الخيارات والتفضيلات والأولويات في نظام المواءمة المتعلق باللاجئين

نقترح "نظام مواءمة" يمنح اللاجئين حق اختيار الدول التي يرغبون في تقديم طلب الحماية لها ويحترم في الوقت نفسه أولويات الدول فيما يخص اللاجئين الذين يقبلونهم.

دائماً يُقالُ للسوريين الفارين من النزاع الحالي بأنه لا يحق لهم "اختيار" الدولة التي يرغبون في طلب الحماية بعيدة الأمد منها. وفي أستراليا، دائماً ما يُشَار لفكرة "تسوق" طالبي اللجوء للحصول على أفضل ملاذ في الخطابات الداعية لصد اللاجئين وطردهم. وفي هذه الحالات وغيرها من الحالات، يُفترض أنه لا يوجد ما يسوِّغ منح اللاجئين حق اختيار وجهة طلب الحماية. والنتيجة المنصوص عليها في لائحة دبلن هي السماح للاجئين بالتقدم بطلب اللجوء في دولة واحدة فقط من دول الاتحاد الأوروبي.

من وجهة نظر الدول، تدفقات اللاجئين فوضوية وغير متوقعة ومدمرة اجتماعياً على نطاق واسع ومزعزعة للاستقرار. ويدرك الجميع أن لائحة دبلن التي تعالج هذه المسألة بفرض الالتزام بمنح اللجوء في أول دولة تابعة للاتحاد الأوروبي يصل إليها طالب اللجوء غير مناسبة لهذا الغرض. وبالمثل، ثمة حاجة ملحة لوضع أنظمة للتغلب على الجمود السياسي بين الدول الأوروبية بشأن قضية اللجوء.

مواءمة خيارات اللاجئين

نقترح نظاماً قادراً على منح اللاجئين حق اختيار وجهتهم لطلب الحماية وتمكين الدول من إدارة مشاركة المسؤولية لمنح اللجوء بطريقة منصفة وفعالة.[1] ولتوضيح الأمر، نحن نتحدث عن شيء يشبه الطريقة التي نوزِّع فيها الطلاب على المدارس والأطباء حديثي التخرج إلى المستشفيات وكِلَى المتبرعين إلى المستقبلين إذ يتطلب كل واحد مما تقدم ذكره عملية "المواءمة" بين عناصر المجموعتين. وبالمثل، لا بد من تحقيق المواءمة بين حاجات اللاجئين  وبين الحماية التي تقدمها الدول. وبالإضافة إلى ذلك، نريد وضع نظام يرغب المشاركون من كلا الطرفين في الاشتراك به ويُحقِّق أحسن تفضيلاتهم ورغباتهم بإنصاف وشفافية. وقد يمنح الدول العازفة حالياً عن تشارك المسؤوليات حوافز إضافية للاشتراك فيه.

ومن الناحية العملية على أرض الواقع، يتضمن اقتراحنا أن تذكر الدول واللاجئون أولويات كلّ منهم أي أن تذكر الدول اللاجئين الذين ترغب في استضافتهم وأن يذكر اللاجئون الدول التي يرغبون في الحصول على الحماية فيها. ويمكن للاجئين في الأساس تقديم تفضيلاتهم من أي مكان في العالم ما يعفيهم من التعرض لخطر الشروع في رحلات خطيرة والوقوع تحت رحمة المهربين. ولا يستلزم هذا النظام دفع أي مبلغ ويعمل حيث يوجد نظام الحصص والمعوقات الأخرى ويمكن أن يكون:

(1) شاملاً - يُستضَاف جميع اللاجئين المسجلين في النظام في مكان ما (وفقاً لحصص يُتفَق عليها بين الدول المشاركة لتضيف إلى إجمالي عدد اللاجئين الذين يطلبون اللجوء في "السوق").

(2) مستقراً - تنتهي العملية برضا كل من اللاجئين والدول المضيفة لهم ولا يرغب أي من الطرفين في "إعادة مواءمة الخيارات" باتخاذ إجراءات ثانوية.

(3) فعالاً - لا يمكن جعل لاجئ في حال أفضل دون أن جعل لاجئ آخر على الأقل في مقابله في حلة أسوء.

وأخيراً، سيكون من "الآمن" أن يكشف كل من اللاجئين والدول عن تفضيلاتهم الحقيقية.

وبعد ذلك، هناك كثير من الإجراءات التي يجب تحديدها. فسيكون على واضعي هذا النظام الفصل في فئات اللاجئين الموائمين لاختيارات الدول ونوع التفضيلات التي سُمِح للدول واللاجئين بتقديمها. فعلى سبيل المثال، قد يُوضع النظام على نحو يتيح للدول تحديد فئات اللاجئين ذات الأولوية استناداً إلى ثغرات المهارات لديها وقد يكون هذا الإجراء حافزاً لمشاركة دول أوروبا الشرقية التي تواجه نقصاً في الأيدي العاملة. وقد يكون هناك مسوِّغات لرغبة بعض الدول في التحديد المسبق لضرورة استيفاء فئات اللاجئين الذين ستقبلهم لبعض متطلبات "التوزيع". فعلى سبيل المثال، قد تبدي الدول التزاماً استباقياً وجماعياً بقبول فئات متنوعة من اللاجئين ويمكن وضع هذه الخاصية في هذا النظام. وقد يواجه واضعو هذا النظام عدة اختيارات لكي يلبوا أي مجموعة من الأهداف المتفق عليها. ونزعم أنَّ نظام المواءمة قادر على تلبية أي أهداف محددة أفضل من النظام الحالي المتبع.

