الحماية في النِّزاعات والأزْمات

لا بدَّ من أن تراعي تدابير الحماية المتينة الشاملة، ومنها المُطبَّقة في السياقات المتأثرة بالأزمات والنزاعات، السياقات المحلية مراعاةً مناسبةً من أجل الالتزام بأعلى المعايير الدولية، ومن ذلك حماية الأطفال.

أُسِّسَت منظمة المحافظة على سلامة الأطفال في عام 2001، ومنذ ذلك الحين وهي تعمل كشبكة عالمية للمنظمات الملتزمة بحماية الأطفال وتقود جهوداً نحو تطبيق المعايير ضمن قطاع المساعدات بهدف التصدي للاستغلال والإساءة الجنسيتين. وبالتعاون مع الخبراء في الميدان طورت منظمة المحافظة على سلامة الأطفال مجموعة من المعايير الدولية لحماية الطفل التي يمكن أن تطبقها وتكيفها جميع المنظمات العاملة مع الأطفال. وتُدَعَّم المعايير بمجموعة أدوات شاملة للتنفيذ[i] استخدمتها آلاف المنظمات في معظم بلدان العالم إن لم نقل جميعها

وتركز المعايير على أهم جوانب إدارة حماية الطفل ضمن المنظمة وتصف الخصائص والمنظومات والعمليات الضرورية لضمان تفعيل المنظمات لحماية الطفل بالكامل في كل نشاطاتها. ولإدماج المعايير في عمل المنظمات أهمية كبيرة خاصَّةً لمن يعمل منها في الأزمات الإنسانية والنزاعات وأوضاع ما بعد النَّزاع عندما يصبح كثير من الأطفال أكثر عرضة لحالات الاستضعاف الجسدي والعاطفي الكبير. فالتخلخل الكبير في موازين القوى بين عمال الإغاثة الإنسانية وموظفي حفظ السلام من جهة والناس الذين يستهدفون حمايتهم من جهة أخرى يُحتِّم ضرورة توفير منظومات فاعلة تدخل في جميع جوانب عمل المنظمة ومرافقها.

وتضرب المقاربة العامة لحماية الأطفال جذورها في فهم المخاطر التي تقع على الأطفال من المنظمة بكوادرها وبرامجها وعملياتها وشركائها. وتأتي مجموعة الأدوات لتقدم خارطة طريق لاتباع عملية مُحكَمة وشاملة تبدأ بتطوير سياسة حماية الطفل أو تعزيزها وتمتينها إن كانت موجودة.ثم تتضمن العملية التطوير التنظيمي من خلال تخصيص بعضٍ من وقت الكوادر لموضوع الحماية ومن خلال التأكد من أنَّ الكوادر على القدر المطلوب من التدريب وضمان وجود آلية تواصل فعَّالة للحماية يمكن الوصول إليه. ولا بد، على وجه الخصوص، من توفير عمليات التخطيط الحسن والتنفيذ والرصد والمراجعة، إضافة إلى توخي الشفافية في توضيح حدود المساءلة في المنظمة وصولاً إلى مستوى مجالس الإدارة.

وتتعلق المعايير الأربعة بما يلي: السياسة: تحد المنظمة سياسة واضحة وتصف كيفية التزامها بالترويج لرفاه الأطفال ومنع الإساءة وإيجاد بيئة إيجابية للأطفال تحفظ لهم حقوقهم وتضمن معاملتهم بكرامة واحترام.

الأشخاص: تُعبِّر المنظمة بوضوح عن التزاماتها بشأن المحافظة على سلامة الأطفال وتذكر للكوادر والموظفين المشاركين والشركاء مسؤولياتهم والتوقعات منهم من خلال السياسات والإجراءات والتوجيهات الإرشادية الواجب تطبيقها. ومن المهم أن يتلقى جميع الفاعلون المعنيون بمن فيهم الأطفال أنفسهم الدعم في فهم تلك المسؤوليات والتوقعات والتصرف بموجبها.

الإجراءات: تطبق المنظمة عملية ممنهجة للتخطيط لتدابير حماية الطفل وتنفيذها.

المساءلة: لدى المنظمة تدابير وآليات تطبقها لرصد إجراءات الحماية ومراجعتها ولتتأكد من تفعيل المساءلة من أسفل الهرم التنظيمي إلى الأعلى وبالعكس.

ولتنفيذ هذه المعايير، على المنظمات أن تجيب على الأسئلة الآتية:

  • أين ومتى وكيف تتواصل المنظمة مع الأطفال وما المخاطر التي تظهر نتيجة ذلك التواصل؟
  • ما طبيعة السياسات والإجراءات المطلوبة لمنع وقوع الضرر والاستجابة للمخاوف بما هو مناسب؟
  • من الشخص المعني/الأشخاص المعينون لتمثيل دور ضابط الارتباط الذي تُعهَد إليه مهمة تلقي البلاغات عن مخاوف الحماية وإدارتها وإجراء ما يجب من تحقيق تبعاً لذلك؟
  • ما طبيعة التدريب حول الحماية المطلوب للتأكد من معرفة الكوادر العاملة بما تتوقعه المنظمة منهم وماذا ينبغي لهم فعله لو أثيرت مخاوف معينة؟
  • هل هناك أي مدونة سلوك واضحة تُمكِّن الكوادر من فهم حدود عملهم المهني عندما يعملون مع الأطفال وما أنواع السلوك المقبول وغير المقبول في ذلك الإطار؟
  • كيف يمكننا تعيين الموظفين بسلامة؟

