مصطلحات الهجرة تهمنا

للإخفاق في استخدام المصطلحات الصحيحة تبعات تتجاوز مجرد علم المعاني. ولا بد من بذل مزيد من الجهود لتثقيف الناس – خاصةً أولئك الذين لكلماتهم أثر واسع المدى – حول الاستخدام الصحيح للمصطلحات المرتبطة بالهجرة.

تتسم الجهود الحالية المبذولة لمناقشة "أزمة الهجرة" ومعالجتها في أوروبا بإثارة جدل كبير يعود بعضه إلى عدم دقة المصطلحات المستخدمة بل في بعض الأحيان تستخدم المصطلحات التحريضية لوصف المهاجرين. ويمثل ذلك أيضاً خطرٌ يساهم في تآكل حقوق المهاجرين والانتقاص منها.

لقد اُستُخْدِمَ مصطلح "الأزمة" روتينياً لوصف الهجرة إلى أوروبا خلال عام 2015، وهذا المصطلح بالذات هو الذي يجب أن يخضع لمزيد من الدراسة والتمحيص. فهناك كثير من الدول الأخرى التي ليست لديها الكم الهائل من الموارد كالتي تحظى بها أوروبا، وهي تواجه أنواعاً مختلفة وحادة من تدفق الهجرة. ومنذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وصل عدد اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم تركيا 2181293 سورياً علماً أن الكثافة السكانية العامة لتركيا تبلغ 76 مليون نسمة أي بنسبة سوري واحد إلى كل 35 تركياً. أما في الأردن، فكانت نسبة السوريين إلى الأردنيين قرابة 1 إلى 10، وفي لبنان كانت النسبة خطيرة إذ تمثل 1 إلى 5. فمن المهم جداً أن نضع إطاراً تصورياً حول ما يمكن أن يُصطَلح عليه على أنه أزمة في أوروبا.

قانوني وغير قانوني

ليس الجدل الدائر حول المصطلحات مجرد قضية ما إذا كان المصطلح صحيحاً سياسياً أم لا كما يُعتقَد في بعض الأحيان إنما هي قضية المضمونات التي تحمله هذه المصطلحات على المهاجرين. فكثير من الناس بمن فيهم أبناء المجتمع العام والصحفيين والموظفين الحكوميين يختزلون جميع فئات المهاجرين إلى فئتين اثنتين لا ثالث لهما: وهما المهاجر القانوني، والمهاجر غير القانوني. لكن ثنائية الأضداد هذه خاطئة لعدة أسباب.

فلا يمكن القول عن الأشخاص إنهم غير قانونيين، لأنَّ صفة "غير القانونية" تُوصف بها الأفعال لا البشر، وبالإضافة إلى ذلك، تنطوي عبارة "غير قانوني" على استنتاج تشريعي دون إعطاء الفرد المهاجر القدرة على الترافع في قضيته. وفي مجال قانون الجزاء، إذا ما اتُّهِمَ شخص بأنه يرتكب فعلاً غير قانوني، فلن يكون من المناسب لأي شخص كان – سواء أكان صحفياً أم سياسياً يتحدث في أمور العامة – من الإشارة إلى الفرد على أنه "مجرم" قبل أن تُثبِتَ المحكمة أنه مذنب حقاً وفقاً لمبدأ "المتهم بريء حتى تثبت إدانته". لكننا في سياق الهجرة، نلاحظ أنَّ الأشخاص السياسيين ما زالوا يستخدمون على الدوام مصطلح "غير شرعي" أو "غير قانوني" وتظهر هذه العبارات في الأخبار حتى في نشرات الأخبار الأكثر احتراماً بل في قرارات المحاكم.

ومصطلح "غير قانوني" أو "غير شرعي" يشير بالأصل إلى عدم وجود صحيح للمهاجر، لكنَّه على أرض الواقع يُستخدَم في الواقع لوصف المهاجرين الذين يدخلون الأراضي بطريقة سرية. ومع ذلك، يركز هذا الاستخدام إجراءً غير متناسباً من الانتقاد على مجموعة لا تكوِّن إلا جزءاً صغيراً من المهاجرين ككل ممن يتمتعون بصفة صحيحة لدخول البلاد. وعلى مستوى العالم، تُضفىَ صفة المهاجرين الذين ليست لديهم صفة صحيحة على الأشخاص الذين يدخلون البلاد بطريقة قانونية ثم يتجاوزون مدة الإقامة المسموح بها هناك. فهؤلاء الأشخاص الذين تجاوزوا مدة الإقامة يمثلون الجزء الأكبر من فئة المهاجرين التي تُسمَّى فئة المهاجرين "غير القانونيين".

وكان مُقرِّر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للمهاجرين قد أكد على ضرورة ألا تنظر الدول إلى الدخول غير النظامي لإقليم دولة ما على أنه جناية جزائية بل على أنه مخالفة إدارية. وبالإضافة إلى ذلك، تركز المنظمة الدولية للهجرة وغيرها من المنظمات الدولية منذ أمد بعيد على استخدام كلمة "غير النظامي" بدلاً من "غير القانوني" أو "غير الشرعي" وذلك بناءً على توصية من الجمعية العمومية للأمم المتحدة في عام 1975.[1]

التهريب والإتجار

هناك ضرورة ماسة إلى التفريق بين مفهومي التهريب والإتجار على أساس أنهما جريمتان منفصلتان. فما زال التفريق بين هذين المصطلحين يمثل تحدياً بالنسبة للصحفيين والسياسيين على حد سواء. ويهمنا التفريق بينهما لأن ضحايا الإتجار يحق لهم الحصول على مجموعة خاصة من الحمايات بموجب القانون الدولي والأوروبي. فإذا لم تُحدَّد هذه الفئة تحديداً صحيحاً، فمعنى ذلك أن هذه الحمايات لن تكون متاحة لهم. أما بالنسبة للإتجار فينطوي على وجود نية وقصد باستغلال ضحية من خلال عدة طرق كالإجبار، وغير ذلك من أنواع الإكراه، أو الخديعة والاحتيال فهي لا تتضمن بالضرورة العبور القانوني أو غير القانوني للحدود.

