النزاع المحلي المحض والأقل شدة ومحاولات فرض السلام الضئيلة في جنوب ووسط الصومال، دخل النزاع السياسي عام 2006 مرحلة جديدة ومكثفة. مع ظهور اتحاد المحاكم الإسلامية وجاءت الاستجابة الدولية معادية وعكست سياق "الحرب على الإرهاب" العالمي والمخاوف الإقليمية من المطامع الانفصالية الصومالية. وبعد أن أطاحت القوات الحكومية الانتقالية والإثيوبية باتحاد المحاكم الإسلامية، شهدن المناطق المحلية في العاصمة مقديشو على وجه الخصوص تصاعداً في مستويات الانفلات الأمني الناتج عن الاشتباكات العسكرية هناك  وعدم احترام الحياة المدنية وضعف آليات الحماية العشائرية. وكان للنزاع أيضاً عواقب اقتصادية مباشرة، مثل: اضطراب سُبل العيش بفعل تدمير المنازل والممتلكات والأعمال التجارية أو مصادرتها أو احتلالها جميعها فضلاً عن الإضرار بالبنية التحتية الأساسية، مثل: الطرق أو الأسواق، أو إغلاقها إضافة إلى تقييد حركة الانتقال جراء العنف. وهكذا، تصاعدت أعداد النازحين داخلياً من 400000 نازح في 2006 إلى مليون نازح في 2007.

وفي خلفية النزاع تلك ضرب الجفاف عام 2010 بعض المناطق التي كانت من أكثر الأماكن معاناة من عدة مواسم متتالية لقلة الأمطار. ولهذا، تأثرت سُبل العيش الريفية بشدة. وارتفعت أسعار الحبوب إلى أرقام قياسية وقاسى الرُعاة لإيجاد الماء والكلأ مما أدى إلى ارتفاع معدلات نفوق الحيوانات وانخفاض أسعار البيع جراء تدهور حالة الثروة الحيوانية التي تصل للأسواق وكثافة عرضها فضلاً عن النزاع المحلي الواقع بين الرُعاة أنفسهم. وزاد تعقيد الوضع القيود التي تفرضها استراتيجيات توزيع المخاطر والتأقلم التي اعتاد الريفيون على إتباعها جراء شدة تعسر الأحوال في البلاد ونقص فرص العمل المؤقت وتدني الأجور وغياب آليات دعم الأسرة والمجتمع. ونتيجة لذلك (وتكراراً لرحلات النزوح جراء المجاعة في عامي 1991-92)، هاجر سكان الريف بأعداد كبيرة إلى المراكز الحضرية، وخاصة مقديشو، آملين في الحصول على المساعدة الإنسانية.

وهكذا، تشابكت حالة الطوارئ البيئية مع النزاع السياسي القائم. وأخفقت آليات الإدارة المحلية والدولية في السيطرة على الوضع. وقد أُبرز بشدة الوضع في الصومال بفعل الاستجابات السياسية الأكثر تنسيقاً إلى الجفاف الإقليمي الذي ضرب كينيا وإثيوبيا مؤكداً بذلك على أن الكوارث الطبيعية، مثل: الجفاف، لا تؤدي تلقائياً إلى الكوارث البشرية، مثل: المجاعة، لتصبح بذلك آليات الحكم والإدارة والمساءلة والاستحقاقات العوامل الرئيسية من العوامل المهمة التي يجب التصدي لها. ففي الصومال، أخفق الفاعلون السياسيون المحليون في جميع الجوانب في معالجة ظروف الاستضعاف الرئيسية التي تجابه رعيتهم وكان من الطبيعي أن يُفاقم مواصلتهم للنزاع الوضع أمام المدنيين.

