كفاح بلغاريا في الخطوط الأمامية

ناضلت بلغاريا لمعالجة الهجرة غير النظامية الجماعية معالجة ملائمة. وقد أخفقت كذلك في معالجة مسألة الاندماج.

بلغاريا من بين الدول الأوروبية الكثيرة التي تعالج مسألة عدم كفاية قدرتها الاستيعابية وسياستها القومية غير النافعة في معالجة "أزمة الهجرة" الأخيرة. وكانت الاستجابة لزيادة الدخول غير النظامي عبر الحدود البلغارية-التركية منذ 2013 ضرباً من إدارة الأزمة، وقليلاً ما وضعت الاستراتيجيات للاستثمار في الحلول بعيدة الأمد. وتُمثِّل إجراءات اللجوء ومراقبة الحدود في بلغاريا أيضاً نموذجاً لصعوبة توفير الحماية الإنسانية المقبولة بمجرد سحب التدخل الدولي المصاحب للاعتراف بالأزمات قصيرة الأمد. ويعد كل من الخوف والمصالح السياسية الدوافع وراء التركيز الحالي على تشديد مراقبة الحدود في ظل الجلبة المتزايدة الناجمة عن تشجيع الجماعات القومية والمناهضة للهجرة واليمينية لهذه الإجراءات. 

وفي يناير/كانون الثاني 2014، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي للاجئين دولاً أوروبية أخرى لوقف عمليات الانتقال إلى بلغاريا بموجب اللائحة التنفيذية لاتفاقية دبلن[1] إذ كان نظام اللجوء يواجه ضغوطاً هائلة أكثر من طاقته ويكابد لمواكبة نسبة 35% من الزيادة السنوية في طلبات اللجوء. وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعمل عن كثب مع هيئة الدولة لشؤون اللاجئين للإشراف على التحسين الجوهري في الظروف البلغارية للتسجيل والقبول والإقامة والاحتجاز على الحدود. ورُفِعَت القدرة الاستيعابية لمنظمة الدولة لشؤون اللاجئين لتسهيل الإصلاحات الإدارية وتحسين عملية تسجيل الطلبات وإصدار الأوراق المؤقتة وتقييم طلبات اللجوء. وفي الوقت عينه، نُفِّذت عمليات إعادة الإعمار والإصلاحات في أبنية مراكز العبور والتسجيل والاستقبال المتهالكة.

وحقق هذا الاتجاه الدولي الحد الأدنى من المعايير الدولية بحلول مايو/أيار 2014 عندما تراجعت مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين عن دورها التنفيذي وألغت وقف عمليات انتقال دبلن إلى بلغاريا. وأصبح جدول أعمال الحلول بعيدة الأمد للهجرة القسرية واللاجئين وحقوق اللجوء وسرعتها وأولوية تنفيذها من مسؤوليات دولة بلغاريا مجدداً.

وفي العام التالي، لم يستقر أو يقل عدد طلبات اللجوء المقدمة إلى بلغاريا. وفي الفترة بين يناير/كانون الثاني 2013 وأواخر 2015، قُدِّم أكثر من 25 ألف طلب لجوء وهو ما يفوق مجموع ما قُدِّم خلال العقدين الأخيرين. وفي 2015 وحده، دخل أكثر من 13 ألف طالب لجوء إلى البلاد وترجع الزيادة الأخيرة إلى زيادة عدد السالكين لطرق في أوروبا تُجنبهم عبور البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، يغيب بشدة الدافع داخل الإدارة البلغارية لوضع حلول مستدامة بعيدة الأمد لمعالجة قضية هؤلاء المستضعفين ويزداد التركيز بدلاً عن ذلك على مراقبة الحدود على المدى القصير و على سلامة أراضيها.

الحدود والمعوقات

جميع الحدود البلغارية التركية مجهزة الآن بتقنيات للمراقبة بما في ذلك أجهزة متطورة لاستشعار الحركة والتصوير الحراري وكاميرات المراقبة الليلية القادرة على رصد عدة كيلومترات داخل الأراضي التركية. ويحرس الحدود أكثر من 1500 رجل شرطة مسلح متمركزين كل 200 متر ويغطي سور من الأسلاك الشائكة بارتفاع 3 أمتار نحو 33 كيلومتراً من هذه الحدود ومن المفترض أن يُمد مسافة 130 كيلومتراً أخرى عقب حصول مجلس الوزراء على الدعم البرلماني اللازم للمشروع في يونيو/حزيران 2015.

وتوصي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن تتبنى بلغاريا سياسة إدارة الحدود قوامها الحماية ويدعمها برنامج قبول إنساني يتيح التعامل بفاعلية وحساسية أكثر مع طالبي اللجوء. ومع ذلك، ما زالت التقارير الموثوقة تظهر عن وقوع عمليات صد وطرد وترويع واعتداء جسدي ورفض للدخول على الحدود.

