Skip to content
لاجئون نازحون من مخيم برهالي في شمال غرب إثيوبيا. حقوق الصورة: هياس باغابالدو © المنظمة الدولية للهجرة

هل يمكن إعادة توجيه نظام حماية اللاجئين واللاجئات الدولي بما يسمح لضحايا الاضطهاد والعنف بإيجاد الأمان في دولٍ أخرى من دون المخاطرة بحياتهم(ن) على طرقاتٍ محفوفةٍ بالمخاطر؟

يستند نظام حماية اللاجئين واللاجئات الدولي منذ 75 عامًا إلى مفهوم اللجوء الإقليمي. وبموجب هذا المبدأ، يحق للأشخاص المهددين بالاضطهاد والعنف في بلدهم أن يغادروه ويتوجهوا نحو دولةٍ أخرى وطلب حالة اللجوء لدى دخولهم أراضيها.

يقبع هذا النظام تحت ضغوطٍ متنامية في الآونة الأخيرة. فقد أصبحت الرحلات التي يخوضها اللاجئون واللاجئات أكثر خطورةً من جهة، كما هو مبيّن في المقالات الأخرى الواردة في هذا العدد من نشرة الهجرة القسرية، وتُعرّضهم لخطر الموت والإصابات والاعتداء الجسدي والجنسي والاستغلال والاستعباد. لكن وللمفارقة، غالبًا ما يضطرّ اللاجئون واللاجئات إلى المخاطرة بحياتهم بحثًا عن الحماية.

ومن جهةٍ أخرى، باتت الدول والمجتمعات في مناطق عدة من العالم تقاوم وصول طالبي وطالبات اللجوء بصورةٍ متزايدة، خصوصًا عندما يصلون بأعدادٍ كبيرة في غضون فترةٍ قصيرة وبطريقةٍ غير نظامية. ويتم النظر إلى اللاجئين واللاجئات في الكثير من البلدان، وخصوصًا بلدان الشمال العالمي، على أنهم يشكلون تهديدًا لسيادة الدولة وأمنها واستقرارها الاجتماعي. ويُعتبر بالتالي أنه يجب إقصاؤهم بأي طريقة ممكنة، حتى إذا اقتضى ذلك خرق الدول لالتزاماتها بموجب القانون الدولي للاجئين.

الانتقال من اللجوء الإقليمي إلى إدارة الهجرة

دعمت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بشكلٍ متنامٍ استبدال نظام اللجوء الإقليمي بنموذجٍ بديل لحماية اللاجئين واللاجئات يستند إلى مبدأ ‘إدارة الهجرة’. وفي حين أن ذلك لا يشكّل مفهومًا جديدًا، تم استخدامه في السابق في سياق حركة العمال والعاملات المهاجرين ونقل اللاجئين واللاجئات والأشخاص النازحين إلى بلدان التوطين الدائم.

إلا أن المفهوم بحلّته الجديدة هذه يستند إلى منطق أنه يمكن التنبؤ بحركات الهجرة القسرية والتخطيط لها وتنظيمها، خصوصًا إذا ما استند ذلك إلى عملية واسعة النطاق لجمع البيانات وتحليلها. وفي الموازاة، يستند التفسير الحالي لمفهوم إدارة الهجرة إلى افتراض أنه يمكن تجنُّب حركة اللاجئين واللاجئات وطالبي وطالبات اللجوء وغيرهم من المهاجرين والمهاجرات غير النظاميين أو أقلّه تقليصها. وفي هذا السياق، تكتسي ثلاث استراتيجيات أهميةً خاصةً، ألا وهي: تعزيز ضبط الحدود؛ ومعالجة ما يُعرف بـ’الأسباب الجذرية’ للنزوح؛ وتنفيذ البرامج ‘على طول الطريق’ التي توفر الحماية والمساعدة للاجئين واللاجئات في المراحل الأولى من رحلتهم لكي لا يشعروا أنهم مجبرين على خوض رحلاتٍ طويلة وعابرة للقارات.

وعليه، تَعِد إدارة الهجرة بمعالجة التهديدات المتصورة المرتبطة بالتحركات البشرية العفوية وغير المخطط لها وغير النظامية بكلّ هذه الأساليب المختلفة، وبوضع هذه التحركات تحت سيطرة الدول ووكالات المساعدة التي ترعاها.

