الخطاب الأمني والاحتجاز في جنوب أفريقيا

يوضح مثال جنوب أفريقيا كلاً من حدود ومخاطر الاتَّكاء المتزايد على الاحتجاز كأداة لإدارة الهجرة.

في مختلف أنحاء العالم، وسم صانعوا السياسات الحكومية الاحتجاز على أنَّه من الطرق الفعَّالة في تعقُّب المهاجرين ممن يُنظر لهم على أنَّهم خطر أمني محتمل ناهيك عن أنَّه يقلل من رغبة الناس في الهجرة إلى البلاد التي قد يُحتجزون فيها. ومع ذلك، لا يوجد سوى قليل من الأدلة على أنَّ هذه الاستراتيجية المتَّبعة (وإن كانت شائعة ورائجة) تحقق الأهداف الأمنية والردعية المعلنة.

في جنوب أفريقيا، تقوم ممارسات الاحتجاز على الخطاب الأمني الذي ينظر إلى أمن الهجرة على أنَّه من النواحي الضرورية للدفاع عن سلامة الدولة. لكنَّ ذلك الخطاب في الوقت نفسه قد يُشرعِن سلسلة من الممارسات غير القانونية وقد يؤدي إلى كثير من العقبات التي تتضمن الاحتجاز غير القانوني والترحيل وانتهاك الحقوق والتكاليف المالية وارتفاع فرص الفساد ومخاطر المساس بسيادة القانون.

افتراض عدم المشروعية

يُعد احتجاز المهاجرين من الأمور التي يتركها القانون في جنوب أفريقيا للصلاحيات التقديرية. لكنَّ الخطاب السائد الذي يُؤطِّر الهجرة على أنها مسألة أمنية شجَّع ممارسة الاحتجاز على نطاق واسع، ونادراً ما يطبق مسؤولو الهجرة أي سلطة تقديرية. وبدلاً من ذلك يُحتجز "المهاجرون غير الشرعيين" في مركز لينديلا لإعادة المهاجرين[i] على أنَّه من الأمور المفروغ منها. ولا يبذل مسؤولو الهجرة العناية المطلوبة للعوامل التي قد يكون لها وزن أكبر من الاحتجاز قبل إصدار قرار بالاحتجاز (مع أنَّ الرشوة ما زالت خياراً يُمارَس لتجنب الاحتجاز). والنتيجة: الاعتماد المبالغ به على الاحتجاز الذي أصبح يكتسح طالبي اللجوء واللاجئين والمهاجرين الحائزين للوثائق وغيرهم في البلاد وأصبح يُمارس على أنه من الأمور القانونية. وبعد ذلك الاحتجاز، يُرحّل كثير منهم ترحيلاً غير قانوني بل يُعاد بعضهم إلى الأخطار التي هربوا منها في المقام الأول.

وداخل مركز لينديلا، ينتشر افتراض أنَّ المحتجزين جميعاً غير قانونيين، ومن هذا المنطلق، يُعامل المحتجزون على أنَّهم يمثلون خطراً أمنياً ما شرعن الانتهاك الروتيني لحقوق المحتجزين وحجب الحمايات القانونية عنهم. ومن أمثلة ذلك، أرادت وزارة الداخلية[ii] أن تسوِّغ تحديها للقانون الذي يضع بكل وضوح حداً نهائياً لاحتجاز المهاجرين لا يتجاوز 120 يوماً فاحتجت بأنَّها امتثلت إلى "الدرجة المعقولة" من القانون لكنَّها تعتقد أنَّ "المصالح الفضلى للعدالة" تتطلب الاستمرار في احتجاز أحد الأفراد مدة غير محدودة وأنَّ إطلاق سراحه وفقاً للقانون قد يكون "تأبيداً للممارسات غير المشروعة" بإرسال "الرسالة الخطأ" إلى "الأجانب غير القانونيين" في البلاد. وفي حين أنَّ طالب اللجوء المعني في ذلك المثال كان طالباً للجوء ممن أُرسلوا إلى الاحتجاز في مركز لينديلا على سبيل الخطأ بعد تبرئته من تهم غير جنائية فهذه الحقيقة لا علاقة لها البتة بقرار الحكومة باحتجازه بحجة المحافظة على الأمن. بل أقرت الوزارة أيضاً أنَّها لم تكن قد تقدمت بطلب لدى المحكمة المختصة كما يشترط القانون بتمديد مدة الاحتجاز إلى أكثر من 30 يوماً على اعتبار أنَّ القضاة "صنيعة القانون" وأنَّهم بذلك سوف يلتزمون بالشروط القانونية ذاتها التي ترى الوزارة حقاً في تجاهلها. وبعبارة أخرى، كانت مصلحة الدولة المعرَّفة بالشروط الأمنية قد سوَّغت تجاهل النصوص القانونية بغية المحافظة على مفهوم أوسع للمشروعية المفهومة من خلال الرقابة على المهاجرين وممارسة تلك الرقابة من خلال الاحتجاز.

خلال كامل المدة البالغة 23 شهراً بين عامي 2009 و2010، رفع محامو المنظمات غير الحكومية أكثر من 100 قضية خاصة بحقوق الإنسان نيابة عن أفراد احُتجِزوا احتجازاً غير مشروعاً (وما زالوا يرفعون مثل تلك القضايا كل أسبوع تقريباً منذ ذلك الوقت). لكنَّ ضعف القدرات يعني أنَّ تلك القضايا لا تمثل أكثر من شريحة صغيرة جداً من الأشخاص المحتجزين بصورة غير مشروعة في لينديلا.

