Skip to content
عملية إنقاذ ليلية على متن سفينة "أوشن فايكينغ". حقوق الصورة: تيس بارتس/SOS-MEDITERRANEE

تسعى عملية مشتركة على متن سفينة “أوشن فايكينغ” (Ocean Viking) إلى إنقاذ الأرواح وحماية حقوق الأشخاص المهاجرين واللاجئين. إلا أنها تواجه تحدياتٍ تنظيميةٍ تسلّط الضوء على الحاجة إلى إنشاء بيئة أكثر تمكينًا للعمل الإنساني.

 

على شاطئ الموت، انتهت رحلتك.

قلبك الصغير الغض لم يتحمل.

كان يفيض بالحب حتى نفسك الأخير.

غادرتِ يا صغيرتي الجميلة.

اختفى صوتك الجميل إلى الأبد،

وتركتِ خلفكِ أبًا وأمًا وأختًا – تائهين، يتخبطون بين البحر والسماء.

كيف لقلبكِ الطيب أن يغادر أحباءك فجأة؟

تحملتِ مشقّة السفر، وقسوة الموج – كل هذا من أجل ماذا؟

لحياةٍ كريمة.

نعم، لقد وجدتها الآن يا رهف. أنتِ الآن في نعيمٍ مقيم.

فلترقد روحك في سلام يا حبيبتي.

رثاء أب لابنته البالغة من العمر سبع سنوات التي فارقت الحياة أثناء عملية إجلاء طبي طارئ من سفينة “أوشن فايكينغ” في وسط البحر الأبيض المتوسط في 28 كانون الثاني/يناير 2025.

في كانون الثاني/يناير 2025، تم إنقاذ عائلة مؤلّفة من أربعة أفراد ضمن مجموعة مكوّنة من 92 شخصًا من قارب منكوب في وسط البحر الأبيض المتوسط، بالقرب من مالطا. ونُقلوا على متن سفينة البحث والإنقاذ “أوشن فايكينغ”. ولكن قبل الوصول إلى نقطة النزول المحددة، تعرضت الابنة البالغة من العمر سبع سنوات، والتي كانت تعاني من مشكلة في القلب، لسكتة قلبية. وبعد فشل محاولات إنعاشها على متن السفينة، طلب فريق الإنقاذ نقلها جوًا إلى مستشفى في مالطا. لكن لسوء الحظ، لم تنجُ الصغيرة من الرحلة. وفي رثاء والدها لها، سألها: “تحملتِ مشقة السفر، وقسوة الموج – كل هذا من أجل ماذا؟”

ومع الأسف، لم تكن هذه الطفلة الأولى التي تلقى حتفها في ظروف كان يمكن تفاديها في البحر. ولن تكون الأخيرة.

يموت ويختفي بشكلٍ مثيرٍ للقلق عددٌ كبيرٌ من الأشخاص على الطريق الذي وصفته المنظمة الدولية للهجرة بـ “أكثر طرق الهجرة فتكًا”، وهو المعبر الذي يمر بوسط البحر الأبيض المتوسط ​​بين شمال أفريقيا وإيطاليا. ومنذ إنشاء مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة في عام 2014، سُجلت أكثر من 31,700 حالة وفاة واختفاء في البحر الأبيض المتوسط منها نحو 24,600 حالة وقعت في وسط البحر الأبيض المتوسط تحديدًا ​​(و2,475 منها في عام 2024 وحده)[1]. وقد يكون هذا العدد أكبر على أرض الواقع. وتشمل هذه الأرقام الأطفال، والكثير منهم كانوا غير مصحوبين بذويهم[2].

وتقع على عاتق الدول الساحلية التزامات قانونية دولية بتوفير خدمات البحث والإنقاذ، وعلى الدول التي تحمل السفن أعلامها تقديم المساعدة للأشخاص المنكوبين في البحر (بغض النظر عن جنسية أو وضع هؤلاء الأشخاص أو الظروف التي عُثر عليهم فيها) وإنزال الأشخاص الناجين في مكان آمن[3]. ومع ذلك، لا تزال الوفيات مستمرةً، ولا توجد آلية منسقة للبحث والإنقاذ لمنع الوفيات وإنقاذ الأرواح في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. ويشير ذلك إلى أن الأطر القانونية والتشغيلية الحالية فشلت في توفير الدعم الكافي للأشخاص المحتاجين وفي منع خسارة الأرواح في البحر الأبيض المتوسط.

