إعادة التوطين في القرن الحادي والعشرين

تمخضت أوجه القصور في آليات تخطيط مشروعات إعادة التوطين والانتقال القسرية وإعدادها وتنفيذها عن إخفاقات أكثر بكثير مما حققته من نجاحات.وبالفعل، فمن المشكوك فيه ما إذا كان إعادة التوطين على النحو الذي يُجرى عليه الآن يمكن تصنيفه على أنه شكل من أشكال الحماية أم لا.

مع توقع احتمالية زيادة رحلات إعادة التوطين القسري في هذا القرن الواحد والعشرين، طالب بعض المهتمين بضرورة إيلاء اهتمام أكبر بإجراءات إعادة التوطين المنظمة أو برامج الانتقال المدروسة بوصفها نوعاً من الاستجابات المحتملة. وبالنظر إلى الجانب المشرق، تُمثل برامج الانتقال آلية من آليات الحماية للمجتمعات المستضعفة التي قد لا تحصل على أي مساعدات أو دعم خلافه. أما من الناحية السلبية، فسجلت برامج إعادة التوطين المرتبطة بالبنى التحتية الكبيرة ومشاريع التنمية حافل بالإخفاقات. وينتزع منا واقع نتائج رحلات التهجير وإعادة التوطين جراء الكوارث أي بادرة أمل تتراءى لنا.

وثمة تفسيران واسعان وراء عدم نجاح برامج إعادة التوطين حتى الآن. ويكمن السبب الأول في نقص المُدخلات المناسبة، مثل: الأطر والسياسات القانونية، والتمويل، والعناية أثناء التنفيذ. ويعود السبب الثاني لحقيقة أن عملية إعادة التوطين تنشأ من تفاعل معقد بين عوامل ثقافية واجتماعية وبيئية واقتصادية ومؤسسية وسياسية كثيرة على نحو يصعب توقعه ويعيق عن إمكانية وضع منهجية تخطيط مناسبة وفعّالة. وهذا بالطبع يعطي مساحة كبيرة للمُعاد توطينهم لتولي قدر كبير من زمام أمور العملية.[i]

تتطلب المشاريع الرسمية لإعادة التوطين والانتقال القسري بسبب برامج التنمية توفر مُدخلات مادية مناسبة في المقام الأول، وبما أن التعديلات على خطط إعادة التوطين تُجرى من خلال مراحل متعددة وعلى مدار مدد زمنية طويلة، تجد المجتمعات المُعاد توطينها نفسها مجبرة في نهاية المطاف على نقل الموارد الاجتماعية والثقافية معها سعياً منها لإعادة تأسيس جماعات اجتماعية ومجتمعات يمكن العيش فيها ولاستعادة المستويات المناسبة من الحياة المادية والثقافية.

وتُستخدم السلطات المسؤولة منهجيات إعادة التوطين في إطار محاولات الإنعاش في أوضاع الكوارث لقرون. وفي بعض المواقف، ستُجبر الكوارث والاضطرابات البيئية الأخرى الناس على الهجرة أفراداً وعائلات، وهو ما يُشابه حالات اللاجئين السياسيين، باذلين في ذلك جهود مجتمعية ضعيفة لإعادة توطينهم. ومع ذلك، ففي أوضاع أخرى، اتخذت إجراءات إعادة التوطين المجتمعية في حالات المتضررين من الكوارث ضمن مشاريع اشتملت على عمليات تخطيط، ولكن هذا الأمر لم يكن يحدث عادة إلا عند انقطاع جميع سبل التقليل من وطأة المخاطر. إلا أن النجاح نادراً ما كان حليف مثل هذه الجهود.

وجرت العادة أن نجد المُعاد توطينهم في أعقاب الكوارث يهجرون مخيماتهم الجديدة ويعودون إلى مواقع منازلهم السابقة بسبب مجموعة واسعة من الدوافع البيئية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. ويرجع جزء من اللوم على هذه الإخفاقات إلى سوء تصميم مشروع إعادة التوطين نفسه وبناؤه وتنفيذه وتسليمه، وتنشأ هذه المشاكل عموماً من غياب التشاور مع المتضررين ونقص مشاركتهم في هذه الإجراءات. ويأتي هذا النقص عموماً من استخفاف صانعي القرار السياسي وواضعي الخطط بالمعرفة والثقافة المحلية.

