اللاجئون في صربيا: في الطريق نحو حياة أفضل

عبر أكثر من 450 ألف شخص صربيا منذ بداية عام 2015 ولحين منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني في العام نفسه. ومع ذلك، كانت الأرقام كبيرةً أيضاً في عام 2014 ومتزايدة.

كانت هناك ثلاثة أماكن لإيواء اللاجئين العابرين من خلال بلجراد العاصمة الصربية في عام 2014، وكانت هناك أيضاً خمسة مراكز للجوء بالنسبة للأشخاص الذين كانوا يرغبون بالتقدم بطلب للجوء في صربيا ذاتها. لكن القدرات لم تكن كافية ذلك أنَّ أكثر من 2500 شخص كانوا يدخلون صربيا يومياً. وكان ما يصل عددهم إلى 600 شخص بمن فيهم عائلات بأطفالها ينامون في الحديقة العامة قرب محطة الحافلات الرئيسية. وكان مجلس مدينة بلجراد يوفر لهم الماء والخيام بالإضافة إلى بعض المستلزمات الأساسية للنظافة الشخصية. وكانت المنظمات غير الحكومية الصربية ومواطنو بلجراد يجلبون الطعام والملابس لهم يومياً. ولم يمكث غالبية هؤلاء الأشخاص في صربيا أكثر من بضعة أيام.

وتشير دراسة[1] أُعِدّتْ في عام 2014 إلى السمات الأساسية التي تصف اللاجئ التقليدي الذي يأتي إلى صربيا، فهذا اللاجئ هو رجل يصل عمره 27 عاماً. وغالباً غير متزوج يسافر وحده، أكمل دراسته نهاية المرحلة الثانوية وغادر عائلته التي بقيت في بلده الأصلي. وربما أمضى حوالي سنة يتنقل فيها من بلد إلى آخر سعياً إلى حياة أفضل. وتمثل فئة الرجال 90% من اللاجئين في صربيا، أما فيما يتعلق بالحالة الاجتماعية فلم يكن أكثر من الثلث متزوجاً. ومن جهة أخرى، كانت النساء اللواتي يسعون للجوء في أوروبا متزوجات في ثُلثَي الحالات. أما بالنسبة للأرامل من الجنسين والمُطَلّقون والمُطَلّقات فليست هذه الفئة من الحالات الشائعة. وكان نصف عدد هؤلاء اللاجئين دون سن السادسة والعشرين. ومعظمهم كان من مستوى تعليمي مرتفع وكذلك كانت مهنهم مختلفة بدرجة كبيرة. وكان من السهل جداً أن تلتقي بلاجئ طبيب أو مهندس أو معلم أو طالب أو ميكانيكي أو عامل يومي. لكنَّ هذا التنوع لم يكن موجوداً إلا بين الذكور، أما بالنسبة للإناث فكنَّ، في معظم الحالات، ربات للبيوت أو مُعلمات أو طالبات. وكان المستوى التعليمي للنساء مكافئاً للمستوى الذي تلقاه الرجال، لكنه على ما يبدو لم يكن هناك توازناً بين الذكور والإناث فيما يتعلق بفرص العمل في بلدانهم الأصلية.

يأتي معظم اللاجئين الواصلين إلى صربيا من سوريا (تقريباً 50%) يتبعهم إلى حد قريب الصوماليون والأفغان. ومع ذلك، هناك أشخاص قادمون من بلدان أخرى مثل إرتيريا والسودان، والجزائر، والعراق، وإيران، ونيجيريا، وباكستان، وغانا، وبنجلاديش، ومصر، وفلسطين، وأثيوبيا. ومن الناحية العرقية، يُلاحَظ أنَّ اللاجئين يشكّلون مجموعات غير متجانسة. ومعظم اللاجئين من الديانة الإسلامية. أما المسيحيون سواء أكانوا أرثوذكس أم كاثوليك أو بروتستانت وكذلك الملحدون فكانوا يمثلون أعداداً هامشية من اللاجئين.

الرحلة

يمر طريق الانتقال المعروف إلى صربيا عن طريق تركيا، واليونان، وجمهورية مقدونيا. وأثناء الانتقال إلى هناك، على اللاجئين أن يدفعوا الأموال إلى المهربين وغالباً ما يُستغلَّون في ذلك. ويتعرضون للسلب والضرب والإساءة الإنسانية من السكان المحليين. وغالباً ما يتعرضون للاعتقال غير القانوني أو يُوضَعُون في السجون في ظروف سيئة للغاية. وغالباً ما تُخفِق الشرطة في أن توفر لهم المعلومات الصحيحة حول سبب احتجازهم أو المدة التي سوف يُحتجزون بها. وغالباً ما تحدث أيضاً حالات التسفير ما يعيدهم خطوات إلى الوراء.

