دعم اللاجئين المعاد توطينهم مؤخراً في المملكة المتحدة

ينبغي للمنظمات التي تدعم اللاجئين المعاد توطينهم مؤخراً من أجل الحصول على العمل أن تركز على توفير الأدوات التي تمكن اللاجئين من استكشاف سوق العمل بطريقة مستدامة تفضي بهم إلى تحقيق نمائهم الشخصي.

تدعم منظمتنا أسر العائلات اللاجئة التي أعيد توطينها مؤخراً في المملكة المتحدة. ونعمل على تقديم يد العون لهم في استكشاف نظام الرعاية الاجتماعية والمطالبة بالإعانات المستحقة كما وضعنا لهم خطة دعم تراعي أهدافهم من منظور تطورهم المهني. ونصحب البالغين في موعدهم الأول في مركز الوظائف حيث يدور النقاش مع مدربي العمل في المركز حول القدرة على الحصول على وظيفة والاستعداد لها. ودائماً ما يتبلور السؤال الذي يطرح على منظمتنا حول التوقعات. فهل نشجع الأشخاص الذين ندعمهم على رفع سقف توقعاتهم وطموحاتهم أم خفضه إلى مجرد البحث عن مصدر ثابت للدخل؟ فمثلاً، في الأسابيع والشهور الأولى التي تعقب إعادة التوطين، يكون شغل اللاجئين الشاغل الوصول إلى فرصة عمل وإعادة الاتصال بذلك الجزء من هويتهم المتمثل في إعالة أسرهم. لكنَّ هذا التحمس الأولي ما يلبث أن يبدأ بالزوال تدريجياً ليحل مكانه حالة من الشعور بالمرارة والإخفاق مع ظهور العوائق. وفي نطاق خبراتنا التي اكتسبناها من العمل في دعم اللاجئين في بحثهم عن الوصول إلى فرصة عمل، نقدم بعض الدروس المستفادة فيما يتعلق بالمجالات الآتية:

تقديم الدعم المستمر في استكشاف منظومة جديدة: ننفذ أسبوعياً حملات التواصل التوعوية نتناقش فيها مع أسر اللاجئين الإحباطات التي تواجههم في الحياة اليومية في المملكة المتحدة. ونناقش معهم أيضاً أهمية عقود العمل، وأنظمة التأمين الوطني والضرائب، والحد الأدنى من الأجور، والأجر المعيشي، وسقف توقعاتهم الذي يصطدم بالواقع، والتطور الشخصي. ونجيب على أي شكوك لديهم أو دواعٍ للقلق في بيئة محادثة جماعية كما نقدم أيضاً المحادثات الفردية بمساعدة العاملين في مجال الدعم الذين يجيدون اللغتين إذ وجدنا أنَّ التعامل مع قضايا اللاجئين والعمل على تحقيق نمائهم الشخصي يؤتي ثماره أفضل ما يكون في استيعاب المعلومات إذا كان بلغتهم الأم. وفي بيئة العمل الجماعية، يتشارك اللاجئون بخبراتهم واستراتيجياتهم في البحث عن العمل. فعلى سبيل المثال، يتبع اللاجئون البالغون في مجموعتنا أسلوب إجراء المكالمات الهاتفية مباشرةً مع أصحاب العمل المحتملين (في البداية كانوا يلجؤون إلى هذا الأسلوب في مكان إقامتهم الجديدة رغم عدم وصولهم إلى كثير من فرص العمل التي كانوا يُوعَدون بها) ونظراً إلى أنَّهم يفضلون هذا الأسلوب، يبدو أنَّه من غير الواقعي لهم أن يستبدلوا به غيره لذلك عمدنا إلى إعداد سيرهم الذاتية وطبعناها لهم من أجل اصطحابها معهم في زياراتهم المباشرة إلى أصحاب العمل.

