إنشاء تقارير الشهود الخبراء: إرْثُ باربارا

 إن ذُكِرَت أهمية التفصيل والدقة البالغة في أثناء تحضير تقارير الشهود الخبراء فليس للمغالاة في ذكرها مجال.

لمَّا كانت باربارا أقامت في عدد من البلاد الأفريقية وأجرت فيها بحوثاً، عَمِلَتْ كثيراً عمل الشاهدة الخبيرة في قضايا اللجوء. وكان أكثر ما تعمله في ذلك له صلة بالخطر المحتمل الذي يُنشِئُه تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، غير إنَّ عملها كان له صلة أحياناً بمواضيع أخرى منها بند وقف حماية الروانديين في أوغندا أو احتمال خطر الاضطهاد الذي على مَن ليس له جنسية من الفلسطينيين في مصر. وعند باربارا أنَّ إحسان صوغ الشهادة هو عِمَادُ قبول طلب اللجوء. وقد شكت مرةً بعد مرةٍ "كَسَلَ المُستَطْلِعينَ"، وكثيراً ما كانت تفور من الغضب على الممثلين القانونيين المقصِّرين عن إخراج شهادة جيدة بتعاونهم هم وموكِّليهم، وعلى متَّخذي القرارات الذين ما صدَّقوا طالبي اللجوء ممَّا في قصصهم من تناقض‘.

وكانت باربارا تدأب في أنْ تُعمِلَ نفسها في إخراج شهادة جيدة وكان لها اهتمام بالتفاصيل. وكانت باربارا تجمع بين الرفق والشِّدة في دَلِّها المُسْتَطلَعينَ على إخبارها ما تحتاج إلى معرفته. وما عَنَتْ عندها كلمة التفاصيلتفاصيلَ كالتواريخ الصحيحة (مع أنَّ العجز عن استذكارها يمكن أن يقود مُتَّخذي القرارات إلى عدِّ صاحب الطلب غير موثوق به)[i] ولكنْ التفاصيل التي لها صلة بما تعتقده النساء وبتعليمهنَّ، وبأُسَرِهنَّ وبمجتمعهنَّ المحلي، وبديناميَّات الحياة الاجتماعية في بلادهنَّ الأصلية. إذ كانت باربارا تولي اهتماماً خاصاً بمجموعات النساء العرقية وبما يحيط بالبالغات وبالزواج من عادات في مجتمعهنَّ المحلي، فكلُّ ذلك يمكن أنَّ يؤثر في احتمال خطر أن يُعانَى من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. وانصبَّ تفكير باربارا على ما يعانيه أفراد أسر النساء ووجهات نظرهم في تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، لا سيَّما النساء منهم، وليس هذا فحسب، بل انصبَّ تفكيرها على ذلك وعلى وجهات نظر أزواج النساء وأسرهم. وكانت تتنبَّه إلى الأسماء والعلاقات الأسرية المُعقَّدة وتقيِّدها، فتشقُّ طريقاً إلى إدراك قوة تأثير الديناميَّات فيها.

وكثيراً ما كانت تَجْرِي المقابلات على عدَّة أيامٍ في شقة باربارا بأكسفورد، ويكون فيها متدرب يكتب ما يقال على ما هو عليه. ثم إنَّ باربارا كانت تعرف نفس المرء كيف تُطَمْأن، فيُؤخَذ عندها من الراحة الحظ الوفير ويُقدَّم من الطعام والشراب الشيء الكثير ويُتجَاذَبُ من الحديث ما هو خفيف، هذا بين جولات المقابلة، ولكنَّها كانت تؤكِّد أيضاً عِظَم شأن الشهادة وشدَّة أهمية قول الصدق فيها وتذكٌّرها تفصيلاً ما استُطيعَ، وكانت تقول بكلام واضح المعنى إنَّ الاعتراف بنسيان بعض الحقائق أو الجَّهْل بها خيرٌ من اختلاق التفاصيل.

وكان من قُوَى مقاربة باربارا أنَّها كانت تستطلع أيضاً أسرة طالب اللجوء أو أفراداً من مجتمعه المحليِّ كلما استطاعت السبيل إلى ذلك، بنفسها أو بالهاتف، فتستأجر مترجماً فورياً كلما دعت حاجة إليه. فما تحاشت من الأحاديث التي فيها صعوبة، ومنها التي تجول فيها هي وأفراد الأسر المستنكرين أو الراغبين عن المساعدة؛ إذ يُحصَّل في الغالب بتسلسل أسئلتها معلوماتٌ يُنْتَفَعُ بها في دعم قضايا طالبي اللجوء.

ولقد بنت في عِلْمِها بموضوع تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وفي بحثها فيه على مصادر ثانوية، وعلى دراية خبراء آخرين ومزاولين ممَّن لها صلة بهم. وكان من تقارير الشاهد الخبير، التي كانت تخرجها باربارا وترفعها إلى المحكمة دليلاً في إجراءات استئناف طلب اللجوء، ما هو بالحقِّ طويلٌ -أي كانت تملؤ في الغالب نحواً من 20 صفحة- فيكون التقرير بحثاً قائماً بنفسه، فلكلِّ طالب لجوءٍ معلومات في البلد الأصلي مخصصة له. وكانت باربارا تبدأ التقرير بأن تعرض بإيجاز من التأهيل والخبرة التي عندها ما يثير في النفس الإعجاب، ثم تُقدِّم مقدِّمة في الموضوع وتُبيِّنُ الحالَ الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي يقع فيها تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وذلك في البلد الأصلي الذي هو موضوع البحث. ثم تُقوِّم حال طالب اللجوء الفرديِّ، مع تصويب انتباهها خاصةً إلى المسائل التي لها صلة بإقرار صفة اللاجئ، كاحتمال خطر الاضطهاد، وقدرة دولة المنشأ على الحماية، ووجود ما يحلُّ محلَّ الحماية الداخلية أو عدمه. وقد كانت باربارا تتحفَّظ عن الإقرار بأيِّ شُبْهَة؛ فنعم هي رغبت في مساعدة طالبي اللجوء ما استطاعت إلا أنَّها كانت تعلم أنَّ أقرب سبيل إلى ذلك هو إخبار الخبر على حقِّه فلا يُمَالُ إلى جانب دون آخر.

أعانت باربارا كثيراً من الناس على تحصيل صفة اللاجئ، ألا إنَّ مهارتها وحَذَاقتها وخبرتها لمفتقدةٌ أشدَّ الافتقاد. لكنَّ إرثها باقٍ في ما يمكننا أن نأخذه عن طرائقها، وفي صفحات وِبِّ المنظمة التي أسَّستها لإعانة اللاجئين إعانة قانونية، واسمها رايتس اِن اِكسايل (Rights in Exile)، وممَّا فيها جداول مُدْرَجٌ فيها خبراء البلد الأصلي ومشورةٌ في مواضيع خاصة.[ii]

مايا غرَندلِر m.grundler@qmul.ac.uk

كُليَّة الملكة ماري بجامعة لندن www.qmul.ac.uk

 

[i] انظر مثلاً

UNHCR (2013) ‘Beyond Proof: Credibility Assessment in EU Asylum Systems’, p139

(ما بعد الإثبات: تقييم المصداقية في نُظُم اللجوء بالاتحاد الأوروبي)

www.unhcr.org/51a8a08a9.pdf

[ii] www.refugeelegalaidinformation.org

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.