ونتيجة للطريقة التي تجلت بها هذه الأزمة، ظهرت مجموعة من العوامل في القرارات التي اتخذها السكان لمغادرة أماكن إقامتهم. وفي الوقت الذي كان الدافع الأساسي لبعض الناس واضحاً، كانت الأمور أكثر ضبابية كثير من الناس. وقد عبر لاجئ من مقديشو عن ذلك قائلاً: "لن تصف قصة واحدة فقط سبب عدم شعوري بالأمان، فثمة قصص كثيرة جداً تبرهن على هذا".[ii]وقد يتمكن كثير من الناس من تحمل الجفاف باستخدام استراتيجيات التأقلم الطبيعية دون الحاجة إلى النزوح شريطة توفر فرص العمل وسهولة  رحلات الانتقال والتوزيع العادل للمساعدات الإنسانية التي عادة ما تغييب جميعها في ظل النزاع السياسي. في حين يتمكن آخرون من التعايش على نحو أفضل مع النزاع إذا لم تكن البلاد تعاني من الجفاف.

وإضافة إلى مجموعة العوامل تلك، ثمة عوامل أيضاً تتعاظم بمرور الوقت، مثل: العوامل الهيكلية الأساسية والأحداث القديمة الشخصية التي تُشكل تجربة الهجرة. فعلى سبيل المثال، كان الجفاف والجوع المحركان الأساسيان عند بعض الناس للانتقال وإن كانت سنوات النزاع والتهميش وسوء المعاملة السبب الرئيسي في ذلك. وعند بعض الناس، كان تصاعد أحداث العنف القشة التي قصمت ظهر البعير في ظل ما عانوه من اضطرابات سُبل العيش التي طال أجلها والتي دفعتهم فعلياً لاتخاذ قرار الهجرة. وفي هذا السياق، قد يُفيدنا التمييز التحليلي بين العوامل الهيكلية والأسباب المباشرة والمحفزات الفورية وعوامل التدخل.[iii]وعادة ما نركز أكثر على الأسباب المباشرة والمحفزات الفورية ولكن يقل اهتمامنا بالعوامل الهيكلية وعمليات الحرمان من الحرية والاستضعاف وعدم التمكين التي ينطوي عليها التهجير.

يتناقض بشدة هذا الاختلاف البسيط في رؤية سبب ذلك مع إشارات السياسيين ووسائل الإعلام المتكررة إلى "التهجير جراء الجفاف" في سياق الأزمة الإنسانية التي حدثت عام 2011. وإضافة إلى رغبة حكومات الدول المضيفة خصوصاً، مثل: كينيا، في استخدام هذا المصطلح، انتشر على نحو بارز في إعلانات المنظمات الإنسانية الدولية أيضاً. ومع ذلك، تدل طبيعة الأزمة الإنسانية متعددة الأوجه والأطراف الموضحة أعلاه على أنه لا يمكننا النظر إلى "العوامل البيئية" بوصفها السبب المباشر لرحلات التهجير التي حدثت في 2011 على نطاق واسع.

صحيح أن مصطلح "التهجير جراء الجفاف" يناسب أحياناً أدلة الدراسات المسحية. فعلى سبيل المثال، ذكر نحو 60% من عينة النازحين في جنوب ووسط الصومال التي اختارتها وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية عام 2011 أنهم هُجروا بفعل الجفاف، بينما ذكر نحو 43% من المستجيبين للدراسة المسحية التي أجريت عام 2012 عن الواصلين مؤخراً إلى كينيا أنهم جاؤوا إلى المخيمات بسبب الجفاف أو اضطراب سُبل العيش أو أوضاع العائلة دونما أي إشارة إلى النزاع أو الاضطهاد بوصفهما من أسباب مغادرة موطنهم. إلا أن مثل تلك الدراسات تميل إلى وضع أيديها على المحفزات الفورية ولكنها لا تخبرنا سوى القليل عن السياق الهيكلي لهجرة هؤلاء السكان. وهكذا، يُبسط مصطلح "التهجير جراء الجفاف" بشدة طبيعة رحلات انتقال الصوماليين في عام 2011 وعلينا الحذر من الوظائف السياسية التي تكمن وراءه.