وفهم الدور الذي تقوم به العمليات المؤسسية الاجتماعية، مثل: آليات الحكم أو الشبكات الاجتماعية، في استراتيجيات المُعاد توطينهم للتأقلم أمر مهم للتعرف على الطبيعة الاجتماعية الثقافية الخاصة بمخاطر الحرمان مما سيساعد على تفسير سبب أن يُسفر التهجير وإعادة التوطين عادة عن حرمان كبير للأسر المتضررة. ويتشارك من ينتقلون فراراً من الاضطهاد أو الموت أو من يُهجرون بفعل الكوارث أو جراء مشاريع التنمية كثير من التحديات المشابهة وقد يتخذون استجابات مماثلة على المدى البعيد تجاه المتضررين من تلك الأحداث.

ويُعرف جلياً كل من الجنس والعمر والطبقة والعرق بوصفها علامات الاستضعاف الرئيسية. وكثيراً ما ترتبط أشكال الاستضعاف النظامية والتعرض للكوارث والنتائج المأسوية بمشاكل التنمية التي لم تُحل بعد. وبما أنه على برامج إعادة التوطين التركيز على وضع حلول دائمة، فلضمان تحقيق نتائج ناجحة لبرامج إعادة التوطين، على المعنيين التعامل مع مشاريع إعادة التوطين بوصفها مشاريع تنموية.

المبادئ التوجيهية القائمة والناشئة

في السنوات الأخيرة، سعت كل من المبادئ التوجيهية العملية لحماية الأشخاص في حالات الكوارث الطبيعية[ii] التي وضعتها اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات، والسكان المعرضون لمخاطر الكوارث: دليل إعادة التوطين الذي وضعه البنك الدولي، وإجراءات وقائية لإعادة توطين السكان المعرضين لمخاطر الكوارث: تجارب من أمريكا اللاتينية[iii] في معالجة قضايا إعادة التوطين المرتبطة بالكوارث من منطلق حقوق الإنسان والمبادئ التوجيهية للممارسات الجيدة.

وتتبع المبادئ التوجيهية التي وضعتها اللجنة الدائمة المشتركة بين الهيئات منهجاً يراعي حقوق الإنسان ويهدف للمساعدة على حماية السكان المهددين بمخاطر الكوارث أو المتضررين بها فعلياً ويُقصد بها استكمال المبادئ التوجيهية القائمة المعنية بالمعايير الإنسانية في أوقات الكوارث. والمبادئ التوجيهية مُنظمة في صورة مجموعات مواضيعية على هيئة مراحل زمنية للكوارث: حماية الحياة، وحماية الحقوق المرتبطة بالغذاء والصحة، الخ، وحماية الحقوق المرتبطة بالمسكن وسُبل العيش، وحماية الحقوق المرتبطة بحرية التنقل وحرية اعتناق الدين. وتسلط المبادئ التوجيهية أيضاً الضوء على المناطق التي تكون فيها الحقوق مُهددة بفعل عمليات إعادة التوطين. ومع ذلك، فهي لا تطرح مجموعة من الإجراءات أو المبادئ التوجيهية أو الممارسات الجيدة التي يجب إتباعها في عمليات إعادة التوطين لضمان حماية هذه الحقوق في عملية إعادة التوطين وبموجبها حيث جرت العادة أن تكون هذه العملية سبباً في انتهاكها. ومع أنها غير مُعترف بها رسمياً بوصفها مبادئ توجيهية في حد ذاتها، إلا أن مجلدات البنك الدولي جنباً إلى جنب مع مرجع إعادة التوطين القسري[iv] الذي وضعه يشكلون مصدراً رئيسياً لمعرفة آليات تنفيذ عمليات إعادة التوطين.

ومازال ينقصنا اتفاقيات أو معاهدات عالمية ملزمة تضمن حقوق من هُجِّروا جراء أسباب، مثل: تغير المناخ أو الاضطرابات البيئية أو الكوارث أو مشاريع التنمية. ومع وجود مناصرين لبناء هيكل حكم عالمي جديد لتوفير الحماية ودعم عمليات إعادة التوطين الطوعية للنازحين جراء التغيرات المفاجئة أو التدريجية في بيئتهم الطبيعية بسبب ارتفاع مستوى البحر والأحداث الجوية العنيفة والجفاف وندرة المياه، إلا أنهم لا يتعاملون بمنظور خاص مع عمليات إعادة التوطين.

