تعاون الاتحاد الأوروبي مع الدول الثالثة: إعادة النظر في المفهومات والاستثمارات

رغم توجيه الاتحاد الأوروبي لمسار أجندته الخاصة بالهجرة إلى الخارج، أخفق إخفاقاً ذريعاً في بناء استراتيجية عامة متماسكة وفعالة على حساب المهاجرين وطالبي اللجوء.

خلال العقد الماضي من الزمن، أُطلِقت مجموعة من المبادرات الحوارية وأطر السياسات مع الدول الثالثة التي يُقصَد بها الدول الخارجة عن الاتحاد الأوروبي، ثم جُمعت جمعاً فضفاضاً تحت محور المقاربة العالمية للاتحاد الأوروبي نحو الحركة البشرية.[1] وتضمنت المبادرات إنشاء شراكات في مجال الحركة البشرية مع الدول الثالثة الأوفر حظاً، والمحافظة على الحوار المستمر بعيد الأمد (الذي ما زال يراوح مكانه) ضمن منطقة البحر الأبيض المتوسط الأوروبية (عملية الرَّباط)، كما بُذل كمٌّ لا بأس به من رأس المال السياسي على تطوير اتفاقات إعادة القبول لدخول الاتحاد الأوروبي مع أهم الدول المُستقبِلة ودول الانتقال.

ورغم أن الأطر العامة والمبادرات لا ينقصها الطموح، ولا الدول المستهدفة ولا الموارد[2]، ما زال إطارها العام محدوداً إذ يتكون في معظمه من الدعم المالي مع تقديم حافز موسمي يتعلق بإصدار التأشيرات. ومع ذلك، بقيت الموازنات إلى حد ما قليلة، وغير كافية، وضئيلة جداً مقارنةً بالدعم المالي العام الذي يُمنح من خلال مشاركات الاتحاد الأوروبي متعددة الأطراف خاصة فيما يتعلق بسياسة الإنماء والجوار.

ومن الناحية التاريخية، كانت العلاقات ثنائية الأطراف ومتعددة الأطراف مع الدول الثالثة تركز أكثر على الهجرة وإدارة الحدود، وكان جُلٌّ رأس المال السياسي يُرَكز على العودة وإعادة قبول دخول اللاجئين، في حين بقيت سياسة الحماية إلى حد كبير في الخطاب الأدبي دون التطبيق. وخلال العام المنصرم، تجدد التركيز على دور الاتحاد الأوروبي في معالجة أزمات اللاجئين بأنفسهم، مع وفرة المبادرات الإقليمية والموضوعية المصممة إلى تحسين وضع اللاجئين بالإضافة إلى تخفيف تدفقاتهم نحو أوروبا.  ولإنعاش هذه الجهود، نشر الاتحاد الأوروبي مجموعة جديدة من المبادرات على أعلى مستويات الحوار التي تشترك بها الدول في القرن الأفريقي (عملية الخرطوم) وذلك من أجل تمويل الأليات اللازمة مثل صندوق ائتمان الطوارئ بقيمة تصل إلى 1.8 مليون يورو من أجل أفريقيا. وفي عضون ذلك، تولت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي دوراً ريادياً في سلسلة من البرامج الإنمائية والحمائية الإقليمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي.

ويركز تكثيف الحوار بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على الطبيعة الهشة للتوازن الجديد في التعامل مع قضايا اللجوء: في حين وافق الاتحاد الأوروبي على تقديم دعم مالي واسع النطاق للاجئين السوريين في تركيا مقابل وعود بزيادة إدارة الحدود بين تركيا والاتحاد الأوروبي، لم يتفق بعد على قضية الحماية المستدامة لحملة الجنسيات الأخرى الذين يعبرون تركيا الآن- خاصة من أفغانستان والعراق- ولا على إعادة الاستيطان المستدام بنطاق واسع للمُهَجّرين في الإقليم.

أهداف غير واضحة ونتائج غير مؤكدة

يعتري الغموض مجال مصادر التمويل في الاتحاد الأوروبي، وينتج عن ذلك انعدام الكفاءة الإدارية وفقدان التماسك إزاء الأولويات والأهداف. وبما أن التمويل على مستوى الاتحاد الأوروبي يتممه أيضاً عملية إعداد الموازنات ثنائية الأطراف المنفصلة من مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المهتمة فيمكن أن يضاعف ذلك من انعدام التماسك. ومنذ بدء أزمة اللاجئين التي بدأت فعلياً مع بداية وصول الأفواج المُهَجّرة أوائل عام 2015بذلت المفوضية الأوروبية جهوداً في إنشاء اقتصادات الحجم الكبير من خلال استخدام آليات صندوق الائتمان ما يتيح للدول الأعضاء أن تحشد مواردها بما يساير الأهداف الخاصة التي حددتها المفوضية. ومع ذلك، قد يكون غياب الأهداف المحددة والوضحة أمراً مثيراً للاشمئزاز بالنسبة للممولين الوطنيين. 