تنفيذ النهج الجديد

اتخذت البلدان الأكثر ازدهارًا في العالم خطواتٍ عدة لتنفيذ أجندة إدارة الهجرة في السنوات الأخيرة. فقد تم تعزيز عمليات ضبط الحدود وتدعيمها بأشكالٍ جديدة من المراقبة التكنولوجية. هذا وتم تحفيز البلدان الأكثر فقرًا أو دفعها إلى تقليص حركة قدوم اللاجئين واللاجئات من خلال عملية تصدير إجراءات اللجوء إلى الخارج.

وتمت إعادة تصميم برامج المساعدات الخارجية لتخدم الهدف الأساسي المتمثل في ‘استقرار’ الفئات السكانية الضعيفة ضمن مجتمعاتها المحلية وبلدانها. وكان الاتحاد الأوروبي من أكبر المؤيدين لهذه الاستراتيجية وأكثرهم حماسةً، وقد أنشأ الصندوق الائتماني الأوروبي للطوارئ من أجل أفريقيا (EUTF) البالغة قيمته 5 مليارات دولار والرامي إلى “معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الاستقرار والنزوح القسري والهجرة غير النظامية والمساهمة في تحسين إدارة الهجرة”[1].

وقد أدت وكالات الأمم المتحدة دورًا متنامي الأهمية في تنفيذ النموذج الجديد. فقد أنشأت المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مراكز لجمع البيانات حول المجموعات السكانية المتنقلة وتحليلها. وتشكّل هذه الخطوة خاصيةً رئيسيةً في أجندة إدارة الهجرة، كما أنها تبرز في كل من الاتفاق العالمي بشأن اللاجئين والاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية – وهو عنوانٌ دلالي للغاية في هذا السياق.

لغرض هذا التحليل، يمكن ملاحظة النتيجة الأهم للانتقال من اللجوء الإقليمي إلى إدارة الهجرة في الجهود الأخيرة الرامية إلى توفير طرقات مسموح بها نحو الحماية للاجئين واللاجئات، وبالتالي تجنيبهم الحاجة إلى خوض رحلاتٍ صعبة وخطيرة ومميتة في غالب الأحيان.

وتتولى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين زمام قيادة هذه العملية. ففي ظل تنامي التهديدات التي يشهدها اللجوء الإقليمي في مناطق عدة من العالم، تشجّعت الحكومات على تأمين طرقات جديدة ومنظمة للاجئين واللاجئات نحو الحماية، فضلًا عن برامج إعادة استيطان اللاجئين واللاجئات التي ترعاها الدول والتي تنفذها المنظمة في الأساس.

وتشمل هذه ‘المسارات التكميلية’، كما تسمّيها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، المبادرات المجتمعية لإعادة التوطين وبرامج لمّ الشمل، فضلًا عن مخططات تنقل العمال والعاملات والمنح التعليمية للاجئين واللاجئات من ذوي المهارات والمؤهلات المناسبة. وفي الموازاة، عمد مناصرو ومناصرات الأشخاص اللاجئين والمحللين والمحللات لشؤونهم إلى توسيع نطاق تعريف هذا المصطلح ليشمل التأشيرة الإنسانية والممر الإنساني وبرامج الإجلاء الإنساني، وكلّها مبادرات تمكّن الأشخاص المعرّضين للخطر في موطنهم، أو في وجهة اللجوء الأولى أو خلال العبور، بالتنقّل بصورةٍ نظامية إلى الدول التي سمحت باستقبالهم.

ومن الأمثلة على هذه المبادرات برنامج مجتمعي وضعته كندا في عام 2015 لإعادة توطين 25 ألف لاجئ ولاجئة من الجنسية السورية برعاية الأسر والمجموعات من المجتمع المحلي والمنظمات الدينية ومنظمات المجتمع المدني. وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، اعتمدت المملكة المتحدة مخططًا يسمح للاجئين واللاجئات الأوكرانيين بالدخول إلى البلاد والسكن لدى أسر مقيمة في الأساس وبصورة قانونية في بريطانيا.

وقد تعاونت الكنيستان الكاثوليكية والبروتستانتية في إيطاليا وفرنسا في السنوات الأخيرة لتنفيذ برنامج الممرات الإنسانية الذي سمحا للأسر اللاجئة الضعيفة في بلدان مثل إثيوبيا ولبنان بالإقامة في أوروبا. وخلال الفترة نفسها، أطلقت أستراليا وكندا وإيطاليا والمملكة المتحدة برامج تجريبية تسمح للاجئين واللاجئات من ذوي المهارات المحددة بالاستفادة من فرص العمل في تلك البلدان.

