الأخلاقيَّات والمساءلة في البحث في شؤون العنف الجنسي ضد الرجال والأولاد

يحتاج البحث في العنف الجنسي ضد الرجال والأولاد في أوساط العمل الإنساني إلى سبر آراءٍ متعارضة متعددة لها صلة بالأخلاقيَّات والمساءلة.

في يناير/كانون الثاني من عام 2018، أطلقت لجنة اللاجئات مشروع مناهضة العنف الجنسي وهو مبادرة تمتد على مدار ثلاث سنوات تركز على العنف الجنسي ضد المُهجَّرين من الرجال والأولاد[1] بمن فيهم المثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغيير الجندر (إل جي بي تي +) وغيرهم من ذوي التوجه الجنسي المتنوع والهُوِيَّة الجندرية و/أو التَّعبير عنها. ويتضمن المشروع عدة نشاطات من بينها تطبيق بحث استكشافي تطبيقي على اللاجئين في بنغلاديش وإيطاليا وكينيا. ونظراً لحساسية موضوع البحث، كان استضعاف المشاركين بالبحث واحتمالية تعرضهم للضرر والتصدي لقضايا السلامة والبعد الأخلاقي في البحث من الأمور المهمة.

وتمثلت الخطوة الأولى في إجراء البحث الذي يشتمل على الأشخاص مباشرة ضمان الحصول على الموافقة الأخلاقية من الجهة المعنية، إلاَّ أنَّ مجالس مراجعة الشؤون الأخلاقية الأكاديمية والحكومية لم تكن في كثير من الأحيان على اطلاع بالبحوث في البيئات الإنسانية بل ربما كانت تميل إلى حجب منح موافقتها. ثمَّ إنَّ الجهات الفاعلة الإنسانية غالباً ما تعاني من ضعف داخلي في القدرات البحثة وقد يتضافر ذلك مع شح التمويل والضغوط على الوقت بسبب متطلبات المانحين والحاجات الإنسانية الملحة. وربما نُظِر إلى السعي وراء الموافقة الأخلاقية لإجراء البحث على أنَّها مضيعة للوقت أو أنَّها أصعب من أن يدروسوا أمرها أو أنَّها غير ضرورية أساساً. لكنَّ تلك الخطوة كانت محورية خاصة نظراً لغياب منظومات الحماية الفاعلة في كثير من البيئات الإنسانية. وإذا ما حُصِل على الموافقة الأخلاقية من مؤسسة ما خارج بلد الدراسة، فلا بد وقتها من البحث عن موافقة من مجلس وطنية للمراجعة المؤسسية أو أي هيئة اعتماد محلية أخرى. (في البيئات التي تتسم فيها مجالس المراجعة الأخلاقية بالفساد أو ضعف الفعالية أو التي لا تكون تلك المجالس موجودة فيها أصلاً، قد لا يكون الحصول على الموافقة المحلية أمراً مفيداً ويمكن وقتها البحث عن بدائل أخرى.)

فعلى سبيل المثال، في إطار مشروع مناهضة العنف الجنسي للجنة اللاجئات، تمكنا من الحصول على الموافقة الأخلاقية من جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا ومن هيئة البحوث الوطنية (كيمري) في كينيا. لكنَّنا مع ذلك واجهنا معوقات مختلفة في الحصول على الموافقة الأخلاقية في كل من إيطاليا وبنغلاديش، وكذلك واجهتنا صعوبات أخرى بسبب ندرة مجالس المراجعة الأخلاقية التي تراجع الأبحاث غير الطبية ومحدودية تمويل المشروع ومحدودية الوقت المتاح. وريثما تتم عملية المراجعة الرسمية، أسسنا مجموعات مرجعية تضم باحثين محليين وخبراء في الحماية لمراجعة بروتوكول البحث وأدواته وتوفير الإرشادات التوجيهية بشأن القضايا الثقافية والسياسية وتقديم المشورة العامة حول المخاوف الأخلاقية. وفي إيطاليا، رغم إعلامنا بأنَّ جامعة باليرمو ليس فيها مجلس مراجعة أخلاقية للبحوث العلمية الوطنية، توجهنا إلى قسم علم النفس والاجتماع والخدمات التربوية فيها وطلبنا إليهم إعداد مراجعة غير رسمية وتقديم موافقتهم الخطية لبروتوكول المشروع. إضافة إلى ذلك، عقدنا اجتماعاً تشاورياً عالمياً بحضور 12 خبيراً فنياً لمراجعة البروتوكول والأدوات وإثرائنا بمعطياتهم حول الاعتبارات الأخلاقية.