فعلى سبيل المثال، تُظهِر مراجعة للأهداف الرئيسية للصندوق الإقليمي للاتحاد الأوروبي استجابة للأزمة السورية (مَدَد)[3] تداخلاً لا يمكن الاستهانة به مع الأهداف الرئيسية للبرنامج الإنمائي والحمائي في الشرق الأوسط.[4] فكلا البرنامجين يتصوران تركيزاً قوياً على تأسيس سبل كسب الرزق المستدامة لفئات اللاجئين في منطقة سوريا، لكن كلاً منهما يخضع إلى إدارة مختلفة ويضم فاعلين رئيسيين مختلفين أيضاً. وفي غضون ذلك، ما زالت خطة اللاجئين واللدونة و الإقليمية بقيادة الأمم المتحدة لمنطقة سوريا تعاني من نقص حاد في التمويل في مجال سبل كسب الرزق المستدامة.[5]

وبالمثل، تُعد الأهداف المبينة في صندوق ائتمان الطوارئ لأفريقيا [6] أهدافاً أوسع نطاقاً من الحماية بل تدرج كثيراً من الأهداف ذاتها التي حُددت في برامج الإنماء والحماية الإقليمية للقرن الأفريقي وشمال أفريقيا. وهكذا يفوق المبلغ المرصود البالغ 1.8 مليار يورو لصندوق الائتمان مبلغ 30 مليون يورو المخصصة حتى هذه اللحظة لكل من برنامج الإنماء والحماية الإقليمي في أفريقيا. وفي المقابل، يتضاءل المبلغ المخصص لصندوق ائتمان اليورو البالغ 1.8 مليار مقارنةً بتمويل الإنماء الأوسع نطاقاً الذي تطبقه المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي جماعياً على منطقة أفريقيا. ومع ذلك، هناك اختلاف كبير جداً في اللغة التي تنتهجها الجهات الفاعلة الإنمائية عن اللغة التي يستخدمها صندوق ائتمان الطوارئ وكذلك الاختلاف قائم بالنسبة للأولويات المحددة خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 في مؤتمر فاليتا الذي جمع بين رؤساء الدول في الاتحاد الأوروبي ورؤساء الدول في الاتحادات الأفريقية.

وتواجه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عدداً متنوعاً من المطالب الخاصة بموازناتهم منها المساعدات الإنسانية والدعم الإنمائي، وبرامج إدارة الهجرة المنشأة حديثاً، وارتفاع حاجات الإنفاق ضمن منظومات اللجوء المحلية. ومع تصاعد تكاليف اللجوء المحلية، حوّلت كثير من الحكومات مساعداتها الخارجية إلى دعم الحماية المحلي بما فيها الدول المعروفة بقوة دعمها مثل السويد والنرويج. ولم تكن الحاجة لنشر الموارد بفعالية وكفاءة أمراً حرجاً كما هو الآن بالنسبة للدول الأعضاء التي تعاني من قلة السيولة النقدية.

فمع أن الأعداد تبدو كبيرة (1.8 مليار يورو لأفريقيا، و3 مليارات يورو لتركيا) من غير المحتمل أن تكون هذه المبالغ على المستوى الكافي. بل قد يكون من الأفضل تقديم تقييم فعال قائم على الحاجات بدلاً من أن يقوم على توافر التمويلات، إذا ما أريد تحقيق هدف تأسيس سبل الرزق المستدامة لفئة لا بأس بها من اللاجئين على المستوى الكافي للتقليل من رغبتهم في التحرك قُدماً نحو أوروبا. 

