التململ من البحوث المُنْتَشِرُ في اللاجئين الروانديين بأوغندا

يُظهِرُ اللاجئون في مستوطنة ناكيڨالي للاجئين تململهم من البحوث، ولكنَّ باحثةً خاصَةً عادَت إليها زائرةً مرةً أخرى وبزيارتها كَشَفَت في الحكاية عمَّا لم يكن في الحِسْبان.

لمَّا كان في خلال بحثي لنيل درجة الدكتوراه[1] بين سنة 2009 وسنة 2013 في شؤون اللاجئين الروانديين بناكيڨالي، إحدى أقدم تجمعات اللاجئين في أوغندا، تنبَّهت في أثناء المقابلات إلى كثيرٍ من العبارات التي تفصح عن التململ من البحث. إذ غلب على شكاوى الإفراط في البحث أنْ تأتي من جَمْعٍ بين شِدَّة الإعادة والتكرار والفضول غالباً عن الحاجة في البحوث التي تجري في المخيَّم، فضلاً على الشعور بأنَّ البحوث تُخْفِقُ في إحداث تغييرٍ حقيقيٍّ كبيرٍ مقداره أو فائدةٍ للمُقيمينَ اللذين تُجرَى عليهم البحوث. ولقد يُنظَرُ إلى البحوث في بعض الحالات أنَّها جزءٌ من نظامٍ للمراقبة والسيطرة. وفي غيرها من الحالات قد يُنظَرُ إلى البحوث أنَّها تنفع الباحثين في شؤون حياتهم ومِهَنِهم وتترك شؤون حياة المُجرَى عليهم البحوث -أي اللاجئون- من دون أي تَحسُّنٍ فيها ذي شأن، بغضِّ النظر عن مساهماتهم في المعلومات والوقت والنشاط والموارد.

وبين عامي 2009 و2013، جذبت إعادة اللاجئين الروانديين إلى وطنهم (والتذرُّع ببند وقف الحماية عن اللاجئين) كثيراً من انتباه الباحثين المحليين والدوليين. ففي جمْعٍ للبيانات سنة 2011، قالت لاجئة رئيسة وهي غضبانة:

أتْعَبنا مجيءُ الباحثين ليسجِّلوا قصصنا في خضمِّ كل المشكلات التي نحن فيها، فإعادة قسرية إلى الوطن، ونوم في الأدغال خوفاً من أنْ نُساقَ في الليل إلى رواندا، وتخفيض حصصنا الغذائية، وحظرنا من مُلْكِ الأراضي والوصول إلى الخدمات الاجتماعية. لا أحد يعتني بأمرنا. تأتون [أنتم] فتأخذون قصصنا وتصوِّرون معاناتنا فِيديُويَّاً وتختفون.

وسأل لاجئ آخر قال:أسيُطْعِمُ بَحْثُكَ أسرتي؟وقال أيضاً مشاركٌ من المشاركين في مناقشةٍ:نرى أنَّ الباحثين مسرورون بمشكلاتنا المُزدادَة فبذلك يُجْرُونَ مزيداً من الأبحاث. ...ما نزال نواجه المشكلات ذاتها على الرغم من عدد الباحثين الذين اجتمعنا بهم.

وكان أكثر اللاجئين راغبين عن استئمان أيِّ شخصٍ على ما لديهم من معلومات، لأنَّهم كانوا في محتارين خائفين من إجبارهم على العودة. واعتقد المُسْتَطلَعُونَ أنَّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تآمرت هي وحُكومَتَيْ أوغندا ورواندا على قَسْرِ اللاجئين على العودة إلى رواندا.[2] فضلاً على أنَّ اللاجئين قد لا يستطيعون توقُّعَ عواقب مساهماتهم في المشاريع البحثية، ويمكن لهذه الحَيْرةُ أنْ تخيفهم وتحول دون مشاركتهم في آخر المطاف.[3] ففي حالة من الحالات، كانت لاجئةٌ أبلغت باحثةً أنَّها أنقذت ناساً في الإبادة الجماعية التي وقعت سنة 1994، فأخبرتنا اللاجئة بما نشأ من خَطَرٍ وقلقٍ إذ نشرت الباحثة قصَّتها باسمها وصورتها.