عندما تُطبَّق تدابير حماية الأطفال بالكامل فستقدم مجموعة عملية من الأدوات للتعامل مع ثقافة الإفلات من العقاب من الإساءة للأطفال. ويصبح الأطفال في وضع أكثر سلامة عندما تُطبَّق المعايير تطبيقاً صحيحاً، وعندما يتلقى كل فرد في المنظمة تعليمات واضحة حول واجب التصرف لمنع الإساءة للإبلاغ عنها إذا وقعت ومعرفتهم بالعقوبات التي ستقع عليهم فيما لم يتمثلوا لذلك الالتزام. فتطبيق المعايير رادع قوي للمسيئين للأطفال ويمنعهم من ذلك حتى قبل التقدم بطلب للعمل لدى المنظمة، كما أنَّ المعايير تضمن مساءلة المنظمات التي توضع فيها الثقة في التعامل مع الأطفال.

مناطق النِّزاعات والأزمات

تتمثل أولى المشكلات التي تظهر في بيئات النِّزاعات والأزمات في القوانين والسياسات والممارسات التي تعمل على نطاقات مختلفة وعلى المستويات الدولية والإقليمية والمحلية.[ii] ويعني ذلك أنَّ المنظمات الإنسانية العاملة في تلك السياقات تحتاج إلى لمعرفة بنطاق القوانين والسياسات والسياقات واجبة التطبيق وفهمها (وغالباً ما تكون تلك المصادر متداخلة بل قد تكون متعارضة فيما بينها). ويُعدُّ ذلك من الأمور الصعبة خاصَّةً عندما تدخل المنظمات إلى بيئة الطوارئ بسرعة أو عندما تكون سيادة القانون في حالة انهيار. وفي تلك الظروف الهشَّة، تصبح الاحتماليات قائمة بإيقاع الضرر والإفلات من العقاب وتزداد تلك الاحتماليات عما يحدث في السياقات الأخرى.

ومن أهم الأسباب التي دفعت منظمة المحافظة على سلامة الأطفال وجامعة ريدنغ إلى التركيز على هذه الناحية خلال السنوات الأخيرة قلة الحلول الناجحة المقترحة (دعك من عدم تصميمها وتنفيذها) لمعالجة الأسباب والتبعات الناتجة عن الاستغلال والإساءة الجنسيتين في تلك البيئات الهشَّة. ولذلك تبنينا معايير حماية الطفل ومجموعة أدواتها لتوفير حلول ناجعة مستمدة من الأدلة والإثباتات بانتهاجنا لمقاربة مرتكزة إلى الضحايا تسلط الضوء على التجارب الحقوقية والبشرية.[iii]

وفي بداية الأمر، ركَّز عملنا على عمليات حفظ السلام وعلى ضرورة تطبيق حماية الطفل في المنظمات الدولية والدول المساهمة بقواتها ومراكز تدريب حفظ السلام، كما عملنا عليها بين الجهات الفاعلة الأخرى المشاركة في بناء السلام وحفظه في مجتمعات النِّزاع وما بعد النِّزاع. ومن خلال العمل مع تلك الجهات الفاعلة، طوَّرنا مجموعة أدوات لتقييم كل منظمة والوقوف على مواطن قوتها وضعفها ورسمنا خارطة شاملة للقوانين والممارسات المتعلقة بالحماية في البلدان التي تعمل فيها تلك المنظمات ثم أنتجنا تدابير الحماية ونفَّذناها مع مراعاة القوانين الوطنية والسياسات المؤسسية والقوانين المحددة بالسياق والسياسات. ومثال ذلك عملنا مع القوات المسلحة الوطنية في البلدان الأكثر مساهمة بقواتها في حفظ السلام، فقد أدخلنا في عملنا ذاك سياسات المنظمات الدولية التي تساهم بقوات حفظ السلام كما أدخلنا القوانين المحلية والعسكرية لتلك البلدان إضافة إلى القوانين المحلية للبلدان التي انتشرت فيها قوات حفظ السلام. ولا بد للمنظمات من أن تستعد وتعرف كيفية اتخاذ الإجراءات محلياً إذا ظهرت أي مخاوف، ولذلك عليها أن تحصل على المعلومات المرتبطة بالخدمات المحلية لتحدد السلطات التي سوف تبلغ تقاريرها لها والمنظمات المحلية التي يمكن الحصول على الدعم منها.

