- May 2025

تعزز حزم الهجرة المسلّعة في ممرات الأمريكيتين المخاطر غير المتكافئة في الأساس، وتجبر المهاجرين والمهاجرات ذوي الموارد المحدودة على سلك طرقاتٍ أكثر خطورة. وعليه، هناك حاجة ملحّة إلى اعتماد سياساتٍ فعالة للتخفيف من أشكال الاستغلال ومنعها على طول هذه الممرات.
شهدت طرقات الهجرة التي تربط أمريكا الجنوبية بالشمالية في السنوات الأخيرة ارتفاعًا مفاجئًا في عمليات العبور غير الموثقة نتيجة الاقتصاد المتزعزع والأزمات السياسية والتغييرات في سياسات الهجرة إلى الولايات المتحدة. وتبرز ثلاثة ممرات رئيسية في هذا السياق، ألا وهي: منطقة دارين والحدود بين المكسيك وغواتيمالا والحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. ويطرح كل ممرٍّ منها مخاطر مميزة وينطوي على اقتصاداتٍ محلية مختلفة ترسم معالم رحلة الهجرة.
تتّسم منطقة دارين، وهي عبارة عن غابة نائية بين كولومبيا وبنما، بنباتاتٍ كثيفة وجبال شديدة الانحدار وأنهر خطيرة. وكانت تُعتبر هذه المنطقة غير قابلة للعبور، إلى أن بات مهاجرون ومهاجرات من أمريكا الجنوبية والكاريبي وأفريقيا وآسيا يمرون بأرضها الخطيرة. فيقوم المرشدون المحليون أو ‘الذئاب’ ببيع إمدادات البقاء وترتيب مواقع التخييم، في حين تفرض شبكات المجرمين الرسوم وتوجّه التهديدات. وتولّد هذه الدينامية غير المنظمة بيئةً متقلّبةً يمكن أن تتبدّل فيها تكاليف السلامة بصورةٍ عشوائية. وغالبًا ما يسلك المهاجرون والمهاجرات ذوو الموارد المحدودة طرقاتٍ أكثر خطورةً ويواجهون بذلك خطر الإصابة أو السرقة أو الانفصال عن مجموعتهم. فقد تحدّثت إحدى النساء من هايتي عن تجربتها في جمع الأموال لتتمكّن من أخذ ‘طريق مختصر’، لتُفرض عليها بعد ذلك رسوم غير متوقعة في وسط طريق العبور.
أما شمالًا فتضم الحدود بين المكسيك وغواتيمالا نقاط تفتيش رسمية من جهة، وممراتٍ غير رسمية على طول نهر سوشياتي من جهةٍ أخرى، كخدمات الطوف مثلًا (مقابل رسم). إلا أن الوسطاء – بما في ذلك مشغلو الطوافات والمسؤولون المحليون – غالبًا ما يطالبون بدفعاتٍ إضافية مقابل هذه الخدمات. ويتعرّض الأشخاص المهاجرون لابتزاز الأموال أيضًا عند نقاط التفتيش الداخلية، ما يستنزف مواردهم ويضعهم في حالة من الدين. ويمكن للوجود العسكري أن يدفع الأشخاص المهاجرين أيضًا إلى خوض طرقاتٍ أكثر خطورةً، بينما تستفيد الشركات المحلية من ذلك عبر بيع الإمدادات الأساسية.
أما على الحدود التي تفصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، فيحفز تشديد الإجراءات عند الحدود المهرّبين على التسويق لطرقاتٍ مكلفة ‘أكثر أمانًا’. وغالبًا ما يدفع الأشخاص المهاجرون مبالغ إضافية للتأمينات الجزئية، وتختلف تكاليفها بحسب الجنسية أو الثروة المتصورة. ويطغى التسليع على ممرات الهجرة هذه، ويعزز بذلك المخاطر التي تواجهها الفئات الضعيفة ويشدد على الحاجة إلى وضع استراتيجيات عادلة لمعالجة أوجه عدم التكافؤ المضرة.
