ثغرات التَّعليم المدرسي للاجئين السوريين في تركيا

على تركيا، كما على المجتمع الدولي بأكمله، أن تتصدى للثغرات القائمة في توفير الخدمات التعليمية لتمكين اللاجئين السوريين من الوصول إلى فرص التعلُّم الملائمة.

عندما بدأ المهجَّرون السوريون عبور الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا في عام 2011، لم يكن لدى تركيا إطار متماسك للهجرة أو اللجوء. ومنذ ذلك الحين، وُضِعت عدة سياسات لسد الثغرات في الخدمات المقدمة للعدد المتزايد باستمرار من اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم الآن 3.6 ملايين، لكنَّ هذه السياسات كانت عُرضَة لسوء التفسير وكثيراً ما كانت تتغير. وقد كانت تركيا مضيفاً كريماً، يظهر ذلك أولاً من خلال انتهاج سياسة الحدود المفتوحة، ثُمَّ اعتباراً من عام 2014 وما بعده، يظهر هذا الكرم في الضيافة من خلال إعطاء صفة ’الحماية المؤقتة‘ للسوريين. ومع ذلك، استند إطار سياسة تركيا إلى افتراض أنَّ غالبية السوريين سيعودون قريباً إلى ديارهم، ولم يُبنَ ذلك الإطار بما يستجيب للتحديات التي يفرضها التَّهجير المُطوَّل.

ونتيجةً لذلك، رغم التمويل السخي والاهتمام المُركَز الذي أولته الحكومة التركية، وأولاه المجتمع الدولي بدرجة أقل، يعيش كثيرٌ ممن يتمتعون بصفة الحماية المؤقتة في حالة من عدم الاستقرار، وقد أصبح الوصول إلى التعليم والعمل شغلهم الشاغل. ومع أنَّ تركيا لا تنظر إلى السوريين في الأساس على أنهم لاجئون، فهي تتحمل التزامات واضحة باعتبارها دولة عضو في الأمم المتحدة ودولة موقعة على تشريعات حقوق الإنسان لتوفير تعليم عال الجودة يمكن الوصول إليه لمن يعيشون تحت حمايتها. ومع ذلك، فتغيير تلك التشريعات باستمرار والتنفيذ غير المتناسق على المستوى المحلي يجعل توفير التعليم هذا شديد الصعوبة في الواقع العملي.

مراكز التعليم المؤقتة

في بداية الأمر، أُنشِئت مراكز التعليم المؤقتة في 25 مخيماً للاجئين على طول الحدود بين تركيا وسوريا، وأقيمت كذلك في مجتمعات بها أعدادٌ كبيرة من اللاجئين. وقد قدمت هذه المراكز تعليماً مدرسياً يعتمد على المقررات الدراسية الوطنية السورية التي تُدرَّس باللغة العربية ثم أضيف إليها بعد ذلك دروس اللغة التركية والتاريخ التركي. وفي مراكز التعليم المؤقتة هذه التي غالبًا ما تمولها منظمات غير حكومية يعمل معلمون سوريون متطوعون، قليل منهم لديه مؤهلات مهنية ويعملون مقابل رواتب ضعيفة.

وقد أدى ضعف تدريب المعلمين، وعدم ثبات التمويل، وعدم إصدار السلطة للشهادات المدرسية، والافتقار الواسع لإشراف أي سلطة تركية على مراكز التعليم المؤقتة إلى حدوث مخاوف بشأن جودة التعليم الذي تقدمه هذه المراكز وحول الخيارات المستقبلية للطلاب. ومع مرور الوقت، انتقلت الغالبية العظمى من السوريين إلى المجتمعات التركية بسبب الاكتظاظ وفرص العمل المحدودة في المخيمات، لكن لم تكن هناك أعداد كافية من مراكز التعليم المؤقتة في المناطق التي كانت في أمس الحاجة إلى هذه المراكز. وهذه المخاوف التي تفاقمت نتيجة استمرار النزاع في سوريا وتهجير مواطنيها دفعت الحكومة التركية إلى الإعلان في عام 2016 عن أن مراكز التعليم المؤقتة ستُغلَق تدريجياً أو ستتحول إلى مدارس حكومية متكاملة بهدف نقل جميع الأطفال السوريين إلى المدارس المتوسطة التركية بحلول عام 2020.