وخلافاً للحكمة المعروفة بأن رحلات الانتقال بفعل الظروف المناخية عادة ما تكون لمسافات قصيرة ومؤقتة، ارتبط الجفاف الذي ضرب البلاد عامي 2010-11 بمعدلات مرتفعة من الانتقالات الإقليمية بسبب الانفلات الأمني وصعوبة الحصول على المساعدة الإنسانية داخل أرض الوطن. وفي سياق الجفاف الإقليمي، يجد المهاجرون من أراضي الصومال أنفسهم يعبرون الحدود إلى مناطق تعاني هي الأخرى أيضاً من ضغوط بيئية كبيرة. وقد انتقل أغلب المهاجرين إلى كينيا حيث بذلت الحكومة هناك جهوداً مضنية للتمييز في التصريحات العلنية بين اللاجئين لمدد طويلة الذين هُجروا بفعل النزاع والمُهجرون مؤخراً جراء الجفاف لتقيد بذلك مسؤولياتها جلياً في إطار ما ينص عليه القانون الدولي وحسب.

الاستجابات السياساتية

عادة ما تركز الاستجابات لرحلات الانتقال في الأزمات الإنسانية على المهجرين فعلياً ولكن معالجة الأسباب التي تجبر السكان على الرحيل لا تقل أهمية عن ذلك إن لم تكن تفوقها أهمية بكثير. ويتطلب ذلك العمل باستخدام ما جرت العادة على رؤيته بوصفه حقولاً وتخصصات سياسية منفصلة بعضها عن بعضها، وهكذا ستجتمع عناصر التكيف مع تغير المناخ والإغاثة الإنسانية وتنمية سُبل العيش والإنعاش بعد انتهاء النزاع وحماية حقوق الإنسان سوياً. وتُشير التحليلات التي أجريت مؤخراً إلى أنه عند إطلاق التحذيرات بشأن الكوارث المحتملة، ينبغي توجيهها أكثر نحو الاحتياجات من المعلومات بشأن الجهات الفاعلة المحلية مع ضرورة توضيح حقوق الجهات الفاعلة الإنسانية الدولية ومصادرها ومسؤولياتها للوصول إلى أقوى تحالف يهدف لمحاربة المجاعات.

تهدف كثير من المنظمات غير الحكومية ووسطاء المجتمع المحلي إلى تخفيف الآثار السلبية للجفاف بزيادة لدونة السكان أثناء التعامل مع هذه الأوضاع. إلا أن ذلك لا يُعد مجرد تحدياً تقنياً وحسب ولكنه في العمق تحدياً سياسياً وحقوقياً لأننا نجد أكثر السكان استضعافاً هم الذين عانوا من العنف الممنهج والتهميش على مدار أكثر من عقدين من الزمان فضلاً عن أنهم معرضون بشدة لأي نوع من الصدمات المتوقعة، مثل: الجفاف. وطالما كانت رحلات الانتقال الروتينية وفي حالات الطوارئ بهدف التأقلم مع الظروف المحيطة، بما في ذلك عبور الحدود، مصدراً رئيسياً للتعامل مع الأوضاع السائدة بمرونة إلا أن عسكرة الجبهات وإغلاق الحدود هدد تلك الرحلات وعلى السياسات المستقبلية مراعاة قيمة الانتقال حرصاً على دعم سُبل العيش الريفية.

عندما يتحول الجفاف إلى أزمة شديدة، تجد الجهود الإنسانية التسييس الحاد للمساعدات وفساد الاقتصاد السياسي المحيط بها عائقاً أمامها. ولكن، قلما أبرزت تلك المشكلات أهمية عدم تسييس المساعدات الإنسانية بقدر ما تسلط الضوء على ضرورة أن تضاعف المنظمات الإنسانية جهودها لمعالجة احتياجات أكثر المدنيين استضعافاً، وهو ما يُعد عملاً سياسياً في الأساس، فضلاً عن أهمية أن ينأوا بأنفسهم عن المشاريع المخصصة لبناء الدولة.

وأخيراً، لا ننسى التحدي التقليدي للانتقال من مرحلة الإغاثة إلى الاستشفاء في ظل غياب الاستقرار السياسي الدائم.

حماية حقوق المُهجرين

كان دور الموارد الاجتماعية والثقافية الصومالية، مثل: صلات القرابة والدين ودعم النازحون، بارزاً على نحو متزايد في سياق شلل المساعدات الدولية، وعلى الجهات الفاعلة الدولية، متى أمكن، العمل على نحو يناسب تلك الإمكانيات الوطنية الاجتماعية الثقافية الواقية. ولكن لا يجب أن نغفل الأهمية الحيوية للسلطات المنشغلة بالسياسة على نحو موسع لحماية جميع الصوماليين في أراضيهم الأصلية.