الدروس العامة المُستفادة من دراسات إعادة التوطين والانتقال القسري بسبب برامج التنمية أن على المعنيين النظر إلى برامج إعادة التوطين بوصفها الملاذ الأخير، وأنه يجب تمويلها على نحو مناسب، وأن تكون جيدة التخطيط قبل البدء في تنفيذها، وأن تشتمل على عاملين مدربين يتحركون بموجب خطوط سلطة واضحة، وأن تتضمن أنشطة مدرة للدخل وأرض متاحة ومساكن مناسبة، وأن تراعي حقوق المجتمعات المحلية المتضررة.[v]واستناداً إلى هذه المبادئ، توصي إليزابيث فيريس أيضاً بأهمية اتخاذ إجراءات استشارية لوضع مبادئ خاصة ومبادئ توجيهية مُحددة ذات نفع لجميع أصحاب المصلحة، بما فيهم الأفراد المتضررين والجهات الفاعلة المعنية بالتنمية والجوانب الإنسانية والحكومات التي قد تكون مُجبرة على إجراء عمليات إعادة التوطين بوصفها نوعاً من آليات التأقلم مع تغير المناخ.[vi]

لا توجد اتفاقية حتى الآن بشأن المبادئ التوجيهية لإجراء عمليات إعادة توطين توقعية أو وقائية (أي، عمليات إعادة توطين قبل وضوع الآثار الخطيرة) ولا حتى تحديداً للمعايير التي يجب أن تسير عليها عملية إعادة التوطين. ويُصعب غياب تعريف دولي مقبول لعدم توفر المساكن في مكان ما واحتمال أن مثل هذا الأوضاع جاءت نتيجة عوامل متعددة صعبّت من إمكانية تحديد كل من الأسباب والمسؤولية. وعلاوة على ذلك، لا يتضح ما إذا كان على المقيمين في المناطق المعرضة للمخاطر الانتقال سلفاً تحسباً لوقوع أي آثار محتملة ، في ظل عدم المعرفة القاطعة بالمدة الزمنية اللازمة لآليات التأقلم المحتملة ومدى حجمها أو إمكانية نجاحها، أم أن عليهم الانتظار حتى تحدث كارثة كبيرة. وفي هذه الحالات، على المعنيين التوفيق بين أخلاقيات السياسات التي تنقل الناس من المناطق شديدة الخطر مع احتمالية أنها ستقوض الحريات التاريخية والأنماط الثقافية الراسخة للعيش في المخيمات والانتقال وسُبل العيش.

ويُشير خطر أن الأراضي التي يُجرى إخلاؤها قد تكون مناسبة للمكاسب المالية أو أن عمليات إعادة التوطين قد تُستخدم بوصفها أداة ضد المهمشين سياسياً إلى أهمية المعايير والمبادئ التوجيهية خشية أن تُسفر عمليات إعادة التوطين التوقعية إلى عدد غير معروف من النتائج غير الحميدة. ولكن حتى في أحسن الظروف، يصعب حشد الإرادة السياسية أو الموارد اللازمة في ظل عدم وجود كارثة جسيمة، وقد يعزف السكان أيضاً عن ترك المنطقة حتى وإن كانت احتمالية حدوث الكوارث مرتفعة.

الخاتمة

لا يُتوقع من الدول التقليدية التي اعتادت على استضافة اللاجئين فتح أذرعها للأعداد الكبيرة المحتملة من المُهجرين جراء الاضطرابات البيئية أو ممن يُطلق عليهم لاجئون بسبب تغير المناخ.[vii]ونظراً للمستويات المتوقعة لرحلات التهجير المرتبطة بتغير المناخ، تُصبح مسألة توفر الأرض المناسبة لإعادة التوطين قضية حيوية في كل من السياقات الحضرية والريفية. وعلى المعنيين اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنح حق الملكية وسندات ملكية قانونية واضحة - عرفية ورسمية - إضافة إلى أهمية وضع الآليات والإجراءات  القانونية المناسبة.

