السلامة والإنقاذ في البحر والنفاذ القانوني

إذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يتمسك بقِيَمه، فعليه أن يسارع في عمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط وعليه أن يفتح سبل النفاذ القانوني للوصول إلى الحماية في أوروبا لتفادي إقبال المهاجرين على رحلات خطِرة على حياتهم عبر البحر الأبيض المتوسط.

يمثل الترويج لحقوق الإنسان وحماية الكرامة الإنسانية بعضاً من أهم القيم الأساسية التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي مُلزَمةٌ جميعها بميثاق الحريات الأساسية الذي يكرِّس لهذه القيم. ولهذا السبب يجب إيلاء إنقاذ حياة المهاجرين وحمايتهم أولوية في الاتحاد الأوروبي، وعلى الاتحاد الأوروبي أيضاً أن ينفذ عملية بحث وإنقاذ شاملة. ومع ذلك، رغم مناشدة المنظمات غير الحكومية لوضع إنقاذ حياة الإنسان على رأس سلم الأولويات، تركزت استجابة الاتحاد الأوروبي للحالات المأسوية في البحر الأبيض المتوسط على منع المهاجرين من القدوم إلى أوروبا بدلاً من إنقاذ حياتهم.

فبعد وقوع حادثتين في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2013، بدأت إيطاليا عملية أسْمتها ماري نوستروم (بحرنا) قرابة السواحل الليبية ساعدت من خلالها في إنقاذ أرواح عشرات الآلاف من الأشخاص. لكن هذه العملية لسوء الحظ أوقِفَت عام 2014. وحلّ مكانها عملية تريتون التي أطلقتها هيئة الحدود الأوروبية وتغطي هذه العملية مساحة جغرافية أصغر ولا تتمتع بدعم كبير من الموارد، وينصب تركيزها الرئيسي أصلاً على الرقابة الحدودية بدلاً من إنقاذ حياة الناس. أما بالنسبة لعمليات البحث والإنقاذ فمعظمها تنفذها القوات البحرية المالطية والإيطالية  وكذلك السفن التجارية التي تستجيب من وقت لآخر لنداءات الطوارئ في القوارب التي تمر بمحنة كبيرة. وهناك أيضاً منظمات غير حكومية أخرى مثل" أطباء بلا حدود" و" محطة مساعدة المهاجرين في البحار" و" مجلس اللاجئين النرويجي" إذ يقدمون قواربهم الخاصة بهم لإجراء عملية البحث والإنقاذ.

ومع ذلك، ما لم يكن هناك عملية مؤسسة على مستوى الاتحاد الأوروبي كاملاً، سيكون هناك خطراً كبيراً بأن هذه القوارب التي تطلب الاستغاثة لن تحصل على مساعدة في الوقت اللازم، ما يعني أن أعداد المهاجرين الذين يقضون نحبهم في البحر يتزايد أثناء محاولتهم لعبور البحر الأبيض المتوسط. ولذلك نحن نحتاج إلى عملية بحث وإنقاذ شبيهة بعملية " ماري نوستروم" الإيطالية التي قد تغطي منطقة جغرافية واسعة والتي ستستفيد من الموارد الكافية لإجراء تلك العملية. لكنّ القادة الأوروبيين- بدلاً من ذلك- يركزون أكثر على مكافحة المهربين وعلى إجراء عمل عسكري محتمل في البحر الأبيض المتوسط لتدمير القوارب البحرية غير الصالحة للملاحة.

المسارات القانونية والآمنة.

بالإضافة إلى ذلك، على القادة الأوروبيين إذا ما أرادوا تجنيب مزيد من القتلى في البحر الأبيض المتوسط أن يفكروا في فتح مسارات قانونية وآمنة أخرى أمام المهاجرين القسريين. وهناك بالفعل مقترحات ملموسة مطروحة قيد النقاش، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، صدر عن عدد من المنظمات القائمة على العقيدة ورقة سياسات مشتركة حول المسارات الآمنة والقانونية للحماية في أوروبا.[1] وتطالب هذه الورقة بإنشاء مجموعة من الأدوات لتلبية الحاجات الخاصة لمختلف مجموعات الأشخاص الذين يُجبرون على الفرار من الحرب أو العنف العشوائي أو الاضطهاد السياسي أو غير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان.

