البحوث الأوليَّة الأخلاقية التي تُجرِيهَا الجِّهاتُ الفاعلة في ميدان العمل الإنسانيِّ

يزداد حَذْوُ الهيئات الإنسانية حَذْوَ الأوساط الأكاديمية بتأليف لجان مراجعة للأخلاقيات، وهاهنا إحدى هذه الهيئات تعرض لفوائد ذلك وعيوبه.

كان بين آخر سبعينيات القرن العشرين وأول ثمانيناته أنْ طفقت الهيئات الغربية للبحوث والحكومات الغربية تألف لجان مراجعة للأخلاقيات الداخلية فأصبحت هذه اللجان اليومَ السبيل الرئيسية التي بها تعالج المؤسسات الأكاديمية همومها الأخلاقية. أمَّا في المنظمات غير الحكومية، فعلى الرغم من إجراء جمع البيانات الأولية فيها وهو جزءٌ من تقدير الحاجات والرصد والتقييم، لم يرَ كثيرٌ منها سابقاً في البحوث أنَّها جوهر رسالتها. وكان فيها أيضاً افتراضٌ وهو أنَّ المبادئ التوجيهية الإنسانية من مثل حب الخير للإنسان والحِيَاد والمعاملة بالسَّواء كافية من حيث هي إطار أخلاقيٌّ واسع لأنشطة البحث.

ولكنْ نظراً إلى أنَّ البحث بات أكثر تعقيداً ومهنية وازداد كونه جزءاً جوهرياً في نشاطات الجهات الفاعلة في ميدان العمل الإنساني سواءٌ في الميدان أو في المناصرة، تُنشِئُ كثيرٌ من المنظمات غير الحكومية اليومَ أنظمة لتسديد بحوثها، متتبعةً إلى حدٍّ ما طٌرُقَ الأوساط الأكاديمية. ويؤثر المانحون أيضاً في هذا الاتجاه فهم يطلبون بازديادٍ إلى الذين يُموِّلونهم أنْ يلتزموا الشروط الأخلاقية الرسمية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول سنة 2018، أطلقت منظمة إنقاذ الطفل في المملكة المتحدة (SCUK)[i] السياسة العامة في البحث والتقييم وضعتها هي، وفيها أحكامٌ في أخلاقيَّات البحث، وألَّفت لجنة مستقلة لمراجعة الأخلاقيات قِوامُها خبراءٌ خارجيُّون. وتوجب هذه السياسة أن تُراجِعَ اللجنة كلَّ بحثٍ أوليٍّ تشترك فيه منظمة إنقاذ الطفل بالمملكة المتحدة. وبعد مدة وجيزة من إطلاق السياسة العامة، طلب إلينا زملاؤنا أنْ نسمك زمام جزأين من بحث أوليِّ. وتضمَّن ذلك البحث جَمْعَ بيانات نوعية في نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية من الأطفال المتضررين من النزاع ومقدِّمي رعايتهم، وكان ذلك جزءاً من عمل منظمة إنقاذ الطفل لحماية الأطفال في النزاع. وفي جزء من ذلك عملنا مع زملائنا في تبيين استعراضين مكتبيين لنُدْرِكَ سبيلاً لنُفصِّلَ جَمْعَ البيانات على قدِّ الثغرات المحددة، ثم تبيَّن لنا سريعاً أن بعض جوانب البحث المُخطَّط لإجرائِه معلومةٌ أصلاً، والشكر هنا لدراسات أجرتها جهات فاعلة أخرى.

