حماية اللاجئين في أوروبا: أحان الوقت لإجراء تعديل جذري؟

يحيط بموضوع حماية اللاجئين عددٌ من المفهومات الخاطئة التي قد تشوِّش على فهمنا وتُعقّدُ من بحثنا للحلول، لكننا في الوقت نفسه نرى إمكانات واضحة وواقعية للتغيير في جسم القوانين لدى الاتحاد الأوروبي ما يُمَكِّننا من تحصيل منتجات أفضل للدول واللاجئين على حد سواء.

تصل إلى شواطئ أوروبا الجنوبية والجنوبية الشرقية أفواج من مئات آلاف اللاجئين، بالإضافة إلى أعداد أقل منها من المهاجرين الباحثين عن فرص اقتصادية. ومعظم الذين يصلون منهم إلى اليونان وإيطاليا ليست لديهم أي رغبة في البقاء في أي من هاتين الدولتين. ونظراً للأوضاع التي تشهدها سوريّا، والعراق، وأفغانستان، وليبيا، وعدم وجود أي آفاق لكثير من اللاجئين في بلدان اللجوء الأولى، يجب على أوروبا أن تتوقع ازدياد موجات اللاجئين. فهل يمكن لأوروبا أن تستمر بانتهاجها منهجية "الأعمال كما اعتادت عليه"؟

فيما يلي بعض المفهومات الخاطئة التي تعيق فهمنا للوضع:

الرقابة الحدودية المُراعية للحماية أمرٌ ممكن: لا يمكن إحكام الرقابة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وعلى الأخص منها الحدود البحرية، بطريقة قانونية تراعي الحماية. فالطريق الوحيد للسيطرة على الحدود البحرية في واقع الحال إنما يكون بتعزيز الرقابة، وتسريع عملية منع القوارب التي يُشتبَه بأنها تحمل حمولة بشرية والعودة أو الضغط عليها من أجل أن تعود إلى المكان الذي يُفترَض أنها جاءت منه. ومع ذلك، تُعد مثل هذه الممارسات خاصةً إذا ما وُجِّهت نحو البلدان التي لا تعد "بلداناً ثالثةً مأمونة" ممارسات غير قانونية، وذلك على ضوء قوانين الاتحاد الأوروبي المتعلقة باللجوء وكذلك لأن تلك الدول إنما هي بالأصل دول مُصدِّرة للاجئين، وأي إعادة لتلك القوارب أو الأفواج تمثل حقيقةً إعادة قسرية تعسفية. ولهذه الممارسات أيضاً آثار خطِرة على حياة الأشخاص المُعْتَرضين والممنوعين. ولسوء الحظ، يفضل المناصرون والدول على حد سواء المحافظة على المقولات التي تدعي بإمكانية إطباق رقابة مراعية للحماية على الحدود.

"تحديد صفة اللاجئ المنفرد في قانون الاتحاد الأوروبي يقع في مسؤولية الدول الأعضاء وهو أمر يمكن فعله إذا ما كرّستْ الدول المصادر الكافية لذلك بغض النظر عن أعداد طالبي اللجوء." وفقاً لأخر التوجيهات الصادرة حول إجراءات اللجوء وتأهيل الشخص للحصول على صفتها، أصبح موضوع تقرير صفة اللاجئ مهمة في غاية التعقيد ومكلفة مالياً، إذ لا تقدم أي بديل للمنهج المنفرد. فهي تشترط على كل طالب للجوء أن يتسجل ويخضع للمقابلة، ثم تُتخذ القرارات الفردية، يصاحبها بعض الضمانات، والإمكانات للطعن في القرار وإعادة النظر في طلب اللجوء، وغيرها من الإجراءات المختلفة واختلاف أنواع القضايا التي غالباً ما تُوجه نحو محاولة منع إساءة استخدام منظومة اللجوء، وإلى ما هنالك من إجراءات أخرى.

