أوروبا، لا تكرري تجربة أستراليا

من الخطأ الثناء على سياسة أستراليا بصدِّ طالبي اللجوء.

غالباً ما يستشهد زعماء سياسيون في عدة بلدان بالاتحاد الأوروبي بممارسة أستراليا في صدِّ طالبي اللجوء كمثال إيجابي يجب الاحتذاء به في أوروبا. وفي الواقع، استخدمت قضية "لاجئي القوارب" في السياق الأسترالي كأداة سياسية وانتشرت كالنار في الهشيم في وسائل الإعلام لعقود.

وقد يرجع هذا التسييس لعام 2001 وللقضية التي حظت بتغطية إعلامية كبيرة عندما أنقذت سفينة الشحن النرويجية م ف تامبا (MV Tampa) نحو 438 فرداً (معظمهم من طالبي اللجوء الأفغان) من قارب صيد منكوب ومنعت حينها من دخول المياه الأسترالية. ولقي قرار الرفض ذاك إدانة دولية واسعة على مستوى العالم، أما في أستراليا فكان الأمر مختلفاً إذ أيَّد عامَّة النَّاس القرار على أنه ينصب في الأمن الدولي و"حماية الحدود". فقد كان طالبو اللجوء يُصَوَّرُونَ في وسائل الإعلام الوطنية كأفراد يستخدمون الخداع لشق طريقهم داخل البلاد والاستفادة من منافعها. وأصبح يُنظَر إليهم على أنهم غير جديرين بالثقة وتهديداً أمنياً محتملاً.

ومنذ ذلك الحين، انتشرت حالة متزايدة من الخوف من طالبي اللجوء تثير في حقيقتها تساؤلات حول أخلاقيات الأفراد ذاتهم. وفي أستراليا، ينظر الناس للقادمين بالقوارب على أنَّهم "يتخطون الطابور" مقارنة بلاجئي المخيمات المعروفين بأنَّهم فئة راقية أخلاقياً بسبب صبرهم المزعوم أثناء "اصطفافهم في الطابور" بانتظار إعادة توطينهم في أراضٍ نائية. وكان هذا النوع من الخطابات قوياً خاصةً في السياق الأسترالي إذ كان "تخطي المنتظرين في الطابور" يعادل غياب "العدالة" وهي قيمة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع الهوية الوطنية الأسترالية.

ورداً على التغطية الإعلامية المتزايدة في أستراليا حول المعالجة الأوروبية لقضية طالبي اللجوء، استغل رئيس الوزراء توني أبوت الفرصة للإشادة بمعاملة حكومته لطالبي اللجوء من خلال سياسة "إرجاع القوارب" بالرغم من عدم مشروعية هذه السياسة بموجب القانون الدولي: "إذا كنت راغباً في وقف حالات الوفيات، إذا كنت راغباً في وقف حوادث الغرق، فعليك إيقاف القوارب".[i] ومع أنَّ حوادث غرق طالبي اللجوء في المياه الأسترالية قد توقفت على حد علمنا، لا نعرف ما إذا كانوا يموتون في أماكن أخرى بعيداً عن الأنظار. فقد استقر كثير ممن وصلوا قبل إتباع سياسة "إرجاع القوارب" في ناورو أو بابوا غينيا الجديدة. ويكلف إبقاء طالبي اللجوء بعيداً عن شواطئ أستراليا مليارات الدولارات، ولذلك، إذا كان الهدف منع الوفود غير النظامية التي تسلك طريق البحر، فربما يصح القول إنَّ هذه السياسة قد نجحت. أما إذا كان الهدف في التخفيف من التبعات المالية لاستقبال طالبي اللجوء فهذا أمر آخر تماماً. فإذا ما سُمِح لهؤلاء الأشخاص بالانطلاق في المجتمع في أثناء انتظارهم لانتهاء الإجراءات (بعد الحصول على تصريح أمني بذلك) فسيدفعون الضرائب وسيساهمون في بناء المجتمع. لكنَّ الحكومة أصبحت كثيرة التعثر بسبب سياستها المعادية "للاجئي القوارب" لدرجة أنها غير قادرة على مجرد التفكير بمثل هذه الحلول الإنسانية إلا بعد أن تؤلِّب الرأي السلبي لمواطنيها تجاه الحلول.

وأحياناً يُفهَم الخطاب المستمر في معاداته لطالبي اللجوء حتى على الصعيد المحلي كوجهة نطر عامة معادية للاجئين ما يؤدي في الواقع لنتيجة عكسية تضر كثيراً بالتماسك الاجتماعي الذي لم تعرفه أستراليا إلا بعد سنوات من اتباعها للسياسات الفعالة متعددة الثقافات. وأصبح الشعب مقتنعاً بأن صد القوارب وإبعادها عن حدود البلاد هو الاختيار الأمثل اجتماعياً وأخلاقياً. ويثق كثير من الشعب في أن الحكومة تفعل ما فيه خيرهم وخير بلادهم بل خير اللاجئين القابعين وراء البحار.

في سبتمبر/أيلول 2015، تحدثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن "الالتزامات الأخلاقية" ووضع "سياسات هجرة جديرة بما [تمثله أوروبا]".[ii]ويتعين على الاتحاد الأوربي التعامل مع طالبي اللجوء كأناس لهم حقوق بموجب القانون الدولي وليسوا مشبوهين أخلاقياً لمحاولاتهم طلب الحماية.

 

كيا-لي أير keeyaleeayre@gmail.com

كاتب وباحث ومستشار يدرس حاليا للحصول على درجة الماجستير في علم الإنسان التطبيقي والتنمية التشاركية، الجامعة الوطنية الاسترالية www.anu.edu.au

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.