والأمر الثاني، أن الاتحاد الأوروبي استثمر أموالاً طائلة في بناء من أجل الحماية وبناء منظومات اللجوء خارج الاتحاد الأوروبي بما في ذلك الدول التي تعاني الآن من ضغوطات هائلة على منظوماتها الخاصة باللجوء مثل صربيا. ومع ذلك، أخفق الاتحاد الأوروبي حتى هذه اللحظة في توفير نقاط المقارنة المعرّفة للتطور في الدول الثالثة حيث يقدم مثل هذا الدعم. وفي هذه الحالات غالباً ما تُستخدم مؤشرات المخرجات لتقيس على سبيل المثال عدد المسؤولين المدربين وكمية المعلومات المنشورة بدلاً من أن يكون التقييم مُنصَباً أساساً على مدى تحسين الحماية لطالبي اللجوء.

حقبة جديدة؟

في غياب النواتج القوية، وبوجود التناقض من جانب شركاء الدول الثالثة، يبدأ الاتحاد الأوروبي في النظر بمقاربات أكثر حدة تجاه تعاون الدول الثالثة.

ومن الناحية الأساسية، كان اشتراط تقديم المساعدة الأجنبية يركز على الترويج لحماية حقوق الإنسان، والحوكمة الرشيدة، وحكم القانون. أما الموجة الجديدة للاشتراطات التي نُوقِشت خلال السنوات الماضية وجاءت بعنوان "أكثر من أجل أكثر" فقد كانت أكثر تركيزاً على استحداث مخرجات سياسات المانحين المحددة. والعرض الآن أصبح توفير دعم مادي أكبر للدول الراغبة في التعاون أكثر، وتقديم الحافز للسلوك على مدى واسع من قضايا الهجرة بدءاً بإدارة الحدود إلى مكافحة التهريب وقبول العائدين. وحتى هذا التاريخ، لم يكن هناك كثير من التركيز حول تطبيق الاشتراطات تجاه تحسين مخرجات الحماية مع أن الفكرة بدأت تحظى باهتمام  كبير حتى من جانب المنظمات غير الحكومية الحانقة التي تعمل في الدول الثالثة.

وسيكون من الصعب على الاتحاد الأوروبي تطبيق الاشتراطات على أرض الواقع لأنها تعتمد على أن يتخذ المانح دوراً مهماً، وليس من الواضح أبداً ما إذا كانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومؤسساته قادرة على اتخاذ موقف موحد في سياق قوة العلاقات الوطنية الثنائية والتنافس حول أولويات السياسات.

وتمثل عملية الاشتراط أيضاً عائقاً أمام إنجاح التعاون، وتقييماً مفصّلاً لما تحتاجه الدول الثالثة بأنفسها حقيقةً لكي تتمكن من تحسين نتائجها على المستوى الوطني وأيضاً فيما يتعلق باللاجئين على أرضها. وكانت الأطر العامة والمشروعات على وجه العموم تُصمَّم من المستويات العليا إلى المستويات السفلى في الدول المانحة والمنظمات الدولية. أما الجهود الخاصة ببناء مقاربة أكثر تعاونيةً- كما الحال في إطار عام مشاركة الحركة- فكانت أقرب ما يكون إلى مجموعات من المشروعات صغيرة النطاق دون وجود نظرة عامة متماسكة لها.

ولذلك يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أن ينظروا إلى الصورة الكبرى. ولا بد من تحقيق التضامن العالمي من أجل الحماية واستمرار الجاهزية بالنسبة للدول لقبول اللاجئين واستضافتهم وهذا ما يتطلب مقايضة كبيرة غير مذكورة تتغلب على العامل الجغرافي وعلى الاقتراب من حالة عدم الاستقرار. وإذا كانت أوروبا غير راغبة في التعاون مع النتائج الحقيقية للأزمة السورية ومشاركتها بطريقة عادلة فيما بينها (سواء أكان ذلك من ناحية الدعم المالي أم من ناحية استضافة اللاجئين) فسوف ترسل رسالة إلى المناطق الأخرى ومفادها أنَّ منع دعم السكان المهجَّرين أمر مسموح به. والمضمونات بعيدة الأمد لهذه الحقيقة أكبر بكثير من قضية الأزمة السورية قصيرة الأمد التي لا تخلو من صدمات.

 

إليزابيث كوليت ECollette@MigrationPolicy.Org

مديرة، معهد سياسات الهجرة في أوروبا www.migrationpolicy.org/programs/mpi-europe

 



 [1]المعروف سابقاً بالمنهج العالمي للهجرة.

[2] European Commission (2015) Addressing the Refugee Crisis in Europe: The Role of EU External Action

(التصدي لأزمة اللاجئين في أوروبا: دور العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي)

 http://ec.europa.eu/priorities/migration/docs/com-2015-40_en.pdf

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.