وجهة نظر البنك الدولي

يضفي البنك الدول خصائص فريدة من نوعها على الدور الذي يمكن أن يُمثِّله في تعزيز المرحلة الانتقالية من  الدور الإنساني إلى التنمية، كما أنه يعمل بشكل لا يُستهان به على زيادة مشاركته في التعامل مع التهجير القسري.

ما يقدمه البنك الدولي من مزايا لا يكمن في تحديد ومعالجة الحاجات الإنسانية قريبة الأمد أو الحاجات الإنسانية للمهجَّرين، فذلك أمرٌ تركز عليه المنظمات الأخرى تركيزاً جيداً. فهو ليس مؤسسة تنموية ومن هذا المنطلق، ينصب تركيزه على معالجة آثار التهجير الممنهجة على المدى البعيد ضمن السياق الإنمائي الأوسع نطاقاً الذي تندرج تحته تلك الاحتياجات.

وتشتمل مشاركته الحالية على إعداد أو تنفيذ مشاريع التمويل التي تعالج التهجير وآثارها على المجتمعات المضيفة في أذربيجان وجيبوتي وجمهورية الكونغو الديمقراطية و إثيوبيا والأردن ولبنان وتنزانيا وأوغندا وزامبيا بالإضافة إلى مراجعة ومراجعة سياسة التهجير مثل تقييم الاتجاهات الجديدة لمخططات إعانة النازحين داخلياً في جورجيا.[1]كما تتضمن مشاركة البنك أيضاً مجموعة واسعة من الأعمال التحليلية مثل دراسة مدى حاجات التنمية للنازحين في جميع أنحاء منطقة البحيرات العظمى في أفريقيا[2] والقرن الإفريقي[3] بالإضافة إلى تحديد مستويات الفقر لدى المهجَّرين السوريين في لبنان والأردن[4] والمهجَّرين من دولة مالي في جميع أنحاء جنوب أفريقيا.[5]

تحديد مجموعة مختلفة من الحاجات

في تنزانيا، تعيق العزلة الجغرافية للمستوطنات وضعف إمكانية الوصول إلى الأسواق الخارجية إلى درجة كبيرة من قدرة اللاجئين البورونديين السابقين على المدى البعيد على كسب دخلٍ من إنتاجهم الزراعي، وفي هذه الحالة تظهر ضرورة العمل مع الحكومة لإتاحة الوصول إلى الأسواق من خلال تحسين البنى التحتية التي تصل المستوطنات بالمنطقة الأوسع.

وفي تركيا، يتمثل أحد أعظم التحديات التي تنتج عن وجود اللاجئين السوريين - الذي يسبب بعض الاستياء بين العائلات التركية المحلية - في ارتفاع أسعار الإيجارات الكبير المرتبط بازدياد طلب اللاجئين السوريين  على المساكن المستأجرة. ويضاف إلى ذلك القيود السابقة على سوق الإسكان وتأخر الفترة الزمنية الفاصلة بين الحاجة للسكن وإتاحته بمعدل تسع سنوات.[6]وتظهر الحاجة هنا إلى استكشاف الخيارات المتاحة مع الحكومة التركية للاستجابة لحاجات إسكان اللاجئين مثل القسائم والمساعدات الحكومية في بدل الإيجار دون التسبب بتشويه سوق السكن للعائلات التركية المحلية.

وفي جورجيا، يعيش 45% من النَّازحين داخلياً تحت خط الفقر الوطني مقارنة بنسبة 41% من غير النَّازحين داخلياً. بيد أنَّ الفرق الأكبر موجود في مصادر الدخل الأسري، متمثلةً بنسبة 37% من دخل الأسر المستمدة من المساعدات الحكومية بالمقارنة مع ما لا يزيد على  26% لغير النَّازحين داخلياً. وبما أن هذا الأمر مرتبط بالعجز عن كسب المال من خلال الإنتاج الزراعي الذي ينتج عن ضعف في القدرة على الوصول إلى الأراضي، يعمل البنك الدولي مع الحكومة على تحسين الوصول إلى الأراضي من خلال مشروعات ريادية للنازحين داخلياً من خلال عقود الإيجار، وهي مقاربة تعالج بشكل خلاق القيود المفروضة على قدرة النّازحين داخلياً على امتلاك الأراضي من خلال منحهم حقوقاً رسمية بامتلاكها.[7]

تطبيق مجموعة مختلفة من الأدوات

يمكن لإدراج النازحين والعائدين والنَّازحين داخلياً في تقييمات الفقر النموذجية الوطنية أن يولد بيانات مفصلة لمقارنة الفقر والمعايير المعيشية للنازحين مع مستويات الفقر الوطنية وبالمقارنة مع المجتمعات المضيفة، وتعتمد تقييمات حاجات النازحين في كثير من الأحيان على عينات ذات أحجام صغيرة ولا تستخدم مقاييس المقارنة الوطنية ولا تستخدم مؤشرات الاستضعاف أو الفقر. وهذا يحد من إمكانية الاستفادة من البيانات لأغراض الاستهداف والسياسات. ونظراً للدعم الفني الذي يقدمه البنك الدولي لكثير من الحكومات في تنفيذ المسوحات المنتظمة لقياس مستويات المعيشة وغيرها من الدراسات الاستقصائية النموذجية  الوطنية، فإن البنك الدولي في موقع جيد يمكِّنه من إدماج الفئات السكانية النازحة في هذه الأدوات إما عن طريق منهجيات مهيأة أو استراتيجيات مبتكرة لاستخلاص العينات من المجموعات.