أفِي بحوث البيانات الأولية ضرورةٌ؟

ليس البحث ’السيئ‘ يفتقر إلى الدقة الكافية فحسب، فهو يشمل أيضاً البحوث التي تجمع البيانات الأولية للإجابة عن أسئلة معلوماتها موجودة أصلاً. ويزيد الطلب إلى الجهات الفاعلة في ميدان العمل الإنساني أن تكون على علمٍ بما يُحتمَل من ’تململ من التقييم‘ وأن تقلل جمع البيانات الأولية ما استطاعت من طريق زيادة تشارك البيانات مع هيئات أخرى أو إجراء التقييم المشترك للحاجات أو كِلا الأمرين معاً. ويجب أن يبدأ كل اعتبار أخلاقيٍّ بمراجعة المصادر الثانوية لضمان أنْ لا تُجْمَع البيانات الأولية إلا عند ضرورةٍ ليس بعدها ضرورة. أمَّا استعمال البيانات، فسوء إدارة المعرفة وارتفاع معدل مدة تبدُّل الموظفين الإنسانيين يعني أنَّ الدراية بالبيانات ضعيفةٌ، وهذا يحدِّدُ من الاستعمال المحتمل. وفي الأزْمات الإنسانية، حيث تتطوَّر الأحوال باستمرار، ولا سيَّما في الأزمات التي أمدها طويل، يتحدَّى منظمات الإغاثة أيضاً فهم مدى بقاء البيانات الحالية صالحة. وإذ قد كان المانحون يتوقعون أن تدعم البيانات اقتراحات البرامج الجديدة، فإنَّ مسألة زيادة استعمال البيانات إلى أقصى الحدود مع تأكيد أهمية البيانات هي مسألة تستحق التأمُّل، وهي مسألة لا تُعالَجُ بمراجعة الأخلاقيَّات فحسب.

نأمل أنْ يُيسِّرَ العمل بالصفقة الكبرى[ii] أكثرَ البحوث الإنسانية أخلاقيةً بتشجيع الجهود على السعي إلى المؤلَّفات المنشورة الدائرة حول موضوع البحث وعلى تحسين تشارك البيانات وإدارة المعرفة والتحليل المشترك بين القطاعات. ثم إنَّنا نوصي بتثبيت المراجعة الثانوية شرطاً في إجراءات البحوث الأخلاقية واعتباراتها.

عملية رفع الطلب

في بحثنا الدائر حول الأطفال في النزاع، تحققنا من المصادر الثانوية ثم حضَّرنا استمارة طلب لنرفعها إلى لجنة مراجعة الأخلاقيات. وفي الاستمارة تحليل للأخطار المحتملة على المشاركين وعوامل تخفيفها، والأمور التي قد تثور بين المشاركين والقنوات المحتملة في الإحالة، والموافقة الخارجة عن علمٍ. وإذ قد كان أكثر ما على الورق هو ما نمارسه في العمل عادةً، ففي ظلِّ الأولويات المتباينة، هناك إغراءٌ بتأجيل التخطيط لهذه الجوانب حتَّى أخر لحظة. ففي أحوال ميدان العمل الإنساني، يكون للحاجة المُلحَّة إلى الأدلة السَّبْقُ على الحاجة إلى الأدوات جيدة التخطيط وطُرُق جَمْعِ البيانات، وهذا يعني أنَّ أوجهاً من مثل الموافقة الخارجة عن علمٍ، وإخفاء الهُويَّة، وحفظ البيانات، وتدريب مندوبي التعداد قد تصبح أموراً تخطر في البال بعد حين. لذلك وجدنا أنَّ شرط تقديم كتابة كل هذه الاعتبارات يُتِيحُ مراجعةً جِدَّ مفيدة لتحقيق أنْ يفي البحث المدعوم من منظمة إنقاذ الطفل بالمملكة المتحدة بالحدِّ الأدنى من الشروط الأخلاقية.

ومع ذلك، ففي بعض الحالات، كان من المتعب للفِكْر أنْ نوضِّحَ للمراجعين الخارجيين بعض المعلومات التي لو كان توضيحها لزميل في منظمة إنقاذ الطفل لكان أيسر، فعلى سبيل المثال، كان علينا أنْ نصف الخطوات التي نتَّخذها لتحقيق السريَّة لكنَّ كثيراً من تلك الخطوات هي إجراءات معيارية في منظمة إنقاذ الطفل، من مثل أن يُحمَى الدخول إلى كل حاسوبٍ بكلمة مرور. ففي أحوال ميدان العمل الإنساني، من الضروري أن تكون عمليات رفع الطلبات هذه بسيطة وموجزة وأن يكون معها مبادئ توجيهية معيارية لا لبس فيها حتَّى يراها الموظفون عمليات مفيدة في البحث لا عبئاً إدارياً.