ومن أجل إنشاء الثقة وإثبات الطبيعة التطوعية والمعرفية لمشاركة المُسْتَطْلَعِينَ، قدَّمت بين يدي اللاجئين استمارات للموافقة عن علمٍ وبيَّنت لهم أنَّ غاية دراستي أكاديمية. غير أنَّه في مناقشة من المناقشات الجماعية قال أحد المشاركين:

"نعلم أنَّكِ تريدين قصصنا لتنقليها إلى ... الحكومة الرواندية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتَّى [يُخرِجُونا من أوغندا] قسراً، لا بدَّ أنَّهم مُرسِلُوكِ وأنت هنا تخدعيننا بقولكِ إن غاية بحثك أكاديمية."

صنَّفوني أداةً بِيَدِ أصحاب المصلحة المعنيين الذين كانوا قد دبَّروا لإعادتهم قسراً. غير أنني أعدت ذكر غايتي، وأظهرت لهم بطاقتي الهويَّة اللتان لي: الطالبية والجامعية. وقد ساعدتني هذه المعلومات المُضافَة على إنشاء شيءٍ من الثقة، فوقَّعوا في آخر الأمر في استمارات الموافقة. ولكنْ بعد أن كسبت بعض الثقة طَفِقَ لاجئٌ يَسْألُ:

قْلتِ لنا إنَّ غاية دراستكِ أكاديمية. فكيف يعيننا هذا؟ إنَّا مرغوبٌ عنَّا في أوغندا. ولكنْ لا نريد العودة إلى رواندا. فكيف يفيدنا بحثكِ؟"

فبيَّنتُ أنَّ البحث سيخرج بتوصيات للسياسة العامة بغية التأثير في السياسة العامة لكي تعالج مسألة الإعادة القسرية إلى الوطن، وكان الظاهر أنَّ هذا التِّبْيَانَ لم يُرْضِهِم البتَّة.

وكان اللاجئون مهتمِّين بالوعود التي وعدهم الباحثون بها. وقالوا إنَّ بعض الباحثين يعدونهم بإرسال تعقيبات ودعوات إلى المؤتمرات، وبعضهم يعدهم بمِنَحٍ دراسيةٍ لأطفالهم، وغيرهم يعدهم بأنَّ البحث سيُوجِدُ حلاً لمشكلات اللاجئين. "لم أعد أصدِّقهم لأنَّهم يختفون فور حصولهم على قِصَصِنا. فإذا تتبَّعتهم واتصلت بهم بالهاتف فلا يجيبون،" هذا ما قاله أحد المُسْتَطْلَعينَ.

وكان المُستَطْلَعُون مهتمِّين أيضاً بتأثير الأسئلة الدائرة حول إحجامهم عن العودة إلى رواندا، بقولهم إنَّ من الأسئلة ما ذكَّرهم بما عانوه من قبلُ وبما كان فيهم من ضرر نفساني. فقال أحد المُستجيبِينَ:ذكَّرتني بعض الأسئلة بالكيفية التي قُتِلَتْ بها زوجتي وأطفالي في رواندا. إنها أسئلةٌ تعيد إلى ذاكرتي ذكرياتٍ فظيعةٍ. حتَّى إنَّ الباحثين، مع كل ذلك، لا يكلِّفون أنفسهم متابعةَ أحوالنا ليعلموا أعَادَت إلينا العافية بعد الضرر النفساني الذي أوقعوه فينا بمقابلاتهم أم لا؟فينبغي للباحثين في حالاتٍ كهذه أنْ يديموا البحث عن طرق إفادةٍ فوريةٍ - كالنُّصْحِ والتَّحفيزِ- وأن يعقِّبوا على ما كان، بدل أنْ ينشروا الوعود ويقولوا إنها ستُنْجَزُ بعد البحث، فجائزٌ ألَّا تُنجزُ هذه الوعود أصلاً فإلى أنْ تخرج نتائج البحث ربَّما تكون الجماعات قد انتقلت.