يتضمن التخطيط المجالي تصميم الحلول الإنمائية لمستوطنات المهجرين ومخيماتهم من خلال تقييم ومعرفة السياق الأوسع المكاني والتخطيطي، ففي تنزانيا، على سبيل المثال، هناك قيود شديدة تعيق من قدرة المقيمين على المدى البعيد في مستوطنات اللاجئين السابقين على الوصول إلى الماء لأنَّ الآبار السطحية والعميقة تتعرض للجفاف والتلوث وغالباً ما تعاني من سوء الصيانة. وتشير نصائح الخبراء الفنيين إلى أن الحل الناجع يكمن في ربط الاحتياجات المائية للمستوطنة في عملية جمع البيانات وتخطيط مكاتب الأحواض المائية الحكومية المعنية. لكنَّ ذلك لم يحدث حتى الآن، لأن المستوطنة لا تعَدُّ جزءاً من البنى الحكومة المحلية بل تدار من خلال ترتيبات منفصلة ومتطابقة بموجب قانون اللجوء الوطني.

وتدار الاستجابات للأشخاص المهجرين غالباً وتمول بالتوازي مع تنفيذ مشروعات التنمية الرئيسية. و يمكن أن ينتج عن ذلك تهميش للمهجرين وإقصائهم من الاستراتيجيات الإنمائية الأوسع نطاقاً وقد ينتج عنه بعض أوجه القصور. ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، على سبيل المثال، تبين أن المراكز الصحية التي تمولها الهيئات الإنسانية كانت أكثر تكلفةً بنسبة 47% من تلك التي تمولها الحكومة بالمستوى ذاته. وبما أن تمويل البنك الدولي يمر من خلال منظومات حكومية، فهذا يمكن أن يسهل من توسيع البنى والعمليات والموارد الحكومية القائمة الموجهة نحو الفئات السكانية المهجَّرة. ويمكن أن يسهم ذلك أيضاً في تعزيز تلك المؤسسات القائمة خلال تلك العملية.

الفرص والتَّحديات

مع ازدياد سعي الحكومات وأصحاب المصالح المعنيين الآخرين للحصول على  البدائل للمخيمات والبدائل للحلول الدائمة التقليدية: العودة أو إعادة التوطين في بلد ثالثة أو الاندماج المحلي وتسهيل اعتمادهم على أنفسهم، تظهر تحديات جديدة تمثِّل ضغوطاً اقتصادية واجتماعية على المجتمعات المضيفة و تسبب عجزاً في الخدمات و فرص العمل واحتمال ظهور التوترات الاجتماعية.

وفي حين أن أُدوات البنك الدولي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتحديد هذه المسائل  وتخفيفها، لا تخلوا مقارباته وخطط التمويل لديه من التحديات بل لا تملك إلا أن تبقى أبداً مجرد جزءٍ من عمليةٍ أكبر لمساعدة المتأثرين بالتَّهجير القسري بهدف تحسين حياتهم. فأولاً هناك الحساسية السياسية التي تشعر بها الحكومات المضيفة إزاء مسألة الاقتراض من البنك الدولي للإنفاق على اللاجئين (أي غير المواطنين) التي يتبعها طبعاً واجب السداد. وثانياً، قد تقوِّض الحكومات المضيفة من الاستجابة للتهجير بسبب القيود التي تفرضها سياسة الحكومة الخاصة تجاه النازحين، مما يتطلب مفاوضات دقيقة. وأخيراً، هناك أحياناً حوافز تقدم للحكومات للحفاظ على استمرارية الاستجابة الإنسانية  لعدة أسباب منها على سبيل المثال الرغبة في المحافظة على التصور بأن وجود النازحين أمرٌ مؤقت أو أنه مصدر لضخ موارد إضافية.

 

جوانا دي بيري jdeberry@worldbank.org

مختصة رئيسية في مجال التنمية الاجتماعية - مجموعة البنك الدولي - www.worldbank.org



[1]البنك الدولي (2016) جورجيا: الانتقال من المساعدات القائمة على وضع اللجوء إلى المساعدات القائمة على الحاجات للنازحين داخلياً

(Georgia: transitioning from Status Based to Needs Based Assistance for IDPs)   

[2]البنك الدولي/ مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين (2015) التَّهجير القسري في منطقة البحيرات العظمى: مقاربة إنمائية

http://hdl.handle.net/10986/21708

(Forced Displacement in the Great Lakes Region: A Development Approach)

[3] البنك الدولي/مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين (2015) التَّهجير القسري والهجرة المختلطة في القرن الأفريقي

http://hdl.handle.net/10986/22286

(Forced Displacement and Mixed Migration in the Horn of Africa)

[4]البنك الدولي/ مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين (2016) رفاه اللاجئين السوريين: شواهد من الأردن ولبنان"

http://hdl.handle.net/10986/23228

(The Welfare of Syrian Refugees: Evidence from Jordan and Lebanon)

[5] البنك الدولي (2015) الأثر الاقتصادي-الاجتماعي للأزمة في شمال مالي على المهجَّرين

http://hdl.handle.net/10986/21868

(Socioeconomic Impact of the Crisis in North Mali on Displaced People)

[6]البنك الدولي (2015) استجابة تركيا لأزمة اللاجئين السوريين والطريق القادم

(Turkey’s Response to the Syrian Refugee Crisis and the Road Ahead)

http://tinyurl.com/WorldBank-TurkeySyria-2015

[7] هوفي ج. (2013) دعم سبل كسب الرزق للنازحين داخلياً في جورجيا: مراجعة الممارسات الحالية والدروس المستفادة، واشنطن العاصمة، البنك

(Supporting the Livelihoods of Internally Displaced Persons in Georgia)

http://tinyurl.com/WorldBank-Hovey-Georgia-2013

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.