حل أوضاع اللجوء المطولة من خلال عملية إقليمية

تحدث أوضاع اللجوء المطولة عادة بفعل الجمود السياسي ويتطلب حلها إشراك مجموعة من الجهات الفاعلة واتِّباع نهج متعدد الأوجه يركز على تفعيل الإرادة السياسية. وبالرغم من نقاط ضعف العملية الإقليمية في منطقة غرب البلقان فثمة دروس يمكن الاستفادة منها لحل مثل هذه الأوضاع.

في عام 2011، وقعت كل من البوسنة والهرسك وكرواتيا والجبل الأسود وصربيا الإعلان المشترك بشأن إنهاء التَّهجير وضمان إيجاد حلول دائمة للاجئين المستضعفين والنَّازحين داخلياً.[1]وبعد عام تأسس صندوق المانحين لتنفيذ برنامج الإسكان الإقليمي متعدد السنوات لتقديم حلول دائمة لما يناهز 74 ألف فرد من أكثر النازحين استضعافاً. 

وكان ذلك النتيجة النهائية لعملية إقليمية تسعى للبحث عن الحلول الدائمة، وتأسست هذه العملية بدعم قوي من مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من بطء تقدم العملية الإقليمية وتعثرها ورغم خصوصيات الاتحاد الأوروبي التي لا يمكن تطبيقها في أماكن أخرى، قد تعطي حقيقة تصدي الدول لحالة الجمود السياسي التي دامت لستة عشر عاماً رؤى قيمة بشأن الاستجابات السياسية المستقبلية لأوضاع اللجوء المطولة عموماً.

سياسات العودة ما بعد الحرب في البوسنة والهرسك وكرواتيا

في البوسنة والهرسك، كانت عودة اللاجئين جزءاً من اتفاقية السلام. وقد يسر الالتزام الحازم من المجتمع الدولي لفرض الملحق السابع في اتفاقية دايتون للسلام الذي ينص على فكرة عكس آثار التطهير العرقي عودة أكثر من مليون فرد نصفهم من "عائدي الأقليات" (العائدون الذين يمثلون حالياً أقلية عرقية في موطنهم الأصلي/مكان عودتهم). وقد أسفر تنفيذ خطة تنفيذ قانون الملكية على استعادة الممتلكات في البوسنة والهرسك بنسبة لم يكن لها مثيل بلغت 99% من الممتلكات (ورغم أهمية هذه النسبة، لم تتمخض عن عودة جماعية مستدامة).

وفي المقابل، في كرواتيا حيث كانت ضغوط المجتمع الدولي أقل، أعاقت الحكومة عودة الأقليات بطرق عدة وأعاقت إمكانية حل أوضاع اللجوء المطولة لأعوام. وتشتمل معوقات العودة على: التمييز العنصري والعنف العرقي وصعوبة الحصول على مسكن ووظيفة ملائمين. ولعل أكبر قضية أثرت على عودة اللاجئين قرار أصدرته الحكومة غيابياً بتجريد 40 ألف مقيم سابق في شقق تمتلكها الحكومة (يُشار إليهم باسم "أصحاب حق الإشغال والاستئجار") من حقوق الملكية الخاصة بهم.

وفي عام 1996، استضافت صربيا أكبر عدد من اللاجئين في أوروبا: 617 ألف و700 فرد من البوسنة والهرسك وكرواتيا. وبحلول عام 2008 وعلى الرغم من الاندماج المحلي الجماعي والسماح بمنح الجنسية ما زالت صربيا تستضيف 97 ألف لاجئ. ولسنوات، كانت العلاقات الثنائية بين صربيا وكرواتيا متوترة جراء مشاكل اللاجئين. أما البوسنة والهرسك فأقامت علاقات ثنائية إيجابية تعاونية مع كل من كرواتيا وصربيا. ومع ذلك، استمر الوعي بأنه لا سبيل لحل هذه المشكلة بالكامل إلا على المستوى الإقليمي.

العملية الإقليمية

تحقق إنجاز مهم بإعلان سراييفو 2005 عندما وافقت كل من كرواتيا وصربيا والجبل الأسود على التعاون في تحديد العوائق أمام إيجاد حلول دائمة والتخلص منها من خلال وضع خرائط طريق وطنية يمكن إدماجها لاحقاً في برنامج مشترك بمساعدة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين والاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من إنجاز بعض التقدم المعتدل، سرعان ما وصلت العملية لطريق مسدود بسبب رفض كرواتيا مناقشة قضايا الضمان الاجتماعي والمعاشات وحق الإشغال والاستئجار. وافتقر إعلان سراييفو الدعم السياسي اللازم ولم يكن لدى أصحاب المصلحة الدوليين آنذاك أي نهج موحد أو رؤية واضحة لكيفية التغلب على هذا المأزق.