ومن هذه الأدوات إعادة توطين اللاجئين في بلد ثالث من اللاجئين الذين اعترفت بهم مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين. ويجب إتاحة أماكن أخرى لتكون ضمن حصة استيطان سنوية للاتحاد الأوروبي (مثلاً 20 ألف مكان للسنة مع حلول عام 2020 كما اقترحته حملة إنقاذ الأرواح لإعادة الاستيطان[2]).  وحتى لو حدث ذلك فستكون تلك الأرقام قليلة جداً بالنسبة للاتحاد الأوروبي كاملاً. وفي حين ستبقى عملية إعادة الاستيطان والقبول الإنساني للاجئين أمراً طوعياً للدول الأعضاء، بمقدور الاتحاد الأوروبي أن يقدم- إضافةً للتمويل- الخبرة والتنسيق بين السياسات لتشجيع الأطراف على التعهد بقبول مزيد من الأعداد.

وهناك أداة أخرى يمكن إدراجها وهي تحسين تيسير لمّ الشمل الأسريّ. فالحياة الأسرية تكتسب أهمية كبيرة لرفاه اللاجئين وتمثل عاملاً حاسماً لإنجاح إدماجهم. وقد أكدت محكمة العدل في الاتحاد الأوروبي على أن هدف القوانين واجبة التطبيق في الاتحاد الأوروبي يتمثل في تمكين الحياة الأسرية وأنه يجب تفسير القانون وتطبيقه في هذه الطريقة. وهذا يعني أن تطبيق قانون الاتحاد الأوروبي على المستوى الوطني بما يستوفي هذه المتطلبات والامتناع عن فرض القيود غير المسوَّغ لها سوف يُمَكِّن عدداً لا بأس به من الأشخاص ممن يحتاجون إلى الحماية بالقدوم إلى أوروبا بطريقة آمنة ومنظمة واللحاق بأقربائهم الذين يعيشون هناك (ممن يستطيعون أن يساعدونهم في بناء حياة جديدة). ولا بد أيضاً من تفسير مفهوم الأسرة بطريقة أكثر شمولية لكي لا يقتصر على الأسرة الأساسية التي تشكل نواة الفرد بل تمتد أيضاً لأقربائهم.

وبالإضافة إلى هذه التدابير، بالنسبة لبعض مجموعات المُهَجّرين سيكون من شأن إصدار التأشيرة الإنسانية أن يوفر له مساراً فعّالاً للحماية. وعندما يكون الأشخاص قادرون على الوصول إلى السفارة أو القنصلية للبلد العضو، سواء أكان ذلك في البلد الأصلي أم في بلدان العبور، فيمكن إذاً أن يحصلوا على تأشيرة تمكنه من السفر إلى تلك الدولة. وفور وصول صاحب الطلب إلى ذلك البلد، سوف تبدأ إجراءات طلب الوصول الاعتيادي. ولا ينبغي لإصدار التأشيرات الإنسانية بهذه الطريقة أن تعتمد على التقييم الإيجابي للمخرجات المتوقعة من هذا الطلب ونتيجته.

ونحن نوصي بشدة أيضاً أن يُوضَع في الاعتبار رفع شروط التأشيرة مؤقتاً بالنسبة لمجموعة معينة لأن ذلك سوف يساعد الأشخاص الذين يطلبون الحماية على السفر بأمان وسلامة وصرف نقودهم بالطرق الاعتيادية المتبعة في السفر بدلاً من دفعها للمهربين.

ويمكن إيجاد الأسس القانونية لكل هذه الاقتراحات في التشريع القائم للاتحاد الأوروبي، ولا بد من تطوير هذه العناصر القائمة حالياً وجمعها معاً في مجموعة شاملة من الأحكام القانونية والسياسات اللازمة حسب الظروف. وبعدها سيكون الاتحاد الأوروبي قد أثبت أنه يمتثل لمعاييره ويتمسك بقيمه.

 

ستيفان كيسلرstefan.kessler@jesuiten-fluechtlingsdienst.de

مسؤول السياسات في منظمة خدمات اللاجئين اليسوعيين في ألمانيا

www.jesuiten-fluechtlingsdienst.de

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.