ويستند بحثنا إلى العمل الميداني الإثنوغرافي، فضلًا عن مراقبة المشاركين وأكثر من 60 مقابلةً. وقد تم إجراؤه منذ عام 2020 وحتى عام 2023 في منطقة دارين كما على الحدود بين المكسيك وغواتيمالا وفي عدد من المواقع في الولايات المتحدة والمكسيك[1]. وقد شارك في المقابلات المذكورة أشخاص مهاجرون وعدد من أصحاب المصلحة المحليين والمسؤولين الحكوميين[2].
ظهور ‘حزم الهجرة’
أعاد سوقٌ جديد لـ’حزم الهجرة’ رسم معالم تحركات الأشخاص شمالًا على طول هذه الممرات. فعوضًا عن الاعتماد على ترتيبات التهريب الخاصة فحسب، بات عدد أكبر من الأشخاص المهاجرين يشترون مستوياتٍ منظمة من الخدمات التي غالبًا ما يتم تصنيفها بين حزمة أساسية أو حزمة معيارية أو حزمة كبار الشخصيات. وتَعِد هذه الحزم بمستوياتٍ متباينة من الأمان والسرعة والراحة، وتشمل الرحلات المسرّعة على متن السفن عبر الأنهر الخطيرة كما الإمدادات الأساسية كالطعام والخيم وأدوات العناية الطبية الأساسية. حتى أنها تشمل أحيانًا ‘خدمات الحماية’ التي تقدّمها أطرافٌ ثالثة، حيث تضمن الأطراف المسلحة المحلية المرور مقابل رسوم إضافية.
ويصوّر المهرّبون الوسطاء المحليون ووكالات السفر غير الرسمية هذه الحزم على أنها شبه أساسية، في إشارةٍ إلى أن دفع مبالغ إضافية يعني التعرّض لمخاطر أقل. وتتم مرافقة الأشخاص المهاجرين الأكثر ثراءً، والقادرين على إبراز إثبات عن توافر الأموال الكافية أو الذين لديهم رعاة ماليون، عبر مساراتٍ أقصر تضم استراحاتٍ منظمة ومناطق مناسبة للتخييم. وقد يَعِد المرشدون بالعبور بأوقاتٍ أكثر أمانًا (كتجنُّب عبور الغابات ليلًا على سبيل المثال) أو بتوفير زوارق لعبور الأنهر بدلًا من الطوافات الهشة. إلا أن العديد من هذه الطرقات ‘الحصرية’ تعرّض في الواقع الأشخاص المسافرين لمخاطر جسدية شديدة وقد يصادفون المجموعات الإجرامية في أي مرحلة من رحلتهم. فقد أخبرنا أحد الأشخاص المهاجرين من كولومبيا على سبيل المثال بأنه دفع نحو ضُعف السعر الاعتيادي لتقصير رحلته بواقع يومين، ليطلب منه حراس البوابات في نصف الطريق تسديد دفعاتٍ إضافية، رافضين الوفاء بجزء كبير من المنافع ‘المميزة’ التي وعدوا بها[3].
مخاطر منضّدة وتجارب متباينة
يؤدي تسليع الهجرة إلى توليد رحلاتٍ غير متكافئة تعكس أوجه عدم الإنصاف القائمة في العالم وتعززها. فيواجه الأشخاص القادرون على دفع تكاليف الخدمات المميزة عمومًا تأخيراتٍ أقل ومخاطر أدنى نوعًا ما من السرقة أو العنف. وقد يحصلون أيضًا على تعليماتٍ أكثر وضوحًا حول نقاط التفتيش الواجب تجنّبها، فضلًا عن رحلات نقل أسرع على متن السفن أو الرعاية الطبية الأساسية. وأشارت إحدى النساء المشارِكات في المقابلات من فنزويلا سافرت مع طفليها إلى أن ‘حزمة كبار الشخصيات’ مكّنتها من تجنُّب عدة مناطق نزاع معروفة في منطقة دارين. ولو أنها شعرت بالاستغلال نتيجة دفع رسوم مرتفعة، اعتبرت أن التكلفة الإضافية كانت تستحق العناء، إذ خففت من عرضة طفليها لهذه العناصر وحدّت من احتكاكهم مع المجموعات العنيفة المحتملة[4].