وفي أثناء ذلك، يقبع من نجحوا في تقديم طلباتهم بانتظار تحديد وضعهم في مركز من ستة مراكز استقبال تفتقر غالباً للمراحيض النظيفة أو مرافق الغسل والطهي المنفصلة. فأصل هذه المراكز مبانٍ مهجورة غير مخصصة إطلاقاً للإقامة بعيدة الأمد أُعيدَ ترميمها واستخدامها. وأكبر هذه المراكز المعروف باسم فوينا رامبا كان قديماً مدرسة ولكنه يأوي الآن 600 طالب لجوء لعدة أشهر في المرة الواحدة ولا يقدم من الطعام سوى وجبتين رئيسيتين يومياً للبالغين والأطفال على حد سواء. والشهور التي يقضيها الفرد في انتظار قرار تحديد الوضع كفيلة بتبديد موارد من يرغبون في استكمال هذا الشرط البائس. وبما أنه لا يحق لطالب اللجوء رسمياً الحصول على عمل أو أي نوع من التدريب، يعلق أحدهم ممن قضى أكثر من ثلاثة شهور بأنه يركب الحافلة يومياً إلى المدينة لمجرد الرغبة في ترك مركز الاستقبال. "ماذا يُفترض أن أفعل؟ لا احتمل البقاء هناك دائماً. أنا إنسان. ألا يفهمون ذلك؟"

ولسوء الحظ وبقدر صعوبة الحياة في مراكز الاستقبال، لا يُتوقَّع إيجاد من حصلوا على قرار تحديد وضعهم ويخططون للبقاء في بلغاريا في حال أحسن. فمنذ عام 2013 تغيب سياسة الإدماج ولم يعد لها أي أثر. وبمجرد حصول الفرد على الموافقة، يمنح اللاجئون مهلة مدتها 14 يوماً لمغادرة مراكز الاستقبال ولا توفر الدولة أي مساعدة لإدماجهم بالمجتمع البلغاري فلا توجد دورات تدريبية لتعليم اللغة ولا لتنمية مهارات السوق ومؤهلاته أو إكسابها ولا تيسير للحصول على مساكن أو عمل أو شبكات اجتماعية.

ومع ذلك، لا يمكن إجراء تحسينات في معاملة طالبي اللجوء والنجاح في عملية الإدماج بالمجتمع على المدى البعيد بمجرد وضع مزيد من التوجيهات. ففاعلية القانون الدولي وتوجيهات الاتحاد الأوروبي يقيدها الخطاب السياسي المحلي المشحون بالعنصرية الذي يخفق في إدراك أن الأمر متعلق بحقوق الإنسان أكثر من الالتزام بالحد الأدنى من معايير نص عليها القانون الدولي.

ولا يسلب غياب سياسة إدماج واضحة المستضعفين الإنصاف والكرامة وحسب بل يُفقِدُ المجتمع البلغاري القدرات الإنتاجية والكامنة في هؤلاء اللاجئين الراغبين في العيش والعمل في بلغاريا. ولن يُكتَب للاندماج النجاح وسياسات الحكومة واللغة الرسمية عن الهجرة واللجوء مشحونة غالباً بخطاب الكراهية وتختصر الأزمة الإنسانية في مجرد سلامة الحدود والتماسك الاجتماعي.  ويلقي ذلك بالمهمة الصعبة من تغيير المواقف وتوفير الدعم للاندماج في المجتمع على كاهل المنظمات غير الحكومية المستقلة التي غالباً ما تفتقر إلى التمويل.

والمشروع المتعلق باللاجئين مثال على هذه المنظمات التي تعمل في صوفيا.[2] ويعين المشروع المتطوعين من المجتمع البلغاري ومؤخراً من الخارج لتوفير التدريس ودعم التعليم داخل مراكز الاستقبال في صوفيا.  وحول هذا الأمر، تعلق المدربة كاترينا ستويانوفا بقولها: "نحتاج إلى مساحة لإجراء عملية الإدماج وإقامة روابط ومقابلة الناس. ولا يُتاح لنزلاء المراكز فرصة مقابلة المجتمع المحلي والاندماج في المجتمع ويخضعون للتمييز العنصري من جميع الأطراف السياسية".

ومع ذلك، لا يلوح في الأفق مستقبل الاندماج الرسمي والحلول بعيدة الأمد. فالعقبة الأولى لإقامة إطار عمل وطني في شروط المسؤوليات الإدارية، مثل: هيئة الدولة لشؤون اللاجئين أو وزارة العمل والسياسة الاجتماعية، هو الحال في بلغاريا. ولا يمكن أن تتحمل برامج مثل المشروع المتعلق باللاجئين مسؤولية إجراءات الاندماج الرسمية والمستدامة.

 

إليانور إ روبرتس eleanor.roberts@trinity.ox.ac.uk

طالب ومتطوع مع منظمة معونة أكسفورد إلى البلقان. http://oxabbulgaria.com

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.