أما في الولايات المتحدة، فأطلقت إدارة بايدن مبادرة التنقل الآمن (Safe Mobility Initiative) في عام 2023 التي سمحت لطالبي وطالبات اللجوء من عددٍ من البلدان في جنوب أمريكا وأمريكا الوسطى بتقديم طلباتهم للدخول والحصول على حالة اللجوء، لتجنّبهم بذلك الحاجة إلى خوض الرحلة الطويلة عبر المكسيك نحو حدود الولايات المتحدة.

وفي حين تختلف هذه ‘المسارات التكميلية’ بشكلٍ كبير من حيث حجمها ومعايير الاختيار المعتمدة فيها لتحديد إمكانية الدخول، تتشارك كلها الهدف نفسه المتمثل في توفير فرص الهجرة المنظمة للأشخاص الذين سيميلون لولاها إلى التحرك بصورةٍ عفوية وغير نظامية.

الحدود والتداعيات السلبية ذات الصلة

يمكن لنموذج إدارة الهجرة أن يؤدي دورًا مهمًا في تجنيب اللاجئين واللاجئات المخاطر الكثيرة التي سيواجهونها خلال محاولتهم دخول بلد اللجوء من تلقاء ذاتهم. إلا أنه وفي الوقت نفسه، من الضروري التحلي بالواقعية إزاء القيود والنتائج السلبية المحتملة التي ينطوي عليها هذا النهج.

أولًا، أثبتت التجربة السابقة أن تحركات اللاجئين واللاجئات غالبًا ما تكون غير متوقعة ويصعب التنبؤ بها في ظل الفوضى والارتباك الحادّين. ولهذا السبب تحديدًا فشلت الجهود المتكررة لإنشاء أنظمة للتنبؤ والإنذار المبكر للأزمات من صنع الإنسان. إلا أنه ما من أدلة حتى الآن تشير إلى أن هذا الوضع سوف يتغير مع ولادة الذكاء الاصطناعي.

لذلك فمن السذاجة في ظل هذه الظروف أن نؤمن بأن “الهجرة بجميع أشكالها يجب أن تكون آمنةً ومنظمةً وإنسانية”، بحسب ما قالت المديرة العامة للمنظمة العالمية للهجرة إيمي بوب. فعندما تهرب مجتمعاتٌ بكاملها من الاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان، من المرجح أن تتحرك بسرعة كبيرة وبأعدادٍ كبيرة وفي اتجاهاتٍ متعددة. ولتوقها لإيجاد الأمان في مكانٍ آخر، سوف تسلك أي طريقٍ متاح لها بصرف النظر عن المخاطر التي قد تواجهها. وبدلًا من انتظار قبولها في برنامج منظم للمغادرة، سوف تغتنم أي فرصة للهرب.

ثانيًا، يتّضح أكثر فأكثر أن مهمة التنبؤ بحركات اللجوء وتجنّبها من خلال معالجة ‘أسبابها الجذرية’ هي عمليةٌ محفوفة بالصعوبات وقد تكون خاطئةً في أساسها. فقد وجد تقييم رسمي ونقدي للغاية أجراه الصندوق الائتماني الأوروبي للطوارئ من أجل أفريقيا على سبيل المثال أن الموارد المخصصة لجهود ‘الوقاية’ من الهجرة في منطقة القرن الأفريقي مشتتة للغاية وغير منظمة بحسب الأولوية بالشكل المناسب وتجاهلت المخاوف المرتبطة بحقوق الإنسان. والأهم من ذلك حتى، أن المراجعة كشفت أن برامج سبل العيش المصممة لزيادة الدخل المتاح للمجموعات السكانية الضعيفة في المنطقة “يمكن أن تتسبب بالمزيد من الهجرة بدلًا من التخفيف منها”[2].

ثالثًا، وحتى إذا أمكن إنشاء طرقاتٍ آمنة للاجئين واللاجئات وتوسيعها، يبدو من غير المرجح أبدًا أن الدول ستسمح بتطبيق ذلك على النطاق الذي يلبي احتياجات الوصول إليها. ويبدو هذا الاحتمال أبعد حتى مع انتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة وقراره السريع للغاية بإلغاء مبادرة التنقل الآمن وإغلاق المسارات الآمنة الأخرى نحو الحماية في الولايات المتحدة. ومن البديهي أن الأشخاص المعرضين للتهديدات المباشرة لحياتهم وحريتهم، والذين يُمنع عليهم دخول أي طرقاتٍ آمنة قائمة، سوف يكون لديهم كل الحوافز للجوء إلى مكانٍ آخر من خلال التنقل بصورة غير نظامية وغير مخطط لها.