اللغة باعتبارها نقطة إيجابية وليست عقبة: نميل في نقاشتنا مع اللاجئين الوافدين حديثاً حول فرص العمل إلى التركيز على انخفاض مستواهم في اللغة الإنجليزية. ولكن ماذا لو كان الجمع بين لغتين اثنتين يعوض عدم التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة؟ فلغة اللاجئ الأم يمكن أن تكون نقطة إيجابية في حصوله على فرصة عمل وذلك في المواقف والأوضاع التي تعتمد على ثنائية اللغة. ففي المدارس على سبيل المثال، يمكن لهؤلاء اللاجئين العمل في وظيفة مدرس مساعد متى ظهرت الحاجة إلى التنسيق مع أولياء الأمور ودعم التلاميذ الذين يتحدثون اللغة ذاتها.

الإرشاد المهني: نعمل على توفير مدربين ومرشدين للاجئين البالغين الذين لديهم خلفيات مشابهة ما يسمح للاجئين بالتحدث حول اهتماماتهم وسرد قصصهم التي تتعلق بعملهم السابق إلى شخص يفهمها. ومن خلال هذه العلاقة، يستطيع اللاجئون تكييف توقعاتهم مع واقع ما تستلزمه وظيفة ما في المملكة المتحدة (مثال ذلك العمل في وظيفة محامي في إحدى بلدان الشرق الأوسط ليست نفسها في مدينة مثل لندن من نواحي الأجور وساعات العمل والقوانين). وكلما كان ذلك ممكناً، يكون لهذه العلاقة تأثير أكبر في تعزيز إرشاد الأقران بين أفراد الأسر المختلفة الذين يفدون وفقاً لمخطط إعادة التوطين نفسه. وفي حالة وجود قصة للنجاح داخل مجتمع اللاجئين، يشعر اللاجئون بمزيد من الدافعية بسبب هذه القصة. وهي حالة لا يتحقق من ورائها سوى الكسب والاستفادة لجميع الأطراف: إذ يشعر مرشدو الأقران بالقوة والتمكين نتيجة لتأثيرهم الإيجابي في الوافدين الجدد كما يمكن للوافدين الجدد أنفسهم أن يتلمسوا ويقيسوا التقدم الذي أحرزوه منذ وصولهم. وبالنسبة للمُوطَّنين الجدد، يمكنهم من خلال هذه المقاربة التخطيط لمستقبلهم من خلال التفاعل مع مرشديهم والعمل على الوصول إلى المستوى نفسه الذي وصل إليه المرشدون من الاستقلالية والمبادرة.

استضعاف عام: بالنسبة للاجئين البالغين الذين أمضوا شطراً كبيراً من حياتهم مستقلين، ومعيلين لأسرهم بالإضافة إلى توليهم أدوار مختلفة في مجتمعاتهم، من الصعب أن يجدوا أنفسهم فجأةً معتمدين على أشخاص آخرين لتقديم الدعم لهم أو على منظمات توفر لهم أسباب العيش. وفي هذا السياق، من الأهمية بمكان تضمين الدعم المقدم لأسر اللاجئين ضمن إطار يحكم الاستضعاف العام. فنحن جميعاً مستضعفون بدرجات متفاوتة ولكنَّ استضعافنا هذا يرتبط بالأوضاع السائدة. ورغم أنَّنا بصفتنا ممارسين نضطلع بأدوار تكون مثالاً يحتذى به ونرد على استفسارات ومطالبات الأسر التي ندعمها، ينبغي لنا إيجاد طرق لمشاركة ردود فعلهم إزاء أوجه الاستضعاف الخاصة بنا. فالشك والوعي الذاتي جزءٌ لا يتجزأ من متطلبات وشروط الدخول إلى سوق العمل بغض النظر عن الخبرات السابقة.

