جودة العمل للاجئين السوريين في الأردن

تحتل تصريحات العمل وضعاً مركزياً في حوار السياسات المرتبط باستضافة اللاجئين السوريين في الأردن. وينبغي لهذه المقاربة أيضاً أن تعنى بضمان ظروف العمل الكريمة للجميع.

لقد كان إنجازاً بحد ذاته إصدار أكثر من مائة ألف  تصريح عملٍ للاجئين السوريين في الأردن ابتداء بشهر مايو/أيار 2018 عقب التزام مشترك بين الحكومة الأردنية والمجتمع الدولي. لكنَّ تصريحات العمل يمكن أن تكون مؤشراً خادعاً لأنها تقيس شرعنة التوظيف وتنظيمه، لكنَّها لا تشير بالضرورة إلى إنشاء الوظائف الحقيقة ولا تعني بالضرورة توفير جودة العمل. وهناك أدلة من تقييم الأثر السريع لمنظمة العمل الدولية في عام 2017 تشير[1] إلى أنَّ الحصول على تصريح العمل ليس إلا خطوة أولى تجاه تنظيم عمل العمال السوريين، ويجب على السياسات أن تحسن ظروف العمل أيضاً.

الحماية الاجتماعية والعمل الكريم

مع وجود بعض الاستثناءات، يطلب إلى أصحاب العمل في الأردن إشراك موظفيهم في الضمان الاجتماعي بغض النظر عن جنسياتهم، ويفرض عليهم القانون فعل ذلك بمجرد إصدار تصاريح العمل للعمال غير الأردنيين. لكن الأمر يختلف في قطاع الزراعة إذ يسمح للعمال السوريين بالحصول على تصاريح العمل من خلال الجمعيات التعاونية. وذلك من شأنه أن يفصلهم عن الكفيل ويغنيهم عن ضرورة الامتثال لشروط إدراج صاحب العمل للسوريين وتسجيلهم في منظومة النظام الاجتماعي. وكذلك الأمر في قطاع الإنشاءات إذ يسمح للسوريين الحصول على تصريح للعمل من خلال الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن. ووفقاً لخطة الاتحاد، ليس على العمال أن يتسجلوا في منظومة الضمان الاجتماعي الوطنية، بل يجب عليهم بدلاً من ذلك أن يحصلوا على وثيقة تأمين تكلف ما يقارب خمسة وأربعين ديناراً أردنياً (65 دولاراً أمريكياً سنوياً).

ولم تتضح بعد مضمونات حماية الأعداد الكبيرة من العمال السوريين من خلال برامج التأمين ضد إصابة العمل، مع أنَّ هذه البرامج لا تقدم الحد الأدنى من تغطية الحماية الاجتماعية وفقاً لتعريف اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102 المتعلقة بالمعايير الدنيا للضمان الاجتماعي.[2] إضافةً إلى ذلك، في حين تقتطع منظومات الضمان الاجتماعي مساهمات من أجور العمال للمساهمة في صندوق الضمان الاجتماعي الوطني، لا يجب ذلك الأمر في برامج التأمين. وتكتسب قضية حماية العمال السوريين من خلال الضمان الاجتماعي أهمية كبرى ليس لمجرد توفير المساواة في المعاملات، بل يتجاوز الأمر ذلك لأهمية توسعة الحماية الاجتماعية ضد البطالة لتغطي الأردنيين المتعطلين عن العمل والمتقاعدين ذلك أن العمال غير المسجلين يزيدون من عرض العمالة غير المحمية في حين يخفضون من حصة العمال المساهمين في الضمان الاجتماعي.

