تعليم اللاجئين في اليونان: إدماج أم فصل؟

تبع إغلاق ’ممر البلقان‘ في ربيع عام 2016 أن علق قرابة 21 ألف طفل في اليونان. ومع أنَّ سياسات التعليم أوجِدت لدمج أولئك الأطفال في المنظومة التَّعليمية اليونانية، فقد أدت تلك السياسات إلى فصل بعض الطلاب.

في مارس/آذار من عام 2016، كُلِّفت وزارة التعليم في اليونان بوضع خطة لإدماج الأطفال اللاجئين في النظام التعليمي. وقد اقترحت الخيارات الثلاثة التالية:

  • إدماج جميع الطلاب اللاجئين في المدارس العامة، وتقديم الدعم لهم تبعاً للإطار المؤسسي القائم من أجل الطلاب الذين هم من أسر مهاجرة.
  • إنشاء هياكل تعليمية خاصة داخل مراكز استقبال اللاجئين
  • تطوير ’نظام التجسير‘ بين الخيارين الأولين

وقد كان من المتوقع أن تكون السلطات اليونانية قد استفادت من الخبرة التي اكتسبتها على مدار أكثر من 25 عاماً في إدماج الطلاب المهاجرين، بما في ذلك وضع آليات للدعم مثل صفوف الاستقبال، والاستفادة أيضاً من الخبرة والمهارات التي اكتسبها المعلمون من التدريس في بيئات متعددة اللغات. وقد أمكن الاستفادة من هذه الخبرة في دعم التكامل والإدماج والتفاعل بين الثقافات وتعزيزها. وبالفعل، أقرَّت نسبة كبيرة من المعلمين وجماعات التضامن ومجتمعات النشطاء بهذه التجربة وأيَّدَت الالتحاق الفوري لجميع الطلاب اللاجئين بالمدارس العامة بلا استثناء.

ومع ذلك، فقد اختارت وزارة التعليم التي لها السلطة النهائية في اتخاذ القرار اتباع نظام الصفوف المسائية داخل المدارس العامة، ومن ثمّ إنشاء مدرسة منفصلة لفئة معينة من الطلاب. وقد سُمّي العام الدراسي 2016/2017 بمرحلة ما قبل الإدماج أو’ المرحلة الانتقالية‘ واتسم بما يلي:

  • تطوير برامج التعليم قبل المدرسي داخل مراكز الاستقبال
  • إنشاء مرافق الاستقبال الخاصة بتعليم اللاجئين من أجل الأطفال الذين يعيشون في مراكز الاستقبال،[i] ويتركز عمل هذه المرافق في المدارس الابتدائية والثانوية القريبة، وتكون مواعيد التدريس بها ما بين الساعة 14:00إلى الساعة 18:00، أي بعد انتهاء اليوم الدراسي العادي
  • إدماج الأطفال اللاجئين الذين يعيشون في المواقع الحضرية في الصفوف الصباحية العادية بالمدارس المحلية، مع تقديم صفوف الاستقبال للدعم اللازم لهم

كان الهدف المنشود من ذلك هو أن ينتقل الطلاب نهائياً من مرافق الاستقبال الخاصة بتعليم اللاجئين إلى صفوف الاستقبال بالمدارس العامة، سواء عند انتقال عائلاتهم من مراكز الاستقبال إلى المساكن الحضرية التي تديرها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أم بعد إتمام الطلاب عاماً دراسياً في تلك المرافق.

التحديات في الممارسة العملية

لقد بدا واضحاً للعيان أنَّ هناك عدداً لا بأس به من المشاكل الملحة التي واجهت تنفيذ هذه المرافق في السنة الأولى. فقد أنشأت الخطة نظاماً غير مرن للسكان المتنقلين. فعلى سبيل المثال، كُلِّف المعلمون (وكان يعمل معظمهم معلمين بُدَلاء بنظام الدوام الجزئي) بالتدريس في بعض مرافق الاستقبال الخاصة بتعليم اللاجئين، إلا أنَّهم لم يتمكنوا من مواصلة تعليم الطلاب الذين انتقلوا بعد ذلك من بعض مراكز الاستقبال إلى مراكز أخرى ذات ظروف معيشية أفضل.

