تصدير: التَّعليم- حتمية إنسانية وتنموية

منذ أمد بعيد، والمانحون والمجتمع الدولي يغفلون التعليم في الاستجابة الإنسانية. ولا تُستثنَى من هذا سويسرا. فقد اِعتِيدَ أن تكون الصدارة عند الطوارئ للغذاء والماء والصحة والمأوى، أمَّا التعليم فعُدَّ هدفاً بعيد الأمد تعالجه الحكومات الوطنية وهيئات التنمية في أيِّ أزمة فورَ انقضائها.

لكننا كنَّا في ذلك مخطئين. فما كان ما فعلناه إلا تجاهلاً لاتِّجاه فكر الأسر إلى أنَّ تعليم أطفالهم -الذي هو في الغالب انقطع أو غير موجود أصلاً- حاجة أوَّليَّة بعد أن هُجِّروا. ولم ندرِ دراية كافية أنَّ التعليم داعمٌ لحياة الفرد ووقائيٌ له في النِّزاعات والأزمات. وقد بخسنا حقَّ أثر التعليم في التعايش السلمي وأسأنا تقدير العواقب الاجتماعية والاقتصادية لغياب التعليم في أثناء التَّهجير بالبلدان المضيفة والأصلية.

ولكن من حسن الحظ أنَّ الحال اليومَ قد تحسَّنت كثيراً، إذ تتزايد منذ مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني عامَ 2016 الدراية بالواجب الإنساني الذي يُحتِّم تحقيق الوصول إلى التعليم في الأزمات. على أنَّ 52 بالمئة من 69 مليونَ مهجَّرٍ في العالم هم ممَّن لم يبلغوا سنَّ الثامنة عشرة. وتطول مدة أزمات التَّهجير شيئاً فشيئاً وهي في الغالب تؤثر في جزء لا يُستهَان به من الوقت الذي يقضيه الطفل في نموُّه وتنمية قدراته واستعداده حتَّى يصير بالغاً. ولا يُرفَع حقُّ التعليم الجيد بسبب الأزمات والتَّهجير. فالحكومات الوطنية والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والمشاركون في النِّزاع ونحن في الهيئات المانحة يتحتَّم علينا جميعاً واجب حماية حقِّ التعليم من غير نظرٍ إلى الأحوال. ويجب أن يتسنَّى للأطفال الذهاب إلى المدرسة والتَّعلم في بيئة أمينة. ويجب أن يتاح لهم تنمية قدراتهم حقَّ التنمية، سواءٌ كانوا يعيشون في مخيمٍ للاجئين أو في مستوطنة مؤقتة أو في مدينة أو ما زالوا ينتقلون من مكان إلى آخر. فالتعليم -وهو حقٌّ منصوص عليه في اتفاقية حقوق الطفل- مسؤولية مشتركة. 

وعند سويسرا أنَّ التعليم هو أسُّ الآساس في صرح تنمية الفرد والتنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وركنٌ من أركان القيم الإنسانية كالتسامح والاحترام والكرامة والمساواة. وعلى ذلك فالتعليم الأساسي وتطوير الكفاءات المهنية هما مجالان ذوا أوْلَويَّة في تعاوننا الدولي. ولذلك ضاعفنا دعمنا المالي ضعفين لهذين المجالين في المدة الواقعة بين عام 2017 و2020. ونشرت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في عام 2017 أوَّل إستراتيجية تعليم فيها لإرشاد سويسرا في التزامها الثنائي والمتعدد الأطراف في هذا القطاع. وإنَّ زيادة دعم التعليم في الأحوال المتأزِّمة الهشَّة لَهي أوْلَويَّة إستراتيجية في سويسرا ففي هذه الأحوال أكثر أوجه انعدام المساواة والاستضعاف، والتعليم فيها يساعد على بناء مجتمعات أشمل وأعدل وأكثر سلاماً. وصَوْنُ حقِّ التعليم عند الطوارئ والأزمات التي يطول أمدها والتَّهجير هو جزء من مسؤولية سويسرا الإنسانية وجانب ضروريٌّ جداً من جوانب حماية الأطفال وتأميلِهم خيراً في المستقبل.

إنَّ هذا العدد من نشرة الهجرة القسرية لعددٌ ضروريٌ أصابَ الوقت مَجِيئهُ. ويَحسُن استذكار الذي هو في خطرٍ حين يُمنَع الأولاد والبنات المهجَّرون من الذهاب إلى المدرسة، وذلك في وقتٍ التَّهجير فيه لم يسبق له مثيل وتزداد فيه الأعمال العدائية والنزاعات طويلة الأمد. ثم إنَّ التعليم أعظم سُبُلِ النجاة من دوَّامتي الفقر والضعف، ولا وجود للتنمية المستدامة من غيره. وفي جيل الشباب من المهجَّرين قدرات هائلة للمساهمة في المجتمع. ومع ذلك فلا بدَّ من التزام دولي أكبر لدعم البلدان التي تزداد فيها التحركات السكَّانية. فخمسة وثمانون بالمئة من اللاجئين القاطنين في البلدان النَّامية المجهدة مِن قبلُ بسبب نظم تعليمية وضعتها وتبذل فيها مواردَ فوق ما لديها منها. وعلينا أنْ نمدَّ يد العون لهذه البلدان بغية أن يصل الأطفال المهجَّرون فيها إلى المدارس المحلية. ولا بد لنا من أنْ ندعم وزارات التربية الوطنية والمعلمين والآباء حتَّى يتعلَّم الأطفال المهجَّرون وأطفال المجتمعات المضيفة جميعاً ويَنمُون في بيئة أمينة ملائمة لهم. وعلينا أيضاً أنْ نجد حلولاً خلاَّقة للأطفال والشباب الذين تخلَّفوا عن التعلُّم فنُمكِّنهم من إدراك ما فاتهم. ويحتاج كل ذلك إلى عملٍ تشترك فيه الجمعيات الإنسانية والتنموية والمنظمات غير الحكومية والوكالات الثنائية والمتعددة الأطراف والقطاع الخاص. وتدعو سويسرا البلدان والأطراف الأخرى إلى أن تحذوا حذوها في تقديم التعليم على غيره حين وضع السياسات العامة وتمويله وتحويل الأقوال إلى أفعال حيث ينبغي الفعلُ.  فتوفير التعليم للأطفال والشباب المهجَّرين إنما هو استجابة فورية للطوارئ وطريقة مجدية لإيجاد حلول دائمة في أحوال التَّهجير التي يطول أمدها.  

مانويل بيسلير سفير، ورئيس هيئة المساعدات السويسرية، ونائب مدير الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون  

 لمعلومات حول المساعدات الإنسانية التي تقدمها الوكالة:

www.eda.admin.ch/deza/en/home/activities-projects/activities/humanitarian-aid.html

للتواصل مع شبكة التعليم في الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون:education@eda.admin.ch

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.