ولم يذكر أكثر من 20% من العمال السوريين الخاضعين للمقابلات ممن حصلوا على تصريحات العمل أنهم حصلوا على التغطية بالضمان الاجتماعي، في حين لم يعرف 13% منهم ما إذا كانوا ضمن هذه التغطية أم لا، ولم يعرفوا ما هي الفوائد التي تقدمها خطط الضمان الاجتماعي. أما من ناحية أصحاب العمل الأردنيين فكثيراً ممن خضعوا للمقابلة خلال تقييم الأثر السريع لم يعتقدوا بأنه يطلب إليهم أن يسجلوا العمال السوريين بالضمان الاجتماعي حتى في القطاعات التي كان القانون بالفعل يفرض عليهم ذلك.

ومنذ اتباع نظام تصاريح العمل الخاصة التي لا ترتبط بصاحب عمل ولا بمهنة محددة، انتقلت مسؤولية التأمين ضد الإصابة في العمل إلى أصحاب التصاريح أنفسهم. وتشير نقاشات مجموعات التركيز التي أقيمت مع العمال السوريين في قطاع الإنشاءات ممن حصلوا على الوظيفة من خلال مراكز خدمة التوظيف التابعة لمنظمة العمل الدولية في الأردن إلى تفاعلِ إيجابي على العموم تجاه التأمين (ولم يكونوا ينظرون إلى الكلفة على أنها تمنعهم من ذلك) لكنهم كانوا يفتقرن إلى المعرفة والدراية بأحكام التأمين ومزاياه. ومن غير الواضح أيضاً إذا ما كان العمال السوريون الشباب الذين يتمتعون بصحة جيدة سيرغبون في الاستثمار في وثائق التأمين، فلعلهم لا يتصورون أنَّ مخاطر المرض أو الإصابة أو الموت تمثل أي تهديد لهم.

التفتيش العمالي

يشير بحثنا إلى أنَّ مفتشي العمل يبدو بأنهم يضعون الأولويات على التحقق من أن جميع العمال الأجانب بمن فيهم العمال السوريون لديهم تصاريح العمل المطلوبة لكنَّ المفتشين لم يبذلوا الاهتمام ذاته للتحقق مما إذا كانت ظروف العمل كريمة أم لا. ومن بين العمال السوريين الخاضعين للمقابلات ممن كانت لديهم تصريحات العمل لم يُبلِغْ أكثر من 8% عن أي تفقدات حدثت على ظروف العمل التي يعيشونها ولا على تصريحات العمل خلال التفتيشات العمالية. ولذلك يبدو أنه لا يوجد أي مؤشرات على تحسن ظروف العمل بعد تنظيمها بالقانون. وعلى العموم، يذكر السوريون الحاصلون على تصاريح العمل أنَّ احتمالية توثيق عملهم من خلال العقود أصبحت أفضل، لكنَّ الأجور المدفوعة بالساعة، وأحكام السلامة العامة، والعلاقات مع أصحاب العمل لم تتحسن بالضرورة. وتشير الأدلة التي جمعناها في هذا البحث إلى أن السوريين الحاصلين على تصاريح العمل يعملون حالياً لفترات تتجاوز الحد الأعلى المسموح به للعمل الأسبوعي وهو أربعون ساعة، مع أن أحدا منهم لم يذكر أنه حصل على تعويض إزاء ذلك العمل الإضافي. أمَّا نقاشات مجموعات التركيز، فأظهرت صورة أكثر تعقيداً. فقد أراد بعض العمال السوريين العمل لساعات أكثر لكي يتمكنوا من زيادة دخلهم حتى لو أنهم عرفوا أنهم قد لا يدفع لهم أصلاً إزاء ذلك العمل الإضافي. وهناك أخرون مع أنهم حصلوا على إحاطة بإجراءات السلامة والصحة المهنية فضلوا عدم ارتداء معدات الوقاية الشخصية لأنهم وجدوها تعيقهم في أثناء عملهم. وذكر أصحاب العمل أيضاً أنَّ الغرامات الحاصلة لعدم الامتثال لم تكن قوية، أو لم تطبق على الدوام، وأنَّ أحكام الصحة والسلامة المهنية لم تخضع للتفتيش خلال الجولات التفتيشية، وتحدثوا أيضاً عن وجود حالة من غياب التناغم في إنفاذ قوانين العمل.