وظهرت كثير من ردود الفعل السلبية تجاه تخطيط مرافق استقبال تعليم اللاجئين وإدارتها رغم تناقض أسباب ردود الفعل تلك. فمن ناحية، أيّد جزء من المجتمع التعليمي الإدماج الكامل للطلاب اللاجئين في المدارس العامة الرسمية دون استثناء، مع إلقاء الضوء على المخاطر التي شعروا أنها قد تنشأ عن وضع نظام مواز. ومن ناحيةٍ أخرى، أعرب بعض أولياء الأمور عن مواقف تنم عن كراهية الأجانب وهددوا بالاستحواذ على المدارس (وبعضهم فعل ذلك بالفعل).

ومع أنَّ الهدف من إنشاء تلك المرافق كان يتمثل في خفض التوترات التي قد تنشأ حال إدماج الطلاب اللاجئين في برنامج الصفوف الصباحية، فقد وقعت حوادث عديدة اتسم بعضها بالعنف. وبالمقابل، فقد اُدمِج الطلاب اللاجئون الذين يعيشون في البيئات الحضرية بسهولة في صفوف الاستقبال وفي برنامج الصفوف الصباحية، دون أي حادثة ذات أهمية تذكر، كما كان الحال مع الطلاب المهاجرين قبلهم. ثم إنَّ اختيار المدارس المنفصلة بدلاً من أن يفيد في الحد من ردود فعل رهاب الأجانب قاد إلى استهداف المدارس التي استضافت مرافق استقبال تعليم اللاجئين وساهم في وسم مجتمع اللاجئين.

وعليه، عانى المعلمون في تلك المرافق كثيراً في سبيل إنشاء إطار عام ابتدائي للوضع الطبيعي للمدرسة. وقد انعكست ممارسات الحياة المنعزلة التي نشأت في مراكز الاستقبال في صورة تجربة مدرسية لا تعبر عن الوضع الطبيعي. واستطاع الأطفال المندمجون في برنامج الصفوف الصباحية المنتظمة المشاركة في الممارسات المدرسية المعتادة، أي القدرة على التعاون والتفاعل. وعلى الرغم من تقديم مرافق الاستقبال لشهادات حضور، فقد قدمت المدارس الرسمية للطلاب شهادات تخرج؛ لتيسير انتقال الطلاب من صف دراسي إلى آخر، فضلاً عن انتقالهم من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية.

أما عن الإنجازات التعليمية للطلاب في مرافق الاستقبال الخاصة بتعليم اللاجئين فقد كانت محدودةً للغاية، فبدون التفاعل مع المجتمع الناطق باللغة اليونانية لم يتمكنوا من تطوير مهاراتهم اللغوية؛ مما أدى إلى انخفاض الدافع لدى الطلاب وزيادة تكلم عامة الناس عنهم بسوء على اعتبار أنَّهم مجرد أناس ’في مرحلة العبور إلى بلد آخر‘. وقد أبدى المعلمون في المدارس التي استضافت الصفوف المسائية لمرافق الاستقبال الخاصة بتعليم اللاجئين وبرنامج الفترة الصباحية للطلاب دعمهم لفكرة أن الأطفال الذين حضروا الصفوف النظامية بما فيهم الذين لم يَحصُلوا على دعم خاص قد درسوا وتعلموا قدراً أكبر من الطلاب الذين يحضرون في مرافق الاستقبال الخاصة بتعليم اللاجئين خلال الفترة نفسها.