في الموازاة، يتحمّل الأشخاص المهاجرون من ذوي الموارد الأدنى الظروف الأكثر قساوةً على الإطلاق، إذ يسيرون في الغابات النائية ويعبرون الأنهر في الليل من دون المعدات المناسبة أو الملابس أو الأحذية اللازمة ويعتمدون على شبكات التهريب الأقدم التي لم تعد تضمن العبور الآمن. وقد يكون من المرجح أكثر أن يعتمدوا على المعلومات الخاطئة الواردة على منصات التواصل الاجتماعي أو على الشائعات المتناقلة بين الأشخاص على طول الطريق. وفي حال نفاذ الأموال التي يحملونها، فيصبحون بذلك أكثر عرضةً أيضًا للتعرض للابتزاز المحلي، بما في ذلك على يد المسؤولين الفاسدين الذين يطالبون بالرشوة عند نقاطٍ عدة.
هذا وتواجه النساء اللواتي يسافرن بمفردهن أو مع أطفالهن مخاطر مضاعفة، وخصوصًا في المناطق المعزولة التي لا تضم ملاجئ رسمية. فقد أفاد بعض الأشخاص المشاركين في المقابلات بأن بعض مجموعات التهريب تطلب من النساء دفع ‘رسوم تأمين’ إضافية لصدّ الاعتداء الجنسي، ما يشكّل طبقةً أخرى من الاستغلال. وقد وصف القاصرون والقاصرات غير المصحوبين، ومعظمهم من المراهقين والمراهقات الهاربين من العنف أو الفقر المدقع، كيف أنهم ينضمون إلى المجموعات شبه المنظمة من أجل الحماية المتبادلة، غير أنهم يتعرضون مع ذلك لخطر الاختطاف والعمل الاستغلالي في حال لم يتمكنوا جسديًا من مواكبة المجموعة أو من دفع رسوم العبور اللازمة.
ويعمد بعض المهرّبين إلى تصنيف الأشخاص المهاجرين بحسب الجنسية أو الثروة المتصورة، فيعرضون على الأشخاص من أمريكا الجنوبية الناطقين باللغة الإسبانية رسومًا مختلفة قليلًا عن تلك المعروضة على الأشخاص المهاجرين من هايتي أو أفريقيا. وقد أبلغ العديد من المهاجرين من هايتي وأمريكا الوسطى في الأراضي الحدودية الفاصلة بين المكسيك وغواتيمالا عن أنه تم توجيههم نحو الطرقات الأطول والأقل أمانًا نتيجة افتراض المهرّبين أنهم كانوا يملكون أموالًا محدودة. وإلى جانب إضفاء طبقة من التمييز العنصري والاقتصادي، تجبر هذه الممارسة الأشخاص الأكثر فقرًا على سلك طرقاتٍ يسود فيها كل من السرقة أو الاعتداء أو التخلي بشكلٍ أكبر. ومن خلال تعزيز الهرمية الاجتماعية، يضمن قطاع الهجرة المسلّع أن تطال المخاطر الأكثر قسوةً الأشخاص ذوي الخيارات الأقل.
الأثر المترتب على إمكانية إيصال المساعدة الإنسانية وجهود الإنقاذ
تحاول الوكالات الإنسانية والمنظمات المحلية تقديم الإغاثة في هذه الممرات، إلا أن ممارسات التهريب متعددة المستويات تعقّد قدرتها على الوصول بشكلٍ كبير. فغالبًا ما يتجنّب الأشخاص المهاجرون الذين يدفعون مبلغًا إضافيًا الطرقات الرسمية، ويحتمون في مواقع اختباء لا يمكن لمجموعات المساعدة الوصول إليها. في الموازاة، قد يتشتت الأفراد الأقل ثراءً عبر المسارات النائية أو يُرغمون على البقاء لفتراتٍ طويلة في مدن حدودية خطيرة، ما يصعّب تقديم المساعدة الإنسانية بصورةٍ متّسقة.