وفي محاولةٍ للمساعدة على سد الفجوة في الاستجابة الإنسانية لمساعدة وإنقاذ الأشخاص المنكوبين في البحر، انضم الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في عام 2021 إلى المنظمة البحرية الإنسانية الأوروبية إنقاذ المتوسط (SOS MEDITERRANEE) على متن سفينتها “أوشن فايكينغ”. وهي عبارة عن شراكة تشغيلية لعمليات البحث والإنقاذ المدنية (حيث تشرف منظمة إنقاذ المتوسط على مكون البحث والإنقاذ) ونقطة للخدمة الإنسانية في البحر، حيث يقدم الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الإغاثة والحماية والخدمات الصحية للأشخاص الذين يتم إنقاذهم في وسط البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، إن جهود البحث والإنقاذ الحالية والدعم المقدم للناجين وحدهما غير كافيين. وسوف يستمر الموت والاختفاء إذا لم تُبذل الجهود اللازمة لمعالجة الظروف الهيكلية التي تساهم في ضعفهم (وقرارهم بالتنقل، في نهاية المطاف).

هذا ويؤدي تركيز العديد من الدول في الوقت الحالي على الأمن وتصدير التعامل مع المشكلة في النهج الذي تتبعه للتعامل مع الهجرة إلى زيادة صعوبة هذا العمل زيادة مضطردة. ويبدو أن التركيز على أمن الحدود والردع والتعاون مع دول ثالثة لاعتراض طريق المهاجرين وإعادتهم طغى على الاعتبارات الإنسانية وحماية حقوق الإنسان. وشمل هذا النهج أيضًا تجريم تقديم المساعدة الإنسانية إلى الأشخاص المهاجرين غير النظاميين، مما يصعب على المنظمات الإنسانية مواصلة عملها في إنقاذ الأرواح.

بيئةٌ تنظيميةٌ معقّدة

يطرح غياب الحماية للأشخاص المتنقلين على طول مسار الهجرة عبر وسط البحر الأبيض المتوسط تهديداتٍ خطيرة على حياتهم – وقد أشارت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى وجود “تجاهل قاتل لأشخاص يائسين”[4]. وتُفاقم البيئة التنظيمية متزايدة التعقد في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الاتفاقيات الثنائية المبرمة مع بلدان العبور والمنشأ، المخاطرَ ومواطن الضعف التي يواجهها الأشخاص أثناء التنقل، وخاصة أولئك الذين يسلكون طرقاتٍ ’غير نظامية‘.

ومن خلال تنفيذ العملية على متن سفينة أوشن فايكينغ، شهد الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ومنظمة إنقاذ المتوسط ​​بنفسيهما آثار السياسات الحالية على أنشطة البحث والإنقاذ والإنزال، بما فيها الآثار المترتبة على عمليات البحث والإنقاذ المدنية والتهديدات التي تحدق بالحماية للأشخاص المهاجرين واللاجئين.

على سبيل المثال، أدت القيود المفروضة على مستوى الدول على عمليات الإنقاذ الثانوية[5] ــ بما فيها تسلسل اشتراطات الحصول على تصريح لتنفيذ تلك العمليات والقدرة المحدودة على الوصول إلى السلطات البحرية ذات الصلة في هذه الأوقات ــ إلى تقليص قدرة سفينة “أوشن فايكينغ” على إنقاذ الأرواح في منطقة البحث والإنقاذ. كما أن تخصيص موانئ بعيدة لإنزال الركاب أدى أيضًا إلى الحد من هذه القدرة وتضخم الميزانية التشغيلية لسفينة “أوشن فايكينغ”. وفي عام 2023، عبرت السفينة أكثر من 21,000 كيلومتر إضافي للوصول إلى 13 ميناءً بعيدًا، بدلاً من النزول في أقرب الأماكن الآمنة. وتشير التقديرات إلى أن هذا الأمر كلف السفينة وقودًا إضافيًا بقيمة 500,000 يورو.

علاوةً على ذلك، كانت سفينة “أوشن فايكينغ” هدفًا لممارسات خفر السواحل العدائية في عدة مناسبات، مما شكّل خطرًا على سلامة الطاقم والناجين. وتفاقمت هذه التحديات بسبب معايير السلامة البحرية المعقدة، بالإضافة إلى عقوبات عدم الامتثال، بما فيها الغرامات واحتجاز الطواقم واحتجاز السفن.