ومن جهة وزارة الداخلية، فهي تقول إنَّ الفرد قد يبقى أجنبياً غير قانوني حتى بعد أن يتقدم بطلب للجوء وأنَّ طالبي اللجوء قد يُحتجزون أيضاً على أنهم أجانب غير قانونيين. ويحتجز مسؤولي الهجرة الأفراد على الحدود قبل أن يتقدم هؤلاء بطلب اللجوء إضافة إلى الأفراد داخل البلاد الذين يعربون عن نيتهم في التقدم بطلب للجوء. وتمثل مثل تلك الممارسات تعارضاً مباشراً مع النظام القانوني الذي حدده قانون اللاَّجئين في جنوب أفريقيا والذي ينص على السماح لجميع الأفراد بالتقدم بطلبات اللجوء ويمنع احتجاز طالبي اللجوء على أنهم أجانب غير قانونيين ولا يسمح باحتجازهم إلا ضمن مجموعة محددة وضيقة جداً من الظروف ويشدد على ضرورة توفير مجموعة صارمة من الضمانات الإجرائية.

لقد كان من شأن تأطير الهجرة على أنها خطر على الأمن أن جاء بتصور أنَّ المطالبات القانونية للمحتجزين تفتقر إلى الشرعية، بل إن ذلك التأطير شجع مسؤولي الهجرة على منع الأفراد المحتجزين من الحصول على حقوقهم القانونية بالطعن والمراجعة القانونية. [iii] فحصول الأفراد على الحقوق القانونية يخضع لقيود كبيرة عند احتجازهم وقد يتعرضون إلى الترحيل القسري دون تمكينهم من المراجعة أو الطعن وقد تتعرض سلامتهم للخطر الكبير أيضاً. وتكشف القضايا عن ممارسة الاحتجاز بحق طالبي اللجوء واللاَّجئين من حملة الوثائق وتكشف أيضاً عن حرمان الأفراد من الحمايات القانونية التي يمنحها الإطار العام للجوء. [iv]

مزيد من التكاليف وعقبات

في الوقت نفسه، لا يوجد كثير من الأدلة التي تشير إلى أنَّ عمليات الاحتجاز تلك كانت فعالة في تحقيق غاياتها. بل على العكس، فقد تؤدي تلك الممارسات إلى تقويض تلك الأهداف. وإثر ذلك، يعود كثير من المرحلين إلى جنوب أفريقيا لكنهم نظراً لعدم قدرتهم على الدخول القانوني إلى البلاد والحصول على وثائق السفر إمَّا يدخلون البلاد بطريقة غير مشروعة أو يتقدمون بطلب للحصول على الوثائق الثبوتية بأسماء كاذبة ما يثير التساؤلات حول ادعاء زيادة الأمن المرتبط بعمليات الترحيل. وفي تعليقات وردت مؤخراً تنادي بإعادة تقييم الاحتجاز والترحيل، لاحظ وزير الداخلية أنَّ هذه السياسة المخفقة  كانت تكلف البلاد ما بين 70 إلى 90 مليون راندة (7-9 ملايين دولار أمريكي) في العام الواحد.

وقد أدى اتساع نطاق عمليات الاحتجاز إلى ظهور ثقافة الفساد، لأنَّ كثيراً من الأفراد، حتى المحتجزين احتجازاً غير قانوني، يفتقرون إلى أي ملاذ سوى أن يدفعوا الرشاوي لإطلاق سراحهم وتجنب الترحيل. ومن هنا، مثّلت القدرة على ابتزاز تلك الأموال حافزاً جديداً للمسؤولين لمنع وصول المحتجزين إلى السبل القانونية المجانية للحصول على حريتهم.

ولعل الأثر الرئيسي بعيد الأثر للاعتماد المبالغ به على الاحتجاز يتمثل في أثر الاحتجاز على سيادة القانون. وقد دافعت وزارة الداخلية من حين لآخر عن انتهاكات القانون بحجة الضرورة فيما يمثِّل تحدياً صارخاً للأحكام القضائية. والأمن إذ يُمنح الأولوية على جميع المصالح الأخرى إنما يمهد الطريق أمام ازدياد الاعتماد على الاحتجاز ما يؤدي بالنتيجة إلى انتهاكات الحقوق وتفشي الفساد وأخيراً عدم احترام الحكومة للقانون، وهذا الوضع يهدد بتقويض الركائز الأساسية للديمقراطية الدستورية. 

روني أميت roniamit@wits.ac.za  باحث رئيسي في المركز الأفريقي للهجرة والمجتمع www.migration.org.za

 



 [i] يُعرف أيضاً بمركز احتجاز لينديلا ويقع على قرابة 40 كيلومتراً من العاصمة جوهانسبرغ.

 [ii] الهيئة الحكومية المسؤولة عن الهجرة.

[iii]  نوقشت تجارب المحتجزين في مركز لينديلا في بحث للمؤلف نفسه والموسوم بـ "ضائعون في الدوامة: مآخذ على الاحتجاز والترحيل لغير المواطنين في جنوب أفريقيا" (Lost in the Vortex: Irregularities in the Detention and Deportation of Non-Nationals in South Africa)، تقرير بحثي لبرنامج دراسات الهجرة القسرية، يونيو/حزيران 2010.

[iv] لمزيد من التفاصيل بشأن مدى الممارسات غير المشروعة، يُراجَع بحث لـ ر. أميت و ر. زيلادا-أبريلي وهو موسوم بـ "خرق القانون والسطو على المصرف: تكلفة ممارسات وزارة الداخلية في الاحتجاز غير القانوني" (Breaking the Law, Breaking the Bank: The Cost of Home Affairs’ Illegal Detention Practices) تقرير بحثي للمركز الإفريقي للهجرة والمجتمع، سبتمبر/أيلول 2012. http://tinyurl.com/Amit-Aprili-Sept2012-Breaking

 

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.