وقد تبيّن للأشخاص المتطوّعين في أماكن مثل نيكوكلي في كولومبيا وتاباتشولا في المكسيك أن التغيير المستمر لطرقات الترهيب يعيق قدرتهم على تقديم الخدمات الأساسية مثل المساعدة الطبية والإمدادات الغذائية. هذا ويحدّ الاعتماد على المسارات السرية من إمكانية تنفيذ التدخلات السريعة في حالات الطوارئ. ففي منطقة دارين على سبيل المثال، يتعرّض الأشخاص الذين ينحرفون عن المسارات القائمة من أجل تجنُّب رصدهم لخطر أكبر للاختفاء أو الإصابة من دون أي أمل للإنقاذ السريع. وعليه، لا يعرّض تسليع العبور الأشخاص المهاجرين الأكثر فقرًا للأذى فحسب، بل يقوّض أيضًا جهود المساعدة الإنسانية من خلال تعزيز التجزئة الفئات الضعيفة وإهمالها.
دور وسائل التواصل الاجتماعي
يوفر الاتصال الرقمي حبل النجاة للعديد من الأشخاص المهاجرين من خلال تقديم تحديثات فورية حول نقاط التفتيش العاملة على سبيل المثال، ومناقشة التغييرات الجديدة في السياسات، وتقديم النصائح للسكن الأكثر أمانًا أو المساعدة القانونية. إلا أن هذه البيئة تغذي أيضًا عملية تسليع الهجرة. فتشكّل المنتديات الإلكترونية ومجموعات الدردشة على تطبيق “واتساب” والحسابات على تطبيق “تيك توك” والصفحات على موقع “فيسبوك” مساحةً إعلانيةً ضخمةً للمهرّبين الذين يروّجون لـ’عروضٍ محدودة’ أو ‘حزم هجرة’ شاملة. ويقدّم بعض هؤلاء المهرّبين أنفسهم على أنهم متطوّعين في العمل الإنساني، ليعودوا ويطلبوا رسومًا باهظة بعد أن يكسبوا ثقة الأشخاص المهاجرين.
ويقوم بعض الشخصيات المؤثرة عبر الإنترنت أو على موقع “يوتيوب” تحديدًا بتصوير رحلات الهجرة على أنها رحلات ساحرة من خلال عرض مشاهد جميلة عن اجتياز الأنهر أو تسلُّق الجبال الاستوائية، مع حجب المصاعب الشديدة التي تشكّل الواقع الشائع، وذلك سعيًا لزيادة عدد مشاهدات المحتوى. ويمكن لهذا التصوير المنسّق أن يضلّل الأشخاص المهاجرين المحتملين، وأن يجعلهم يسيئوا تقدير التكاليف المحتملة (المالية والشخصية) ويعلّقوا آمالًا كاذبة حول معدلات نجاح الهجرة عبر طرقاتٍ معينة.
إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي تبقى أداةً قويةً للتنظيم الشعبي. فتستخدم المنظمات غير الحكومية والأشخاص المدافعين عن المهاجرين تطبيق “تلغرام” أو “واتساب” لمشاركة التحذيرات حول مجموعات الابتزاز المالي المعروفة أو السلطات المحلية المجرّدة من المبادئ الأخلاقية. هذا ويحتفظ بعض الصفحات التي يديرها الأشخاص المتطوّعون عبر موقع “فيسبوك” في بعض المدن الحدودية على قوائم تحذّر من ‘الأطراف الفاعلة السيئة’ وتشجّع الأشخاص المهاجرين على الإبلاغ عن الممارسات الاستغلالية بشكلٍ فوري. وتشكّل هذه الجهود الجماعية شكلًا هشًا وإنما ضروريًا من أشكال حماية المستهلك. إلا أن غياب الإلمام الرقمي لدى بعض الفئات المهاجرة، إلى جانب الحواجز اللغوية أو الاتصال المحدود بشبكة الإنترنت، يمكن أن يعرّض الكثيرين لخطر تصديق الإعلانات المضللة. وفي نهاية المطاف، تعكس المنصات الرقمية التعقيدات الأوسع نطاقًا التي تتّسم بها ممرات الهجرة، إذ تسمح بالتضامن كما الاحتيال، والتمكين كما الاستغلال.