وقد واجهت كثيرٌ من المدارس التركية مشكلة الاكتظاظ والقيود المفروضة على الموارد حتى قبل النِّزاع في سوريا، وهي تعمل جاهدةً الآن لاستيعاب الأعداد الإضافية من الطلاب. ويلتحق بالمدارس في تركيا حالياً 60 بالمائة فقط من الأطفال السوريين، وهو ما يُعَد تحسناً ملموساً عن السنوات السابقة ولكنه تحسنٌ ضئيل مقارنةً بمعدلات التعليم شبه العالمية لهذا الجيل في سوريا ما قبل الحرب والمعدل بين الأطفال الأتراك المولودين في تركيا.[i] وأفادت كثيرٌ من العائلات المُهجَّرة أنَّ مديري المدارس يرفضون تسجيل أطفالهم بالمدرسة أو يطالبون بدفع رسوم للتسجيل. وفي حال تسجيل الأطفال بنجاح، يتعين على أولياء الأمور عادةً دفع تكاليف المواصلات ويتعين عليهم شراء الزي الرسمي واللوازم المدرسية بما في ذلك دفاتر الملاحظات والقرطاسية وحتى الكتب الدراسية، وهو ما يُعَد معاناةً كبيرة للعائلات التي تعيش على المساعدات النقدية المحدودة والعمل غير الرسمي.

ويواجه الطلاب المراهقون الذين ابتعد كثيرٌ منهم عن المدرسة لعدة سنوات تحدياتٍ خاصة، ولا يلتحق بالمدرسة سوى 20 بالمائة من طلاب المرحلة العليا من التعليم الثانوي. فآليات التأقلم القائمة على التمييز بين الجنسين، نتيجة التهجير على المدى البعيد، تقلل من مواظبة الأولاد والبنات. ويُجبَر كثيرٌ من الفتيان المراهقين على العمل للمساعدة في دعم أسرهم، وغالباً ما يكون هذا العمل في ظروف استغلالية ذات أجور منخفضة جداً. وتُجبَر الفتيات على البقاء في المنزل بسبب المخاوف من العنف القائم على الجندر أو لتخفيف العبء المالي للعائلة، ويُزوَجن في سنٍ أصغر بكثير من الحد الأدنى القانوني لسن 18 سنة، وغالباً ما يُتخَذن زوجاتٍ إضافيات خلال مراسم الزواج الديني غير القانوني الذي يجعلهن عرضة للإيذاء ولا يعطيهن أي حقوق زوجية قانونية.

استيعاب التنوع في النظام المدرسي

حتى عام 2014، كانت تركيا تفتقر إلى وجود سياسة شاملة للهجرة تحدد بوضوح شروط الأهلية والإجراءات الخاصة باللجوء؛ وقد فُوِّض تحديد صفة اللجوء وإدارتها إلى حكومات المقاطعات؛ ما أفسح المجال للتفسير والتنفيذ غير المتناسقين. وبالإضافة إلى ذلك، أسهمت المقاربات القمعية تاريخياً إزاء جماعات الأقليات في إرساء نظامٍ مدرسيٍ يركز على الثقافة الوطنية واللغة ويتبنى عادةً مقاربة ,إما أن تغرق أو أن تسبح‘ لاستيعاب القادمين الجدد. والنظام أيضًا شديد المركزية، ولا يُسمَح للمدارس والمناطق بتغيير المقررات الدراسية. وبدعمٍ من تمويل من منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسف)وبمساعدة مراكز اللغة التركية ومعهد يونس إمرة، تعمل وزارة التربية الوطنية على تطوير المناهج الدراسية للطلاب الذين يتعلمون اللغة التركية باعتبارها لغةً ثانية، وكذلك تصميم تدريب ذي صلة بمعلمي هذه اللغة. ومع ذلك، ستستغرق هذه المبادرات بعض الوقت للوصول إلى جميع الصفوف الدراسية، وفي غضون ذلك لن يحصل الأطفال على الدعم الذي يحتاجون إليه. وحتى مع التعليم الملائم، يحتاج الأطفال المهاجرون إلى عدة سنوات لبناء اللغة الاجتماعية والأكاديمية المطلوبة لمواكبة نظرائهم الناطقين الأصليين بلغة البلد.

ومما يثير القلق أنَّ تقرير كفايات المعلمين في وزارة التربية والتعليم وإستراتيجيتها لم تأت حتى على ذكر وجود الذين يتعلمون اللغة التركية باعتبارها لغةً ثانية في النظام المدرسي أو ضرورة تعزيز إدماجهم. وبالإضافة إلى ذلك، يشير الاستبيان غير الرسمي للمقررات التعليمية للمعلمين في كثير من الجامعات الكبيرة في تركيا إلى أنَّ المعلمين المتدربين يتلقون تعليماً محدوداً للغاية في مجال تدريس اللغة الثانية. ويتلقى الطلاب السوريون الذين يلتحقون بالمدارس القليل من الدعم في اكتساب اللغة التركية وفي تعويض الموارد المفقودة وفي مواجهة التحديات النفسية والاجتماعية المرتبطة بالنزاع والتهجير والتكيف الثقافي.[ii] ونتيجةً لذلك، أصبح الدمج الاجتماعي والتحصيل الأكاديمي محدودين بينما ارتفعت معدلات التسرب. فعلى سبيل المثال، أخبرني أحد مديري المدارس الابتدائية أنه من بين 700 طالب سوري في المدرسة، لا يتلقى منهم سوى 40 طالباً اللغة التركية باعتبارها لغة ثانية. وهناك سبعة ’مترجمين‘ سوريين يقدمون الدعم داخل الصفوف الدراسية للأطفال الباقين إلاَّ أنَّ أربعة منهم لا يتحدثون اللغة التركية. ووفقاً لمدير المدرسة، فهذا الوضع لا يختلف عن أوضاع معظم مدارس المنطقة.

