المسائل القانونية والعملية الناشئة بسبب انتقال الناس عبر البحر الأبيض المتوسط

انتقال الناس ظاهرة علينا تعلم التعايش معها وإدارتها بأفضل ما في مقدورنا لمصلحتنا جميعاً. ولتحقيق ذلك، لا بد من اتخاذ عدة تدابير أهمها أن تتعامل الدول مع بعضها على أساس من الإنصاف والمساواة بدلاً من إبداء توقعات الاستحقاق السيادي غير الواقعية التي عفا عليها الدهر .

"الهجرة غير النظامية" إلى حد كبير نتاج أواخر القرن العشرين وتعكس رغبة بعض الدول لفرض النظام (الخاص بها) على انتقال الناس عبر الحدود. لكنَّ "الهجرة غير النظامية" قليلاً ما تتطرق لها صكوك القانون الدولي. ومثل المهاجر النظامي، لا يوجد تعريف للمهاجر غير النظامي في القانون الدولي سوى من خلال الإشارة لحالته الإنسانية المشتركة. ولا يصف القانون الدولي ما يجب على الدول فعله (على عكس ما لا يجب عليها فعله) عند مواجهة نتاج رأيهم الفردي في المهاجرين المتنقلين. وعلى وجه الخصوص، ثمة إطار عمل قانوني موحد يحكم الإجراءات التي تتبعها الدول داخل أراضيها وخارجها لا تحل محله حقيقة وقوع السيطرة على الهجرة من خلال القرارات الأساسية بشأن دخول البلاد والإقامة والترحيل ضمن الاختصاص السيادي للدولة.

ومع ذلك، أثبتت الادعاءات التقليدية الأحادية بشأن اختصاصات الدولة عدم كفايتها كأساس للتعامل مع القضايا الإنسانية في يومنا هذا وغلّقت جميع السبل للتفكير في مناهج جديدة وملحة بشدة. وتواجهنا اليوم حقيقة جديدة نتاج تفاعل العلاقات بين الدول التي نشأت بفعل العولمة من ناحية وبفعل الحقائق الحتمية من ناحية أخرى مثل حقيقة أنه لا يمكن "إدارة" الهجرة إدارة أحادية الجانب أو تركها لتزول بمفردها. وما زال الوهم المستمر بالاختصاصات المطلقة الاستثنائية للدولة مصدر قلق لأنه يميل لتأطير التشريعات والسياسات الوطنية وتوجيهها مباشرة بطرق منافية للتعاون الدولي ومستخفة أحياناً بحقوق الإنسان.

ودائماً ما يحاول القانون الدولي - على الرغم من مساعي بعض الدول لاستبداله - أن يجد سبباً تأسيسياً أو ذريعة لفكرة الوضع "غير النظامي" لإنكار مجموعة من الحقوق التي يجب أن نتمتع بها جميعاً بحكم إنسانيتنا. وهناك مع ذلك ثغرة مستمرة بين قبول نهج قائم على حقوق الإنسان وواقع مهاجري عصرنا هذا وثمة حاجة لرأب هذه الثغرة بالتنفيذ الفعَّال للقانون واجب التطبيق. ويتضمن إطار عمل القانون الدولي والالتزامات أكثر من مجرد التجنب السلبي للضرر المباشر إذ يتطلب الاضطلاع بدور حماية فعَّال تلتزم فيه الدول المسؤولة بضمان تمتع من تطبق عليهم- أو يُتوقَّع أن تطبق عليهم - اختصاصاتها وسلطتها بالحماية الكاملة نتيجة لذلك.