أما التهريب فهو جريمة تُعرَّف على أنها تسهيل عملية الدخول غير القانوني لشخص ما إلى دولة معينة للحصول على منافع مالية أو مادّية في حالة لم يكن ذلك الشخص مواطناً ولا مُقيماً في تلك الدولة. وبمعنى آخر، يتضمن هذا المصطلح دائماً العبور غير القانوني لحدود دولة ما.[2]

 والطريقة الوحيدة ذات المغزى التي يمكن بها ضمان التحديد المناسب للحماية أو الخدمات التي يستحقها المهاجر عند الحاجة إلى ذلك تتمثل في إجراء تقييم فردي لوضع المهاجر وتحديد ما إذا كانت حالته ينطبق عليها تعريف الإتجار أو التهريب. وبأي من الحالتين لا شك أن الأشخاص الذين ارتكبوا الجرائم هم من يجب أن يُعاقبوا وليس المهاجرين الضحايا.

اللاجئون، وطالبوا اللجوء وغيرهم من المهاجرين

قد يظهر اختلاف بين السياسيين حول ما يتعلق بالعوامل اللوجستية المطلوبة لحماية اللاجئين لكنهم نادراً ما يختلفون على حقيقة أن اللاجئين يستحقون الحماية. وبمعنى آخر، يُنظَر إلى اللاجئين على أنهم مهاجرون "خيّرون" وأن لديهم حق بالحماية موضح في اتفاقية اللاجئين في الأمم المتحدة. وبالمقابل، هناك طالبوا اللجوء الذين قد يُنظَر إليهم نظرة الشك من جانب السياسيين والصحافة وعموم الناس. ويعود بعض أسباب ذلك إلى أن "مصطلح طالبي اللجوء" لا يُفهَم بطريقة كافية. فطلب اللجوء لديه تعريف قانوني خاص، وليس كل المهاجرين الذين يسعون إلى طلب اللجوء يستوفون شروطه. ومع ذلك، هناك فرق بين القرار المتخذ بشأن حالة طالبي اللجوء من جهة، وحق المهاجر لطلب اللجوء من جهة أخرى. فهذا الحق قائم وموجود بغض النظر عن ما إذا كان طلب اللجوء سيُقبل في النهاية أم لا.

وهناك أيضاً ميل موجود لتصنيف جميع المهاجرين الآخرين على أنهم "مهاجرون اقتصاديون" ووصفهم على أنهم "المهاجرون الأشرار" الذين لا يأتون في هجرتهم إلا مدفوعين بمصلحة شخصية. لكن مصطلح "المهاجر الاقتصادي" غير موجود من وجهة النظر القانونية. والمصطلحات الموجودة في المعاهدات الدولية مثل مصطلح "العمال المهاجرون" أكثر ملائمة لأن التصنيف الواضح والفضفاض وغير الدقيق ل "المهاجر الاقتصادي" يخفق في إدراك الظروف الفردية لكل مهاجر على حدة والذي قد ينطوي عليه عدة محفزات. ويمثل الخطر في استخدام المصطلح بهذه الطريقة في أنها قد تؤدي إلى وجود افتراض خاطئ بأن هؤلاء المهاجرين لا يستحقون أبداً أي وضع نظامي وهذا ما يعني أنه يمكن رفض طلباتهم بصورة مستعجلة أو تسفيرهم إلى البلاد التي جاءوا منها. وفي بعض الحالات، ربما كان لبعض المهاجرين الذين ليسوا لاجئين ولا طالبي لجوء صفة قانونية أو أساساً قانونياً للإقامة النظامية في بلد الاستقبال. ومع ذلك، يجب احترام حقوق جميع المهاجرين بلا استثناء

ومن المهم جداً أن يدرك الخطاب العام الفروقات التي ذكرناها آنفاً لكي يتمكن من تقديم حلول معقولة ومحترمة للمشكلة. ومن هنا نقول إن قد تمثل دوراً مهماً في تحديد ملامح نقاش حوكمة الهجرة الفعالة.

 

باولا بايس ppace@iom.int

منسِّقة الترويج لصحة الهجرة لمنطقة شرق أفريقيا، المنظمة الدولية للهجرة، كينيا. www.iom.int

كريستي سيفيرانس migratitude@gmail.com

مستشارة مستقلة



[1] الجمعية العمومية، تدابير ضمان حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية لجميع العمال المهاجرين، 3449، الاجتماع العام رقم 2433 بتاريخ 9 ديسمبر/كانون الأول 1975

www.worldlii.org/int/other/UNGARsn/1975/87.pdf

[2] بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين براً وبحراً وجواً، المكمِّل لاتفاقية اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة الجريمة العابرة للقوميات

www.refworld.org/docid/479dee062.html

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.