يُعبِّر كثيرٌ من المعلمين في المدارس الحكومية بصراحةً عن إحباطهم إزاء تحديات تعليم الطلاب السوريين. فعلى سبيل المثال، ثمّة مجموعات كبيرة على الفيسبوك أُعِدَت لتبادل الأدوات التعليمية والوظائف الشاغرة ولتعزيز التفاعل الاجتماعي تَعُج بالشكاوى المتعلقة بقدرات الطلاب اللاجئين وسلوكهم. ومع أنَّ كثيراً من أعضاء هذه المجموعات يدافعون عن الطلاب السوريين، فمن الواضح أنَّ هناك ضعفاً في فهم المعلمين للتحديات التي يواجهها الطلاب؛ مما يشير إلى عدم كفاية الدعم الإداري والمعارف المتعلقة بالعمل مع الأطفال اللاجئين. وسيكون من المفيد إعداد دراسة واسعة النطاق تتناول ماهية التطوير المهني أو التوجيهات الرسمية أو تعديلات المقررات الدراسية أو غيرها من أوجه الدعم الذي تلقاه المعلمون وماهية التحديات التي يواجهونها، فهذا من شأنه أن يكون مفيداً في تقييم المقاربة الحالية ولفت الانتباه إلى التحسينات المطلوبة.

وتتطلب معالجة ثغرات توفير التعليم جهوداً وطنية مستمرة لرسم سياسات شاملة وتنفيذها، بما في ذلك السياسات المتعلقة بالتطوير المهني للمدرسين وتصميم المقررات الدراسية. وسيتطلب هذا العمل المكثف زيادة الدعم المالي وتبادل الخبرات في مجال التعليم المتعدد الثقافات والمتعدد اللغات من جانب المجتمع الدولي. ويمكن النظر في كثير من النماذج التعليمية الشائعة المستخدمة في مكان آخر. فعلى سبيل المثال، يلتحق الأطفال اللاجئون في أستراليا بمراكز مكثفة ومنفصلة لتعليم الإنجليزية لمدة تصل إلى أربعة فصول دراسية قبل الانتقال إلى المدارس الحكومية، بينما في مناطق كثيرة في الولايات المتحدة يحضر متعلمو اللغة الإنجليزية دروساً منفصلة معينة داخل المدارس الحكومية ويدعمهم معلمون مُدرَّبون على تلبية حاجاتهم. وتتضمن الخيارات الأخرى من النماذج التعليمية نموذج التعليم المُسرَّع أو برامج التجسير، مثل تلك البرامج التي أُنشِئت في السودان وأفغانستان لمساعدة الأطفال المهجرين في الاستعداد للتحديات اللغوية والمعرفية والنفسية الاجتماعية في المدرسة. ومن أجل منع ظهور ’جيل الضياع‘ من الشباب السوري واستمرار صعوبات التماسك الاجتماعي، يجب على تركيا أن تختار بعناية مقاربة مناسبة وأن تنفذها بانتظام.

ميليسا هاوبر-أوزير mhauberr@masonlive.gmu.edu

مرشحة لنيل درجة الدكتوراه، جامعة جورج ماسون https://cehd.gmu.edu/centers/cie

 

[i] UN Women (2018) Needs Assessment of Syrian Women and Girls Under Temporary Protection Status in Turkey

(تقييم حاجات النِّساء والفتيات السوريات ضمن صفة الحماية المؤقتة في تركيا)

bit.ly/UNWomen-Syrian-women-girls-Turkey-2018

[ii] Aydin H and Kaya Y (2017) ‘The Educational Needs of and Barriers Faced by Syrian Refugee Students in Turkey: A Qualitative Case Study’, Intercultural Education 1–18

(الحاجات التعليمية للطلاب السوريين اللاجئين والعوائق التي يواجهونها في تركيا: دراسة حالة نوعية)

https://doi.org/10.1080/14675986.2017.1336373

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.