ومن المستبعد إجماع جميع الدول على التفضيلات نفسها. وحتى إن اتحدت جميع الدول على التصنيف ذاته للاجئين، ما زالت غرفة تبادل المعلومات تمثل تحسيناً على الوضع الراهن إذ ستصبح تفضيلات اللاجئين أنفسهم حينها المعيار المحدد للجهة التي سيتوجهون إليها.

ومع ذلك، ثمة مجموعة من المبادئ التي يمكن أن تُستَخدَم لمحاولة تحديد من له الأولوية بالنظر إلى القيود العملية والسياسية المفروضة على عدد اللاجئين الذي يمكن أن تستوعبه كل دولة. فعلى سبيل المثال، صرحت حكومة المملكة المتحدة بأن أولوياتها تحدد بمن هم في أمس الحاجة للحماية وبتقييم قدرة المملكة المتحدة على إحداث فرق كبير بمفردها. ومن ناحية أخرى، أعربت حكومات كل من سلوفاكيا وبولندا وجمهورية التشيك عن استعدادها لاستقبال مزيد من اللاجئين إذا كانوا مسيحيين فقط. وسواء ما إذا كان يُنظر لهذه المبادئ على أنها تمييزية أو جدلية إلى حد كبير، الهدف هو إبراز حرية الدول في تصنيف هذه المبادئ بشكل مختلف وقد تصنف دول أخرى اللاجئين أنفسهم تصنيفاً مختلفاً. فعلى سبيل المثال سيكون من المعقول بشكل بارز أن تفضل كل من البرازيل وفرنسا لاجئي المناطق الناطقة بالبرتغالية والفرنسية على التوالي.

وبالمثل، سيكون للاجئين مجموعة متنوعة من الخيارات. وهناك أسباب كثيرة للاعتقاد بتنوع تفضيلات اللاجئين بقدر تنوعهم أنفسهم. وحالياً، ينبغي للاجئين إعطاء الأولوية للوصول إلى حيث يشعرون بزيادة احتمالية حمايتهم هناك. وبالتالي، لا نعرف كثيراً عن اختيارات اللاجئين إذا ما ضمنوا الحصول على الحماية في مكان ما. ونتطلع لاكتشاف ذلك.

ولا يُملي استخدام نظام المواءمة في حد ذاته أي المبادئ التي يتعين على الدول إتباعها عند تصنيف اللاجئين ومن صلاحيات غرفة تبادل المعلومات السماح باستخدام أي معايير أو حظرها. وكما لا ينبغي أن تتبع مواءمة الأطباء مع المستشفيات ممارسات توظيف عنصرية، يجب ألا تسمح غرفة تبادل المعلومات للدول بتصنيف اللاجئين إلا وفقاً للمبادئ والأهداف التي نصت عليها اتفاقية عام 1951 وربما مجموعات أخرى من المبادئ.

وبطبيعة الحال، لكي تحل الدول أزمات اللاجئين بشكل فعلي، عليها قبول تدفقات كبيرة من اللاجئين وإيجاد طرق لحل احتدام النزاع في سوريا وغيرها من الأماكن الأخرى. ولن تكون أنظمة المواءمة كهذه التي نقترحها هنا الحل الشامل للقضايا المتنوعة التي تسعى هذه الأنظمة لحلها . ولكنها مجرد تحسين جوهري على الوضع الراهن في حدود ما هو مقبول سياسياً وربما يمثل حافزاً لأن تخفف الدول هذه القيود. وبالرغم من أن آليات المواءمة لا تجبر الدول على التصرف الأخلاقي، ولكنها ستحسن مع ذلك وضع اللاجئين سواء أمكن دفع الدول للتصرف طبقاً لالتزاماتها القانونية والأخلاقية أم لا. ولذا ثمة اقتراح عملي في روح من يزعمون بأن الدول ستساهم في جهود حماية اللاجئين عندما تدرك العلاقات بين حقوق اللاجئين ومصالحها الخاصة.

ويعد نظام مواءمة اللاجئين تحسناً كبيراً عملي وواقعي وسريع التنفيذ ومنصفاً على النظام الدولي الراهن المتعلق باللاجئين. فنظام المواءمة الذي يحترم تفضيلات اللاجئين واختياراتهم وأولويات الدول قادر على تقديم حماية أفضل لحقوق الإنسان المستضعف ويزيد احتمالية مشاركة الدول في تقاسم المسؤوليات تجاه الحماية الدولية للاجئين. ويجب أن يبدأ أي نظام يدعم بصدق حقوق اللاجئين باحترام اختياراتهم. ويجب أن يُتاح لطالبي اللجوء حق اختيار الدول التي يرغبون في قضاء بقية حياتهم بها. وقد يكون نظام مواءمة اللاجئين البداية الجيدة.

 

ويل جونز william.jones@qeh.ox.ac.uk

محاضر إداري، مركز دراسات اللاجئين في جامعة أكسفورد  www.rsc.ox.ac.uk

ألكسندر تيتلبويم alexander.teytelboym@inet.ox.ac.uk

زميل باحث في معهد الفكر الاقتصادي الجديد بكلية جيمس مارتين، جامعة أكسفورد. www.inet.ox.ac.uk



[1] Jones, W and Teytelboym, A ‘The Refugee Match’

(مواءمة اللاجئين). المقالة قيد المراجعة ومتاحة عند الطلب.

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.