الامتثال للإرشادات التوجيهية الأخلاقية تشير منظمة الصحة العالمية في إرشاداتها التوجيهية[2] الأخلاقية إلى عدم جواز إجراء المقابلات مع ضحايا العنف الجنسي إلا إذا انعدمت البدائل. ومن جهتنا، لم تكن مقابلات الناجين ضَرورَةً لتحقيق أهدافنا البحثية ولم تكن أمراً يوافق الأخلاق نظراً لحالة الاستضعاف التي يمر بها المشاركون واحتمالية وقوع آثار سلبية فيهم. بل كانت المعلومات المستقاة من مصادر ثانوية وثالثية كافية. إلاَّ أنَّه رغم التركيز للمشاركين بأنه ليس من المطلوب منهم أن يتحدثوا عن خبراتهم الشخصية في العنف، عمد بعضهم إلى الإفصحاح عفوياً عن تلك التجارب وكان منهم من فعل ذلك من مجموعات التركيز إذ باحوا بقصصهم لأفراد المجتمع المحلي.

ولتوجيه المشرفين نحو المساعدة، طوَّرنا أوراق معلومات المشاركين (وترجمناها إلى اللغات المطلوبة) وتضمنت تلك الأوراق جهات الإحالة المحلية للرعاية الصحية والنفسية-الاجتماعية وراجعها ودققها متخصصون في مجال العنف القائم على الجندر و/أو الحماية و/أو الصحة. وتُقدَّم تلك الأوراق إلى جميع المشاركين بغض النظر عما إذا كانوا قد أفصحوا عن تجاربهم الشخصية حول العنف أم لا. وتعمدنا حذف عبارة العنف الجنسيمن الاستمارة للترويج لسرية المعلومات وخفض احتمالية الوصم بالعار إلى الحد الأدنى وخفض أي تبعات سلبية محتملة أخرى. كما وضعنا بوتوكولاً[3] معدلاً لطلب الاستغاثة لمساعدة الباحثين في تحديد مؤشرات طلب الاستغاثة خلال المقابلة أو خلال جلسة المجموعة المركزة والاستجابة لها كما هو مطلوب. وطلبنا تقديم المشاركة لموافقة مدروسة في بداية جلسة مجموعة التركيز وتأكدنا من ذلك مع المشاركين من خلال إثارة النقاش لتأكي حقهم في العزوف عن الإجابة عن أي أسئلة لا يحبون الإجابة عنها وأخبرناهم أن لا تعبات سلبية عليهم بسبب ذلك الإحجام.

الاعتبارات الأخلاقية المترتبة على مشاركة المراهقين توجب الإرشادات التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية تقديم ضمانات إضافية في حالة المشاركة المباشرة للأطفال في البحث. وكان من المهم الحصول على إفادات المراهقين للوقوف على طبيعة العنف الجنسي الممارس ضد الأولاد وفهم خصائصه وآثاره إضافة إلى تحديد العوائق والجوانب التي تروج لإقبالهم على الخدمة. وتفادياً لإعادة إنتاج أوجه القصور في البحث الأولي حول العنف الممارس ضد المرأة الذي تجاهل لدرجة كبيرة المراهقات، أدخلنا اعتبارات أخلاقية إضافية في عملية البحث لضمان اشتماله على المشاركات المراهقات (الفئة العمرية 15-17 عاماً).

وقبل جميع البيانات، طلبنا الموافقة المدروسة من ذوي المراهقات والمراهقين أما في حالة القاصرين غير المصحوبين ببالغين فطلبنا الموافقة من منظومة الرعاية المؤسسية كالباحث الاجتماعي أو المستشار النفسي. وحضر جميع جلسات مجموعات التَّركيز التي أجريت مع القاصرين غير المصحوبين ببالغين وصي أو/و باحث اجتماعي و/أو مستشار نفسي و/أو خبير في شؤون العنف القائم على الجندر. أما بخصوص المراهقين المستضعفين من ذوي الحماية والدعم المحودين مثل القاصرين والقاصرات غير المصحوبين ببالغين الذين يعيشون في التجمعات غير الرسمية، فقد استثنيناهم من عينة البحث.