وفي شباط/فبراير 2024، تلقت سفينة “أوشن فايكينغ” أمر احتجاز من السلطات الإيطالية عقب إنزال 261 ناجيًا في برينديزي. وطعن الفريق القانوني الذي يمثل منظمة إنقاذ المتوسط في دستورية الإطار التنظيمي المُستخدم للبت في هذه المسألة (مرسوم بيانتيدوسي لعام 2023، وهو المرسوم الاشتراعي رقم 1/2023)، محتجًا بأنه ينتهك الحقوق الأساسية ومبادئ التناسب والمعقولية. وأحال قاضي محكمة برينديزي القضية إلى المحكمة الدستورية الإيطالية، وهو أمر ينطوي على تشكيك في شرعية المرسوم نفسه. ويبرز هذا الطعن القانوني التوتر القائم بين المقتضيات الإنسانية والأطر التنظيمية الحالية[6].

وفي الموازاة، يساهم تصدير الاتحاد الأوروبي ملف إدارة الهجرة عن طريق الاتفاقيات المبرمة مع دول مثل تونس ومصر وموريتانيا في مفاقمة هذا الوضع. وتجلّى ذلك مؤخرًا في تطبيق بروتوكول إيطاليا-ألبانيا في تشرين الأول/أكتوبر 2024[7]. وواجه هذا البروتوكول تحديات في التطبيق وتحديات قانونية كبيرة ومستمرة، وتمحور أبرزها حول آثاره على حقوق الإنسان للأشخاص اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين. كما أعرب مفوض مجلس أوروبا المعني بحقوق الإنسان عن مخاوفه بشأنه.

وفي الوقت نفسه، استُخدم توجيه الاتحاد الأوروبي المُيسر، الذي يُجرّم مساعدة الأفراد على الدخول أو العبور أو الإقامة غير المصرح بها، لمقاضاة الأفراد والمنظمات التي تُقدّم مساعدات إنسانية لهؤلاء المهاجرين. ولضمان قدرة الجهات الفاعلة الإنسانية – بما فيها طاقم سفينة “أوشن فايكينغ” – على أداء عملها في إنقاذ الأرواح القائم على المبادئ، من الضروري تضمين استثناء إنساني صريح وملزم في التوجيه.

نحو إطار عمل أوروبي جديد للبحث والإنقاذ

ثمة ما يدعو للتفاؤل رغم الوضع الراهن، إذ أقرّ كلٌّ من المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي بالحاجة إلى تعزيز قدرات البحث والإنقاذ وتحسين التنسيق بين الجهات الفاعلة في البحر. وفي إطار دعوة المفوضية إلى إنشاء إطار عمل أكثر تنظيمًا وموثوقية واستدامة للبحث والإنقاذ يتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي والمعايير الدولية،[8] حُثّت الدول الأعضاء ووكالة حرس الحدود وخفر السواحل الأوروبية (فرونتكس) على تعزيز عمليات البحث والإنقاذ الاستباقية عبر نشر عدد كافٍ من السفن والمعدات والأفراد على طول الطرق الرئيسية، ما يضمن الاستجابة الفعّالة لحالات الاستغاثة[9]. إضافةً إلى ذلك، دعا البرلمان الأوروبي إلى إنشاء بعثة بحث وإنقاذ شاملة تابعة للاتحاد الأوروبي، تُنفّذها السلطات الوطنية ووكالة حرس الحدود وخفر السواحل الأوروبية، لضمان اتباع نهج منسق لإنقاذ الأرواح في البحر.

وتزامنت هذه الدعوات مع اعتماد ميثاق الاتحاد الأوروبي للهجرة واللجوء عام 2024، الذي يهدف إلى إنشاء نظام أوروبي مشترك لإدارة الهجرة واللجوء. وفي هذا الميثاق فرصةٌ حاسمةٌ لتحسين الوضع، إلا أن أثره إما في إنقاذ الأرواح وتقليل الاحتياجات الإنسانية، وإما مفاقمة الوضع، سيعتمد على كيفية تنفيذه.

ومع استمرار المفاوضات بشأن تدابير التنفيذ، يواصل الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظمات الأخرى العاملة مع المهاجرين واللاجئين تسليط الضوء على الضرورة الإنسانية لعملياتهم، مع التركيز على توفير الدعم الأساسي للأشخاص أثناء تنقلهم.