الإنقاذ في عرض البحر

تدعو المسؤوليات القانونية الخاصة للدول الأوروبية - إلا إذا كانت بسبب تأكيدهم لحق مراقبة الطريق - لإتباع نهج متماسك لإجراء عمليات الإنقاذ في عرض البحر وأن يقترن اعتراض القوارب اقتراناً مباشراً بإنزال الراكبين في مكان آمن بجانب توفير الرعاية والمساعدة الملائمة القائمة على حماية الحقوق. ومن حيث المبدأ وكخطوة أولى يمكن جعل إنزال الراكبين مسؤولية الدولة التي ترفع السفينة علمها في حالة الإنقاذ أو الاعتراض من قبل سفن البحرية أو ما يعادلها التابعة للدولة. ومع أنَّ هذا الإجراء مجرد البداية، لا يجب أن يسفر ذلك عن تفاوتات كبيرة بين الدول خشية أن يعزفوا عن تخصيص موارد لإنقاذ الأرواح في البحر. وتؤدي الدول الملتزمة بعمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط مسؤولية مجتمعية وثمة دعوات لإيجاد صيغة للتقاسم العادل لمهمة تأمين النزول الفوري الذي يُتبَع بتقديم المساعدة والمعالجة والحلول على أراضي هذه الدول. ولعل إنزال الناس في مكان آمن أمر ضروري ولكنه ليس نهاية القصة.

ولا يمكن بالمثل تطبيق مسؤولية الدولة التي ترفع السفينة علمها على السفن التجارية. وتخبرنا تجربة أزمة اللاجئين بين الهند والصين أننا بحاجة لنظام أو مجموعة ضمانات إنزال متفق عليها دولياً بجانب تقديم تعويضات لأصحاب السفن عن بعض التكاليف التي يتحملوها على الأقل عندما يفون بواجباتهم الدولية القانونية بإجراء عمليات الإنقاذ.  

وإذا لم تُنزَل القوارب المعترضة أو المنقذة على الأراضي الأوروبية، ستبزغ الحاجة لاتفاقيات إشراف فعَّالة ومنفتحة ودولية لضمان إنزال طالبي المهاجرين وإقامتهم في مكان آمن ومعاملتهم وحمايتهم طبقاً للمعايير الأوروبية والدولية واجبة التطبيق وإيجاد حل ملائم للظروف الفردية مثل اللجوء أو إعادة التوطين أو تسهيل الهجرة لدولة ثالثة أو العودة بأمان وكرامة لأوطانهم الأصلية. ولا يجب أن يكون الاحتجاز غير محدد الأجل للاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين في ظروف دون المستوى على جدول أعمال أوروبا.

وقد يبدو التراجع المتناقض عن الالتزامات المتعلقة بعمليات الاعتراض والإنقاذ في البحر أو التصدي للمهربين والمتاجرين بالبشر من ناحية ولحقوق الإنسان من ناحية أخرى ضرب من التنازل عن حق الحماية. ولا تعد مسؤوليات الدولة بالطبع جزءاً من شبكة لا تنتهي من الحقوق والالتزامات عندما يتعلق الأمر بالهجرة البحرية بل إن الأمور أوضح من ذلك بكثير. فعلى الدولة التي قررت - كما ينبغي - اتخاذ إجراءات ضد المهربين والمتاجرين بالبشر واجبات تجاه الضحايا. وعلى الدولة التي تختار اعتراض القوارب التي تحمل مهاجرين غير نظاميين بالمثل التزامات حماية بصرف النظر عن أي قوانين تشرعن عمليات الاعتراض تلك.

وهذا يعني رأب ثغرة حماية اللاجئين/المهاجرين في القانون وعملياً يعني استعداد الاتحاد الأوروبي وأعضاءه لإدماج حقوقهم الإنسانية وقيمهم الأساسية في علاقات تعاونية حقيقية مع دول العبور وغيرها من الدول المتضررة الأخرى.