فائدة لجنة المراجعة

في لجنة مراجعة الأخلاقيَّات، قيَّم خبيران خارجيان تصميم البحث واقترحا له تحسينات. فكان ذلك مفيداً في تسليط الضوء على ما غاب عن فكرنا، والأفيد بكثير من ذلك أنْ قدَّم الخبيران بين يدينا توصيات عملية. ولكنْ عنى افتقارهما الحتميُّ مقارنةً بغيرهما إلى معرفة طرق العمل والموارد في منظمة إنقاذ الطفل أنَّهما أحياناً أسقطا من التحسيناتِ تحسيناتٍ محتملة أو سُبُلاً لردم الثغرات، وعنى أيضاً أنَّهما وضعا اقتراحات غير ممكنة نظراً، على سبيل المثال، إلى حال البلد الذي نُوِيَ أن يُجرَى البحث عليها. وإنَّنا نشعر شخصياً أنَّ في المراجعين الخارجيين منافع ولكنْ لا ينبغي أن يحلُّوا محلَّ المراجعين الداخليين. فإنَّ وجود خبيرٍ له خبرة في ميدان العمل الإنساني عارفٍ أساليبَ عمل المنظمة والبلدَ التي هي موضوع البحث لأمرٌ شأنه عظيم في إخراج بحث جيِّدٍ سهل التعامل فيه.

وإذ قد كانت خبرتنا، في كثير من جوانبها، محصورةً في منظمة إنقاذ الطفل بالمملكة المتحدة، فإننا نحثُّ الجهات الفاعلة على إيجاد طرق مفيدة وعملية ليحقِّقوا اتِّباع الأخلاقيِّ من الإجراءات والممارسة من أجل حماية المشاركين في البحوث ودعم الناس الذين يُرادُ بالبحث إفادتهم.[iii]

 

بريسكا بينِلِّي P.Benelli@savethechildren.org.uk

مديرةٌ في البحث والتعلُّم في ميدان العمل الإنساني

 

تمارا لُو t.low@savethechildren.org.uk

مستشارةٌ في شؤون فعالية الأدلة وشؤون المساءلة

 

منظمة إنقاذ الطفل بالمملكة المتحدة www.savethechildren.org.uk

 

[i] يُقصَد باللفظة الأوائيلية SC (أي منظمة إنقاذ الطفل) في المقالات التي ترد فيها إلى الإخبار عن الجوانب التي لها صلة بحركة إنقاذ الطفل بكُلِّيَتها (التي تتبعها ثمانية وعشرون منظمة)، أمَّا اللفظة الأوائيلية SCUK فتشير إلى منظمة إنقاذ الطفل بالمملكة المتحدة خصوصاً. ولمنظمة إنقاذ الطفل بالولايات المتحدة الأمريكية (SCUS) سياسة عامة في المراجعة ونظام للمراجعة منذ سنة 2016. وبين سياستي منظمة إنقاذ الطفل بالمملكة المتحدة ومنظمة إنقاذ الطفل بالولايات المتحدة الأمريكية وإجراءاتهما أوجه تشابه ولكنَّهما متباينتان وتعملان بطرق مختلفة، ونحن في وقت كتابة هذه المقالة نتمعَّن في الموافقة بينهما أو في دمج إحداهما في الأخرى.

[ii] www.agendaforhumanity.org/initiatives/3861

[iii] دَعَمَ كتابةَ هذه المقالة مُنظَّمةُ المملكة المتحدة للبحث والابتكار (UKRI) بتمويلٍ ورَد من صندوق البحث في التحدِّيات العالميَّة (GCRF)، ورقم المنحة ES/P010873/1.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.