وسنحت الفرصة لإعادة تنشيط الجهود في ديسمبر/كانون الأول 2008 في حوار المفوض السامي لشؤون اللاجئين الثاني بشأن تحديات الحماية حينما أُدرِجَت صربيا في مبادرة المفوض السامي الخاصة بشأن أوضاع اللجوء المطولة بوصفها واحدة من بين خمسة دول في العالم ذات أوضاع اللجوء المطولة التي تستوجب الاهتمام العاجل. ودعمت اللجنة التنفيذية لبرنامج المفوض السامي منهجاً من شقَّين: تقديم حوافز للدول المعنية لضمان التزامهم بإيجاد حلول شاملة وتوحيد جهود أعضاء المجتمع الدولي الذين يتمتعون بقوة النفوذ. وأكدت وفود من صربيا وكرواتيا التزامها بحل مشكلة اللاجئين وأعادت الحكومة الصربية إطلاق عملية سراييفو من جديد.

وأسفرت الجهود الدولية عن انعقاد مؤتمر بلغراد 2010 حيث أصدر وزراء خارجية الدول الأربع بياناً يؤكد مجدداً التزامهم بحل أوضاع التَّهجير المطولة في المنطقة. وقد أكدوا في هذا البيان على أولوية تقديم المساعدة للأفراد المستضعفين ولا سيما للمقيمين في المراكز الجماعية وصرحوا بأن خيار العودة أو الاندماج المحلي سيظلان القرار الفردي لكل لاجئ. وأصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بياناً مشتركاً ليوسعوا بذلك نطاق دعمهم الكامل للعملية الإقليمية وأتاحت الاجتماعات المتكررة بين رئيس كرواتيا المنتخب حديثاً يوسيبوفيتش ونظيره الصربي تاديتش الفرصة لجعل مشكلة اللاجئين على رأس جدول الأعمال السياسي. وأعرب الرئيسان اللذان يُعرَف عنهما بالاعتدال من بين القادة الأوروبيين عن استعدادهما لمعالجة القضايا الحساسة - مثل: ترسيم الحدود والمفقودين والدعاوى القضائية المتبادلة عن جرائم الإبادة الجماعية، التي كانت قد تسببت في الوصول إلى طريق مسدود مع أسلافهم.

ومثَّل مؤتمر بلغراد 2010 بداية لعامين من المفاوضات والعمل المكثَّفين. وتكونت مجموعات عمل لكل قضية منفصلة على نحو جعل حجمهم واجتماعاتهم المتكررة أفضل آلية لبناء الثقة بين المشاركين. وكان النهج المشترك الذي اتبعه المجتمع الدولي ميزة لا تقدر بثمن للعملية الإقليمية. وقدمت مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين ومنظمة الأمن والتعاون المساعدة المستمرة والخبرة الفنية لهذه المجموعات في حين رسخ الاتحاد الأوروبي مبدأ الالتزام بالتعاون الإقليمي. وبتعيين المفوض السامي لمبعوث شخصي يقود العملية والشفافية التي ميزت المفاوضات والمؤتمرات المرئية أصبح المجتمع الدولي يتحدث "بصوت واحد" إلى البلدان.

وأخيرا، أعقب الاتفاق على برنامج الإسكان الإقليمي الإعلان الوزاري ومؤتمر المانحين بعد ذلك حيث خصص مبلغ 261 مليون يورو لتمويل المرحلة الأولى.

شروط مسبقة للنجاح

السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي كان ممكناً في بلغراد 2010 واستحال تنفيذه في سراييفو 2005؟ تكمن الإجابة في ثلاثة عوامل:

  • إتباع منهجية عملية من قبل جميع أصحاب المصلحة المعنيين لتلبية احتياجات الفئات الأكثر استضعافاً وعدم تكرار إخفاق عام 2005.
  • الإرادة السياسية في صربيا وكرواتيا.
  • نفوذ الاتحاد الأوروبي القوي.

وبمعنى أخر، تغيرت المنهجية المتبعة لمعالجة شؤون اللاجئين لأنها - في سياق الاتحاد الأوروبي الواسع - فرصة لا يمكن لصربيا وكرواتيا إضاعتها.  أعربت مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين والاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً عن أنَّ هذه الطريقة هي الدفعة الأخيرة للتصدي على نحو جماعي للمخاوف المتبقية، ونجحت مبادرة المفوض السامي الخاصة عام 2008 في إعادة جذب الانتباه الدولي لمنطقة البلقان. وفي عام 2010، ما زالت كرواتيا عازفة عن تقديم تعويض لأصحاب حق الإشغال والاستئجار إلا أنَّ تطلعاتها لدخول الاتحاد الأوروبي دفعتها لتحسين برامجها الإسكانية والتزامها بالعملية الإقليمية. وقبلت صربيا المنهجية القائمة على الاحتياجات المعروضة عليها مع إصرارها على ضرورة الاستمرار في متابعة قضية حقوق اللاجئين في الاستئجار. وبالتوصل لتسوية بشأن مشكلة حق الإشغال والاستئجار ستحل جميع المشاكل الأخرى، مثل: معاشات التقاعد والتحقق من صحة الوثائق واستعادة الممتلكات المدمرة والمتضررة.