ومع تقدم العمل في المشروع، بدأنا عملية التأمل حول الطرق الأفضل أخلاقياً لإشراك المشاركين من مراهقين ومراهقات. وعدا عن أننا طلبنا إلى المراهقين من لاجئين ولاجئات بأن يقدموا لنا أمقلة عن رفض الموافقة، وجدنا من الناجع أن نقدم لهم عدداً متنوعاً من الأمثلة الملفوظة التي تفيد برفض الموافقة والإحجام عن الإجابة والقرار بالانسحاب، وبذلك نضمن قدرة المراهقين والمراهقات على التعبير على الفور عن رفضهم عندما يريدون ذلك، وبالفعل استخدم بعض المراهقين والمراهقات تلك التعبيرات اللغوية في القفز عن بعض الأسئلة أو تجاهلها خلال النقاش.

ثم إنَّنا ترجمتا ملخصات عن البحث وشاركنا بها المستجيبين والمستجيبات وشركاء البحث التنفيذيين لغاية تعميمها بهدف ضمان حصول اللاجئين ومقدمي الخدمات المحليين على معلومات مدروسة حول النتائج والتوصيات. وتعاونا مع منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسف) في إيطاليا فطوَّرنا معهم ملخصاً صديقاً لفئة المراهقين والمراهقات لتلك النتائج باستخدام لغة مناسبة ورسوم تصويرية.

سبر الأخلاقيات والعواطف الوجدانية إننا نشعر بأنَّ مسؤولية أخلاقية عميقة تقع على عاتقنا بأن نضمن التزامنا بالمسؤولية تجاه توثيق أصوات المشاركين وتجاربهم والتشارك بها. فكثيراً ما يقول لنا بعضهم أخبروا الناس عما حدث لي لكي يتمكن أحدهم من فعل شيء إزاء ذلك. فالمشاركون في البحث يستذكرون قصص العنف والفقدان الرهيبة التي حدثت معهم بل انفجر بعضهم باكياً وهو يتحدث عما جرى له. وكذلك الأمر بالنسبة لمقدمي الخدمات الذين قد يكشفون في معرض حديثهم ما يختلج أنفسهم من عواطف وجدانية. وذات مرة، انفجر أحد مقدمي الخدمات باكياً عندما استذكر قصة لاجئ فتى تعمد الناس أن يشوهوا وجهه لأنه كان بشوشاً كثير الابتسام. ومثل هذه القصص قد يكون لها وقع عاطفي على أكثر عاملي الخدمات الإنسانية خبرة كما أنَّ الحزن والأسى قد يصبحان تحصيل حاصل عندما يعود المرء فيتحدث عن قصص العنف والظلم في معرض تنقيته للبيانات وترميزها وتحليلها.

ومن هذا المنطلق، نعمل على تحديد سلم أولويات الرعاية الشخصية، بعدة طرق، منها تضييق الوقت الممنوح للمشاركة بالبيانات الصعبة وبناء الدعم الإيجابي خارج العمل. ونعمل على تطوير مُجمَّع تدريبي (موديول) بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسف) لدعم الوسطاء الثقافيين (المُفَسِّرين الشفويين) لكي نُحسِّن استجابتتنا لحالات الإفصاح عن العنف الجنسي أو خفض حالات تكرار الشغور بالصدمة النفسية غير المباشرة، بينما نقدم في بنغلاديش الدعم في مشروع مع منظمة الإجراء القانوني العالمية لتطوير نقاط الارتباط للروهينغيا لتحسين ربط الناجين من الذكور والجنس الثالث مع الخدمات ويتضمن ذلك مُكوِّناً خاصاً بالرعاية الذاتية لنقاط الارتباط.

ضمان المساءلة إزاء النِّساء والفتيات نظراً لتزايد الاهتمام الممنوح للعنف الجنسي ضد الرجال والأولاد، لا بد من إيلاء الأولوية أيضاً للنِّساء والفتيات والترويج للمساواة في الجندر. ويعني ذلك، على سبيل المثال، ضمان عدم تعزيز البرامج والمناصرة الخاصة بالناجين الذكور للمعايير الاجتماعية الذكورية الضارة أو الممارسات المرتبطة بها ولا ينبغي في الوقت نفسه من أن يكون ذلك على حساب الموارد أو الاهتمام بالمرأة والفتاة. وتخصيص المساحات والتمويلات والبرامج مخصصة للنِّساء والفتيات من الأمور المُحدَثَة في القطاع الإنساني، كما أنَّها ليست من الإنجازات التي يمكن تحقيقها بسهولة، إلاَّ أنَّ تزايد الاهتمام العالمي والمناصرة حول المرأة والفتاة لم يُترجَم بعد إلى واقع ملموس في التمويل الثابت أو تقديم الخدمات الممنهج. ونحن نعمل على تبديد الإيمان الخاطئ بأنَّ خدمات ما بعد التعرض للعنف الجنسي متاحة على نطاق واسع للمرأة والفتاة دون الرجال والفتيان. وعبر مختلف البيئات الإنسانية، هناك حاجة ماسة لتعزيز تلك الخدمات لجميع الناجين والناجيات. وبذلك، لا تقتصر مناصرتنا ولا خدماتنا على الناجين الذكور وحدهم، بل نركز أيضاً على تقديم الخدمات الشاملة والتكميلية التي تلبي حاجات الناجين والناجيات من العنف الجنسي، إناثاً كُنَّ أم رجالاً، إضافة إلى الأشخاص على اختلاف توجههم الجنسي وتعبيرهم أو هُوِيَّتهم الجندريين.