يذهب معظم اللاجئين في هذه الرحلة بمفردهم. لكننا نستطيع أن نرى، على العموم، الأسر ذات الأطفال أو الأفراد كبار السن بينهم. ومعظمهم ما زال لديهم عائلة مباشرة في بلدانهم الأصلية (حوالي 90%). وثُمُنْ اللاجئين الذين يصلون إلى صربيا انفصلوا عن أحد أفراد عائلتهم خلال رحلة الانتقال، عادةً ما يكون هذا الشخص شقيقاً له أو أباً أو أمّاً. ومعظمهم لم يتمكنوا من تعقب أفراد عائلتهم المفقودين.

ويواجه اللاجئون عوائق مقصودة أثناء تقدمهم وذلك مع بناء السور على الحدود المجرية، وبذلك يشعرون بأنهم أصبحوا الآن ضحايا للظلم وعدم الفهم. فيتذكرون الاضطهاد الذي عانوا منه ثم يعتريهم الخوف الكبير لمصيرهم ومستقبلهم. ويسبب ذلك لهم الرعب، ويجعلهم في عجلة من أمرهم لإبرام الصفقات مع المهربين وهذا ما يجعلهم في خطر أكبر من ذي قبل. والمهربون غالباً ما يكونوا مرتبطين مع المتجرين بالبشر، وهذا الخوف الذي يعبر عنه اللاجئون يمثل فرصة ذهبية لهؤلاء الأشخاص، وهذا ما يجعل اللاجئين في خطر أكبر للتعرض لأن يصبحوا ضحايا الإتجار بالبشر. وقد أظهرت دراستنا أن معظم اللاجئين ليس لديهم من الفهم إلا القليل حول ما يُعنَى بالإتجار بالبشر، مع أنَّ نسبة كبيرة منهم قد وقعوا بالأصل ضحايا للإتجار بالبشر بأنفسهم. وليس لديهم فهم كبير بأنَّهم قد يُدفعُوا إلى العبودية  وأنَّ اعتمادهم على مهربي الأشخاص لعبور الحدود والوصول إلى أوروبا الغربية قد يزيد من استخطارهم أكثر من ذي قبل.

وإذا ما وضعنا في الاعتبار الحوادث النفسية الصادمة المتعددة التي يتعرض لها اللاجئون والمجهول الذي يعتري مستقبلهم، نجد بأنَّ الحالة النفسية للاجئين هي في الواقع كما هو متوقع بالضبط. فكثير منهم يعانون من اضطراب توتر ما بعد الصدمة، والخوف، والاكتئاب. فهم يشعرون بالوحدة، ويشعرون بأنَّ الكل تخلى عنهم ورفَضَهم. ويشعرون في الوقت نفسه بالذنب، واليأس، والقلق الُمفرِط، يفكرون كثيراً بسبب ما يحدث لهم، ثم تراودهم الأفكار مرة أخرى حول الأحداث الأكثر صعوبة، والإرهاق، وفقدان الشهية، واضطرابات النوم، والتفاعلات العاطفية والجسمانية المفاجئة عندما يتذكرون الأحداث الصادمة لهم نفسياً.

ووفقاً للنتائج التي تمخضت عنها هذه الدراسة، يتبين أن برامج جديدة للدعم النفسي والاجتماعي قد أُسِّست وهناك أيضاً برامج أخرى قد عُدِّلتْ من أجل تحقيق استجابة أفضل لحاجات اللاجئين. وأكثر الأسئلة التي يثيرها اللاجئون هي: كيف يمكننا أن نطلب المساعدة؟ من صاحب المسؤولية فيما يحدث وصاحب المسؤولية فيما لا يحدث؟ من الذي يتخذ القرار النهائي بشأن حصولنا على فرصة في حياة طبيعية؟ هل سيكون هناك أي شخص مستعد للإصغاء إلينا والتفاعل معنا من أجل وصولنا إلى مقصدنا؟

 

ماشا فوكتشيفيتش  masa.vukcevic@yahoo.com

اختصاصية نفسية في المركز الدنماركي للاجئين www.drc.dk

يلينا موميروفيتش jecadobric@gmail.com

اختصاصية نفسية في المركز الدنماركي للاجئين  www.drc.dk

دانكا بوريتش dpuric@f.bg.ac.rs

بروفيسورة مساعدة، قسم علم النفس، كلية الفلسفة، جامعة بلجراد

www.bg.ac.rs/en/index.php



[1] Vukčević M, Dobrić J and Purić D (2014) Study of the Mental Health of Asylum Seekers in Serbia www.unhcr.rs/media/MentalHealthFinal.pdf (دراسة الصحة العقلية لطالبي اللجوء في صربيا)

 

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.