وكان العامل الرئيسي الأخير سياسة الانضمام للاتحاد الأوروبي. وبمجرد إدماج النزوح ضمن مجموعة قضايا الاتحاد الأوروبي الموسعة وتقييم العملية الإقليمية كجزء من تقدم الدول العام في مساعيها لدخول الاتحاد الأوروبي صار الاتحاد الأوروبي المحرك الرئيسي للأمور وتخشى لأجله الدول المجازفة بالتَّعاون الإقليمي:

"ندرك أهمية نجاح حل هذه القضايا لزيادة تعزيز العلاقات الإيجابية والمثمرة بين دولنا ومواطنينا وهو أساس عطاءاتنا للانضمام للاتحاد الأوروبي." الإعلان المشترك لعام 2011

الخاتمة

تباطأ التقدم المحرز بشأن قضايا عديدة منذ مؤتمر المانحين. وكان التأخير في تنفيذ برنامج الإسكان الإقليمي الذي لم تنفذ أعمال التشييد والبناء فيه إلا في يوليو/تموز 2014 بعد مرور عامين على مؤتمر المانحين محط كثير من الانتقادات. وبمجرد انضمام كرواتيا للاتحاد الأوروبي، خفض التمويل الحكومي لبرامج التعمير والإسكان بشكل كبير وبدأت حالة من الجمود أيضاً في مجالات المعاشات التقاعدية وإعادة الممتلكات الزراعية. وعلاوة على ذلك، بعد الإعلان عن انتهاء الظروف التي أدت للتَّهجير في كرواتيا، أوصت مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين في عام 2014 بانتهاء صفة اللاجئ لأكثر من 49,506 لاجئ. وعلى الرغم من اقتصار قرار انتهاء الصفة على البلدان المستضيفة، تمثل هذه التوصية تهديداً محتملاً لهذا الزخم.

وبالرغم من جميع أوجه القصور لا يمكن تجاهل إنجازات العملية الإقليمية. فقد أثبتت العملية الإقليمية أنَّها آلية فعالة لمواصلة حلول دائمة في كثير من الجوانب. وكانت هذه المرة الأولى لإطلاق المبادرة الخاصة لإعطاء الأولية لبعض أوضاع اللجوء المطولة. وكانت بمنزلة أول شراكة بين مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين والاتحاد الأوروبي في هذا المجال. وكانت هذه أول مرة وربما الوحيدة التي يصادف أن يخرج فيها قرار وضع اللجوء المطول مع عشية انضمام إحدى الدول للاتحاد الأوروبي. وربما يكون من المستحيل تكرار مثل هذه العوامل المواتية في أماكن أخرى في العالم، لكنَّ كثيراً من الصكوك الصادرة عن العملية الإقليمية طيّعة للتكرار في بيئات أخرى.

وكان الدرس الأول للمفوضية ضرورة أن تمثل حافزاً لتحريك الدعم الدولي واكتساب الجهات الفاعلة الصحيحة في صفها. وفي يوغوسلافيا السابقة، كانت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الخيار الجلي بسبب ولايتها وخبراتها. وفي أزمة حيث اعتماد اللاجئين على الذات هو التحدي الأساسي يصبح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أو المنظمة الدولية للهجرة الشركاء الأكثر ملائمة. ولا يتوقف الأمر عند اختيار الهيئات ذات الولايات الملائمة بل يجب أن يُكلل ذلك بدفعة قوية من إحدى الجهات الفاعلة السياسية. وفي حين لا يمكن تكرار آلية شروط الاتحاد الأوروبي المُحكمة، قد تجد الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، مثل: الاتحاد الأوروبي أو الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أو رابطة دول جنوب شرق آسيا، حوافز اقتصادية أو سياسية تقدمها للدول المتضررة بأزمة أوضاع اللجوء المطوَّلة.

أما الدرس الثاني فضرورة معالجة قضية العودة مبكراً وجعلها جزءاً لا يتجزأ من سيادة القانون والاعتراف بالحقوق وإلا سيبقى الظلم وستبقى المظالم.

وعلى الرغم من أوجه القصور في العملية الإقليمية، تظل حقيقة أن البوسنة والهرسك وكرواتيا والجبل الأسود وصربيا نجحوا في تأمين حلول دائمة مشتركة وشاملة لأسوأ أزمة للاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وتحقيقاً لهذه الغاية، ينبغي الاعتراف بالعملية الإقليمية لما قدمته من حلول واقعية وملموسة.

 

أولغا ميتروفيتشmitrovic.o@gmail.com

خبيرة الهجرة والتنمية، المنظمة الدولية للهجرة، بلغراد.www.iom.int

هذا المقال جزء من أطروحة ماجستير قدمت في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، 2013-2014 جميع ما ورد في هذه المقالة تُعبِّر عن رأي الكاتبة فقط

ولا تعبر بالضرورة عن رأي المنظمة الدولية للهجرة.

 



[1] www.osce.org/pc/85049 [باللغة الإنجليزية فقط]

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.