ثم تُدمَج تدابير حماية الأطفال المحددة بالسياق في منظومات المنظمة وعملياتها بطريقة تراعي خصوصيات البلدان وواقع السياقات المحلية. فعلى سبيل المثال، مع أنَّ تعريفات ‘طفل’ و‘إساء معاملة الطفل’ قد تختلف باختلاف الثقافات والمفهومات الوطنية، لا بد للمنظمات من أن تكون على وعي واضح بأنَّ القانون الدولي يُعرِّف ‘الطفل’ على أنَّه كل من لم يبلغ من العمر 18 عاماً بينما يتضمن مصطلح ‘إساءة معاملة الطفل’ نطاقاً من التصرفات الضارة بالطفل سواء أكانت عن قصد أم لا.

العمل مع المانحين

تبنَّت منظمة المحافظة على سلامة الأطفال وجامعة ريدنغ أيضاً في قطاع المساعدات مقاربتنا في حفظ السلام بهدف دعم الممولين في تقييم التدابير التي تتخذها المنظمات الإنسانية لحماية الأشخاص (بمن فيهم البالغون الذين يواجهون خطر التعرض للأذى إضافة للأطفال) وسيساعد ذلك الممولين على التصدي لأي ثغرات قد يكشف عنها ذلك التقييم. وفي واحد من مثل تلك المشروعات الذي كان لعمل مع وزارة التنمية الدولية البريطانية، صمَّم قائد المشروع إطاراً للتقييم وأجرى تقييمات أوَّلية لبعض من كبرى المنظمات غير الحكومية التي تمولها المملكة المتحدة وعمل معها على تحديد مواطن القوة والضعف في ستة محاور رئيسية من معايير الحماية التي تتَّبِعها وزارة التنمية الدولية البريطانية وهي: الحماية، والإبلاغ عن المخالفات، والموارد البشرية، ومدونة السلوك، والحوكمة، والمساءلة.

ومن خلال هذه المبادرة إضافة إلى ما تؤكده الأدلة من برامج منظمة حماية سلامة الأطفال وواقع العمل مع الممولين الآخرين، تبين أنَّه رغم وجود نواح من الممارسة الجيدة في القطاعات، فهناك في المقابل نقاط أخرى تسترعي الاهتمام والتحسين الكبيرين في عدد من أهم المجالات على الأخص منها: تطوير مقاربة مرتكزة إلى الضحية وتعزيز الثقافة القيادية والتنظيمية وحماية الأطفال والقدرة على الوصول والاشتمال وتعزيز المساءلة أمام المجتمعات وضمان توافر الشركاء على تدابير نافذة للحماية.

وإحدى أهم الثَّغرات التي اتضحت كانت عدم وجود تقييم متين وواقعي لمخاطر الحماية. وبينما تدرك كثير من المنظمات المخاطر التي تواجهها المنظمة في حالة وقوع حادثة ترتبط بالحماية (من نواحي السمعة والاعتبارات القانونية وفقدان التمويل)، فلم يطبق إلا قليل جداً منها تقييماً شاملاً دقيقاً لمخاطر الإساءة التي يواجهها متلقي الخدمة. بل تنخفض نسبة المنظمات إلى أبعد من ذلك من ناحية توافرها على منظومات كافية لإجراء التشاورات المفيدة مع المجتمعات حول تقييم خطر الحماية أو تطوير تدابير الحماية ورصدها. وهي ثغرة كبيرة لا بد للمنظمات من التركيز عليها.

وبعد تجدد اهتمام عمال الإغاثة الإنسانية في عام 2018 لقضية الاستغلال والإساءة الجنسيين (بدأ ذلك في إطار العمل مع هاييتي ثم انتقل إلى بلدان أخرى)، ومع تزايد الاهتمام الإعلامي لقضية الحماية، أصبحت الحاجة واضحة إلى تجديد الالتزام نحو تطبيق آلية حماية حقيقية في القطاع الإنساني ولدى الجهات الممولة والمنظمات أنفسها. ومع أنَّ توقيع المواثيق والإرشادات التوجيهية والمبادئ تشير بالفعل إلى رغبة بالتعهد بذلك الالتزام، فلن يحدث ذلك إلا بعد أن تنتهج المنظمات مقاربة شفافة قائمة على الأدلة لتقييم الحماية وتحديد مواطن الضعف ثم بعدها تصمم التدابير اللازمة لتطبيق المعاير الدولية وتُنفِّذُها وتتأكد من منح الحماية موقع الصدارة في رسالتها وثقافتها وعملها.

سارة بلاكمور sarah.blakemore@keepingchildrensafe.org.uk

المديرةُ التنفيذيَّةُ في منظمة المحافظة على سلامة الأطفال www.keepingchildrensafe.org.uk

روسا فريدمان r.a.freedman@reading.ac.uk

بروفيسورة في القانون والنزاع والتنمية العالمية، جامعة ريدنغ

www.reading.ac.uk/law/about/staff/r-a-freedman.aspx

 

[i] www.keepingchildrensafe.org.uk/how-we-keep-children-safe/capacity-building/resource-library

[ii] See Freedman R (2018) ‘UNaccountable: A New Approach to Peacekeepers and Sexual Abuse’ European Journal of International Law, 29 (3), 961–985

(عدم المساءلة: مقاربةٌ جديدة لحفظة السلام وللإساءة الجنسية)

https://doi.org/10.1093/ejil/chy039

[iii] للاستزادة انظر: https://research.reading.ac.uk/safeguarding-children

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.