ولا يجب أن نغفل التمويل بوصفه قضية محورية أيضاً. فالأطر المعيارية لحماية الأرواح البشرية وضمان تحقيق حقوق الإنسان أيضاً المعيار الذهبي. ومع ذلك، تمتلك حكومات معظم الدول النامية، التي تعد عرضة لأبرز آثار تغير المناخ، أقل الموارد اللازمة للاستعداد ولتنفيذ هذه الأطر. بينما تعزف الدول المتقدمة عن تحمل تكاليف عمليات إعادة التوطين، بالرغم من أنها كانت مسؤولة عن الإنبعاثات التي سببت هذه العمليات في الماضي، ومن طرح نقاشات بشأن "الخسائر والأضرار" ضمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التي فتحت بدورها نقاشات بشأن إمكانية التعويض عن الأضرار الناتجة عن تغير المناخ جراء الإنبعاثات التي تسببت فيها الدول المتقدمة وقد تشتمل هذه التعويضات على عمليات إعادة توطين وطنية أو دولية.

ومن العناصر الرئيسية على طريق الإصلاح في ممارسات إعادة التوطين إدراك أهمية رؤية المُهجرين بوصفهم عوامل اجتماعية فاعلة لهم آراؤهم بشأن الحقوق والاستحقاقات التي يجب مراعاتها عند إجراء أي عمليات تهجير وعند تخطيط مشاريع إعادة التوطين وتنفيذها. وهكذا، فإعادة التوطين عملية اجتماعية معقدة؛ ففي أحسن حالتها يجب أن تكون داعمة  لعمليات التأقلم والتكيف ودافعة لازدهارها لتمكين السكان من استعادة وظائف المجتمع المحلي الفعال وتماسكه وإكسابهم اللدونة الكافية للتعامل مع الضغوط البيئية والاجتماعية. والأمر المحوري في هذه المهام قضايا الحقوق والفقر والاستضعاف والأشكال الأخرى من التهميش الاجتماعي المرتبطة في حد ذاتها بالتهجير. ومع ذلك، اعتاد واضعو الخطط على النظر إلى ثقافة المُهجرين على أنها عقبة في طريق النجاح بدلاً من اعتبارها مصدراً يستمدون منه أفكارهم.

 

أنطوني أوليفر سميث aros@ufl.edu أستاذ فخري في قسم الأنثروبولوجيا في جامعة فلوريدا. وأليكس ديشيربينين adesherbinin@ciesin.columbia.edu باحث أوَّل مشارك في مركز الشبكة الدولية لمعلومات علوم الأرض، وحدة معهد الأرض بجامعة كولومبيا. http://ciesin.org/



[i] دي ويت سي. (2006) "المخاطر والتعقيد والمبادرات المحلية الكامنة في نتائج برامج إعادة التوطين القسري"

(Risk, Complexity and Local Initiative in Involuntary Resettlement  Outcomes

سي دي ويت (محرر). على طريق تحسين نتائج مشاريع إعادة التوطين القسري بسبب برامج التنمية.

(Improving Outcomes in Development Induced Involuntary Resettlement Projects)

برغحان بوكس.

[v] www.brookings.edu/research/papers/2012/08/protection-climate-change-ferris .

.سيرنيا وآخرون (2011). الاستعداد لعمليات إعادة التوطين المرتبطة بتغير المناخ. العلوم, 28 أكتوبر/تشرين الأول 2011, المجلد 334: 456-457 www.sciencemag.org/content/334/6055/456.citation

(Protection and Planned Relocations in the Context of Climate Change)

[vi]فيريس، إ. (2012) الحماية وعمليات الانتقال المدروسة في أوضاع تغير المناخ. مجموعة أبحاث سياسة الحماية والسياسة القانونية التي أجرتها مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين. www.refworld.org/docid/5023774e2.html

(Protection and Planned Relocations in the Context of Climate Change)

[vii]لا يوافق الكاتبان على استخدام مصطلح "لاجئ بسبب تغير المناخ" ولكنهما يدركان أنه جزء من سياق تغير المناخ.

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.