وقت الانتعاش: من المهم الاعتراف بأنَّه في بعض الأحيان قد يُقَدِّمُ الشخص جميع المهارات اللازمة للحصول على فرصة عمل لكنه قد لا يكون مستعداً لخوض سوق العمل. فالصدمات النفسية التي عانى منها اللاجئون والاضطرابات الناجمة عن التَّهجير لن تبرأ بين عشية وضحاها. ومن هنا تتبين أهمية توفير الصِّحة العقليَّة ضمن جوانب الدعم المقدم التي تسير جنباً إلى جنب مع استعادة القدرة على إعالة الأسر. ولذلك، ينبغي لنا تشجيع الأفراد الذين هم بحاجة إلى مهلة للانتعاش ووضع خطط للدعم تراعي احتياجاتهم في مجالي الصحة العقلية والبدنية. وقد يعني هذا التركيز على استعادة الثقة وبناء القدرة على مقاومة الظروف من خلال أنشطة مختلفة تسهم جميعها على المدى البعيد في إعداد الشخص الذي يرغب في الانضمام مرة أخرى إلى منظومة البحث عن فرصة عمل.

مواجهة الإخفاق المتصور: قد يشعر الأشخاص الذين تُرفَضُ طلباتهم للعمل بالإحباط وخيبة الأمل إلى درجة كبيرة. لذلك، من المفيد تشجيع الحصول على تغذية راجعة من أصحاب العمل أو المنظمات الشريكة حتى يستطيع المرء أن يعرف سبب رفض طلبه أو استبعاده من الحصول على فرصة العمل. فعلى سبيل المثال، لم ينجح الطلب الذي تقدم به أحد العملاء الذي أحلناه إلى حاضنة للأعمال لمساعدته في تحسين فكرته وبناء مهاراته في إدارة الأعمال واعتبر العميل أن رسالة الرفض التي تلقاها من خلال البريد الإلكتروني من المنظمين إخفاق من جانبه. ومع ذلك، فعند الاتصال بالمنظمة للحصول على تغذية راجعة وتعقيبات بشأن رفض الطلب، أوضحوا أنَّ خطة العمل التي قدمها الشخص غير واضحة بالإضافة إلى أنَّ مستوى اللغة الإنجليزية لديه غير كافٍ للمشروع. ولكنَّ المنظمة كانت حريصة تمام الحرص على تقديم خيارات أخرى له للتدرب ضمن إطارها الهيكلي. ثم ناقشنا هذه البرامج مع العميل وأضحنا له كيف تتوافق متطلباتهم وشروطهم مع طموحاته.

تحفيز أصحاب العمل: يبدي كثيرٌ من العملاء استعدادهم لدخول سوق العمل ولكنَّ السوق لا تبدي استعداداً لتقبلهم. ولذلك، أصبح استغراق الوقت الكافي وبذل الجهود الخلاقة لجذب انتباه أصحاب العمل أمراً ضرورياً. واعتماداً على الزخم الحالي حول المواطنين والمنظمات المهتمة بتقديم المساعدة للاجئين، يمكننا تسخير اهتمام المؤسسات، والمنظمات، والأفراد ومن ثم تحويلهم إلى أصحاب عمل.

استكشاف فرص جديدة: في محاولة اللاجئين لإعادة بناء حياتهم، في بعض الأحيان يظل كثيرٌ منهم مرتبطين بوظائفهم التي كانوا يعملون بها في بلدانهم الأصلية ويأملون أن يعملوا في الوظائف نفسها مرة أخرى في بلدان اللجوء. وهذا الأمر مفهوم تماماً ولكنَّه في الوقت نفسه قد يتسبب في ظهور عقبات عند وضع خطط واقعية. فقد يكون الحصول على وضع وظيفي في البلد المضيف مشابه للوضع الوظيفي في بلد المنشأ أمراً صعباً ومعقداً للغاية لذلك ينبغي تشجيع اللاجئين على إعادة النظر في المهارات التي لديهم والتي يمكن استخدامها في مهام أخرى. فعلى سبيل المثال، يبدي كثيرٌ من الأشخاص الذين نقدم لهم الدعم استعداداً كبيراً بشأن دعم الأسر الأخرى، وإرشاد الأقران، وتقديم النصح والتوجيه الذي من شأنه أن يحسن من نوعية حياة كثير من الناس رغم عدم تمرس هؤلاء الأشخاص أو تدربهم في مؤسسة خيرية أو في قطاع الرعاية المجتمعية. ومن المهم أن نوضح لمن نعدهم أبطالاً رائدين في المجتمع المحلي أنَّ مبادرتهم وتقمصهم العاطفي ما هي إلا مهارات عظيمة يمكنهم استغلالها في إطارٍ من المهنية للوصول إلى سوق العمل.