وتعني الشروط النوعية أن يتوقع معالجو القضايا إلى حد معقول بأن يصدروا قرارات لا تتجاوز العشرات في كل شهر. وبالإضافة إلى ذلك، يُطلب إلى الفرد المعنيّ أن يتقدم بطلب للجوء لكي يتسجل ويصبح من بين طالبي اللجوء، وفي مثل هذه الحالة لا بد من التسجيل الرسمي الفوري. وفوق كل ذلك، هناك رغبة في تجنب ازدياد حجم طلبات اللاجئين مهما كانت التكاليف. لكننا نتحدث الآن عن وضع مختلف يصل فيه عدد القادمين إلى بلد ما بالألاف، ومعظمهم جاؤوا أصلاً من بلدان منتجة للجوء مثل سوريا، وهذا يعني أن مثل هذه الشروط بكل بساطة يستحيل استيفاؤها.

فعلى سبيل المثال، لا يمكن لمنظومة اللجوء في اليونان أن تعالج في أقصى حد ممكن أكثر من 1500 طلب في الشهر إذا أرادت أن تحترم جميع المتطلبات، وهي أقل من نصف معدل اللاجئين اليوميين على أرض الجُزر اليونانية وقت كتابة هذا المقال. وحتى الدول القوية مالياً تعاني أيضاً من مشكلة معالجة أكثر من ألف طلب للجوء في اليوم.

"منظومة دبلن تمثل العماد الأساسي لقانون الاتحاد الأوروبي الخاص باللجوء، ولذلك يجب الدفاع عنه مهما بلغ الثمن". وفقاً للوائح التنفيذية لاتفاقية دبلن الثالثة، تتمثل أهم معايير تخصيص مسؤولية النظر في طلب اللجوء في البلد الذي دخل إليه طالب اللجوء للمرة الأولى والبلد الذي وضع فيه طالب اللجوء قدمه للمرة الأولى في الاتحاد الأوروبي. ومع توافر الأدلة بأن اللائحة التنفيذية لاتفاقية دبلن الثانية لم تكن أصلاً ناجحة بالقدر المطلوب، استمرت اللائحة التنفيذية لاتفاقية دبلن الثالثة بالمحافظة على تلك الافتراضات الأساسية، حتى لو أنها أدخلت تحسينات معينة لتسهيل لمّ الشمل الأسري.

ومع ذلك، إذا ما تحققنا من ذلك على أرض الواقع، نرى أن أيّاً من الدول الواقعة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي لم تكن قادرة على معالجة جميع طلبات اللجوء حسبما هو مفروض عليها وفقاً لمسؤولياتها ضمن منظومة دبلن. فعلى سبيل المثال، في عام 2015 يُفترض أن تتلقى اليونان أكثر من 600 ألف لاجئ من عدة دول منها سوريا وأفغانستان والعراق من خلال تركيا. وبالإضافة إلى ذلك، لديها حالياً مجموعة سكانية كبيرة مقيمة من مواطني دول العالم الثالث ممن تقدموا بطلبات اللجوء في الماضي ويريدون أن يتقدموا بطلب اللجوء مرة أخرى، أو غيرهم ممن لم يقدموا بطلب اللجوء في الماضي ولكنهم يرغبون بذلك حالياً. ومع ذلك لم تتمكن اليونان من معالجة ما بين مائتي إلى ثلاثمائة ألف طلب للجوء في العام، ولا يمكنها على أرض الواقع أن تُدمج كل هذه الأعداد من بين من يحصل على الحماية الدولية إذ بلغت معدل أهلية الأشخاص لطلبات اللجوء ما يقارب 50%.

"يجب على طالبي اللجوء أن يبقوا في البلاد المسؤولة عن النظر في طلبات لجوئهم". وفقاً للائحة التنفيذية لاتفاقية دبلن الثالثة، يُتوقع من طالبي اللجوء البقاء حيث يطلب الاتحاد الأوروبي ذلك منهم. ومع ذلك طالبوا اللجوء، هم كبقية البشر، لديهم رغباتهم، وفهمهم للعوامل التي تسيطر على حياتهم، ولديهم خططهم. ووقت كتابة هذا المقال، كان معظم القادمين الجدد من سوريا وأفغانستان وغيرها  يرفضون التقدم بطلب اللجوء إلى اليونان، رغم المعلومات التي قُدِّمت إليهم بشأن منظومة دبلن (بما في ذلك البنود الخاصة بلمّ الشمل الأسري)، ورغم المخاطر التي سيواجهونها في حالة إقدامهم على التنقل غير النظامي بعد ذلك، ورغم الرسوم المالية التي عليهم أن يدفعوها للمهربين وفرصة حصولهم على الحماية في اليونان. وبدلاً من ذلك، يرغب معظمهم بالانتقال إلى السويد وألمانيا، على أمل قطع الحدود قبل أن تُغلَق في وجههم. وفي الواقع، من بعض الأسباب التي تفسر لنا ارتفاع الهجرة إلى اليونان خلال منتصف 2015 تتعلق بالاستعجال في رحلة الهجرة قبل أن تُغلق الحدود الصربية المجرية وذلك بتشييد الجدار الحدودي بين البلدين.