بيئة صديقة أم معادية للاجئين؟

استند اختيار المدارس التي أُنشِئت بها مرافق الاستقبال الخاصة بتعليم اللاجئين إلى نظام الطلب والموافقة غير الرسميين الذي يصنف بعض المدارس باعتبارها ’صديقة للاجئين‘ وأخرى ’معادية للاجئين‘. وقد طُلِب إلى مديري المدارس والمديرين الإقليميين للتعليم (رؤساء الهيئات الإدارية الإقليمية) الموافقة رسمياً على إنشاء أحد مرافق الاستقبال الخاصة بتعليم اللاجئين، وأن يقدم الأمين العام لوزارة التعليم مقترحاً للقبول النهائي. وقد أُسنِد إلى مديري المدارس سلطة تقدير عدم قدرة المدرسة على قبول الأعداد الكبيرة من الطلاب، وهو ما يُعَد عيباً رئيسياً في نظام الموافقة غير الرسمية هذا؛ ما أدى في العامين الدراسيين 2016/2017 و2017/2018 إلى وضع قوائم انتظار (امتدت في بعض الأحيان إلى شهور طويلة) قبل تحديد المدرسة التي سيلتحق بها الطلاب اللاجئون.

وعلى الرغم من التشريعات التي تؤكد على قانونية تسجيل الطلاب الذين ليس بحوزتهم وثائق كاملة (بغض النظر عن الوضع القانوني لأسرهم في اليونان)، فإن التحاق الأطفال الذين يعيشون في المناطق التي يُسمَح لهم فيها بحضور برنامج الصفوف الصباحية كان معقداً أو غير مضمون في كثير من الحالات. فعلي سبيل المثال، يتلقى الطلاب الذين يحضرون الصفوف الصباحية الدعم في صفوف الاستقبال لمدة 15 ساعة أسبوعياً، وباقي الوقت يحضرون في الصفوف النظامية بالمدرسة، وذلك بهدف الانتقال تدريجياً نحو الاندماج الكامل في الصفوف النظامية في غضون عام أو عامين. ومع ذلك، فإن عدداً كبيراً من الطلاب اللاجئين في الواقع العملي لا يلتحقون إلا بصفوف الاستقبال، وقررت بعض المدارس عدم تشجيع الأطفال على عدم حضور الصفوف النظامية، على الرغم من أنهم مسجلون رسمياً فيها. وفي كثير من الحالات، أدى ذلك إلى تحويل صفوف الاستقبال هذه إلى نظام منفصل يشبه مرافق الاستقبال الخاصة بتعليم اللاجئين.

مفاهيم مغلوطة وما يحدث في الواقع

استند تطوير مرافق الاستقبال الخاصة بتعليم اللاجئين إلى عدد من المفهومات المغلوطة، لعل أولها هو أن ما كان يُضطلع به كان أمراً غير مسبوق إل حدٍ ما، وهو صعوبة التعامل مع هذا العدد الكبير من الطلاب، وأن إدماجهم في برنامج الصفوف الصباحية من شأنه أن يُولِّد ردود فعل سلبية خطيرة، وأن هذه المجموعة من الأطفال تمتلك سماتٍ تختلف كلياً عن المهاجرين الذين سَبق إدماجهم في النظام التعليمي اليوناني. ويكمن ثاني المفهومات المغلوطة في أنه نظراً لأن هؤلاء الطلاب كانوا خارج المدرسة لعدة سنوات وبعضهم لم يلتحق بها أساساً، فإنهم بحاجة إلى سنة ’تمهيدية‘ واحدة على الأقل قبل أن يتسنى إدماجهم في برنامج الصفوف الصباحية العادية. أما ثالث المفهومات المغلوطة فهو الاقتناع بأن أُسَر هؤلاء الأطفال ترفض فكرة الاندماج في اليونان، وأن كونهم في مرحلة انتقالية ويعيشون في ظروف غير مستقرة يمثل عائقاً أمام إدماج أطفالهم في المدارس.