الممارسات الجيدة والسيئة
تحاول عدة مبادرات محلية وشعبية التخفيف من حالات الاستغلال على طول هذه الممرات. ففي تاباتشولا على سبيل المثال، ظهرت ‘اقتصادات مراعية’ يقودها الأشخاص المهاجرون، حيث تنظّم النساء الهايتيات مطابخ أهلية تقدّم الوجبات وتشارك المعلومات. فمن خلال جمع الموارد والمعارف، يخفف الأشخاص المهاجرون من اعتمادهم على الخدمات المكلفة التي يديرها المهرّبون. وتوزّع المنظمات غير الحكومية المحلية والمجموعات الكنسية الإمدادات الأساسية وتقدّم النصائح حول كيفية التعامل مع نقاط التفتيش الإقليمية، ما يخفف من عرضة الأشخاص المهاجرين للضمانات الكاذبة.
إلا أن التدخلات لا تسير دائمًا بحسب الخطة. فغالبًا ما تدفع القوات العسكرية المنتشرة على الحدود بين المكسيك وغواتيمالا، والرامية إلى تعطيل عمل المهرّبين، الأشخاصَ المهاجرين إلى سلك طرقاتٍ أقل شيوعًا وأكثر خطورة. كما أن ارتفاع عدد نقاط التفتيش يرفع الرسوم التي يتقاضاها المهربون ويعمّق الاعتماد على الطرقات المخفية. وعلى النحو نفسه، يؤدي بعض الإعلانات السياسية رفيعة المستوى، بما في ذلك الاتفاقات العابرة للحدود الرامية إلى ردع الحركة غير النظامية، إلى تعزيز الطلب بصورةٍ غير مقصودة من خلال تقييد المسارات المنظمة والأكثر أمانًا. ويمكن لهذه التدابير، ولو أنها قد تنبع من نيةٍ طيبة، أن تُفاقم المشاكل نفسها التي تسعى إلى حلها.
أما في منطقة دارين، فتبرز بعض البرامج التجريبية الواعدة الرامية إلى تنظيم المرشدين المحليين وضمان تحديد الأسعار. فمن خلال إصدار أوراق الاعتماد وتوحيد تكاليف الخدمات، يحدّ القادة المجتمعيون من الابتزاز المالي ويحمون الأشخاص المهاجرين من الوسطاء المشبوهين. إلا أن هذه التدابير تتطلب المراقبة المتواصلة لمنع الاستيلاء عليها من الشبكات الجرمية.
وعليه فإن الدرس الأساسي واضح. يمكن لعمليات الإنفاذ الجزئي للقانون أو القمع الشامل للمهاجرين أن تولّد عن غير قصد استراتيجياتٍ جديدة للتهريب، ما يلحق الضرر الأكبر بالأشخاص المهاجرين الأكثر فقرًا. بدلًا من ذلك، يجب أن تدمج السياسات والممارسات الجهود التي تقودها المجتمعات المحلية، وأن تعطي الأولوية لخيارات العبور الآمن وتشمل آليات المراقبة الشفافة. فيمكن لنهجٍ مماثل أن يخفف من الاستغلال بدلًا من نقله ببساطة إلى مناطق أكثر خطورة.
تأمّلاتٌ وتوصيات
تؤكد أبحاثنا أن الهجرة عبر ممرات مثل منطقة دارين والحدود الفاصلة بين المكسيك وغواتيمالا تسير بحسب منطق السوق بشكلٍ متزايد، وتعرّض بذلك الأشخاص المهاجرين ذوي الموارد المنخفضة إلى مخاطر أكبر. وفي هذا السياق، تسمح وسائل التواصل الاجتماعي بالتصفُّح الآني، إلا أنها تسهّل أيضًا عمليات المتاجرة. أما الاقتصادات المحلية، التي غالبًا ما تتداخل مع شبكات التهريب، فتولّد أسواقًا موازيةً للإمدادات الأساسية و’الطرقات الأكثر أمانًا’.