وهناك أيضاً اللغة، والروابط الأسرية، ومجتمعات الشتات، والمزايا الاجتماعية وما يُصاحِب ذلك من أفكار مغلوطة حول احتمالات الاندماج في بعض البلدان، كلها تُنشئُ عدداً من العوامل التي ينظر بها طالبوا اللجوء قبل اتخاذ قرارهم في البلد الذي يريدون الوصول إليه. فحتى في بلدان مثل النمسا وفرنسا، يرفض بعض طالبي اللجوء التقدم بطلب اللجوء هناك، بل يفعلون كل ما يمكن فعله لتجنب آليات اللجوء في ذلك المكان التي ستجبرهم على البقاء في بلد لا يختارونه. وحتى لو لم يكن لديهم القدرة على تجنب ذلك البلد، فهم يعرفون أن فرص انتقالهم ستكون ضعيفة للحفاظ على عملية نقل طلب اللجوء وفقاً لاتفاقية دبلن.

ونتيجة للإصرار بأن ما سبق ذكره كله حقائق وليس افتراضات مغلوطة، تنشأت التوترات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، إذ يصر البعض على تنفيذ ما يعتقد أنه يجب فعله بدلاً مما يمكن فعله على أرض الواقع. والاستمرار في الإصرار بأن الطريقة التي خُطِّطَ لها قبل بضع سنين هي الطريقة الصحيحة لمواجهة سرعة التغير في الظروف يعيق من التخطيط العقلاني والواقعي.

ما الذي يجب فعله؟

فيما يلي بعض الأفكار التي تستحق الاستكشاف. وليس أيٌّ منها جديداً، لكنها ما زالت تُهمَل بما تحمله من مضمونات على الحكومات والمجتمعات:

بناء فرضيات عاملة حول حصة اللاجئين السنوية لأوروبا ككل وهذا ما سيضع في الاعتبار عدد اللاجئين في العالم ومواطن القوة المقارنة لأوروبا في تلقي هؤلاء اللاجئين. وبما أن وضع حصص حقيقية للاجئين ممنوع بقانون اللجوء الدولي، ستكون الحصة على مستوى أوروبا أداة تخطيط لا سقفاً حقيقياً لعدد اللاجئين المسموح بدخولهم في أوروبا في سنة ما. وسيساعد ذلك أوروبا على وضع خططها فيما يتعلق بتلقي اللاجئين وبتعزيز قدرتها لمعالجة طلباتهم. ودون أي تخطيط بسيط سوف تنهار المنظومات ثم ستبدأ لعبة تبادل الاتهامات واللوم.

تنظيم الحركات الثانوية لطالبي اللجوء واللاجئين من خلال تبني سياسة التوطين الجماعية ووضع خطط لإعادة التوطين من بلدان اللجوء الأول مثل تركيا، والأردن، ولبنان ومن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على الحدود. ومن الواضح أنَّ الهدف سيكون تمكين الحكومات الأوروبية من تولّي الدور الذي يتولاه حالياً المهربون والذي يساعد المهربين مادياً الذي لا يكتنفه المخاطر فحسب بل احتمال الموت بالنسبة للاجئين. وسوف تتطلب خطط إعادة الاستيطان والنقل الجماعية كما تؤيدها مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين على وجه الخصوص تجاوز أمكان إعادة النقل البالغ مجموعها 120 ألفاً وعلى الأخص منها أماكن إعادة الاستيطان البالغ عددها 20 ألفاً خلال سنتين وفقاً لتعهدات دول الاتحاد الأوروبي بعد مداولات مستفيضة.