وباستثناء عدم الاستقرار المتعلق بالظروف المعيشية، والمشكلة الحقيقية المتمثلة في الاكتظاظ المفرط للطلاب في بعض المدارس في وسط أثينا، فلا يُعَد أيُّ من هذه المفهومات المغلوطة مُسوَّغاً. ويمثل عدد الطلاب اللاجئين نسبة مئوية ضئيلة من الطلاب المهاجرين الذين يبلغ عددهم 150 ألف طالب مهاجر (بمن فيهم اللاجئون) أُدمِجوا في المدارس العامة منذ عام 1995، ولم يكن من الضروري وضع إطار تعليمي خاصاً بهم. فقد أُدمِج آلاف الطلاب من سوريا ومصر وأفغانستان والعراق وباكستان في المدارس اليونانية منذ عام 2000، دون وجود إطار خاص لتعليمهم.  وعلاوة على ذلك، فإن معظم مراكز الاستقبال، (باستثناء المراكز الكبيرة مثل إليوناس أو سكاراماغاس) قدمت للصفوف المسائية التابعة لمرافق الاستقبال الخاصة بتعليم اللاجئين بحوالي 40 إلى 100 طالب خلال العام الدراسي 2016/2017، وهو رقم كان يمكن استيعابه بسهولة في صفوف الاستقبال الصباحية التي تديرها المدارس القريبة.

التوصيات

من أجل إبطال هذا التمييز والتعامل مع ’جيل الضياع‘ من الطلاب في البلدان المضيفة للاجئين، يجب تلبية الحد الأدنى من الشروط التالية:

  • لا ينبغي إنشاء مرافق الاستقبال الخاصة بتعليم اللاجئين إلا في الحالات التي لا يوجد فيها بديل (كما الحال بالنسبة لمراكز الاستقبال الكبيرة التي لا يمكن استيعاب طلابها بالمدارس المحلية) ويكون ذلك الحل لفترة زمنية قصيرة لحين نقل هؤلاء الطلاب إلى المدارس الصباحية. 
  • إنشاء عدد أكبر من صفوف الاستقبال الصباحية التي تعمل في مواعيد المدارس العامة، مع ضرورة تزويدها بالمعلمين والباحثين الاجتماعيين لمساعدة الطلاب على الاندماج (وعلى الرغم من زيادة هذه الصفوف في السنة الدراسية 2018/2019، فما زال هناك حاجة ماسة إلى زيادة أخرى).
  • توفير الدعم المؤسسي للمدارس والمعلمين، من خلال التدريب وتوفير المترجمين الشفهيين الذين يتحدثون اللغات الأم للأطفال.
  • إزالة العوائق أمام الالتحاق بالمدارس الثانوية العليا والتعليم العالي بالنسبة للطلاب الذين ليس بحوزتهم وثائق تثبت هويتهم، واعتماد ذلك على أنها سياسة موحدة
  • إدماج الأطفال في سن ما قبل المدرسة في التعليم العام قبل المدرسي
  • ضمان الانتقال التدريجي للطلاب من صفوف الاستقبال إلى الصفوف النظامية

 

جرجس سيموبولوس [ii] giorgosimopoulos@gmail.com باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في التعليم العابر للثقافات، جامعة ثيسيلايhttp://www.ece.uth.gr/main

أنطونيوس أليكساندريديس antoniosalexandridis86@gmail.com مرشح لنيل درجة الدكتوراه في علم الإنسان، جامعة فريجي، أمستردام

https://fsw.vu.nl/en/departments/social-and-cultural-anthropology

 

[i] جميع مراكز الاستقبال في اليونان (باستثناء موقع واحد في أثينا) تقع خارج المناطق الحضرية.

[ii] بني جزء من هذه المقالة على بحث لم يُنشَر أجري ضمن دراسة الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه بموجب منحة دراسة من مؤسسة المنح للدولة اليونانية من خلال مشروع ’تمكين باحثي ما بعد الدكتوراه‘ كجزء من برنامج ’تطوير الموارد البشرية والتعليم والتعلم مدى الحياة‘ الذي يموله بالتشارك الصندوق الاجتماعي الأوروبي والدولة اليونانية.

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.