هيئة أوروبية للهجرة والحماية

على الاتحاد الأوروبي الالتفات للعالم الخارجي والاستعداد لمشاركة دول العبور على أساس من المساواة والإنصاف بدلاً من مجرد السعي حثيثاً وراء المصالح الإقليمية المحدودة و"الاستحقاق السيادي". ومن بين الأشياء الأخرى التي نحتاجها من باب المنطق واللحمة بناء وضع اللاجئين الأوروبي على الالتزامات الدولية للدول الأعضاء وإكمالها بالفوائد المجتمعية الواسعة من قانون الاتحاد الأوروبي بما في ذلك حرية التنقل. وقد يكون تأسيس هيئة أوروبية للحماية الأوروبية بشؤون اللاجئين والمهاجرين الذين بحاجة للحماية خطوة جيدة نظراً لتشاركهم في مسائل عديدة.

وجميع الدول الأعضاء مشتركون في اتفاقية عام 1951 وبروتوكول 1976 المتعلق بوضع اللاجئين وجميعهم ملزمون بالالتزامات نفسها والإدراك القانوني نفسه للاجئين. ولو افترضنا جدلاً اتفاقهم جميعاً على معاملة اللاجئين بطريقة معينة والاعتراف بالحقوق نفسها والتوافق على المنافع نفسها، لن يكون لأنظمة تحديد وضع اللاَّجئين الوطنية أهمية كبيرة. واختصاراً، الاتحاد الأوروبي بحاجة لاستجابة أوروبية بسيطة تجعل اللاجئين إلى أوروبا يتمتعون باللجوء الأوروبي والحماية الأوروبية والحقوق والمنافع التي يكفلها القانون الأوروبي. وبالمثل، تدل السياسة الجيدة إذا لم تكن مبالغة في منطقيتها على النهج القائم على الالتزامات المشتركة ليس تجاه تحديد وضع اللاَّجئين فحسب بل تجاه عمليات إعادة التوطين والإنقاذ في البحر والحماية عموماً أيضاً.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي قادراً على توقيع المعاهدات فهو قادر من الناحية النظرية على تحويل الدول الأعضاء من دول مستقلة لجزء من منظومة حماية منظمة بموجب اتفاقية عام 1951 وبروتوكول 1967 أو على الأقل ممارسة اختصاصاتهم بطريقة التفويض.

وتسعى المقترحات الحالية لمعالجة الهجرة غير النظامية لمجرد منع المهاجرين واللاجئين من الوصول للأراضي الأوروبية من خلال نقل الرقابة على الحدود إلى الخارج أكثر فأكثر في المقام الأول و"التصدي" للمهربين وتحطيم القوارب وبناء الأسيجة ونتوقع "منع" الهجرة غير الشرعية. وبالتفكير على المدى المتوسط والبعيد، ينبغي الانتباه للتركيز على مساعدة دول العبور إذ تواجه كثير منها تحديات عديدة في إدارة الهجرة مع عجز البنى التحتية على استيعاب المهاجرين غير المواطنين أثناء حركتهم ومساعدتهم وحمايتهم ومعالجة قضاياهم. وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي مبادرات مع الدول الخارجية ولكنها كانت تدور غالباً حول مبدأ السيطرة والمراقبة فقط (لصالح الاتحاد الأوروبي) دون أي مراعاة للأبعاد الدولية الأوسع.

الروابط القائمة بين الأبعاد الإقليمية لهذه الأزمة واللاجئين حالياً والمستفيدة من اللجوء في تركيا والأردن ولبنان ومصر واضحة وإذا لم تُتخَذ استجابات متماسكة وفعالة حيالها في المستقبل فلا مفر من زيادة عمليات الانتقال والهجرة. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال التشارك بين جميع الأطياف السياسية للمصالح لنخطو خطوة أولى على طريق ما سيكون وما يجب أن يكون مشروعاً جيلياً طويل الأمد لتوفير الحماية والفرص بجانب إدراك القدرات الإنسانية في الوطن وخارجه وجمع البدائل المطبقة والقابلة للتطبيق لأولئك الذين يدفعهم اليأس للمخاطرة بحياتهم وكل ما يملكون.

 

غاي س غودوين غيل guy.goodwin-gill@all-souls.ox.ac.uk

بروفيسور شرف في قانون اللاجئين الدولي، جامعة أكسفورد. www.ox.ac.uk

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.