ومع ذلك، إذا كانت الفرضية المفروغ منها أن أوروبا سوف تقبل استقبال عدد معين كل سنة من اللاجئين على أراضيها، فسيكون من السهل أكثر إدماج هذه الحصص الأعلى لإعادة التوطين وإعادة النقل في الحوار العام وفي التخطيط. وسوف يتيح ذلك أيضاً للاتحاد الأوروبي أن يشرع في حوار أكثر إقناعاً مع دول اللجوء الأول، مثل تركيا، التي تُعد من حيث المبدأ آمنة لملايين اللاجئين، ولتنفيذ اتفاقات إعادة القبول.

تبني الحصص لكل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي: يجب على جميع الدول الأعضاء أن تشارك بطريقة أو بأخرى في التضامن، ليس فيما بينها فحسب، بل مع دول اللجوء الأول في أقاليم الأصل. وينبغي للقادة السياسيين في المشاركة في الحوار المُوجَّه حول الحماية الذي يفسر التزامات أوروبا تجاه اللاجئين وضرورة مشاركة جميع الدول على قدر المساواة في جهود حماية اللاجئين. وقد تبنّت المفوضية الأوروبية عدداً من المقترحات الإبداعية خلال الأشهر الماضية، رغم مواجهتها لمعارضة كبيرة من كثير من دول الاتحاد الأوروبي. أما نقاط الجدل التي تثيرها كثير من الدول الأعضاء، التي ليست دولاً للدخول الأول ولا دولاً مرغوب بها لكثير من اللاجئين، فلن تؤدي إلى تقليص الحماية في البلدان التي تتلقى اللاجئين بأعداد أكبر مما تستطيع مواكبته على أرض الواقع.

تعديل جسم القانون حول اللجوء في الاتحاد الأوروبي بطريقة تسمح بالاعتراف الأولي بوضع الحماية، على الأقل للأشخاص القادمين من البلدان الأساسية المصدرة للاجئين. وتُوَفّرُ مثل هذه الآلية المبسطة في توجيه الحماية المؤقتة، الذي لم يُنفذ على أي حال. فتوجيه الحماية المؤقتة يخضع حالياً للتقييم، وينبغي الانتهاء من إعادة صياغته لكي يصبح أداة حماية فعّالة في الأوضاع التي تتجاوز فيها أفواج القادمين إلى أوروبا القدرات القائمة لمنظومة اللجوء. ومع ذلك، لا بد من مراجعة جسم القوانين الخاصة باللجوء في الاتحاد الأوروبي لكي يُسمَح للدول الأعضاء كل على حدة بتبني اعتراف أولي لوضع الحماية دون اشتراط إعمال إجراء تحديد صفة اللجوء الفردي الموصوف حالياً والتي تُعدّ مرهقة ومطولة ومكلفة وغير واقعية في نهاية المطاف. 

رسم خطط وموازنات إدارية ذات معنى لحماية اللاجئين في الاتحاد الأوروبي ككل، بدلاً من توقع أن تفعل ذلك الدول الأعضاء المنفردة بنفسها. فمن غير المنطقي توحيد القوانين دون توحيد الموازنات، على افتراض أنَّ لكل الدول المصادر ذاتها لتلقي طالبي اللجوء، ومعالجة طلبات لجوئهم، ودمج اللاجئين وتنفيذ العودة بالنسبة لمن لم يُمنحوا صفة اللاجئ. وعلى الصكوك المالية للاتحاد الأوروبي أن تكون متصلة مع هذا الوضع الأوسع، بدلاً من أن تنظر إليها مفوضية الدول الأعضاء على أنها أدوات منفصلة لتمكين تنفيذ السياسة. وفي حين تمثل نقل الدراية من خلال هيئة مراقبة الحدود الأوروبية ومكتب دعم اللجوء الأوروبي أداة مهمة للتضامن أيضاً فلا يمكن اعتبارها أداة ممكنة للتوزيع العادل للموارد المالية والبشرية.

وفي نهاية المطاف، يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تبدأ النظر إلى أوروبا على أنها فضاء واحد للجوء بصفة مشتركة للجوء الأوروبي وعليها أن تعمل نحو تحقيق هذه الأهداف. وإلى أن يتحقق ذلك، سوف يستمر الموقف السائد بالقول: "هذا ليس من شأني" ما يجبر الدول واللاجئين على حد سواء إلى اتباع الممارسات غير النظامية.

 

ماريا ستافروبولو maria.stavropoulou@gmail.com

مديرة مركز خدمات اللجوء اليوناني www.asylo.gov.gr/en

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.