ويجب أن تتّسم التدخلات السياسية بالواقعية إزاء الدور الذي تؤديه المصالح الجرمية، وأن تعالج واقع أن عددًا كبيرًا من سبل العيش المحلية بات يعتمد على اقتصاد الهجرة. فبدلًا من تنفيذ أعمال القمع واسعة النطاق التي تدفع الأشخاص المهاجرين نحو الخطر بشكلٍ أكبر، يمكن لآليات الإشراف المتحفظة أن تركز على رصد الاستغلال المستمر والمعاقبة عليه (بما في ذلك على يد المسؤولين الحكوميين) من دون معاقبة المؤسسات المجتمعية ضيقة النطاق. وعلى التنسيق الإقليمي أن يمارس الضغط من أجل تعزيز التسعير الأكثر عدلًا والقنوات الآمنة والقابلة للتنبؤ، وإن كانت شبه غير رسمية، بدلًا من إجبار الأشخاص المهاجرين على سلك الطرقات التي تسيطر عليها المجموعات الجرمية.
ويمكن أن تشمل التدخلات الإنسانية شراكات انتقائية ومراعية للنزاعات مع أطراف فاعلة محلية مدروسة لا تستفيد بصورةٍ مباشرة من تكتيكات التهريب الخطيرة. وسيساهم إنشاء نقاط إحالة محايدة بعيدًا عن مراكز التهريب السائدة – ودعم هذه النقاط بعياداتٍ متنقلة أو بالخدمات القانونية – في التخفيف من الاعتماد على ‘الحزم’ الاستغلالية. وقد يتطلب بناء الثقة المحلية اعتماد أساليب خلّاقة ومتكتّمة تحمي السكان من انتقام المجموعات الجرمية المنظمة. وقد تنظر الأبحاث المستقبلية في كيفية تغيير الاعتماد المحلي على الدخل المرتبط بالتهريب من خلال تطوير سبل بديلة لكسب الرزق، إلى جانب إجراء دراسة أكثر تعمقًا حول أثر المعلومات الخاطئة المنشورة عبر الوسائل الرقمية على قرارات الأشخاص المهاجرين.
ألبرتو هيرنانديز هيرنانديز (Alberto Hernández Hernández)
أستاذ باحث (Profesor-Investigador)
كلية الحدود الشمالية (El Colegio de la Frontera Norte) في المكسيك؛ جامعة جبال الأنديز (Universidad de los Andes) في كولومبيا
ahdez@colef.mx
bit.ly/google-scholar-hernandez-hernandez
كارلوس س. إيبارا (Carlos S Ibarra)
باحث في شؤون المكسيك (Investigador x México)
الأمانة العامة للعلوم والإنسانيات والتكنولوجيا والابتكار في الحكومة المكسيكية (Secretaría de Ciencia, Humanidades, Tecnología e Innovación)؛ مدرسة أنثروبولوجيا وتاريخ شمال المكسيك (Escuela de Antropología e Historia del Norte de México)
samuel.ibarra@secihti.mx
bit.ly/google-scholar-ibarra
[1] Hernández A and Ibarra CS (2023) ‘Navegando Entre Dominación y Empatía: Desafíos Éticos y Metodológicos en la Investigación del Corredor Migratorio del Tapón del Darién’,Tramas y Redes, 5:29–46
[2] حصلنا على الموافقة المستنيرة وأعطينا الأولوية لسرية الهوية وأجرينا تأملاتٍ متواصلة حول انحيازنا الشخصي.
[3] Cruz-Piñeiro R, Hernández Hernández A, Ibarra CS (2024) ‘Commodifying Passage: Ethnographic Insights into Migration, Markets, and Digital Mediation at the Darién Gap and Mexico–Guatemala Border’, International Migration Review, 58(4), 2141-2166.
[4] Zepeda B, Carrión F, Enríquez F (Eds) (2022) Latin America’s Global Border System: An Introduction, Routledge.
تنزيل الصفحة