وفي دولة كينيا التي تعد من أكبر الدول استضافة للاجئين، ومثلما هو الحال في الدول الأخرى، ثمة مخاوف من تقليص مساحة اللجوء استجابة للأزمة الإنسانية التي تعاني منها الصومال مؤخراً. وتقل احتمالية عودة جميع اللاجئين إلى الصومال كثيراً وعلى المنظمات التي تحاول حماية اللاجئين الاستمرار في الدعوة لإيجاد طرقاً تدريجية لتحقيق مزيد من المشاركة الإيجابية في المجتمع وضمان مراعاة تواجدهم في خطط التنمية الريفية والحضرية على حد سواء إضافة إلى دعم رحلات انتقالهم بوصفها مفتاح سُبل عيشهم.

ومع أن ثمة افتراضاً شائعاً بأنه يسهل على "المُهجرين جراء الجفاف" العودة إلى ديارهم بمجرد هطول الأمطار، لكنَّ الخوف والفقر المنتشرين بين المُهجرين الصوماليين فضلاً عن الاضطرابات السياسية المستمرة في أوطانهم الأصلية كفيلة بإثبات عكس ذلك. وبالرغم من تحسن معدل هطول الأمطار، فبحلول يونيو/حزيران 2012 أعرب نحو 14% فقط من اللاجئين الذين كانوا عينة دراسة مسحية أجريت في داداب بأنهم سيفكرون في العودة إلى أوطانهم، أما بحلول منتصف عام 2013 كانت رحلات العودة ما زالت محدودة بالرغم من زيادة الضغوط على اللاجئين في كينيا. وفي ظل هذه الضغوط، على الجهات الفاعلة الدولية والمحلية إيلاء الاهتمام بضرورة دعم مبدأ العودة الطوعية. ويُسلط ذلك بدوره الضوء على الدور الحاسم الذي تقوم به الآليات السياسية الأوسع نطاقاً في معالجة التهجير. فيجب أن ترتبط أي رحلات عودة للاجئين والنازحين بجهود طويلة الأجل تهدف إلى إعادة تأهيلهم وخلق اللدونة اللازمة للعيش في الريف إذا كان لتلك الرحلات أن تستمر لوقت طويل.

من الواضح تماماً أن الجفاف يفرض تحدياً كبيراً ومتكرراً أمام سُبل عيش كثير من الناس في جميع أرجاء القرن الإفريقي. ومع ذلك، لا يمكن اختزال رحلات الانتقال الصومالية في 2011 في تعبير "التهجير جراء الجفاف". فمثل ذلك المصطلح لا يمثل القوى الدافعة وراء رحلات التهجير ويُخفي تداخل الجفاف مع الآليات السياسية منذ قديم الأزل وفي عصرنا هذا.  ومع الرغم من أن التفكير خارج نطاق القوالب السياسية قد يبدو احترافياً وغير مريح سياسياً، تأتي المشكلات نتيجة النهج الذي يتبعه قطاع واحد فقط لصنع السياسيات في سياقات الأزمات الإنسانية.

 

آنا ليندلي al29@soas.ac.uk محاضرة في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية ، جامعة لندن. www.soas.ac.uk



[i] يتأثر الصيد الساحلي وسُبل العيش الحضرية أيضاً بالقضايا البيئية (مثل: التسونامي والصيد غير المشروع وإلقاء النفايات السامة والنفايات الخطرة و تهالك البنية الأساسية لشبكة المياه والفيضانات وقضايا الأحياء الفقيرة).

[ii] منظمة العفو الدولية (2008)، المُستهدفون على نحو روتيني: الهجمات على المدنيين في الصومال

((Routinely Targeted: Attacks on Civilians in Somalia

 www.amnesty.org/en/library/info/AFR52/006/2008

[iii] فان هير ن. (1998) النازحون الجدد. لندن: كلية لندن الجامعية. (New Diasporas)

 

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.