رابعًا، يميل معظم المناصرين الأكثر حماسةً للطرقات الآمنة إلى استخدام هذا المفهوم وكأنه مجرّد شعارٍ بسيط، ويجهلون القرارات الصعبة التي سيجدر اتخاذها لتنفيذ هذه الطرقات. فما هو عدد اللاجئين واللاجئات الذي سيتعين على كل بلد مضيف استقباله عبر الطرقات الآمنة وعلى مدى أي فترة زمنية؟ وما هي البلدان التي يجب أن يأتي هؤلاء اللاجئين واللاجئات منها وأي فئة منهم ستحظى بأولوية الدخول؟ وكيف سيتم تنظيم عملية الاختيار؟ وكيف سيتمكن الأشخاص الذي يُسمح لهم بالتنقل عبر الطرقات الآمنة من حيازة حالة اللجوء أو الحصول على حقوق إقامة مؤقتة في البلدان التي تستقبلهم؟ وكما سبق وأشرنا، ماذا سيكون مصير اللاجئين واللاجئات الذين يُمنعون من سلك هذه الطرقات؟

أخيرًا، من الضروري أخذ تداعيات نموذج إدارة الهجرة في الاعتبار في مبدأ اللجوء الإقليمي وتطبيقه. فيبدو في هذا السياق أن هناك خطر جدّي بأن دول الشمال العالمي ستستغل وجود هذه الطرقات، مهما ضاق نطاقها، كذريعةٍ لإقصاء طالبي وطالبات اللجوء الذين يصلون بطريقةٍ غير نظامية، معتبرةً أنه لا يجدر بهم ‘تجاوُز الطابور’ الذي ينتظر فيه ‘اللاجئون واللاجئات الشرعيون’ بهدوء.

وأشار تقرير نشره معهد سياسات الهجرة (MPI) مؤخرًا، ويحمل عنوانًا متشائمًا هو ‘نهاية اللجوء’، إلى أن نظام حماية اللاجئين واللاجئات الدولي الحالي “يشهد ضغوطًا لا يمكن تحمّلها” وطرح تساؤلات حول “قدرة الدول على تلبية التزاماتها الدولية تجاه اللاجئين واللاجئات”[3]. وأفاد التقرير أيضًا بأن هناك حاجة إلى “إعادة توجيه نظام الحماية الدولية بعيدًا عن اللجوء الإقليمي” واستبداله بـ”استخدام الطرق الآمنة والمنظمة للدخول بحثًا عن الحماية”. بعبارةٍ أخرى، يجدر الانتقال بشكلٍ فعلي إلى نموذج إدارة الهجرة.

إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في تفاصيل هذا الاقتراح. فيعترف المعهد بأنه لإعادة توجيه النظام بشكلٍ فعال، من الضروري “تثبيط عمليات الوصول غير النظامي إلى الحدود” من خلال “تقييد إمكانية حصول الأفراد على اللجوء عند الحدود إذا ما توافرت لديهم فرصة تقديم طلب اللجوء عبر الطرقات الآمنة” وتقديم “حوافز مخففة مثل تقييد إمكانية الحصول على حالة معينة أو منافع محددة للأشخاص الذين عبروا من بلدٍ آمن أو اختاروا عدم استخدام القنوات النظامية”. ويشير المعهد إلى أن نهجًا مماثلًا سوف “يشجّع الأفراد على طلب الحماية في أماكن أقرب من موطنهم بدلًا من عبور مسافاتٍ أطول عبر بلدانٍ أخرى للوصول إلى وجهةٍ مختلفة”.

ويفيد هذا البيان بأن نموذج إدارة الهجرة لديه إمكانية تجنيب اللاجئين واللاجئات المخاطر العدة التي تنطوي عليها رحلاتهم الخطيرة، إلا أنه يتماشى أيضًا وبشكلٍ وثيق مع أجندة الصدّ وتصدير إجراءات اللجوء إلى الخارج التي تسعى دول العالم الأكثر ازدهارًا إلى تحقيقها. ومع أن هذا النهج قد لا يعني ‘نهاية اللجوء’ تمامًا، من المؤكد أنه يهدد بحصره في بلدان الجنوب العالمي وفي مجموعاتٍ محددة من اللاجئين واللاجئات الذين تُعتبر مواصفاتهم الديموغرافية أو السياسية أو الإثنية أو الدينية جاذبةً لدول الشمال العالمي.

 

(Jeff Crisp) جيف كريسب
مركز دراسات اللاجئين في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة
البريد الإلكتروني: jefferyfcrisp@gmail.com
@jfcrisp

 

[1] bit.ly/trust-fund-africa

[2] bit.ly/migration-africa-europe

[3] bit.ly/end-asylum

تنزيل الصفحة
تبرعاشترك