العثور على التوازن الصحيح

لقد سعت الحكومة الأردنية إلى تسهيل توظيف العمال السوريين ولأجل ذلك الغرض اتخذت خطوات استباقية بتحويل توافد اللاجئين السوريين إلى فرصة إنمائية. ويجب على سياسات الحكومة  أن تستمر في الترويج لظروف العمل الكريمة التي يجب أن تضمن أيضاً آليات تسعى تدريجياً إلى إدخال العمال ضمن منظمات الحماية الاجتماعية الوطنية. وفي بعض القطاعات، قد يستفاد من وضوح المعلومات المتعلقة بالنواحي المتأتية من تغطية الضمان الاجتماعي أو التأمين على العمل بالإضافة إلى مستحقات العمال. ولابد أيضاً من توفير الاتصالات الواضحة حول ما يتعلق بمنظومة الكفالة الاجتماعية ككل وحول اعتمادها على مساهمات العمال. وينبغي للتفتيش العملي أن يمثل دوراً أكثر بروزاً في الترويج للعمل الكريم إذا ما وُجِّه المفتشون إلى الطريقة التي تمكنهم من تقديم التوصيات المهمة لأصحاب العمل والعمال لمساعدتهم في الامتثال بالنواحي التنظيمية والمعايير بدلاً من أن يقتصر دور المفتشين على دور الإنفاذ. ولا شك أنَّ العقوبات المعقولة، والخاضعة للتنظيم القانوني عند الضرورة قد تمثل دوراً طيباً في تشجيع الامتثال.

ويمكن الاستفادة أيضا من تطبيق مراجعة شاملة لتصاريح العمل على ضوء معايير العمل الدولية واجبة التطبيق[3] لأنَّ ذلك سيأتي بالفائدة على العمال وأصحاب العمل وممثلي الحكومة أيضاً. ولا بد من بذل مزيد من الجهود لتحديد التحديات التي يواجهها السوريون في الحصول على التصاريح العمل، ولا يقل أهمية عن ذلك تقديم الدعم للحكومة الأردنية لإيجاد التوازن الصحيح بين الحوافز والعقوبات التي سوف تخدم مصالح أصحاب العمل والمواطنين الأردنيين والعمال السوريين على حد سواء.

مها قطاع kattaa@ilo.org

منسقة مشروع الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين في عمَّان

ميريدث بيرن byrne@ilo.org

مسؤول فني في مجال الهجرة العمالية

منظمة العمل الدولية  www.ilo.org

 

[1] منظمة العمل الدولية (2017)، تصاريح عمل اللاجئين السوريين وتشغيلهم في الأردن: نحو تنظيم عمل اللاجئين السوريين

http://www.ilo.org/beirut/publications/WCMS_559711/lang--ar/index.htm

بني هذا التقييم على أساس استبيان أجاب عليه 450 عاملاً سورياً (نصفهم ممن يحملون تصريحات العمل ونصفهم لا يحمل هذه التصريحات) في قطاعات الخدمات والزراعة والأعمال الإنشائية إضافة إلى مجموعتي تركيز.

[2]http://www.ilo.org/dyn/normlex/en/f?p=NORMLEXPUB:12100:0::NO::P12100_INSTRUMENT_ID:312247

[3] ILO (2016) Guiding principles on the access of refugees and other forcibly displaced persons to the labour market. Principle 14 (d)

(المبادئ التوجيهية لتمكين وصول اللاجئين وغيرهم من المهجَّرين قسراً إلى سوق العمل، المبدأ 14 (د))

http://ilo.org/wcmsp5/groups/public/@ed_protect/@protrav/@migrant/documents/genericdocument/wcms_536440.pdf

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.