هل انتفعوا؟ بعد أنْ نِلتُ درجة الدكتوراه، عُدْتُ إلى ناكيڨالي في سنة 2015 زائرةً لأجتمع بمُسْتَجِيبي بحثي مرةً أخرى واستعلم أحدث أخبار إعادة اللاجئين إلى وطنهم وبند وقف الحماية. وعلى الرغم من أنَّ بعض الناس قد خرجوا من المخيِّم واندمجوا في المجتمعات الأوغندية المحلية (خوفاً من بند وقف الحماية) استطعت أنْ أجتمع بأكثر المستجيبين.

وللاجئين اليومَ رأيٌ مختلفٌ في أمر البحوث. فقالوا إنَّ البحوث هي السبب في بقائهم بأوغندا غير مُخرَجِينَ منها قسراً. ورَوَوْا عدداً من أجزاء البحوث التي نُشِرَت محلياً ودولياً، وأشاروا إلى منشورات نشرها مشروع قانون اللاجئين ومشروع باربارا هاريل-بوند الذي اسمه فاهامو (Fahamu) ومنظمات أكاديمية وعدد من المنظمات غير الحكومية، كل هؤلاء جاهدوا في مناصرة حقِّ اللاجئين الروانديين أنْ لا يعادوا قسراً. ثم تحدَّثوا أيضاً عن بعض اللاجئين الذين كانوا يكتبون بجدٍّ في مشكلة اللاجئين الروانديين وما وراءَ إحجامهم عن العودة. وإذ قد كانوا يرون في الأمس أمر البحث كله أمراً مُفرَطاً فيه ما حلَّ شيئاً من مشكلاتهم، فهم اليومَ يقولون إَّنه لولا الباحثون وغيرهم من المناصرين لما أُسقِطَ سنة 2013 بند وقف الحماية. ونظراً إلى التغيُّر في وجهة النظر إلى المساهمة الكامنة في البحوث، فلعلَّ من المفيد أنْ يوسِّع مديرو المخيَّم مداركَ اللاجئين في علوِّ شأن البحث.

إكْلِيئوفاس كاروما ckarooma@must.ac.ug

مُحاضِرةٌ رئيسةٌ ونائبة عميد كلية الدراسات المتعددة التخصصات بجامعة جامعة مبارارا للعِلْمِ والتِّقانة بأوغندا www.must.ac.ug

 

[1] Karooma C (2017) Rwandan Refugees in Southwestern Uganda: Their Attitudes and Responses to Repatriation 1994-2012. The Edwin Mellen Press. Lewiston, New York

 (اللاجئون الروانديُّون في جنوبيِّ غربيِّ أوغنديا: مواقفهم واستجاباتهم للعودة إلى الوطن 1994-2012)

تودُّ الكاتبة هاهنا أنْ تُعرِبَ عن عرفانها جميلَ باربارا هاريل-بوند في الإدارة والإرشاد طوال مدة دراسات الكاتبة لنيل درجة الدكتوراه.

[2] Harrell-Bond B E (2011) ‘Cessation Clause Uganda Style’, Working Paper 11-001, Northwestern University Center for Forced Migration Studies (بند وقف الحماية على الطِّراز الأوغاندي)

https://buffett.northwestern.edu/documents/working-papers/CFMS_11-001_Harrell-Bond.pdf

[3] Krause U (2017) ‘Researching forced migration: critical reflections on research ethics during fieldwork’, Working Paper No 123, Refugee Studies Centre

 (البحث في الهجرة القسرية: تأمُّلات نقدية في أخلاقيَّات البحث في أثناء العمل الميداني) www.rsc.ox.ac.uk/publications/researching-forced-migration-critical-reflections-on-research-ethics-during-fieldwork

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.