ولدينا مثال لعمل منظمتنا يوضح هذه التوصيات. فذات مرة، كان هناك طفل في إحدى رياض الأطفال بحاجة إلى معلم فردي خاص به لكنّ روضة الأطفال عانت كثيراً في سبيل تلبية حاجات الطفل الخاصة. وأدركنا أنَّه لو كان هذا الدعم المقدم إلى الطفل قُدِّمَ بلغته الأم التي تتحدث بها أسرته لكان ذلك أكثر نفعاً في الاستفادة من المساعدة التي يقدمها المعلم للطفل وفي تحقيق قدرٍ أكبر من التواصل مع والديه. وبالإضافة إلى ذلك، فتفهم التَّهجير وإعادة التوطين سيكون أيضأً ذا قائدة.

وقد اخترنا من ضمن المجموعة التي نعمل عليها أحد الأشخاص لديه خبرة هائلة في مجال التدريس والعمل على السن المبكر. ولكنَّ العقبات التي واجهت هذا الشخص للحصول على هذه الوظيفة كانت كثيرة نذكر منها: عدم وجود خبرة عمل في المملكة المتحدة، وانخفاض مستوى اللغة الإنجليزية لديه بالإضافة إلى عدم تلقيه للتدريب الملائم. ومع ذلك، اضطلعنا بدور الميسرين، وتواصلنا مع والدي الطفل، ومع متخصصي الصحة، ومع روضة الأطفال للاتفاق على المهارات الأساسية اللازمة لشغل هذه الوظيفة. وأوضحنا أنَّ الشخص الذي نرشحه لهذه الوظيفة يتمتع بكل هذه المهارات ثم وضعنا خطة لهذا الشخص لمعالجة المهارات الناقصة لديه. واتصلنا بمنظمات شريكة لمساعدتنا في التدريب المطلوب ونظمنا دروساً للإنجليزية للكبار الناطقين بلغات أخرى على مدار ساعات العمل. وقدمنا الدعم والمساعدة للشخص المرشح طوال فترة شغله للوظيفة كما عملنا على الإبقاء على الاتصال المباشر بصاحب العمل إذ كنا نقدم تزكية به من ناحية سماته الشخصية.

وفي نهاية المطاف، يمكن القول إنَّ ما قدمناه من وعد باستمرار الدعم لكل من صاحب العمل والشخص المرشح كان أكثر ما طمأنهم. كما يسرت وزارة الداخلية استحداث وظيفة معلم روضة الأطفال الذي استحدثته الوزارة خصيصاً من أجل تلبية الحاجات التعليمية والتربوية للأطفال المعاد توطينهم ضمن مخطط اللجوء هذا. وبهذه الطريقة، نكون قد قدمنا الدعم لكل من اللاجئ المرشح الذي حصل على وظيفة مدفوعة الأجر من أجل دعم لاجئ آخر، وقد سهلت السلطة المحلية هذا الأمر من خلال التقدم بطلب الحصول على التمويلات المخصصة لهذا المشروع. وغيرت النتائج النهائية لهذه الطريقة حياة أسرة الطفل، وحسنت روضة الأطفال من مستوى الخدمة التي تقدمها، وحصل الشخص المرشح لهذه الوظيفة على مصدر ثابت للدخل وعمل يناسب مهاراته وتطلعاته.

مروة بلغازي marwa.belghazi@gmail.com مديرة الفريق، دعم إعادة توطين اللاجئين، مشروع المشردين المنفردين (Single Homeless Project) www.shp.org.uk/welcoming-refugees

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.