أفكار ختامية

تُجسد العملية التي تنفذها منظمة إنقاذ المتوسط بالتعاون مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة “أوشن فايكينغ” الضرورة الإنسانية لإنقاذ الأرواح وحماية حقوق الأشخاص المهاجرين واللاجئين. ومع ذلك، تُبرز التحديات التنظيمية التي تواجه عمليات البحث والإنقاذ المدنية في وسط البحر الأبيض المتوسط ​​الحاجة إلى إنشاء بيئة أكثر تمكينًا للعمل الإنساني المبني على المبادئ. ويستلزم ذلك تعزيز التنسيق والتعاون بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية – ويشمل ذلك وضع بروتوكولات تواصل واضحة وإجراءات موحدة – لتسهيل عمليات البحث والإنقاذ وممارسات الإنزال العادلة والفعالة. وفي الوقت نفسه، من شأن توفير مسارات أكثر أمانًا وقانونية للأشخاص المهاجرين أن يُسهم في تقليل الاعتماد على الطرقات البحرية الخطيرة، ويزيد من منع الخسائر في الأرواح في البحر.

وقد سأل والد رهف: “تحملتِ مشقة السفر، وقسوة الموج – كل هذا من أجل ماذا؟” وجاء جوابه: “لحياةٍ كريمة“. ولأجل أشخاص مثل رهف، وغيرها من الصبية والفتيات والرجال والنساء الكُثر الذين يواجهون المصير نفسه في البحر الأبيض المتوسط، علينا أن نسعى معًا لتحسين حماية الناس وتوفير المساعدة اللازمة لإنقاذ الأرواح في البحر.

 

أنا بُوِن (Anna Bowen)
المنسقة الإقليمية للدبلوماسية الإنسانية
المكتب الإقليمي في أوروبا للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر
Anna.BOWEN@ifrc.org

جميع الآراء الواردة في هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتبة فقط ولا تعبر عن رأي الجهة التي تعمل لديها أو الجهات التابعة لها أو موظفيها.

 

[1] يتتبع مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة الحوادث التي تتعلق بالأشخاص المهاجرين، ومنهم الأشخاص اللاجئون وطالبو اللجوء، الذين لقوا حتفهم أو اختفوا أثناء الهجرة نحو وجهة دولية: bit.ly/iom-mediterranean

[2] منذ أن أبرم الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر شراكةً مع منظمة إنقاذ المتوسط في أيلول/سبتمبر 2021 (وحتى نهاية كانون الثاني/يناير 2025)، أُنقذ ما يقرب من 2,054 طفلًا بواسطة سفينة أوشن فايكينغ، منهم 1,630 طفلًا غير مصحوب بذويه.

[3] تُرسي هذه الالتزامات القانونية بشكل عام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (1982)؛ بشكل أكثر تحديدًا اثنان من معاهدات المنظمة البحرية الدولية وهما: الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار (اتفاقية سولاس، 1974) والاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ البحري (اتفاقية البحث والإنقاذ البحري، 1979).

[4] OHCHR (2021) Lethal Disregard” Search and rescue and the protection of migrants in the central Mediterranean Sea.

[5] تُنفذ جميع عمليات الإنقاذ بالتشاور مع السلطات البحرية في البلد المعني. ويشترط القانون الإيطالي على سفينة “أوشن فايكينغ” أن تتوجه فورًا إلى ’المكان الآمن‘ الذي رشحته السلطات البحرية التابعة لها بمجرد إجراء عملية الإنقاذ. وهذا يعني أنها لا تستطيع الاستجابة إلى أي نداءات استغاثة لاحقة ما لم يُسمح أو يصرح لها بذلك صراحةً.

[6] Orav, A (2024) ‘Responsibility for search and rescue of migrants in the Mediterranean’,  European Parliamentary Research Service

[7]‘Protocol between the Government of the Republic of Italy and the Council of Ministers of the Republic of Albania for the Strengthening of Cooperation in Migration Matters’, 2023

[8] European Commission (2020) ‘Recommendation 2020/1365 of 23 September 2020 on cooperation among Member States concerning operations carried out by vessels owned or operated by private entities for the purpose of search and rescue activities’

[9] European Parliament (2023) ‘The need for EU action on search and rescue in the Mediterranean’

تنزيل الصفحة
تبرعاشترك