انطباعات خلال عملية البحث، أبدى موظفو المشروع وأعضاء المجموعة الاستشارية انطباعاتهم حول الاعتبارات الأخلاقية والمساءلة وكيف كان من الممكن تحسينها في المشروع. واشتملت انطباعاتهم تحديداً على ما يلي:

  • أنَّ المشورع لو راعى اشتمال ممثلين عن النساء المحليات ومجموعات المثليين والمثليات ومغيري الجندر (جي بي تي+) و/أو اللاجئين الأعضاء في لجان المرجعيات الوطنية كان من الممكن أن يعزز من المساءلة تجاه المرأة والفتاة ومجموعات المثليين والمثليات ومغيري الجندر (جي بي تي+). ففي أغلب الأحيان، كانت مجالس المراجعة الدولية تضم الأكاديميين والخبراء من دول الشمال العالمي، وكان قوام تلك المجالس يفتقر إلى تمثيل الأفراد القادرين على التعبير عن منظورات المشاركين في البحث.
  • مع أنَّنا عممنا نتائج البحث على مقدمي الخدمات، فقد كان من الممكن أن نجري متابعة للترويج لزيادة نطاق تعميمها بين الفئات السكانية ممن اللاجئين.
  • هناك درجة ملموسة وملحوظة من استطاعة اللاجئين المشاركين الصمودَ في البحث تجسدت في تشاركهم في قصصهم. إلاَّ أنَّ ذلك يدعونا للتساؤل فيما إذا كان هؤلاء المشاركين قد واجهوا آثاراً سلبية عاطفية أو اجتماعية بعد نقاشات مجموعات التَّركيز، ما يدعونا للتساؤل أيضاً عن التدابير الإضافية التي يمكننا اتخاذها لتعزيز حُسْنِ أحوالهم. ولذلك، سوف نعمل في المرحلة الثانية من المشروع على التركيز على دعم الناجين والناجيات للوصول إلى الرعاية الصحية العقلية النوعية والدعم النفسي الاجتماعي إلى غير ذلك من خدمات.

سارة شينويذ svproject@wrcommission.org

مُؤسِّسةٌ ومديرة مشروع مناهضة العنف الجنسي/ومستشارة اللجنة النسائية المعنية باللاجئات www.womensrefugeecommission.org

 

سارة مارتِن smartindc@gmail.com

خبيرةٌ مستقلةٌ في شؤون العنف القائم على الجندر وعضوةٌ في اللجنة الاستشارية العالمية بمشروع مناهضة العنف الجنسي

 

[1] هذه الدراسة مركوزةٌ في الأفراد الذين يُعرَّفون بأنَّهم رجال أو أولاد أو صنِّفوا من قبل بذلك. ونستعمل هنا مصطلح الرجال والأولادلسهولة القراءة ونُقِرُّ أنَّه لا يضم كثيراً من ذوي التوجه الجنسي المتنوع والهُوِيَّة الجندرية و/أو التَّعبير عنها الذين يشملهم نطاق الدراسة.

[2] WHO (2007) Ethical and safety recommendations for researching, documenting and monitoring sexual violence in emergencies

 (توصيات في الأخلاق والسلامة للبحث والتوثيق ورصد العنف الجنسي في حالات الطوارئ) www.who.int/gender/documents/OMS_Ethics&Safety10Aug07.pdf

[3] Burke Draucker C, Martsolf D S and Poole C (2009) ‘Developing Distress Protocols for Research on Sensitive Topics’, Archives of Psychiatric Nursing 23:5

(وَضْعُ بروتوكولات الاستغاثة للبحث في المواضيع الحساسة)

www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0883941708001799?via%3Dihub

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.